المسار : قدّم مركز عدالة، بالنيابة عن النائب في الكنيست، أيمن عودة، رسالة عاجلة إلى سلطات إنفاذ القانون، أرفق معها عشرات مقاطع الفيديو، وشهادات خطية، ومنشورات تحريضية، ورأي خبير جنائي، تشير جميعها إلى إمكانية تحديد هوية المعتدين على النائب عودة ومحاسبتهم بخلاف ما لم تفعله الشرطة.
وطالب المركز باعتبار الحادثة “عملًا إرهابيًا” وتوجيه لوائح اتهام بحق المتورطين في جرائم العنف والتحريض وفقًا لذلك.
وتوجّه عدالة، في 11 آب/ أغسطس 2025، برسالة رسمية إلى المستشارة القضائية للحكومة، والمفتش العام للشرطة، ورئيس قسم التحقيقات، والمدعي العام، ووحدة التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحش)، ومسؤولين آخرين، مطالبًا بإجراء تحقيق فعّال وشامل في أحداث الشغب التي وقعت بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2025 في مدينة “نس تسيونا” وسط البلاد، والتي تعرض خلالها النائب عودة ومواطنون آخرون لاعتداءات عنيفة. كما شدد على ضرورة محاكمة جميع الضالعين في تلك الاعتداءات وفي التصريحات التحريضية التي أعقبتها، والتحقيق في تقاعس الشرطة عن القيام بواجبها.
وفي رسالة أخرى، توجه عدالة إلى رئيس بلدية “نس تسيونا” والمستشارة القانونية للبلدية، مطالبًا إياهما بالتحقيق فيما نُشر إعلاميًا حول تورط موظفين بلديين في الاعتداءات، واتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم، إضافةً إلى فحص أداء الشرطة البلدية ومسؤوليتها عن الإخفاقات في حفظ النظام.
خلفية الحدث
كان النائب عودة قد دُعي من ناشطين محليين لإلقاء كلمة في مظاهرة أسبوعية بدأت منذ إعلان وزير القضاء، ياريف ليفين، عن خطته لتغيير جهاز القضاء. وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تحوّل موضوع المظاهرات للمطالبة بإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة. وجاءت دعوة عودة بعد محاولة فاشلة لعزله من الكنيست في 14 تموز 2025، وهي المحاولة التي رافقتها تصريحات تحريضية من نواب في الائتلاف والمعارضة، من بينهم رئيس لجنة الكنيست أوفير كاتس (الليكود) الذي وصف عودة بأنه “الجبهة الثامنة” التي تحاربها إسرائيل.
وبعد إعلان مشاركة النائب عودة في المظاهرة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات للحضور ومنعه من الوصول، وقد علمت الشرطة بهذه الدعوات، بحسب شهادات، بل واقترحت على المنظمين إعادة النظر في مشاركته.
تفاصيل أحداث الشغب
وقال عدالة إنه على الرغم من معرفتها المسبقة بنوايا المعتدين، أرسلت الشرطة قوة صغيرة لم تكن مستعدة لحماية المتظاهرين أو النائب عودة. وبدأ الاعتداء على المشاركين قبل انطلاق المظاهرة، من دون أن تتخذ الشرطة أي إجراءات للفصل بينهم وبين المهاجمين. وعند وصول عودة، تعرضت سيارته لهجوم من عشرات المعتدين الذين رددوا هتافات عنصرية، منها “الموت للعرب”.
ووفق شهادات قُدمت لمركز عدالة، طلبت الشرطة من المنظمين إلغاء خطاب النائب بدلًا من تأمين إلقائه. وبعد إلقاء الخطاب، تعرض عودة ومرافقوه للرشق بآلات مؤذية. وعند محاولته مغادرة المكان، هاجمه أشخاص يحملون الحجارة والعصي، وقُذف حجر كبير على سيارته حطم زجاجها الخلفي. وقد اعتُقل ثلاثة أشخاص فقط، بينهم متظاهر تعرّض للاعتداء وأُطلق سراحه لاحقًا، كما أُفرج عن الموقوفين الآخرين بقرار قضائي.
ما بعد المظاهرة
عقب الحادثة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات وفيديوهات تمجّد الاعتداء، وبعضها دعا لتكراره. ومن بين المعلقين شخصيات عامة، مثل عضوة الكنيست، تالي غوتليب، التي أعربت عن فخرها بالمعتدين، وعضوة مجلس بلدية حيفا، زهافيت بن دافيد، التي تأسفت لعدم تعرض عودة لاعتداء مشابه في مدينتها.
وبسبب عدم تحرك الشرطة لجمع شهادات من فريق عودة أو الناشطين، بدأ مواطنون عبر الإنترنت في تحديد هوية بعض المعتدين من خلال الفيديوهات، فيما نشرت وسائل إعلام تحقيقات كشفت عن مشتبهين، بينهم مدير سابق لقسم الشرطة البلدية في “نس تسيونا”.
توجه مركز عدالة إلى سلطات إنفاذ القانون
في الرسالة الموجهة، يوم 11 آب 2025، أشار مركز عدالة إلى أن أفعال المعتدين ارتقت إلى مستوى “عمل إرهابي” وفق قانون مكافحة الإرهاب، لأنها شملت جرائم عنف خطيرة بدافع أيديولوجي وعنصري، وارتُكبت بهدف معلن يتمثل في إثارة الخوف في نفوس المتظاهرين والنائب عودة والجمهور عمومًا.
وطالب المركز بالتحقيق مع جميع المتورطين في الجرائم التي وقعت قبل وأثناء وبعد أحداث الشغب، وفتح تحقيق مع عضوة الكنيست غوتليب، بسبب تصريحاتها، وكذلك التحقيق مع ناشري المحتوى التحريضي الذي أُرفق بالرسالة، ورصد أي منشورات تحريضية إضافية.
أما بخصوص تقاعس الشرطة، فقد طالب المركز بإجراء تحقيق شامل منذ مرحلة الاستعداد للحدث وحتى التحقيق في الإخفاقات في ضبط النظام ومنع العنف، والقبض على المعتدين، والتحقيق في الحدث. كما طُلب من الشرطة ووحدة التحقيق مع أفرادها فتح تحقيقات جنائية وتأديبية في الحالات التي قد تشكل فيها أفعال أفراد الشرطة جرائم أو مخالفات تأديبية.
ودُعمت الادعاءات بعشرات الفيديوهات، وشهادات متظاهرين وأفراد من مكتب النائب عودة، فضلًا عن عشرات المنشورات التحريضية قبل الحدث وبعده. ومن بين المواد، أُرفقت أيضًا شهادة خبير في علم الجريمة، د. أريئيل ليفنيه، الذي حلل الفيديوهات لتحديد المشتبه بهم في تحطيم زجاج سيارة النائب عودة، وقدّم توصيات لخطوات تحقيق قد تؤدي إلى المسؤولين. كما أُرفقت منشورات تتضمن تحديدًا لهوية بعض المعتدين، ما يستوجب فحص الشرطة.
توجه عدالة إلى بلدية نس تسيونا
في أحد الفيديوهات التي وصلت إلى مركز عدالة، ظهر شخص عُرف بأنه مدير قسم الشرطة البلدية في بلدية نس تسيونا، وهو يبصق على سيارة النائب عودة ويضربها. وبسبب نفي البلدية استمراره في شغل منصبه، طالب مركز عدالة في رسالته إلى رئيس البلدية والمستشارة القانونية بتوضيح المسألة بشكل قاطع. كما طُلب التحقيق في احتمال مشاركة موظفين آخرين من البلدية أو الشركات البلدية في أعمال الشغب، واتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم.
وأشار المركز إلى أن الإخفاق الكبير في فرض النظام يثير القلق من وجود عيوب في أداء المفتشين البلديين أثناء عملهم، بما في ذلك تقاعسهم عن استخدام صلاحياتهم وفق القانون، وطالب بالتحقيق في هذه الإخفاقات وتقديم المفتشين المقصرين إلى المحاكمة التأديبية.
وصرّح مركز عدالة أن “الاعتداءات العنصرية التي شهدتها نس تسيونا كانت محاولة واضحة لتنفيذ إعدام ميداني جماعي، جرت أمام أعين الشرطة التي أظهرت عجزًا كاملًا في التعامل معه. وبما أن الحدث صُوّر من عشرات الزوايا، فإن حجم المعلومات المتاح للجميع يمكن بسهولة أن يحدد المشتبه بهم في أعمال العنف، وهذا يثبت أنه إذا أرادت سلطات إنفاذ القانون محاسبة المسؤولين، فإنها قادرة على ذلك بسهولة. إن تقاعس الشرطة يجعل من المنشورات التحريضية خطيرة بشكل خاص، لأن امتناع السلطات عن التعامل مع المعتدين وداعميهم يشرعن العنف السياسي والعنصري ضد الضحايا في المستقبل”.
وصرّح النائب عودة أن “محاولة الاعتداء في نس تسيونا لم تكن صدفة، كانت هجومًا سياسيًا وعنصريًا، مخططًا له، أمام شرطة بن غفير التي اختارت عدم إيقافه. العنف يبدأ في أروقة الكنيست والحكومة، حيث يحرّض نواب علنًا، ثم ينتقل إلى الشارع مع الحجارة والهتافات ‘الموت للعرب’. حتى رئيس الحكومة ورئيس الكنيست اختارا عدم الإدانة، لأن هذا بالضبط ما يريدانه. طالما أن الشرطة والنيابة العامة صامتتان، فهما تشرعنان العنف. ما جرى هو مجرد عرض تمهيدي لما تريد هذه الحكومة أن يحدث في الانتخابات المقبلة. لذلك علينا أن نقف معًا، يهودًا وعربًا، ضد الفاشية والكهانية”.