المسار : ” نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريراً أعدته سمر سعيد وروبي غرامر وعمر عبد الباقي قالوا فيه إن إسرائيل تجري محادثات وصفوها بـ”الهادئة” لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتشمل الدول التي تحدثت إليها إسرائيل ليبيا وسوريا وجنوب السودان.
وجاء في التقرير أن إسرائيل والولايات المتحدة تدفعان باتجاه تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة، في تحرك تم تقديمه من خلال منظور إنساني، لكن الحكومات في أوروبا والعالم العربي انتقدته باعتباره غير واقعي وانتهاكاً محتملاً للقانون الدولي.
وأضافت الصحيفة أن الفكرة التي درسها المسؤولون الإسرائيليون علناً منذ بداية الحرب في غزة، حظيت بقدر من الاهتمام في وقت مبكر من هذا العام، عندما قال الرئيس ترامب إن الولايات المتحدة ترغب بالسيطرة على القطاع وتعيد تطويره كوجهة سياحية دولية، مع نقل العديد من سكانه، البالغ عددهم مليوني نسمة.
إلا أن الاهتمام انتقل إلى مكان آخر، حيث ما يزال مؤيدو الفكرة يسعون لتنفيذها. ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين قولهم إن المسؤولين الإسرائيليين جسوا نبض مسؤولين في أكثر من عشر دول ومناطق، بما في ذلك ليبيا وجنوب السودان وأرض الصومال وسوريا، بشأن استقبال الفلسطينيين الذين يوافقون على مغادرة غزة.
وقال بعض الأشخاص إن إسرائيل والولايات المتحدة تضغطان أيضاً على مصر لإعادة توطين سكان القطاع في شبه جزيرة سيناء. وقد قاومت مصر، التي كانت تسيطر سابقاً على قطاع غزة، هذه الفكرة بشدة. فحدودها مع غزة تجعلها وجهة جذابة لوجستياً في نظر مؤيدي الفكرة. وقال بعض الأشخاص إن الضغط أدى إلى عدد من الاجتماعات المثيرة للجدل، بما في ذلك مشادات كلامية بين المسؤولين الإسرائيليين والمصريين.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي: “لطالما دعا الرئيس ترامب إلى حلول مبتكرة لتحسين حياة الفلسطينيين، بما في ذلك السماح لهم بالاستقرار في مكان جديد وجميل بينما يعاد إعمار غزة”، وأضافت: “ومع ذلك، يجب على حماس أولاً أن توافق على نزع سلاحها، وإنهاء هذه الحرب، وليس لدينا أي تفاصيل إضافية لتقديمها في هذا الوقت”.
وقال بعض الأشخاص إن محادثات إسرائيل لتهجير سكان غزة إلى جنوب السودان أو ليبيا مستمرة. وقال أحد الأشخاص إن المحادثات السابقة مع سوريا أو أرض الصومال، المنفصلة عن الصومال، في هذا الأمر لم تحرز تقدماً كبيراً.
وتعاني معظم الدول المقترحة من مشاكلها الخاصة، ومن الصراعات الأهلية، والاضطرابات الاقتصادية، ومن المرجح أن تواجه صعوبة في استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين. ومع ذلك، فإن موافقتها قد تقرن بمحفزات اقتصادية أو مزايا سياسية تحصل عليها مقابل استقبال سكان من غزة.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد رحّلت عدداً من المهاجرين غير الشرعيين إلى جنوب السودان، الشهر الماضي، وضغطت على عدد من الدول الأفريقية لاستقبال المرحلين من أمريكا أيضاً. وقال مسؤولون إن جنوب السودان حريص على إعادة ضبط العلاقات مع واشنطن، ما يتركه منفتحاً على استقبال المزيد من المهاجرين المرحلين من أمريكا والدخول في مناقشات مع إسرائيل بشأن قبول الفلسطينيين.
وتساءلت منظمات قانونية وجماعات إنسانية وبعض الحكومات عن فكرة ترحيل الفلسطينيين، وإن كانت طوعية كما تتحدث إسرائيل.
وحذرت جهات، ومنها ماليزيا والأمم المتحدة ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”، من أن الفكرة قد تصل إلى حد التطهير العرقي. من جهتها، نفت وزارة خارجية جنوب السودان التقارير، وقالت إن مزاعم إجراء مثل هذه المحادثات مع إسرائيل لا أساس لها من الصحة. وقال ممثل عن حكومة أرض الصومال إنه لا توجد محادثات جارية. ولم يستجب المسؤولون الليبيون والسوريون لطلبات التعليق. ونفى مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مشاركة الولايات المتحدة في المناقشات بين إسرائيل والدول الأفريقية بشأن تهجير الفلسطينيين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال، في اجتماعه مع ترامب بالبيت الأبيض في تموز/يوليو، إن إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان إيجاد مأوى للفلسطينيين الذين يرغبون في مغادرة غزة. وقال نتنياهو، بينما كان ترامب يجلس أمامه: “نحن نعمل مع الولايات المتحدة عن كثب لإيجاد دولٍ تسعى إلى تحقيق ما قالوا دائماً، إنهم يريدون منح الفلسطينيين مستقبلاً أفضل”.
وكان المسؤولون الإسرائيليون قد دعوا إلى ترحيل الفلسطينيين من غزة قبل وقت طويل من طرح ترامب فكرته بشأن “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وفي غضون أسبوع من الهجمات التي قادتها “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدمت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك، غيلا غامليل، إلى الحكومة خطة لتعزيز الهجرة من غزة بهدف تهجير 1.7 مليون فلسطيني، وفقاً لما ذكرته في منشور على موقع إكس، في أيار/مايو.
وقد أيد مسؤولون من اليمين المتطرف مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الفكرة بحماس، وبخاصة أنهم دافعوا عنها ولسنوات.
وقال بن غفير، أثناء مؤتمر عقد لإعادة الاستيطان في غزة في تشرين الأول/أكتوبر: “شجعوا الهجرة! شجعوا الهجرة! شجعوا الهجرة!”، مضيفاً: “بصراحة، هذا هو الحل الأكثر أخلاقية وصواباً. ليس بالقوة، بل قل لهم: نحن نمنحكم خيار المغادرة إلى دول مختلفة. أرض إسرائيل لنا”.
وعندما تحدث ترامب عن استيلاء الولايات المتحدة على غزة، سارع نتنياهو وحكومته لتبنيها والإشادة بها.
وفي شباط/فبراير، أنشأ وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس قسماً جديداً في الوزارة للإشراف على المغادرة الطوعية لسكان غزة.
ومع ذلك، يعدّ التهجير القسري جريمة بموجب اتفاقيات جنيف، التي تعد إسرائيل طرفاً فيها، ولا يُسمح به إلا في ظروف ضيقة، مثل الإخلاء المؤقت لسلامة المدنيين أو الضرورة العسكرية. وقال خبراء قانونيون إسرائيليون ودوليون إن استيفاء هذه المعايير صعب، وإن بيئة غزة التي مزقتها الحرب تجعل من الحجج القائلة بأن عمليات النقل ستكون طوعية غير منطقية.
وتشكل جهود تشجيع المغادرة معضلة للعديد من الفلسطينيين العالقين في القطاع، حيث يعاني القطاع من نقص حاد في الغذاء. وقد نزح الكثيرون من منازلهم، وتضرر معظم المباني، وقُتل أكثر من 61,000 شخص.
وهناك من يرغب في غزة، وبخاصة الشباب، أو العائلات التي لديها أطفال أو أقارب يعانون من أمراض، في المغادرة. لكن القرار يحمل الآن دلالات سياسية، بالإضافة إلى خطر عدم قدرتهم على العودة. وتواجه المنظمات الإنسانية والحكومات الإقليمية التي قد ترغب في مساعدة الفلسطينيين على المغادرة معضلة مماثلة.
وقالت تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة “غيشا”، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان والقانون: “المشكلة هي أن إسرائيل بحاجة إلى ضمان قدرة الناس على العودة متى شاءوا”. وأضافت: “إن مخططات الهجرة الطوعية، أو غيرها من خطط ترحيل الأشخاص، لا علاقة لها بالاحتياجات الأمنية أو الإنسانية للفلسطينيين”.