إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 17/6/2025

الأهداف ليست في متناول اليد، سيناريوهات الانهاء غامضة وماذا الان؟

بقلم: عاموس هرئيلِ

 الهجوم الإسرائيلي في ايران، الذي أدى الى بدء الحرب الشاملة بين الدولتين، استهدف تحقيق تأجيل لسنتين أو ثلاث سنوات للمشروع النووي الإيراني. هدف الهجوم الرئيسي هو منع الإيرانيين من تحقيق قدرة سريعة لتطوير كامل للسلاح النووي، وزيادة عدد الصواريخ الباليستية التي توجد في حوزتها الى 8 آلاف صاروخ في غضون سنتين، والتقدم نحو إمكانية تحقيق الهجوم الأكبر في إسرائيل، الامر الذي يسمى هنا خطة التدمير.

 عمليات القصف الإسرائيلية التي شملت أيضا اغتيال عشرات كبار قادة النظام في ايران والأجهزة الأمنية يمكن ان تمهد الطريق لتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في القدس ما زالوا ياملون ان يفرض ترامب على الإيرانيين تسوية متطلبة اكثر بفضل العملية العسكرية. في الخلفية، مثلما تبين من عمليات القصف أمس التي وجهت ضد اهداف متماهية مع النظام مثل قناة التلفزيون الإيرانية الرسمية، يبدو ان إسرائيل ما زالت تحاول الدفع قدما باسقاط النظام في طهران. هذا هدف طموح جدا ومشكوك فيه أن يكون قابل للتحقق. الأرقام المتزايدة للمواطنين القتلى في ايران في عمليات القصف الإسرائيلية من شانها ان تحقق أيضا نتيجة معاكسة تتمثل في تكتل جزء من الجمهور حول النظام المكروه امام التهديد الخارجي.

 لكن حتى بعد أربعة أيام من القتال، والضرر الكبير في طهران والدمار الذي لا بأس به في تل ابيب، إلا انه حتى الآن لا يمكن القول بان الأهداف، المعلنة وغير المعلنة، قد تم تحقيقها أو أنها توجد في متناول اليد. هل تم وضع هنا هدف واقعي أو ان هذه مجرد أمنية فقط؟ إسرائيل بدات المعركة بشكل مبهر، ولكن عملياتها العسكرية بعيدة عن ان تنتهي. يوجد عدم يقين بخصوص موقف الولايات المتحدة، الى جانب عدم الوضوح بخصوص سيناريو الانهاء، وهناك خوف طبيعي من أن تنزلق الأمور الى حرب استنزاف طويلة التي إسرائيل غير مستعدة لها.

 عندما ننفعل من نجاح سلاح الجو و”امان” والموساد في الهجوم، واعتراضات منظومة الدفاعات الجوية، وشجاعة المنقذين في الجبهة الداخلية، فانه يجب عدم تجاهل الحقيقة الرئيسية وهي أن جميع الحكومات الأخيرة لم تفعل أي شيء من اجل اغلاق فجوة حاسمة. عدد كبير من سكان الدولة، الذين الكثيرين منهم يوجدون في المدن الكبيرة، لا يوجد امامهم حل للدفاع عنهم على شكل ملجأ أو غرفة آمنة قريبة منهم. أيضا لا أحد قام باعداد الجمهور للفرق بين اطلاق الصواريخ من غزة أو اليمن وبين ما يمر به سكان تل ابيب الكبرى وحيفا في الليالي الأخيرة. بعد ان تمكن الجيش الإسرائيلي من تصفية معظم تهديد صواريخ حزب الله، يمكن الافتراض بأن الكثير من المواطنين اعتقدوا بأن الخطر الأكبر قد تقلص.

 حتى امس قتل 23 مواطن إسرائيلي في عمليات القصف الإيرانية الكثيفة، والمئات أصيبوا وعشرات المباني تدمرت أو أنه ستكون حاجة لهدمها، هذه اضرار بحجم لم يتعود عليه الإسرائيليون، على الأقل ليس في مركز البلاد. منذ بداية الحرب تم اطلاق على إسرائيل حوالي 350 صاروخ باليستي من ايران، اكثر من 90 في المئة منها تم اعتراضها من قبل منظومات الدفاعات الجوية أو أنها سقطت في مناطق مفتوحة. عدد القتلى الذي سجل اكبر مما تم تقديره في السيناريوهات المسبقة في هيئة الأركان.

 ان الامتثال لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية والمكوث في الملاجيء أو الغرف الامنة، على الاغلب ينقذ الحياة. حتى الان، باستثناء قتلى بإصابة مباشرة لصاروخ أمس لغرفة آمنة في بيتح تكفا، فانه لم يكن هناك قتلى في الغرف الامنة نتيجة الإصابة، لكن هذه بالطبع نتيجة مؤقتة. حدث كثير الضحايا، أو إصابة مباشرة لذخر استراتيجي أو موقع له أهمية رمزية، يمكن ان تغير المناخ العام في الجبهة الداخلية، الذي هو في الأصل مشحون الآن بالضغط والخوف.

 في الجيش الإسرائيلي يشيرون الى تفوق مهم تم تحقيقه وهو ترسيخ حرية العمل الجوي بشكل كامل، التي تستعين أيضا بالمعلومات الدقيقة في الوقت الحقيقي، في سماء غرب ايران. هذا الهدف تم تحقيقه في يوم السبت بشكل اسرع مما توقعوا في الجيش، الامر الذي مكن من مهاجمة عشرات منصات صواريخ ارض – ارض ومئات الصواريخ إضافة الى تدمير بطاريات صواريخ ارض – جو. أيضا المس بالشخصيات الرفيعة مستمر وان كان بحجم أقل. في الجيش الإسرائيلي يصفون ذلك بأنه إعطاء حرية عمل للدائرة الثالثة مثل حرية عمل الدائرة الاولى (مثل بيروت أو غزة).

إسرائيل تقلد الخطوة الامريكية في فتح حرب الخليج ضد العراق في 1991 وفي 2003: طريقة “الصدمة والخوف” التي تعتمد في المقام الأول على استخدام القوة الجوية.

 بين التصريحات والخطوات

الى اين نحن نتجه؟ مثلما كتب هنا منذ بداية المعركة فان المجهول الرئيسي والحاسم هو مستوى دعم الإدارة الامريكية لإسرائيل. هل التصريحات العلنية وارسال السلاح والمساعدة في المعلومات الاستخبارية والدفاع ستتم ترجمتها أيضا الى خطوات هجومية؟ أمس اثار الانتباه تحرك حوالي 30 طائرة أمريكية للتزود بالوقود من قاعدة في أمريكا نحو الشرق. السيناريو الأول وهو انضمام أمريكا للهجوم ضد المنشأة في فوردو واهداف النظام، يمكن أن يغير ميزان القوة ويحقق كل أوهام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولكن ترامب لم يظهر بعد أي علامة على أنه يسير في هذا الاتجاه، وفي دائرته الضيقة حوله توجد معارضة شديدة لتدخل الولايات المتحدة.

حسب سيناريو آخر فان ترامب يتوسل لنتنياهو من اجل المسارعة الى انهاء الحرب وهو في موقف انتصار ويفرض على الطرفين وقف سريع لاطلاق النار، مع محاولة التوصل الى اتفاق نووي جديد بشروط اكثر قسوة لإيران (في الجيش الإسرائيلي ياملون بانه سيعطى لهم المزيد من الوقت للهجوم رغم الاضرار في الجبهة الداخلية). السيناريو الثالث، وربما الأكثر خطرا، يتعلق بتطور حرب استنزاف. إسرائيل يمكن ان تجد نفسها في وضع أوكرانيا التي تحارب منذ ثلاث سنوات ضد روسيا. الاوكرانيون على الأقل يتمتعون بدعم دولي كبير.

صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت امس بان ايران تطلق إشارات حول رغبتها في انهاء الحرب واستئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. وحسب التقرير الذي نسب لموظفين في الشرق الأوسط وفي أوروبا فان طهران أرسلت للولايات المتحدة وإسرائيل هذه الرسائل بواسطة وسطاء عرب. هذا نبأ مشجع جدا، لكن يثور شك صغير وهو أنه في هذه المرحلة المبكرة جدا فان هذا يمكن أن يكون هذا النبأ جيد اكثر من كونه حقيقي. الضربة التي تلقتها ايران من إسرائيل قاسية وغير مسبوقة في حجمها، لكن لا يمكن تجاهل التصميم الذي يظهره النظام المتطرف حتى الآن. أيضا الصحيفة المخضرمة (بدون اشراك طاقمها المدرب في إسرائيل) تم اتهامها في السنوات الأخيرة بانها تطوعت لتشكيل قناة لنشر قصص مريحة لنتنياهو.

من يساهم، بدون حكمة، في الاتهامات التي تقول بان إسرائيل تضر بشكل متعمد بالمدنيين في طهران هو وزير الدفاع يسرائيل كاتس. أمس غرد كاتس في تويتر في اعقاب اطلاق النار الكثيف نحو غوش دان بأن “سكان طهران سيدفعون الثمن قريبا”. هذه اقوال تورط إسرائيل وكاتس نفسه باتهامات حول جرائم حرب، بالذات في الجبهة التي فيها الجيش الإسرائيلي هو انتقائي في استخدام النيران أكثر مما في غزة. بعد ذلك اضطر كاتس الى نشر بيان توضيح. الامر لم يعد يتعلق بأمر مضحك، بل بضرر حقيقي. الطيارون يضحون بأنفسهم في ايران والجنود الذين يقتلون في غزة والمدنيون يقتلون في الجبهة الداخلية، وبالنسبة لكاتس الحرب تظهر كمناسبة كبيرة لالتقاط الصور. “لا توجد أي طريقة مهذبة لقول ذلك”، كتب الصحافي ديفيد هلبر ستام عن روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي، في حرب بداية حرب فيتنام. “لقد كان شخص غبي”.

كاتس هو الشخص الذي اختار نتنياهو تعيينه في منصب رفيع جدا في ذروة الحرب. ما هو الامر الذي يستمر في اشغال رئيس الحكومة اثناء حرب قاسية جدا، الخروج الى معركته الاستراتيجية الأكثر أهمية بالنسبة له؟ أمس توجه الى المحكمة العليا وطلب الغاء رأي المستشارة القانونية للحكومة، وأن يتم تعيين وبسرعة مرشحه الجنرال دافيد زيني في منصب رئيس الشباك بعد استقالة رونين بار أول أمس. حملة تفكيك الديمقراطية مستمرة رغم الحرب في ايران، وربما سيتم تسريعها برعايتها.

اعتبارات محل تساؤل

نتنياهو لم يهتم باشراك مواطني إسرائيل في اعتباراته عشية الهجوم، أيضا من اجل الحفاظ على عامل المفاجأة في ايران. بعد الهجمات الأولى أوضح رئيس الحكومة بأنه ظهرت في الأشهر الأخيرة معلومات جديدة لم تترك له أي خيار إلا العمل. رئيس الأركان ايال زمير، الذي يتمتع الان بثقة كبيرة من الجمهور، اهتم بالإعلان ان قرار الذهاب الى الحرب كان “موضوعي ومهني”، لكن في أوساط كبار سابقين في جهاز الامن يعتمل الشك، بالأساس حول اعتبارات نتنياهو، الذي كسب وبحق عدم الثقة به في السنوات الأخيرة.

جهات استخبارية قالت أمس للصحيفة بأن الإيرانيين استغلوا فترة المفاوضات الطويلة حول عودة أمريكا الى الاتفاق النووي، في آخر ولاية بايدن وفي بداية ولاية ترامب، من اجل تسريع المشروع النووي. ضمن أمور أخرى تم تشخيص عمل جديد في مجموعة السلاح في هذا المشروع، التي معظم العلماء الرائدين فيها قتلوا في الهجوم الإسرائيلي المركز في ليلة الهجوم الأولى. في الجيش قدموا توصية بالعمل، من خلال نافذة فرص تم تحديدها، في شهر حزيران، بعد عدة تاجيلات سابقة، للاعتقاد بأنه تمت بلورة ما يكفي من القدرات لتنفيذ العملية الافتتاحية. في حين أن انتظار آخر كان يمكن أن يؤدي الى اغلاق ثغرات في منظومة الدفاع الإيرانية. هذه هي المبررات، وسيكون هناك مناسبة للعودة وفحصها بدقة اثناء الحرب، وبالتاكيد بعد انتهاءها.

——————————————

هآرتس 17/6/2025

اسقاط النظام في ايران هو حلم قد يصبح كابوسا

بقلم: تسفي برئيل

في السنة الأخيرة توجه بنيامين نتنياهو عدة مرات للمواطنين الإيرانيين ودعاهم الى اسقاط النظام وإزالة نير الديكتاتورية القاتلة عنهم، التي انفقت مليارات الدولارات على وكلائها – أموال كان يمكن للدولة استثمارها في تحسين وضع المواصلات – حسب قوله. وحتى انه استخدم شعار حركة حقوق النساء التي أقيمت في 2022، “نساء، حياة، كرامة”، من اجل اثارة التماهي والتعاطف الإيراني للمهمة التي كما يبدو اخذها على عاتقه من اجل المواطنين الإيرانيين.

أيضا ابن الشاه رضا كورش بهلوي يريد ان تقوم إسرائيل باسقاط النظام. هو يقول لكل من يهتم بأن يستمع اليه، بانه توجد في ايران قوى وتيارات كثيرة قوية مستعدة للعمل من اجل اسقاط النظام (على الطريق يجب أن يضعوا على راسه التاج الملكي). بقايا “الحركة الخضراء” التي نشأت في 2009 اثناء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود احمدي نجاد، برئاسة مهدي كروبي الذي تحرر من الإقامة الجبرية التي خضع اليها منذ 2009، وصديقه مير حسين موسوي، الذي تنافس في حينه في الانتخابات، وهو أيضا معتقل منذ ذلك الحين في بيته – هما أيضا يريدان رؤية اسقاط خامنئي والأجهزة الديكتاتورية القمعية للنظام.

وراء الحدود ينتظر مجاهدو خلق، المعارضة المسلحة للنظام، والتي ساعدت الخميني على القيام بالثورة الإسلامية وطاردت وحتى قتلت معارضيه، لكنه تم ابعادها بأمر من الخميني الذي اعتقد أن الامر يتعلق بجسم يمكن ان يعرضه للخطر. هو لم يكن مخطيء. فهذا التنظيم، الذي حسب تقارير اجنبية ساعد إسرائيل لسنوات في نشاطاتها ضد ايران، يتطلع الى أن يكون جزء من النظام الجديد الذي سينشأ في ايران وتطبيق فيه عدد من المباديء التي لا تتساوق بالتحديد مع الديمقراطية الغربية.

في الغرب معروف جيدا المفهوم الضبابي “الإصلاحيون”، الذي يستخدم كمظلة واسعة جدا لكل من يريدون التغيير في ايران. موسوي هو إصلاحي، ربما رمز لكل الإصلاحيين، لكن في حينه سعى الى التوضيح بأنه لا يؤيد الديمقراطية على نمط الغرب، ويعارض التدخل الأجنبي في شؤون الدولة. حسن روحاني هو أيضا إصلاحي، رئيس ايران السابق، والزعيم الذي وقع على الاتفاق النووي في 2015 وأيد الحوار مع الغرب، لكنه عارض تغيير أسس النظام التي تقوم على الشريعة وعلى تفسيرات رجال الدين. حتى ان هناك رجال دين يحملون لقب الاصلاحيين. احدهم كان الرئيس محمد خاتمي، الذي قام بتجميد البرنامج النووي الإيراني عشية حرب الخليج الثانية، لكنه قام باستئنافه عندما لم يرد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على اقتراحه للتفاوض حول المشروع النووي.

من بين طيف الإصلاحيين الذين يمكن ان يشكلوا العمود الفقري لتغيير النظام، ربما يكون مثقفين وطلاب جامعات ومنظمات حقوق انسان، الذين خرجوا في المظاهرات الكبرى مثل المظاهرة التي قامت بها “الحركة الخضراء” أو الاحتجاجات في 2019 و2022، وهي الاحداث الرئيسية التي انتجت في كل مرة اندلعت فيها نبوءات مجربة ومؤكدة بان النظام على وشك الانهيار. ولكن امامهم وضدهم تقف قوى قوية، مسلحة وعنيفة، لا تعرف الحدود مثل حرس الثورة الإيراني والشرطة “المدنية” والباسيج، مئات الالاف (البعض يقولون الملايين) من المتطوعين الذين تتم مشاهدتهم كثيرا في المظاهرات في الشوارع وهم يلوحون بايديهم ويهتفون “الموت لامريكا، الموت لإسرائيل”. هؤلاء هم الذين يفرقون المظاهرات ويكسرون الإضرابات، رأس الحربة التي يتم ارسالها الى الجمهور كلما شعر النظام بالتهديد.

أجهزة النظام تتكون من حركات وقوى ومنظمات، التي خلال عشرات السنين حصلت على مكانة واموال طائلة، تفعل كل ما في استطاعتها، وهذا ليس بقليل، من اجل الحفاظ على دفيئتهم الحكومية. يوجد بينهم رجال دين كبار وأعضاء في المجالس واللجان التي تصادق على ترشح أعضاء البرلمان والرؤساء ومن سينتخب الزعيم الأعلى القادم في ايران. هذه آلية بيروقراطية مبنية من طبقات، وهي تسيطر على كل اذرع الحكم، الذي هو كما يبدو مبني من “لبنة ديمقراطية” فيها الجمهور ينتخب الرئيس، وأعضاء البرلمان والمؤسسات البلدية، لكن كل انتخاب كهذا يخضع للتصفية المتشددة لمصادقة الزعيم ورقابته المتواصلة. الى جانب هذه اللبنة توجد المؤسسات المعينة، الجيش، حرس الثورة، الشرطة، جهاز القضاء ووزراء الحكومة، الذين المصادقة عليهم تخضع للبرلمان المنتخب، لكن عمليا هي تخضع لتوجيهات الزعيم الأعلى. وقتل خامنئي لا يضمن انهيار هذه المنظومات القوية، وحتى أنه يمكن أن يحدث حرب وراثة تتمثل في قمع اكثر تدميرا.

أمنية وليس اكثر من ذلك

يصعب وحتى من غير المحتمل معرفة متى ستحدث ثورة مدنية في الدولة. حتى عندما توجد علامات واضحة تدل على احتمالية حدوث ذلك. أي جهاز مخابرات لم يعرف متى سيتفكك الاتحاد السوفييتي. ولم تعرف أي جهة تحليلية ابلاغنا هل ومتى ستقوم ثورة “الربيع العربي” أو التنبؤ بأن نظام الأسد سيسقط مثلما سقط. هذه فقط امثلة قليلة، لكنها تكفي من اجل الفهم بأنه أيضا الامل في ان يسقط النظام في ايران يستند الآن على أمنية أسيرة لصور وتشبيهات تاتي من هناك. يجدر الذكر في هذا السياق بان ايران سبق لها وعرفت حرب وجودية امتدت لثماني سنوات مع العراق وأنها تخضع لنظام عقوبات شديدة منذ حدثت فيها الثورة الإسلامية. الازمة الاقتصادية العميقة والمزمنة كانت عامل لانهيار النظام في معظم الدول السليمة. ايران ليس فقط باقية رغم العقوبات، بل هي أيضا طورت تكنولوجيا متقدمة وسلاح حديث، وتستمر في بيع النفط ومنتجات أخرى.

نتنياهو أوضح للايرانيين وللعالم بأن “الواقع في الشرق الأوسط هو نتاج رد متسلسل، رد على الضربات التي تلقتها حماس، انهيار حزب الله وتصفية حسن نصر الله، هذه الضربات قمنا بتوجيهها لمحور الشر. في الوقت الذي تبحث فيه ايران عن احتلال دول أخرى من اجل ان تفرض فيها الديكتاتورية الأصولية، فان إسرائيل تبحث فقط عن الدفاع عن نفسها، ولكن بذلك نحن أيضا ندافع عن الحضارة في وجه البربرية”. هذه اقوال تأسر القلب، لكنها لا تضمن بان اسقاط النظام في ايران هو أمر ممكن بالطريقة التي تم فيها اسقاط الأسد أو تقويض حزب الله.

أيضا يجدر الذكر بان نتنياهو لم يسارع الى احتضان احمد الشرع “الإرهابي”، رئيس سوريا الذي اسقط الأسد، ولم يمد يده الى الحكومة اللبنانية بعد تصفية حسن نصر الله. أيضا الولايات المتحدة آمنت بأنه بعد اسقاط صدام حسين سيفيض نهر دجلة من كثرة الفرح، وفي شوارع بغداد ستحتفل الديمقراطية. النتيجة الفعلية معروفة جيدا. أيضا قبل الحرب في العراق كان هناك معارضون كبار عاشوا في لندن وباريس ووعدوا الولايات المتحدة بالنصر المطلق، ليس فقط على الديكتاتور القاتل، بل انتصار لقيم الديمقراطية الغربية.

الحرب ضد ايران لن اجل حماية إسرائيل هي مهمة ضخمة بحد ذاتها، هي لا تحتاج ارفاق اليها مهمة مقدسة على صورة الدفاع عن الحضارة. تصفية خامنئي أو زعماء وقادة كبار في ايران لا تضمن نتيجة افضل. ايران نفسها قدمت الدليل على ذلك عندما خرج الملايين الى الشوارع وقاموا بطرد الشاه وتتويج الخميني. اسقاط النظام الان هم حلم اصبح هدفا استراتيجيا، بدون أي دليل على انه قابل للتحقق. واذا تحقق فانه لا يضمن ان النتيجة لن تكون كابوس اكثر خطرا.

 ——————————————

هآرتس 17/6/2025

بعد التهديد بحل الكنيست، إسرائيل خرجت الى الحرب وهي غير مستعدة

بقلم: شلومي الدار

عند اعلان الحرب على ايران اعلن رئيس الأركان ايال زمير في بيان دراماتيكي بأننا نوجد في “فصل في المعركة على وجودنا وأن الجيش الإسرائيلي قام بشن هجوم، معركة تاريخية لا مثيل لها”. ولكن بعد هذه الاقوال الكبيرة أضاف جملة واحدة يجب نقشها في الذاكرة، وربما قض مضاجع الإسرائيليين الذين لا ينامون أصلا، وهي “أنا أؤكد لكم بان جيش الدفاع الإسرائيلي لا يتصرف الا انطلاقا من الضرورة الملحة، الموضوعية والأمنية. وأن جميع القرارات يتم اتخاذها بجدية”.

كل إسرائيل كانت في حالة نشوة، والغطرسة كانت في الذروة، حيث أنه خلال بضع ساعات قصف سلاح الجو في ضربة افتتاحية مبهرة القيادة العسكرية في طهران، والشعور الذي زرعه المستوى السياسي والمستوى الأمني هو أنه يوجد لدى الجيش الإسرائيلي حل عسكري يمكنه تصفية المشروع النووي الإيراني، أو على الأقل انزال ضربة شديدة لما حذر منه نتنياهو اكثر من عقدين. ستمر فقط 24 ساعة على اطلاق الصواريخ القاتلة الأولى على إسرائيل، وستتبين بعض الحقائق المقلقة، التي ليس رئيس الأركان أو وزير الدفاع يسرائيل كاتس أو رئيس الحكومة اهتموا بكشفها بشكل صريح لمواطني إسرائيل، الذين ما زالوا يحملون على ظهرهم العبء المؤلم، وهو الثكل والفقدان والخوف.

1- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يقف بشكل كامل وراء إسرائيل. هو ربما لم يعبر عن معارضته لشن الحرب، لكنه لم يضمن لنتنياهو مشاركة فاعلة فيها. بدون هذا التعهد فان إسرائيل خرجت الى مغامرة عديمة المسؤولية، التي من غير الواضح الى أين ستؤدي بها، وأي ثمن ستدفعه مقابل المهمة التي لا تضمن في افضل الحالات تصفية المشروع النووي الإيراني، وفي أسوأ الحالات ستخلق طموح كبير من اجل تسريعه.

2- لا توجد لإسرائيل القدرة العسكرية لتدمير منشأة تخصيب اليورانيوم الأكثر أهمية في المشروع. من اجل مهاجمة وتدمير الحصن الضخم الذي قام الإيرانيون ببنائه في فوردو بعمق 100 متر تقريبا على قمة الجبل فانه مطلوب قنبلة تخترق الحصون من نوع جي.بي.يو57. سواء جو بايدن أو ترامب رفضا تزويد إسرائيل بهذه القنبلة التي تسمى “أم القنابل الاختراقية”، التي وزنها لا يقل عن 13 طن. وحتى لو كانت لدى إسرائيل القنبلة المامولة فانها بحاجة الى الطائرة القتالية، “الطائرة المتملصة ب2، من اجل ان تحمل هذا الوزن من السلاح الكاسر للتوازن، ومن اجل الدقة في إدخاله والتملص بسرعة من الارتداد الضخم.

عشية اتخاذ القرار الحاسم بشأن شن الحرب عبر رئيس الأركان عن التحفظ من طريقة اتخاذ القرارات في الكابنت السياسي الأمني، لكنه اضطر في نهاية المطاف الى التساوق مع ذلك. حسب تقرير في القناة 13 في يوم الخميس، عشية الهجوم، عارض بشدة في النقاشات المغلقة، وصمم على الحصول على وعد بدعم الولايات المتحدة، حيث ان إسرائيل لا يمكنها العمل لوحدها. هل هذا التسريب كان متعمد من اجل ان يسجل في البروتوكول بأن زمير عبر عن التحفظ. تصعب معرفة ذلك بشكل مؤكد، لكن هناك امر واحد مؤكد وهو ان ترامب اعطى فقط ربع تأكيد على صيغة “لن نمنعكم من العمل، وبعد ذلك سنرى”. مع ذلك، الكابنت السياسي الأمني، وللدقة نتنياهو، امر الجيش والموساد (الذي حسب التقارير هو أيضا عمل داخل طهران) بشن الحرب “على باب الله”. نحن سنتدبر أمرنا وفي النهاية ستأتي المساعدة المامولة.

3- حسب تقرير ليارون ابراهام في “اخبار 12، الذي لم يتم نفيه، فان تقدير الكابنت السياسي الأمني الذي صادق على الهجوم الذي كان معروف مسبقا بانه لن يدمر الهدف الذي من اجل يشن الجيش الإسرائيلي الحرب، هو ان الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستتكبد 800 – 4000 قتيل. في جولات القتال الإسرائيلية ضد حماس وحزب الله فان الجبهة الداخلية الإسرائيلية شعرت أنه توجد لها حماية على صورة “القبة الحديدية”، ومؤخرا منظومة حماية إقليمية بارتفاع عال، منظومة ثائد الامريكية. لا أحد قام باعداده لحقيقة أنه لمنظومات الاعتراض الإسرائيلية ومنظومة ثائد لا توجد القدرة العملياتية على أن تمنع بالكامل الإصابة السيئة للصواريخ البالستية الضخمة التي بوزن طن والتي ستطلقها ايران ردا على الضربة الإسرائيلية.

سيكون هناك من سيقولون انه يجدر التضحية ببضعة آلاف الأشخاص من اجل الأجيال القادمة. هل يجدر هذا أيضا عندما يكون الهدف مشكوك فيه بشكل كبير؟ هل يمكن تصديق رئيس الأركان بأن شن الحرب التاريخية، أو على الأقل توقيتها، لا تشوبه أي اعتبارات غير موضوعية؟ لماذا نتنياهو لم ينتظر ولم يستخدم ما يتقنه من الدهاء والصبر والتلاعب من اجل تجنيد ترامب لهذه المهمة التاريخية. فهو نجح بالفعل في إقناعه بوقف المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي صاغه براك أوباما (النتيجة معروفة)؟.

الم يكن بالإمكان الانتظار ومحاولة تجنيد تحالف دولي، يشمل دول أخرى برئاسة الولايات المتحدة؟ ترامب كان يمكن أن يحب فكرة أنه يعمل من اجل إحلال السلام العالمي، وأنه ذاهب الى معركة لتدمير مفاعل نووي في دولة شيعية متعصبة تستخف بكل العالم. لا يجب ان يكون المرء استراتيجي عسكري لمعرفة ان احتمالية تدمير التهديد الإيراني كانت ستكون مضمونة في حينه، والتهديد على إسرائيل بالصواريخ البالستية كان سيكون بالحد الأدنى.

الوقت لعب هنا دور مهم، دور يحدد الفرق بين النجاح المؤكد وبين الفشل في تحقيق المهمة – بدون أن يتم القيام بمحاولة أخرى لاقناع ترامب باعطاء قدر ضئيل آخر من الضمانة قبل أمر الطيارين بالاقلاع. ولكن هذا لم يحدث. وفجأة النغمة تغيرت. الآن لم يعودوا يتحدثون عن ساعة الرمل التي تنفد، بل فجأة برز ادعاء آخر وهو أنه اذا لم نهاجم الآن فانه سيكون لدى ايران 8 آلاف صاروخ بالستي، قال نتنياهو في فيلم فيديو نشره. إسرائيل قامت بشن الحرب التي ربما تكون مبررة، لكن بدون ان تكون مستعدة لها، وذلك في نهاية أسبوع نجحت فيه حكومة نتنياهو في البقاء فقط بعد ان توسل رئيس الحكومة لمن يهددون بحل الكنيست باظهار الصبر، لأنه يقف على الاجندة موضوع امني له تداعيات تاريخية. العلاقة بين توقيت الهجوم والصراع على البقاء لحكومة نتنياهو كشفها علنا المتحدث بلسان رئيس الحكومة عومر دوستري، الذي قال في مقابلة مع راديو “صوت حي”: “نحن كنا نعرف عن الهجوم القريب، وهذا كان جزء مهم في جهود منع حل الكنيست. أنا مسرور لأننا نجحنا في ذلك”.

في ظل عدم القدرة على تدمير التهديد النووي فان الجيش الإسرائيلي، بتعليمات من المستوى السياسي، ينفذ ما يعرف تنفيذه منذ بضعة عقود في الحرب امام حماس وحزب الله، وبنفس الاستراتيجية المعروفة، تصفية شخصيات عسكرية رفيعة، المس بالبنى التحتية، بث الخوف والذعر، وبعد ذلك كلما تفاقمت المعركة، وفقا لرد ايران، استمرار ضرب البنى التحتية الوطنية من اجل اخضاع العدو وتركيعه. ولكن من اجل التوصل الى هذه النتيجة، التي مشكوك فيه ان تكون ممكنة مع آيات الله الذين وعيهم مختلف عن عالم مفاهيمنا (انظروا حالة حماس)، فان الجبهة الداخلية الاسرائيلية كما يبدو ستضطر الى دفع الثمن الباهظ الذي تم وضعه على طاولة الكابنت. ربما ان نتنياهو والوزراء الذين تخلوا حتى الان عن المخطوفين في غزة، ياملون ان يوافق ترامب، إزاء الثمن الدموي الذي تدفعه إسرائيل وشدة الدمار التي تشاهد على الشاشات، على القدوم لانقاذنا من انفسنا.

 ‏——————————————

معاريف 17/6/2025

الحرب ضد ايران سبقتها حملات التضليل بتعاون من الولايات المتحدة

بقلم: زلمان شوفال

 “في الاحابيل اجعل لك حربا”، قيل في سفر مشلي. بالطبع ليس فقط بالاحابيل، بل وأيضا بالقوة لكن الاحابيل، المناورات، كانت جزءا من كل حرب لإسرائيل منذ الازل. وليس فقط إسرائيل. وكما كتب في حينه الحكيم الصيني سون تاسو، “كل حرب تقف على التضليل” – تضليل في اثناء الحرب واحيانا في أوضاع سابقة لها.

عندما بعث رئيس الأركان موشيه دايان عشية حملة سيناء طابور دبابات نحو الأردن، كان الهدف هو خلق انطباع بان إسرائيل توشك على مهاجمة الأردن بسبب دوره في عمليات الفدائيين الذين يأتون من أراضيه. وهذا، حين كان القرار الحقيقي ومهاجمة المصريين في سيناء – وفعلت المناورة فعلها ليس فقط تجاه المصريين غير الجاهزين، بل في بضع وزارات خارجية اجنبية، بما فيها الولايات المتحدة.

المعركة الحالية لإسرائيل ضد ايران سبقتها جملة كاملة من حملات التضليل والخداع، بتعاون (نشط أحيانا، وغير مقصود في أحيان أخرى) من الولايات المتحدة. وكان الهدف إبقاء نظام آيات الله في انعدام يقين بشأن النوايا الإسرائيلية، وكنتيجة لذلك، في انعدام جاهزية لها. الرسائل من البيت الأبيض كانت مشوشة ومتضاربة: الرئيس ترامب قال انه كان على علم لكن ليس بالتفاصيل، واعلن انه لن يعطي ضوء اخضر لعملية اسرائيلية ضد منشآت النووي الإيراني، مشددا على وجوب استنفاد المفاوضات مع طهران على اتفاق نووي جديد. بل اعلن عن موعد لقاء آخر مع المندوبين الإيرانيين. كل هذا كان يمكن تفسيره كمحاولة لدق العصي في دواليب آلة الحرب الإسرائيلية. وكأنه لاجل زيادة الغموض أضاف ترامب بان “هجوما إسرائيليا محتملا لكن ليس بشكل فوري”.

لصرف الانتباه ارسل الوزير رون ديرمر ورئيس الموساد دافيد برنياع لمحادثات مع المبعوث ويتكوف في مواضيع مختلفة كالمخطوفين والحرب في غزة. تغيب رئيس الورزاء عن مداولات الكنيست في موضوع قانون التجنيد وتقصير شهادته في محاكمته (لاسباب صحية) وربما أيضا العرس موضع الحديث في عائلة نتنياهو والبيان عن نقل ثلاث فرق الى غزة استهدفت المساهمة لحملة التضليل.

ليس واضحا باي قدر ساهمت خطوات التمويه هذه، المخطط لها والاقل تخطيطا، في تشويش الإيرانيين والفوضى في جاهزيتهم – ولكنها انطلت على قسم من السياسيين ووسائل الاعلام في إسرائيل.

مراسلون في عدة صحف و”خبراء” في قنوات التلفزيون خرجوا حقا عن صوابهم فيما كانت الطائرات على مسار انطلاقها، كي “يشرحوا” لماذا هي عملية إسرائيلية ضد ايران غير محتملة، فما بالك انها غير محتملة بدون تعاون نشط من الأمريكيين. وعرضوا سواء القرار بالهجوم ام القرار بعدم الهجوم كـ “فشل سياسي آخر لنتنياهو”. وملأ الكاس رئيس الديمقراطيين يئير غولان حين تناول إمكانية الهجوم بقوله انه لا يثق بملمتر بنتنياهو”.

هامة اكثر ستكون ردود الفعل الرسمية وغير الرسمية على الهجوم الإسرائيلي في السعودية وفي دول عربية أخرى. هذه الدول تحركت مؤخرا بين الخوف الأساسي من ايران ومن دونها وبين الرغبة في تهدئة التوتر معها تجاه الخارج على الأقل ومنع اشتعال إقليمي. ينبغي الافتراض بانه باستثناء قطر التي ستلعب كالمعتاد لعبة مزدوجة مع ميل لإيران، فان حكام هذه الدول سيكونون راضين عن العملية الإسرائيلية، لكن لاسباب مختلفة، داخلية وغيرها سيمتنعون عن التعبير عن ذلك. وبالتالي من المهم ان نرى في الأيام القريبة القادمة كيف سيعقب صحافيون ومحللون عرب، واساسا سعوديون، كفيلون بان يعطوا صدى لمواقف حكوماتهم دون أن يكونوا متماثلين معها رسميا. احدى المسائل المركزية ستكون الان كم ستقرب حملة شعب كاللبؤة اندماج إسرائيل في نظام شرق اوسطي جديد، اذا كانت ستندمج أصلا. الامر منوط بقدر كبير بالموقف الذي ستتخذه في الأسابيع القريبة القادمة إدارة ترامب بالافعال، وليس فقط بالاقوال. مادة للتفكير: بينما في هجمة الصواريخ الإيرانية السابقة، تجندت إدارة بايدن للمساعدة في جهود الاعتراض الإسرائيلية، جلست إدارة ترامب هذه المرة على الجدار، حتى الان على الأقل.

بالنسبة لإسرائيل فان التخطيط الأعلى والأداء في كل القيادات والمستويات كانت عبقرية حقا، وستضيف مكانة دولية لقدرات الدولة العسكرية والتكنولوجية. لكن المعركة لم تنتهي بعد، ومثلما في كل معركة عسكرية، في نهايتها تكون معركة سياسية بوسعها أن تثبت وتبطن الإنجازات، لكن ان تقوضها أيضا. هذه ستكون ساعة الاختبار الكبرى للدبلوماسية الإسرائيلية. 

——————————————-

معاريف 17/6/2025 

انقلاب في ايران فيه مخاطرة ولا ضمانة ان يكون الحكم الجديد ديمقراطيا

بقلم: د. موشي العاد

تتعاظم في إسرائيل أصوات سياسيين ومحافل أمن تدعو الى اعتماد تغيير نظام آيات الله كالهدف المركزي في حملة “شعب كاللبؤة”. تختار هذه الأصوات أن تتجاهل الواقع الاستراتيجي المعقد والثمن الباهظ الذي قد تجره خطوة كهذه. في الدبلوماسية الدولية فان كل تدخل خارجي يعد كانتهاك للسيادة ولحق المواطنين في أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. يدل التاريخ على أنه توجد غير قليل من النماذج على أن رغبة الغرب في اسقاط أنظمة دكتاتورية واستبدالها بحكم ديمقراطي غربي تبينت كخطأ.

روسيا ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وفرت نموذجا أليما على فشل المحاولة الديمقراطية. فقد انتقلت الدولة في غضون وقت قصير من نظام شمولي الى نموذج ديمقراطي – ليبرالي، دون أن تكون الثقافة السياسية المحلية، المؤسسات او المجتمع المدني ناضجين لذلك. بالسرعة ذاتها التي سقط فيها السور الحديدي نهضت كطير الرماد دكتاتورية حديدية تحت الحكم المطلق لبوتين. مواطنون اعتادوا على مدى أجيال على حكم مركزي وموجه، اعتبروا الانتقال الى الديمقراطية كفوضى، وباستثناء شريحة مثقفة رقيقة عاد السكان بسهولة وبشكل طبيعي الى الحكم القمعي.

معمر القذافي حكم ليبيا نحو أربعة عقود اتبع فيها نظام شمولي شخصي. لم تجرى هناك انتخابات حرة، لم تكن صحافة حرة، والمؤسسات الحكومية خدمت الحاكم فقط. من جهة أخرى، مجالات عديدة، اقتصادية أساسا، دارت كالمعتاد. بعد قتل القذافي انهارت ليبيا في داخل نفسها. النظام انهار، مؤسسات الدولة لم تؤدي مهامها وبدأت حرب قبلية وميليشيات أدت الى فوضى مستمرة حتى اليوم.

ان الانتقال من الدكتاتورية والى الديمقراطية ليس فقط تغييرا في الحكم، بل تغيير في الثقافة، في التعليم، في الهوية القومية وفي المبنى الاجتماعي. واذا لم يجرِ الانتقال بالتدريج، في ظل دعم تعليمي، اقتصادي ومؤسساتي، يكون خطر حقيقي للانهيار او العودة الى الطغيان. نجاح انتقال كهذا يستوجب بنية مؤسساتية، قيادة موحدة، دعم دولي ذكي، وهو أساسا يحتاج الى الوقت. في بعض الحالات من الأفضل عدم المبادرة الى التغيير من خارج النظام لانه لا يمكنك ان تعرف ابدا ماذا ستكون طبيعة الحكم الجديد. في الزمن الجديد، في معظم الحالات التي كان التغيير فيها تم بشكل مفروض ومصطنع نشأ انعدام نظام وانعدام تحكم مركزي ونشبت نزاعات وأزمات اقتصادية.

من يفكر في إسرائيل باسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية يرى امام ناظريه منظومات من التغييرات الإيجابية. أولا، اضعاف النظام المعادي لإسرائيل، للغرب وللدول السنية المعتدلة. التقدير السائد هو ان حكما جديدا كفيل بان يكون منفتحا اكثر على المفاوضات والاتفاقات الدولية في موضوع البرنامج النووي. معنى محتمل آخر هو ان مصلحة إسرائيل هي وقف الدعم الإيراني لمنظمات إرهاب كحزب الله، حماس والجهاد الإسلامي. نظام جديد في ايران كفيل بان يؤدي أيضا الى تحسين في حقوق الانسان، حرية التعبير، حرية الصحافة، حقوق النساء والمثليين وغيرها.

على أي حال، لا يوجد أي ثقة بنجاح الانقلاب. ينبغي الاخذ بالحسبان أيضا إمكانية أن يؤدي الانقلاب الى نتائج مختلفة جوهريا، إذ ان الانقلاب غير المنضبط قد يؤدي الى فوضى، مثلما حصل في العراق وفي سوريا. فضلا عن ذلك لا ضمانة في ان يكون الحكم الجديد ديمقراطيا او مؤيدا للغرب. يحتمل جدا أن حكما عسكريا، دكتاتورية جديدة او جماعات إسلامية متطرفة ستستولي على الحكم.

فضلا عن ذلك، فان جهات اجنبية قد تستغل الفراغ   كي تحقق مصالحها بشكل من شأنه أن يفاقم الوضع ويجعل ايران ساحة حرب غير مباشرة. الانقلاب كفيل أيضا بان يؤدي الى مواجهات عنيفة، تعطيل مؤسسات، جوع، مس بالبنى التحتية الحيوية وأزمة اقتصادية عسيرة في ايران – موردة النفط الخامسة في العالم، الامر الذي سيؤدي الى ارتفاع شاهق في أسعار الطاقة. الانقلاب من شأنه أن يفاقم وضع السكان في ايران في المدى القصير ويحتمل أيضا في المدى البعيد.

ان تشجيع انقلاب شعبي في ايران يمكنه أن يكون خطوة تحدث تغييرا دراماتيكيا في الشرق الأوسط لكنه يكمن فيه أيضا طيف واسع من المخاطر وانعدام اليقين. وعليه، فالغالبية الساحقة من دول الغرب تفضل ممارسة الضغط الدبلوماسي، الاقتصادي والنفسي والامتناع عن تشجيع الانقلاب المباشر.

 ——————————————

يديعوت احرونوت 17/6/2025 

تفكيك القدرة النووية لإيران تغيير دراماتيكي وابادة النظام مهمة اخلاقية

بقلم: بن درور يميني

تغيير النظام في ايران ليس واحدا من أهداف الحملة الحالية ضد القدرة النووية لإيران. لكن لا خلاف في أن هذا هدف مرغوب فيه بقدر ما يمكن تحقيقه، حتى بدون الإعلان عنه. فقد بدأت الحملة الحالية مع سلسلة تصفيات مركزة، لقيادة الحرس الثوري وعلماء النووي المتصدرين.

رغم أن إسرائيل تحظى، كشأن دائم، بموقف مختلف واكثر عداء بكثير مقارنة بدول أخرى، في أوضاع مشابهة – في الأيام الأخيرة لم نسمع تذمرا عن التصفيات. كل شيء بالطبع يمكن أن يتغير، وسبق ان كنا في هذا الفيلم، لكن يبدو ان المرحلة الأولى مرت بنجاح.

غير ان المعضلة لا تزال على حالها، لان القمة السياسية لإيران مثلما هي مؤسسات الحكم أيضا – بقيت محصنة. ليس واضحا ان يؤدي ضربها الى تغيير النظام، لكن واضح ان هذا يمكنه أن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح. فسكان ايران أنفسهم، حسب تقارير عديدة، يمقتون الحكم. وفي الأيام الأخيرة، بالضبط مثلما في موجات احتجاج سابقة تسمع هتافات “الموت للدكتاتور، الموت لخامينئي”.

في إسرائيل نفسها وكذا في دول الغرب جرى بحث واسع في مسألة التصفيات المركزة. لا يوجد موقف موحد. تكاد تكون كل المنشورات الاكاديمية في هذا الشأن تتناول أيضا قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية في هذا الشأن. فقد كتب أهرون باراك في حينه: “لا يمكن ان نقرر مسبقا بان كل احباط مركز محظور حسب القانون الدولي مثلما لا يمكن أن نقرر مسبقا بان كل احباط مركز مباح حسب القانون الدولي”. وأضاف أيضا: “إصابة جانبية لمواطنين أبرياء ستكون قانونية فقط اذا كانت تجتاز مطالب التوازن”.

فما هو ذاك التوازن؟ البحث في الموضوع كان بالنسبة لقيادات عسكرية. ماذا عن زعماء سياسيين؟ وبالفعل، وقفت الإدارة الامريكية امام المعضلة ذاتها في اطار الحرب ضد الإرهاب. مارك جرلسكي كان مسؤولا عن التصفيات المركزة في البنتاغون. بعد أن ترك المنصب أجريت مع جرلسكي مقابلة مع البرنامج الاعتبار “60 دقيقة”. وقال هناك ان “عددنا كان 30. مثلا، صدام حسين. اذا كنتم ستقتلون حتى 29 شخصا في هجوم ضد صدام حسين، فهذه ليست مشكلة”. هذا لا يعني انهم ما كانوا سيقتلون اكثر أيضا. غير أنه عندها روى جرلسكي كانوا بحاجة الى إذن الرئيس. جرلسكي نفسه، بالمناسبة، كان مسؤولا عن قتل مئتي بريء، مع صفر نجاح في تصفية مطلوبين. هذا لم يمنعه من أن ينتقل الى منصب رفيع في HRW (هيومان رايتس ووتش) ونشر تقارير لاذعة على نحو خاص ضد إسرائيل.

في ظروف تلك الأيام للحرب ضد الإرهاب، كان صدام حسين هدفا شرعيا للتصفية. جرائمه لم تكن ضد الولايات المتحدة. جرائمه كانت أساسا ضد أبناء شعبه. هكذا بحيث ان شيئا واحدا ينبغي أن يكون واضحا: بافتراض انه كان للولايات المتحدة، بعد فتوى قانونية، إذن لتصفية زعيم العراق الذين لم يعلن عن رغبته في إبادة الولايات المتحدة، لإسرائيل يوجد حق مضاعف ومزدوج بتصفية خامينئي الذي يهدد بابادة إسرائيل. وبالتأكيد عندما تكون الدولة التي يقف على رأسها تطور سلاحا نوويا رغم أنه لا يوجد عليها ذرة تهديد خارجي.

هل هذا يعني ان على إسرائيل ان تصفي زعيم نظام آيات الله؟ من المجدي التفكير بأمرين. أولا بالشرعية الدولية التي محظور الاستخفاف بها، يوجد تاريخ نفاد. الكثير جدا من الأمور المسموح بها، ينبغي ويمكن عملها في الأسبوعين الاولين – بما في ذلك ضرب مبنى التلفزيون الإيراني – تكاد تكون متعذرة بعد شهرين. وثانيا، هل تصفية خامينئي ستخدم مصالح إسرائيل؟ هذا ليس بسيطا. يوجد فارق بين هتلر وصدام وبين خامينئي. لان الاولين كانا حجر رأس نظام الرعب الذي كانا هما نفسيهما على رأسه. تصفية هتلر في مرحلة مبكرة كانت اغلب الظن ستمنع الحرب العالمية الثانية والمحرقة. كما ان تصفية حسين، زعيم وحشي ومتعطش للدماء كان يمكنها أن تمنع قتلا جماعيا. اما خامينئي فيوجد في مكان آخر. لان أيديولوجية النظام الابادية ستبقى على حالها. خليفته قد يكون مجنونا بالضبط مثل سلفه. لان الجنون هو للنظام كله وليس فقط للزعيم.

هكذا بحيث يجب للهدف ان يكون كل قيادة النظام، مع خامينئي على رأسه. ليس فقط لا توجد حصانة لمن يؤيد إبادة إسرائيل بل انه ابن موت. على أمل ان تحقق مثل هذه التصفية تغيير النظام. عندما تكتب هذه الأمور تبدأ ايران بالتراجع. دبلوماسي إيراني يدعي في مقابلة مع موقع “ايران واير” مستعد للتخلي عن تخصيب اليورانيوم، وترامب اكد منذ أمس انه يوجد بالفعل توجه إيراني. يحتمل ان يكون هذا تضليلا، لاجل وقف الهجمات الإسرائيلية. “التقية” أي الخداع هي عنصر أساسية في الأيديولوجيا الإسلامية. واذا كان ممكنا الوصول الى تفكيك حقيقي للقدرة النووية لإيران هذا تغيير دراماتيكي. لكن اذا ما تواصل العناد الإيراني، فان خامينئي ورفاقه في الحكم ليسوا فقط هدفا شرعيا. ابادتهم هي مهمة أخلاقية. 

——————————————

هآرتس 17/6/2025

حان وقت وقف النار ووقف الهجمات التي تزيد غضب الإيرانيين

بقلم:  يوسي بن آري

 غبار عملية “شعب كالاسد” لم يتلاشى بعد. ولكن الان يمكن قول عدة أمور عن ما كان وعن ما يجب أن يكون. استراتيجيا، الأيام ستخبرنا اذا كان قرار الهجوم هو قرار صحيح. انا أيضا حاولت تسريع الهجوم الوقائي في ايران (“هآرتس”، 4/11/2024)، بعد ان تبين الى أي درجة ايران مكشوفة لقدرتنا الاستخبارية ولسلاح الجو الإسرائيلي. كتبت ان هذا لا يجب ان يكون فقط هجوم وقائي لإحباط اعداد ايران لعملية، بل “جميع الأهداف التي يجب مهاجمتها من اجل احباط، اذا لم يكن منع، التهديد الايراني لسنوات كثيرة قادمة”.

 لكن يجب متابعة التطورات والامل بان ما يظهر الان كحلم لن يظهر خلال أيام، أسابيع أو اشهر، بأنه كابوس. الان النتائج القاسية من ناحية المصابين والدمار في ارجاء إسرائيل، الواقع الذي لم نعرفه في السابق، تثير علامة استفهام كبيرة. عمليا، وسام كبير للجيش الإسرائيلي، على الأفكار العملياتية والتخطيطية، التمويه، الخداع، السرية، واكثر من ذلك على الأداء الرائع.

 تكتيكيا. وسام تميز خاص تستحقه منظومات الاستخبارات (أمان والموساد)، سلاح الجو ومنظومات الدفاع. خطواتهم التي ما زالت تجري سيتم تعليمها في المدارس العسكرية في العالم.

 التطلع الى الامام. دائما يجب العودة الى كلاوزوفيتش: “الحرب ليست الا استمرارية للسياسة بوسائل أخرى”. هكذا أيضا النجاح في الحرب يجب ان يترجم الى إنجازات سياسية. هذا الهدف سيكون صعب على التحقق بسبب المس الشديد بكرامة ايران. مع ذلك، رغم أنه يبدو أن “صاحب البيت قد أصيب بالجنون” ومستوى العنف امام ايران هو غير معقول، يبدو أنه في نهاية المطاف يجب التطلع الى تهدئة الساحة لفترة طويلة.

 هذا سيتم تحقيقه فقط من خلال إعادة ايران الى طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة، من اجل التوصل الى اتفاق شامل. في الواقع الرئيس الأمريكي يتصرف على الاغلب بصورة غير ثابتة، ولكن منذ بداية الحدث هو يتبع استراتيجية صحيحة من ناحيته، التي نتذكرها من فترة الرئيس بيل كلينتون: دع الجروح تلتئم. هو لا يزعج “مردخاي في ضرب احشوارش”. ولكن على الأقل في هذه الاثناء لا يشارك بالفعل.

دونالد ترامب يؤمن بان الضربات التي تعرض لها خامنئي ستجعله في نهاية المطاف يبتلع السم ويعود الى النقاشات حول الاتفاق الشامل، بما في ذلك الموافقة على شروط الولايات المتحدة حول الموضوع النووي.

من المثير وبحق أن طائرات سلاح الجو تتمتع بسماء صافية فوق طهران وكل الأراضي الإيرانية السيادية، لكن توجد شوكة في خاصرتها. فهذا فقط يزيد غضب الإيرانيين والرغبة في الانتقام. لذلك، يجب عدم تركيع ايران. نحن تعلمنا بالفعل أن عنصر الكرامة هو عنصر له أهمية كبيرة في الشرق الأوسط. ومن اجل تهدئة هذا العنصر فانه يجب على المستوى الأمني العودة الى صوابه. والاقوال المبالغ فيها وغير الضرورية من قبل المتحدثين الرسميين والمسربين من المؤسسة والمحللين في وسائل الاعلام، في نهاية المطاف ستتحطم بضجة كبيرة. وحتى قبل ذلك هم فقط يرفعون مستوى الغضب والاهانة في الطرف الآخر.

لذلك، رغم الحماس، يجب على إسرائيل على الفور تخفيف النغمة وتهدئة نشاطاتها العسكرية في هذه الساحة، أي أن تفعل فقط الضروري حقا في اطار الهدف الذي تم تحديده للعملية. محظور الانجرار وراء الفرص الاستخبارية والعملياتية، أو تحت ضغط بعيد عن الموضوع. في ظل الواقع القاسي الذي نشأ الآن في البلاد فانه بالتأكيد يجب وقف هجماتنا التي ننفذها في حرب الاستنزاف التي تطورت، حيث أنه يوجد لها ثمن باهظ جدا في طرفنا. بكلمات أخرى، لقد حان الوقت لوقف النار، بما في ذلك بوساطة الدول العظمى (الولايات المتحدة وربما روسيا أيضا).

بنظرة بعيدة المدى فان التحدي الحقيقي يقف امام الولايات المتحدة. من اجل إعادة خامنئي الى طاولة المفاوضات في سلطنة عمان أو روما، في الطريق الى التوصل الى اتفاق شامل، فان ترامب يجب عليه أن يكون مستعد لتقديم تنازلات، مثل السماح لإيران تحت رقابة مشددة بنشاطات بمستوى معين في المجال النووي، أي تخصيب بمستوى لا ينزلق الى انتاج إمكانية نووية  عسكرية كامنة، وهكذا أيضا بخصوص أي عمل آخر في هذا المجال، وبالتاكيد أي محاولة للدفع قدما بمنظومة السلاح. هذا التنازل هو امر يقتضيه الواقع، حيث أن الزعامة الإيرانية ترى في الحفاظ على قدرتها في المجال النووي (المدني كما يبدو) عامل سيادة رئيسي.

 إضافة الى ذلك سيتعين على ترامب تخفيف بدرجة معينة العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران، التي تخنق الشعب تحت قيودها. يجب الامل بأنه لن يسمح بتسهيلات في المجالات التي يمكن ان تكون لها علاقة بالمجال النووي. ولكن توجد مجالات أخرى، مثل المجال الاقتصادي، العقوبات الشخصية على بعض الزعماء، التي من خلالها يمكن مد اليد للسكان والذهاب بدرجة معينة نحو ايران.

 فقط هكذا توجد احتمالية لاعادة ايران الى طاولة المفاوضات في طريق التوصل الى اتفاق، ونتيجة لذلك الوصول الى الهدف الاسمى لإسرائيل، سواء تم تحديده في اطار عملية “شعب كالاسد” أو في اطار ما يقتضيه المنطق. 

——————————————

يديعوت أحرونوت 17/6/2025 

“دولة لا ننام”… كيف لشعب أن “يجمع” رأياً على “المقامرة بالمجهول”؟

بقلم: شيلي يحيموفيتش

في حرب أخرى، في عقد آخر، دخلت إلى مكتب وزير الدفاع ووجدته راضياً عن نفسه إلى ما يفوق كل حد. أطلعني على استطلاع اظهر معدلات تأييد هائلة للحرب، 80 في المئة تأييد لها و90 في المئة تأييد لرئيس الوزراء. في اليوم الثاني من هذه الحرب، نشر بأن العدو “في صدمة” من قدرات إسرائيل، وأن كل الصواريخ والمنصات والبنى التحتية التي كانت موجهة ضد إسرائيل، أبيدت. في غضون أيام قليلة، وصل إلينا ما يصل دوماً: الثمن الدموي الجسيم، الدمار الذي زرعه عدو هزئنا به، الصحوة المريرة.

لن أذكر أسماء، ليس لأني أغطي على قادة الحرب إياها، بل لأن هذا لا يغير في الأمر من شيء. النشوة في بداية كل خروج إلى حرب، وأقوال التبجح والمغالاة، والبيانات عن “الصدمة” الوهمية التي ألمت بمن هاجمناهم، والتقديرات الواهية بأن المواطنين سيفهمون بأن زعماءهم سيخرجون إلى الشوارع ويسقطون الحكم، والابتهاج للدعم الدولي الذي سرعان ما يتبدد… كل شيء يكرر نفسه حتى التعب. كيف ينتهي هذا في النهاية – الكل يعرف، يغني اهود بناي.

الأخطر من كل شيء هو الإجماع المطلق. كيف نخرج جميعاً إلى خطوة على هذا القدر من الخطورة وعلى هذا القدر من المغامرة، ومع علم تام بشدة الدمار الذي يمكن لإيران أن تزرعه هنا. لم يقم حتى هذه اللحظة ولا سياسي واحد (وعلى ما يبدو أيضاً لا كبير في الجيش، في الموساد وفي الشاباك) ليطرح شيئاً مغايراً؟ إجماع كهذا، إجماع محظور تحديه، هو ليس “وحدة في الشعب”، بل مفهوم خطير وبالتأكيد ليس طبيعياً في ديمقراطية سليمة.

هذا ليس طبيعياً بسبب الأثمان الباهظة بالأرواح وبالممتلكات. فالصاروخ الباليستي الذي يضرب، يقتل ويدمر تماماً في منطقة مكتظة بالسكان في المعركة الأولى سيضرب بألف مواطن آخر في المعركة الثالثة. كما أن النوافذ التي تتحطم في المباني على طول شوارع كاملة اهتزت ليست أمراً نستخف به. الطفل الذي عاد ليتبول ليلاً، الفتاة التي ترتعد أمام سريرها المليء بحطام الزجاج، التجسيد المؤلم لحجم الخطر، البيروقراطية المضنية للتصليحات… ليست أموراً يتجاهلها الإنسان العادي. لا يمكن لأي ثناء عن المناعة وكليشيهات “شعب أسود ولبؤات” أن تجدي نفعاً أو تساعد على النوم ليلاً بشكل أفضل. دولة كاملة تدور بلا قدرة على النوم بشكل مريض وبأعصاب واهنة – هذا ليس طبيعياً بسبب المخطوفين وبسبب الخسائر الفادحة في القطاع. أي منطق كان في تشديد القتال هناك، وفي تجنيد واسع للاحتياط، عشية حرب زعم أنها خطط لها على مدى نصف سنة؟ لأي غاية دفع ثمنها رجال شباب، في النظامي والاحتياط، في معركة باتت هامشية في هذه اللحظات؟ ما الذي كسبناه من الكارثة الإنسانية بقتلنا للأبرياء ومن مقت العالم؟ نصر مطلق؟! هذا وهم. كان يمكن تحرير كل المخطوفين وإرسال المقاتلين للاستراحة.

ما يؤدي إلى انعدام منطق آخر للإجماع. نتنياهو لا يريد إنهاء الحروب. الحروب تعرقل تفكيك حكومته، وتشطب أزمات (مثل قانون التجنيد)، وتؤجل محاكمته، وتحسن مكانته، ولا يمكن أن نتناول بشكل “موضوعي” الخروج إلى حرب هو نفسه كان حذراً منها طوال عشرات سنوات حكمه، دون الأخذ بالحسبان أنماط سلوكه التي تركز على الذات. الحرب ليست غاية، بل وسيلة للوصول إلى تسوية سياسية. لكن نتنياهو لا يحصي سياسية منهية. من لا يريد حرباً إلى الأبد أو صاروخاً باليستياً برأس متفجر من طن ونصف ليس له إلا أن يصلي إلى ربنا الذي في السماء أو إلى ترامب.

ترامب ليس مستعجلاً. “سنرى ما سيكون”، قال أمس. “أحياناً ينبغي أن نسمح لهم بالقتال إلى أن ينهوا هذا”. يبدو أننا فعلنا ما حذر منه بن غوريون. خرجنا إلى حرب بدون قوة عظمى. نسمي هذه الحرب بانفعال وبإحساس يدعو إلى الشفقة، “تاريخية”. هذا صحيح، إلا أن التاريخ مليء بسيناريوهات، مرة أخرى، بسخافتنا، لم نحصها. فلماذا نحصي، عندما تكون وحدة في الشعب/إجماع/مفهوم.

——————————————

عن موقع معهد القدس للإستراتيجيا والأمن 17/6/2025

مهاجمة إيران تمهد الطريق لاستكمال التغييرات الإستراتيجية في المنطقة

بقلم: يوسي كوفرفاسر

افتتحت إسرائيل بنجاح كبير الحملة التاريخية التي استعدت لها أعواماً عديدة، والتي تهدف إلى إزالة التهديد الإستراتيجي القادم من إيران، قبل أن يتحول إلى تهديد وجودي. إن تحقيق حرية العمل الجوي في غرب إيران ووسطها، واستغلال عنصر المفاجأة لضرب علماء البرنامج النووي وكبار مسؤولي المنظومة العسكرية الإيرانية، يهيّئان ظروفاً مواتية جداً لجهد عسكري متواصل يستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي العسكري الإيراني ومنظومة إنتاج وتشغيل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى لديها. كل ذلك، بطبيعة الحال، في مقابل الثمن الذي لا مفرّ منه، والمتمثل في تعرُّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية للضرر، وهو ما كان يمكن أن يكون أثقل كثيراً لولا أن إسرائيل ألحقت أضراراً جسيمة بـ”حزب الله”.

إن القدرة على الحفاظ على حرية العمل طوال الفترة الزمنية اللازمة لإتمام المهمة نابعة أيضاً من حقيقة أن إسرائيل انتظرت التوقيت الأمثل الذي يضمن الدعم الأميركي للعملية الإسرائيلية، والتسليم بها بصمت من جانب بقية الدول الغربية البارزة، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. لقد قُبل ادّعاء إسرائيل أن إيران بدأت بالتقدم نحو إنتاج سلاح نووي، ليس فقط من خلال تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عالٍ جداً (60%)، حسبما ظهر في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يتيح التخصيب إلى المستوى المطلوب لإنتاج جهاز تفجير نووي خلال أيام، بل أيضاً من خلال بدء عملية التسليح تم قبول هذا الادعاء واعتُبر صادقاً ومبرِّراً للعملية العسكرية الإسرائيلية. وساهم في ذلك أيضاً رفض إيران العرض الأميركي في المفاوضات التي جرت بين الجانبين، والتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أن إيران خرقت التزاماتها في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأدارت برنامجاً منظماً لإنتاج السلاح النووي. دفع هذا التقرير مجلس المحافظين في الوكالة إلى اتخاذ قرار يدين إيران، وينقل الملف إلى مجلس الأمن. في ظل هذه الظروف، ومع الأخذ بعين الاعتبار الدعوات المتكررة من النظام الإسلامي في طهران إلى القضاء على إسرائيل، تم الحصول على الشرعية الدولية للعملية الإسرائيلية.

تُعتبر حرية العمل العملياتي والفترة الزمنية المتاحة لإسرائيل عنصرين حاسمين في معالجة جميع مكونات البرنامج النووي، الذي يشمل عدداً كبيراً من المنشآت المنتشرة على امتداد إيران، العديد منها كبير ومعقد، وبعضها تحت الأرض. حتى الآن، هاجمت إسرائيل جزءاً صغيراً فقط من هذه المنشآت، وألحقت بها ضرراً غير قليل، لكن لا تزال أمامها مهمة كبيرة. ولمنع إيران من إعادة استخدامها، هناك حاجة إلى مهاجمة عدد منها، بما في ذلك منشأة التخصيب في نتانز ومصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان، اللذين سبق أن تعرّضا لهجمات عدة مرات، وبطبيعة الحال يجب أيضاً التعامل مع مخزونات اليورانيوم، ومنشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومناجم اليورانيوم، ومصنع إنتاج أوكسيد اليورانيوم المركّز، وفي نهاية المطاف، منشأة التخصيب تحت الأرض في فوردو والمنشآت المستخدمة في برنامج التسليح وبرنامج الصواريخ. إذا ما استغلت إسرائيل الوقت وقامت بمعالجة منهجية لجميع هذه العناصر، فهناك احتمال لتحقيق أهداف الحملة، وإزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني أعواماً عديدة. ويزداد هذا الاحتمال في حال قررت الولايات المتحدة الانضمام إلى الهجمات، خصوصاً إذا ما عملت ضد منشأة التخصيب في فوردو. ويبدو أن الولايات المتحدة ستمتنع عن ذلك ما دامت إيران لا تتحرك ضد أهداف أميركية في إطار ردها على الهجمات الإسرائيلية.

ولضمان تحقيق الأهداف لفترة طويلة، يُفضّل أن تؤدي الحملة إلى تقويض مكانة النظام الإسلامي إلى حد سقوطه. فالضربات التي يوجّهها الجيش الإسرائيلي إليه مؤلمة ومحرجة، وتنضم إلى الضائقة الاقتصادية، ومشكلات البنية التحتية، وازدياد الضغط الدولي من الولايات المتحدة، التي قد تنضم إليها دول أُخرى، إذا قررت إحدى دول الغرب إعادة فرض العقوبات الاقتصادية من خلال آلية “سناب – باك”. إن احتمالات تحقُّق هذا السيناريو ضئيلة في هذه المرحلة، لكنها ليست مستحيلة في ظل الظروف الراهنة، والكثير يتوقف على الشعب الإيراني، الذي يشعر بعضه بأن ما يحدث قد يكون فرصة لن تتكرر لسنوات طويلة.

بافتراض أن حلم تغيير النظام لن يتحقق، لا يزال من الممكن ضمان تحقيق الأهداف في المدى الطويل من خلال اتفاق بين إيران المُنهكة والولايات المتحدة، يضمن رقابة أميركية صارمة على النشاطات النووية الإيرانية من دون حدود زمنية، ويمنع إيران من إعادة تأهيل المنشآت، أو حيازة اليورانيوم المخصّب، أو تخصيب اليورانيوم على أراضيها، في مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات؛ لكن احتمال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق ليس مرتفعاً، ولذلك من المحتمل أن يعتمد الحفاظ على الإنجاز في المدى الطويل على المحافظة على حرية العمل العملياتي، مثلما هي الحال في السياق اللبناني. إنها مهمة معقدة، لكنها ليست مستحيلة، إذا ما تم الحفاظ على حرية العمل الجوي.

على أيّ حال، كلما تمكنت إسرائيل من تحقيق أهداف الحملة، فإن قرارها بمهاجمة القدرات الإستراتيجية الإيرانية بقواها الذاتية، سيمهد الطريق لاستكمال التغييرات في الصورة الإستراتيجية الإقليمية، لا سيما بعد أن ألحقت أضراراً جسيمة بـ”حزب الله” و”حماس”، وهيأت الظروف لسقوط نظام الأسد في سورية. ستكمل إسرائيل العمل على انهيار المحور الإيراني، وتزيل التهديدات المحدقة بها، وترسّخ مكانتها كقوة مركزية فاعلة، تعمل بالتنسيق مع القوة العظمى، الولايات المتحدة، لدفع بنية إقليمية قائمة على التعاون الاقتصادي المساهم في الاستقرار. قد يُضعف هذا التطور “حزب الله” في لبنان، ويُحسّن فرص تحقيق أهداف الحرب في غزة، ويشجع النظام الجديد في سورية على تبنّي سياسة مقبولة من إسرائيل. كذلك، ستُعزَّز احتمالات الدفع باتفاقيات أبراهام وتوسيعها. في ضوء ذلك، يجب النظر إلى أهمية تحقيق أهداف عملية “شعب كاللبؤة” على أنها تتجاوز السياق الضيق المتعلق بالتهديد الإيراني.

في ظل هذه الصورة، من الواضح أن النظام الإيراني يرى في الهجوم الإسرائيلي تهديداً وجودياً، وسيبذل كل ما في وسعه لإفشاله، عبر تدفيع إسرائيل أثماناً باهظة بطرق متنوعة، مع محاولة ردع الولايات المتحدة أيضاً، من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة معها. على إسرائيل أن تسعى لإحباط هذه المحاولات بكل ما أوتيت من قدرة.

—————–انتهت النشرة—————–