أهم الاخبارعربي

صمت رسمي سوري وتسريبات إسرائيلية بشأن “اتفاقية سلام” محتملة

يكتنف الغموض حتى الآن مستوى وطبيعة الاتصالات الجارية بين الإدارة السورية والجانب الإسرائيلي. فدمشق تؤكد أن هذه الاتصالات “غير مباشرة” ولها غايات أمنية بحتة تُحيي اتفاقية فك الاشتباك عام 1974، في حين تذهب التسريبات الآتية من إسرائيل إلى أن “اتفاقية سلام” بين الجانبين ستكون جاهزة نهاية العام الحالي، وتتضمن تفاهمات حول الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ العام 1967.

تسريب إسرائيلي عن “اتفاقية سلام” قبل نهاية 2025

وآخر التسريبات عن الاتصالات الجارية ما بين دمشق وتل أبيب ما نقلته قناة “آي 24” الإسرائيلية، مساء أول من أمس الجمعة، عن “مصدر سوري”، قال إن إسرائيل وسورية ستوقعان “اتفاقية سلام” قبل نهاية العام 2025، زاعماً أن مرتفعات الجولان ستتحول بموجب الاتفاقية إلى “حديقة سلام”. وبحسب المصدر “ستنسحب إسرائيل تدريجياً من جميع الأراضي السورية التي احتلتها في المنطقة العازلة بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ”، ما يمهد الطريق التوصل إلى “اتفاقية سلام” بين الجانبين.

وعقب ذلك، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في مقابلة تلفزيونية أمس السبت، إن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي لأي اتفاقية تطبيع محتمل مع سورية، مؤكداً أن اعتراف دمشق بـ”سيادة إسرائيل” على الجولان يُعد خطوة ضرورية لإبرام اتفاقية مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

قناة إسرائيلية: الجولان سيتحول إلى حديقة سلام

ولم يصدر عن الإدارة السورية حتى ظهر أمس السبت أي تعليق على التسريبات حول توقيع “اتفاقية سلام” أو تصريحات ساعر، بيد أنها لا تنكر وجود مفاوضات “غير مباشرة” مع الجانب الإسرائيلي عبر “وسطاء دوليين” لوقف الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في جنوب سورية، كما قال الشرع أكثر من مرة، آخرها منذ أيام أثناء لقائه وجهاء وفعاليات من القنيطرة والجولان. وبعد إسقاط نظام الأسد، تجاوزت تل أبيب كل الخطوط الحمراء المرسومة في اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 واحتلت المنطقة العازلة ومناطق خارجها، وتنفذ عمليات توغل في عمق الأراضي السورية بشكل شبه يومي، بعد أن دمرت كل المقدرات العسكرية السورية أواخر العام الماضي، فضلاً عن إمعانها في تجاهل كل القرارات الدولية في هذا الشأن. مع العلم أن القرار الدولي 242 الصادر في العام 1967 يطالب اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في العدوان الذي شنته في ذلك العام. كما أن القرار 471 المعتمد في العام 1980 نص على أن “قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السوري المحتلة لاغٍ وباطل وليس له أثر قانوني دولي”.

ولا يزال مئات آلاف النازحين من الجولان منذ العام 1967 يأملون باتفاقية تتيح لهم العودة مجدداً إلى قراهم وبلداتهم. وينتظر أن تواجه الإدارة الجديدة معارضة شديدة من الشارع السوري في حال مضيّها في طريق تفاهمات تتضمن تنازلاً عن أراضٍ لصالح إسرائيل التي تستغل الأوضاع السيئة التي تمر بها سورية لإملاء شروطها، وخاصة أن الإدارة الأميركية ترغب في توسيع إطار ما يُعرف بـ”الاتفاقيات الابراهيمية”، للتطبيع مع إسرائيل، لتشمل سورية. وقال المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف أخيراً إن توسيع تلك الاتفاقيات هو أحد أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مضيفاً: “أعتقد أن هناك إعلانات مهمة جداً ستُعلن قريباً بشأن انضمام دول جديدة”، من دون أن يحددها.

الإدارة السورية لن توافق على اتفاقية لا تعيد الجولان

لكن الباحث السياسي زيدون الزعبي قال في حديث مع “العربي الجديد” إن الإدارة السورية “لن توافق على أي حل أو اتفاقية لا تعيد الجولان إلى السيادة السورية بشكل كامل وتضمن انسحاب إسرائيل إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967″، موضحاً أن التحولات السياسية عكس ذلك رهيبة جداً. وأشار إلى أن المقصود بتحويل الجولان إلى حديقة سلام “هو اقتطاعه من سورية”، مضيفاً: أنا على يقين بأن السلطة في سورية لن توافق على اتفاقية تجيز ذلك.

خالد خليل: المزاج السوري لن يقبل السلام مع دولة دموية

من جانبه، قال الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الحكومة السورية الحالية “انتقالية”، مضيفاً: ومن ثم فهي غير مخولة بتوقيع اتفاقية من هذا النوع، وخاصة أنه ليس هناك مجلس تشريعي لمراجعة هذه الاتفاقية والمصادقة عليها. وبيّن أن محاولة تحويل الجولان السوري إلى “حديقة سلام” ليست وليدة اللحظة، مشيراً إلى أن كتابه الذي حمل عنوان: المفاوضات السورية الإسرائيلية الصادر في العام 2005 تطرق إلى هذه المسألة. وبيّن أن الطرح كان يتضمن “وضع الجولان السوري تحت سيادة دولية بحيث لا يستطيع طرف ادعاء السيادة عليه”. ورأى أن هذا الطرح غير ممكن التطبيق “في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة يقودها (بنيامين) نتنياهو”، معرباً عن اعتقاده بأن المفاوضات بين دمشق وتل أبيب “غالباً محكوم عليها بالفشل بسبب وجود هذه الحكومة في إسرائيل”.

لكن المعطيات تشير إلى أن “الإدارة الأميركية تدفع باتجاه تقارب سوري إسرائيلي يُنهي حالة العداء ويؤسس لتطبيع سياسي كامل”، وفق الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي خالد خليل، الذي قال في حديث مع “العربي الجديد”، إن “طبيعة ومستوى الاتصالات الجارية لا يزالان غامضين”. وتابع: حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تستثمر بشكل دعائي في هذه المسألة. هناك بروباغندا واضحة فمسار التفاوض لا يزال وليداً. وبرأيه، تتعامل الإدارة السورية بـ”واقعية سياسية” مع هذا الأمر، مشيراً إلى أنها “أبدت الكثير من حسن النية مقابل الاعتداءات الإسرائيلية السافرة والتدخل في الشأن السوري”، مضيفاً: حكومة اليمين المتطرف تخالف الإجماع الإقليمي والدولي على إنجاح التجربة السورية.

وأعرب عن اعتقاده بأن دمشق “تريد اتفاقاً أمنياً يوقف الاعتداءات المتكررة ويضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد الثامن من ديسمبر الماضي”، مضيفاً: ربما يؤسس ذلك لاتفاق مستقبلي وتطبيع. وبرأيه فإن سورية “لن تطبّع منفردة”، معرباً عن اعتقاده بأنه لا سورية ولا إسرائيل مهيأتان لتطبيع كامل في ظل السياسة العدائية من قبل اليمين المتطرف في تل أبيب ضد حكومة الشرع والمنطقة عموماً، فضلاً عن أن المزاج السوري لن يقبل السلام مع دولة ذات طابع دموي. وقال: السلام عبر ليّ الأذرع لن يقبله السوريون. وبرأي خليل فإن مسار المفاوضات بين دمشق وتل أبيب “بدأ بالفعل”، مستدركاً: ولكن أعتقد أنه سيكون مساراً طويلاً.