
المسار …
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته كلير باركر وستيف هندريكس، قالا فيه إن الدول العربية تخشى أن تدفع ثمن الغارات الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية ومن توسع الحرب.
وقال الكاتبان إن الحكومات العربية، وبخاصة في دول الخليج عادة ما تبنت موقفا متشددا من إيران، ولكنها تشعر الآن بالقلق من الغارات الأمريكية التي قلبت استقرار المنطقة رأسا على عقب، وما يمكن أن تسببه من ضرر على التجارة.
وجاء في التقرير أن الحكومات العربية أعربت، يوم الأحد، عن قلقها من الغارات الأمريكية ضد 3 مواقع نووية إيرانية ودعت إلى خفض سريع للتوتر، وسط مخاوف من تحولها إلى ساحات معارك في مواجهة متصاعدة بين الخصمين. وقد انتقدت دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات، والتي ربما كانت ترحب سابقا بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني بالقوة، التدخل الأمريكي. ونددت السعودية بانتهاك سيادة إيران، بينما أعربت الإمارات عن “قلقها العميق”.
ودعت حكومات المنطقة إلى مضاعفة الجهود للتفاوض على إنهاء الأعمال العدائية قبل أن تجد المنطقة نفسها غارقة في “أهوال ومخاطر الحرب”، كما حذرت البحرين. وقالت عُمان، التي لطالما لعبت دور الوسيط الدبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة، إن “الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة تهدد بتوسيع نطاق الصراع وتشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي”.
وتعلق الصحيفة أن هذه التصريحات تمثل تحولا عن آخر مرة بدت فيها الولايات المتحدة وإيران على شفا الحرب، في عام 2019 وأوائل عام 2020، خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب. كما تعكس إعادة ترتيب السياسات الإقليمية الكبيرة الناتجة عن تقارب دول الخليج مع إيران، وتقييم العديد من الحكومات العربية أن إسرائيل، كما يتضح تحديدا من حربها في غزة، تشكل تهديدا أكبر لاستقرار الشرق الأوسط أكثر من إيران.
لكن الاستقرار الذي سعت إليه حكومات الخليج قد يكون الآن في خطر. ففي الأيام الأخيرة، هددت إيران مرارا وتكرارا بالرد على الضربات الأمريكية باستهداف منشآت عسكرية أمريكية تُحيط بالمنطقة، بما فيها تلك التي في الإمارات والسعودية وقطر وسلطنة عمان، بالإضافة إلى قواعد في العراق والأردن. وتعد البحرين، مركز عمليات الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وتستضيف حوالي 8,300 بحار، معرضة للخطر بشكل خاص. فهذه المملكة الصغيرة هي الدولة الوحيدة من بين جيرانها التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران، التي تقع مباشرة على الجانب الآخر الخليج العربي. وحذرت الدول العربية الأكثر ثراء من أن توسع الصراع قد يعطل إنتاج النفط، ويمنع الشحنات عبر مضيق هرمز الاستراتيجي، ويضر بقطاعات حيوية أخرى.
ونقلت الصحيفة عن ريناد منصور، الباحث في تشاتام هاوس بلندن قوله: “إن منطقة الخليج تولي أهمية كبيرة للأعمال التجارية، وعدم الاستقرار يضر بتلك الأعمال”. وأضاف: “هذه حرب حقيقية الآن، لا أعتقد أن الكثير من الناس يعرفون أين سينتهي بنا المطاف عندما يستقر كل شيء”.
وفي الماضي، كانت دول الخليج متشددة تجاه إيران ودعت للمواجهة معها بدلا من التفاوض لمعالجة البرنامج النووي الإيراني بسبب الدعم الذي قدمته طهران للميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط. وقد عارضت كل من السعودية والإمارات الاتفاق النووي عام 2015 الذي توصلت إليه طهران مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، ورحبت بقرار ترامب سحب واشنطن من الاتفاق بعد ثلاث سنوات.
وفي السنوات الأخيرة، حصل تحول في الخليج الذي أكد على أهمية خفض التوترات الإقليمية وتعزيز الاستقرار اللازم للنمو الاقتصادي. وأعادت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2023، بعد محادثات بوساطة العراق والصين. في غضون ذلك، اتخذت الإمارات خطوات للحد من التوترات مع تركيا، وفتحت علاقات رسمية مع إسرائيل.
وحثت دول الخليج على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وبالنسبة للسعودية، كان الهجوم على منشآتها النفطية عام 2019، والذي نُسب على نطاق واسع إلى إيران، مع أن طهران نفت مسؤوليتها عنه، “نقطة تحول كبيرة”، كما قالت إلهام فخرو، الباحثة في مركز بيلفر بجامعة هارفارد: “قبل ذلك، كان هناك قبول أكبر قليلا، أو حتى تشجيع هادئ، لضربة على المنشآت النووية الإيرانية، مع الاعتقاد بأن هذا البرنامج يشكل تهديدا على المنطقة”. وأضافت أن الهجوم على السعودية هز المملكة وأقنع المسؤولين السعوديين بأن ذوبان الجليد في العلاقات مع إيران يمكن أن يقلل من خطر الانجرار إلى مواجهة عسكرية كبيرة.
وكان من أهم مظاهر قلق العديد من الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن، دعم إيران للجماعات المسلحة بما فيها حماس في غزة والضفة الغربية، وحزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن. وقد مثلت هذه الجماعات، في الغالب، تحديا للنظام الإقليمي القائم. لكنها تعاني الآن من سلسلة الضربات التي تعرضت لها منذ أواخر عام 2023، بما في ذلك حرب إسرائيل في غزة ضد حماس، والعمليات العسكرية والاستخباراتية التي شلت حزب الله. وبسبب هذا، يبدو أن أي رغبة لمواجهة إيران قد تضاءلت لدى الكثيرين في العالم العربي.
ونقلت الصحيفة عن إتش. إيه. هيلير، الزميل البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: “النظام الإيراني لا يحظى بشعبية تذكر في جميع أنحاء الخليج وعلى نطاق أوسع في المنطقة”. لكن الدول العربية “لم تكن ترغب في الحرب، ولم تكن ترغب في هذه الضربات”.
وبدلا من ذلك، كانت الحكومات العربية تتطلع إلى إدارة ترامب لكبح جماح إسرائيل. وأضاف: “أعتقد أن الشعور السائد هو أن هناك مشعل حرائق في الغرفة، وأننا نريد من رجال الإطفاء أن يأتوا لإطفاء الحريق، لكنهم بدلا من ذلك، يضيفون المزيد من النار”.
وفي يوم الأحد، اتصل القادة والدبلوماسيون العرب ببعضهم البعض بشكل عاجل، سعيا لإيجاد طريقة لتجنب حرب أوسع نطاقا قد تكون لها آثار وخيمة على اقتصادياتهم ومجتمعاتهم.
فقد أثرت حرب إسرائيل في غزة والعمليات العسكرية في لبنان وسوريا والآن إيران سلبا على بعض اقتصاديات المنطقة، وسط مخاوف قطاع الأعمال من عدم الاستقرار. على سبيل المثال، تحاول مصر الخروج من الأزمة الاقتصادية، ويخشى المسؤولون من أن تؤدي حرب إقليمية إلى مزيد من التباطؤ الاقتصادي.
وقد تحدثت الحكومات العربية، التي عادة ما تكون منقسمة بشأن قضايا أخرى، بصوت واحد ضد الضربات الإسرائيلية على إيران منذ أن بدأت قبل عشرة أيام.
بعد اجتماع وزراء الخارجية في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية يوم الجمعة، أدانت مجموعة الدول الـ22 “العدوان الإسرائيلي” على إيران، ووصفته بأنه “انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة”، وقالت إن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو الدبلوماسية.
ومع دخول الولايات المتحدة الصراع مباشرة، قالت فخرو: “أي دولة لديها منشآت أمريكية لديها سبب للقلق”. وبحسب فخرو، فقد أبلغت العديد من دول الخليج واشنطن بأن الضربات على إيران لا يمكن أن تنطلق من أراضيها، وحاولت “على الأقل أن تشير إلى إيران بأنها لا تريد التورط في حال وقوع ضربة أمريكية”.
ومع ذلك، تتخذ بعض دول الخليج تدابير للتخفيف من الأضرار المحتملة. فقد أصدرت السلطات في البحرين يوم الأحد أوامر تقضي بعمل 70% من موظفي الحكومة من منازلهم، اعتبارا من الآن. وأصدرت أوامر للسائقين تحثهم على تجنب الطرق الرئيسية، حتى تتمكن سلطات الطوارئ من استخدامها عند الضرورة. وفي الكويت، فعّلت وزارة المالية خطة طوارئ لضمان استمرار الخدمات المالية “في جميع الظروف”.
وفي الأردن، حيث شاهد السكان الصواريخ الإيرانية تنطلق في السماء باتجاه إسرائيل، عطلت صفارات الإنذار من الغارات الجوية روتين الحياة اليومية، وفرّ السياح ووضعت قوات الأمن في حالة تأهب قصوى، وفقا للكاتب والمحلل السياسي الأردني طارق النعيمات.
وفي يوم الأحد، استدعى الملك عبد الله الثاني رؤساء الحكومة والأجهزة الأمنية لعقد اجتماع طارئ لمناقشة خطط الطوارئ.