
المسار : في سياق “الهبّة” في صحافة الدنمارك أخيراً، تضامناً مع الفلسطينيين في غزة وإدانةً للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل واستنكاراً للموقف الدنماركي الرسمي، كتب رئيس تحرير صحيفة إنفورماسيون اليومية، رون ليكبيرغ، مقالاً في صحيفة ذا غارديان البريطانية، منتقداً حظر النقاش حول السيادة الفلسطينية في مدارس البلاد.
وقال رون ليكبيرغ، في مقاله المنشور أمس الأربعاء، إنه “في الدنمارك، نُحب اعتبار أنفسنا في طليعة حرية التعبير. كنا أول دولة في العالم تُشرّع المواد الإباحية. أصررنا على حق نشر الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد. بدلاً من تهميش ما يُسمى بالشعبويين اليمينيين في البرلمان، دعوناهم إلى التعاون السياسي. نفخر بأننا لا نخشى النقاش، ونجيد تسخيف السلطات التي تُملي علينا ما يجب فعله خاصةً ما لا ينبغي فعله”. وأضاف: “يعتبر الدنماركيون بلدهم قدوة في الديمقراطية. ولذلك، تُعدّ الانتخابات الوطنية للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 13 و16 عاماً تقليداً عزيزاً، وجزءاً من التربية المدنية، وتحضيراً للمشاركة الديمقراطية. المدارس كلها مدعوة إلى المشاركة في هذه المسابقة التي تُعقد كل عامين. يناقش الطلاب 20 قضية لمدة ثلاثة أسابيع، قبل الإدلاء بأصواتهم للأحزاب المؤهلة أيضاً إلى الترشح في الانتخابات العامة الفعلية”.
وبعد هذه المقدمة، عرّج على ما أثار جدلاً واسعاً خلال الأسابيع الأخيرة في الدنمارك، إذ تقرر استبعاد مسألة فلسطين من قائمة القضايا المطروحة في الانتخابات المدرسية الوطنية لعام 2026. ما إذا كان ينبغي للدنمارك الاعتراف بسيادة دولة فلسطين فإنها تعد “قضية حاسمة في عصرنا، وتحفز المشاركة السياسية بين الناخبين الشباب، واستبعادها لافت”، كما كتب ليكبيرغ الذي أشار إلى أن القرار تعرّض لهجومٍ من يسار ويمين الطيف السياسي، إذ رأى النقاد أنه “يُناقض تماماً إعداد الشباب للديمقراطية الدنماركية، ويتعارض مع قيمنا بصفتنا أمة”.
أُعلن القرار من قِبل رئيسَي البرلمان، وبرّره الحزبان اللذان قادا الحكومات الدنماركية على مدار الثلاثين عاماً الماضية: الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الليبرالي. جادلا بأن القضية “شديدة الحساسية” للنقاشات الصفية، وأنها تُخاطر بوضع الشباب من الأقليات في مواقف مُحرجة للغاية، كما أنها “قضية مُعقّدة للغاية بحيث يصعب عليهم استيعابها بشكل هادف”. وانتقد الصحافي الدنماركي هذه التبريرات، فكتب أن “ما يَلفت الانتباه هنا هو أن الأحزاب نفسها عادةً ما تدعم فهماً للديمقراطية يضع حرية التداول الخلافي والتبادل الهجومي فوق حماية حساسية الأقليات والنظام العام. ثقافياً، هذا هو النموذج الدنماركي للديمقراطية: نحن متسامحون تجاه التعصب اللفظي عندما يتعلق الأمر بالخطاب السياسي حول الإسلام والهجرة، ونشكك في الأنا العليا الليبرالية التي تريد حماية مشاعر الأقليات والنظام العام. ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، تُروّج الأحزاب الحاكمة فَهْماً للديمقراطية يضع الحساسيات الشخصية والنظام العام فوق حرية التعبير والحق في الإساءة. هذا أمرٌ لافتٌ للنظر حقاً. عندما يتعلق الأمر بالتعقيد الجوهري، يبدو بلا شك أن فهم الآليات التي تُحرك أزمة المناخ، على سبيل المثال، أصعب من فهم ما إذا كان ينبغي الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
وهاجم المسؤولين في بلاده، قائلاً “ليس تلاميذ المدارس هم من يعجزون عن التعامل مع القضية الفلسطينية، بل الأحزاب الحاكمة التي تُسقط إخفاقاتها على التلاميذ الدنماركيين، وتسعى لتجنبها وجميع القضايا الأخرى التي سيثيرها التطرق إلى هذه القضية: حرب غزة، وصادرات الأسلحة الدنماركية، والتوتر بين تحالفات الدنمارك مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والتزاماتنا تجاه المؤسسات الليبرالية وحقوق الإنسان الفلسطيني”. وذكّر بأن النقاش حول الغزو الروسي لأوكرانيا مسموح، بل “يبدو أنهم يستمتعون بالحديث عنه، لأن الدنمارك الصغيرة تدعم الدولة التي غزاها جارها الأكبر والأقوى. نحن ندعم بشكل قاطع النظام الليبرالي والقانون الدولي ضد المعتدي. أخلاقياً، يُظهر انخراطنا في أوكرانيا بصفتنا دولة نطمح أن نكونها، لكنْ تواطؤنا في جرائم الحرب التي تُرتكب في غزة يُظهرنا أمةً أصبحنا عليها، لكننا لا نستطيع الدفاع عنها”.
“بدلاً من ذلك، تواصل حكومتنا السماح لمصنعي الأسلحة الدنماركيين بتزويد إسرائيل، إما بشكل غير مباشر عبر الولايات المتحدة وإما بشكل مباشر، بقطع غيار لقاذفات إف-35 التي ينشرها الجيش الإسرائيلي في غزة. هذا على الرغم من علم قادتنا بأن ذلك ينتهك قواعد الاتحاد الأوروبي التي تُلزم بمنع تصدير المعدات العسكرية إذا كان هناك خطر واضح من استخدامها لارتكاب جرائم حرب”، كتب ليكبيرغ. ولا بد من الإشارة إلى أن عريضة للمواطنين تطالب الدنمارك بوقف جميع صادرات الأسلحة المباشرة وغير المباشرة إلى إسرائيل جمعت أكثر من 50 ألف توقيع. وعرضت على البرلمان الأسبوع الماضي. “لكن النقاش أوضح مجدداً أن هناك إجماعاً واسعاً على وضع التحالف الأمني مع الولايات المتحدة فوق حقوق الإنسان في غزة”. وقال: “نحن نساهم في جرائم الحرب في إسرائيل، بينما نحشد ضدها في أوكرانيا. يبدو أن حكومتنا تقبل ضمنياً معاناة الفلسطينيين ضرراً جانبياً لسياسة خارجية في طور الانهيار، لأنها مبنية على تحالف تنسحب منه الولايات المتحدة. الدنمارك ببساطة ترسل أسلحة إلى متنمر، ثم تحزن على عواقب استخدامها”.
وأضاف: “في هذا السياق، يتضح جلياً أن قادتنا لا يريدون أن يناقش أطفال مدارسنا مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بوصفها جزءاً من تعليمهم، لأنهم لا يستطيعون تحملها بأنفسهم. لا يريد ممثلونا المنتخبون أن تكشف ديمقراطيتنا فشلهم في فضيحة الغرب الأخلاقية في القرن الحادي والعشرين”، أما ما يخص طلاب المدارس، فإن هذا النقاش “هو مدخل قيّم، وإن لم يكن مقصوداً، إلى الديمقراطية”. وأوضح: “لقد تعلموا كيف سيحاول أصحاب السلطة دائماً تحديد أجندة المشاركة الديمقراطية وحدودها. كما يُظهر أن ما يتحدث عنه الشباب مهم. يمكن أن يكون وسيلة لتعبئة أفضل ما في ديمقراطيتنا ضد الأسوأ، وبناء قوتهم بصفتهم ناخبين مستقبليين. ونأمل أن تصبح هذه القضية الأكثر إثارة للنقاش في مدارس الدنمارك في العام المقبل”.