أثر محدود لتقييد صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل

رباح
8 Min Read

المسار : مثّل تقييد الحكومة الألمانية بقيادة المستشار فريدريش ميرز صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في حرب غزة إلى إسرائيل، نقطة تحول، ليس في العلاقة التاريخية بين برلين وتل أبيب فحسب، بل في مسؤولية ألمانيا السياسية والإنسانية ضد شعب يتعرض للتجويع والإبادة، وبعدما لم يعد ميرز يرى كيف تنوي إسرائيل تحقيق أهدافها. هذه الاندفاعة الألمانية المفاجئة طرحت تساؤلات عن مدى تأثيرها على التعاون العسكري المستقبلي مع إسرائيل وخطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل، لاسيما وأن قرار حظر الأسلحة الألمانية الجزئي، فوري وحتى إشعار آخر.

الأسلحة الألمانية محظورة

وكانت الحكومة الألمانية أعلنت في شهر أغسطس/آب الحالي، تعليق تزويد إسرائيل بالأسلحة التي يمكن استخدامها في قطاع غزة. وأعلن ميرز، وهو زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، في 8 أغسطس، عن قراره، معرباً عن “قلق الحكومة العميق بشأن استمرار معاناة الأهالي المدنيين في قطاع غزة”. واعتبر أنه “مع هذا الهجوم المخطط، تتحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية أكبر من ذي قبل عن توفير احتياجاتهم”. وأعلن أنه “في ظل هذه الظروف، لن توافق الحكومة الألمانية حتى إشعار آخر على تصدير أي معدات عسكرية يمكن استخدامها في غزة”.

تجدر الإشارة إلى أن برلين خلصت إلى أن الدافع لتقييد صادرات الأسلحة الألمانية إلى تل أبيب كان قرار الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الغزيين وتوسيع سيطرتها على القطاع، وهذا ما يجعل من الصعب وبشكل متزايد رؤية كيفية تحقيق هذه الأهداف، ولذلك فإنها لن تأذن وحتى إشعار آخر بتصدير معدات عسكرية يمكن استخدامها في قطاع غزة.

زين حسين: الحظر لا يشمل سوى الأسلحة التي لا تعد أساسية للدفاع عن النفس للإسرائيليين

يذكر أن ألمانيا كانت وافقت على تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة تقارب نصف مليار يورو، منذ هجوم 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، بحسب ردّ لوزارة الاقتصاد الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب “اليسار”، في بداية يونيو/حزيران الماضي، حيث جاء فيه أنه خلال الفترة من 7 أكتوبر 2023 حتى 13 مايو/أيار 2025 سُمح بتسليم أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 485.1 مليون يورو إلى دولة الاحتلال. وبلغت مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية الألمانية إلى تل أبيب 161.1 مليون يورو في عام 2024. وبحسب وكالة الأناضول التركية للأنباء، في يونيو/حزيران الماضي، فإن الحكومة الألمانية (السابقة بقيادة أولاف شولتز) وافقت في 2023 مع اندلاع الحرب على بيع أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 327 مليون يورو إلى إسرائيل، محققة بذلك ارتفاعاً قدره 10 أضعاف مقارنة بعام 2022. وبالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة، تُزود الصناعات الألمانية إسرائيل بقذائف وأنظمة كهروضوئية، ومجمعات تستخدمها الصناعات العسكرية في إنتاج الصواريخ والقذائف وأنواع مختلفة من الذخائر.

وتعليقاً على قرار برلين، رأى الباحث في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، زين حسين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “التأثير المباشر لقرار الحظر الجزئي لصادرات الأسلحة الألمانية على العملية العسكرية في غزة، سيكون محدوداً على المدى القصير، لأن البنية التحتية للجيش الاسرائيلي لا تزال تعمل بكفاءة عالية، والقوات المسلحة الإسرائيلية تعتمد أساساً على الأسلحة الأميركية في حربها ضد حركة حماس”. علاوة على ذلك، برأيه، فإن إسرائيل “تمتلك قطاع صناعة أسلحة يتمتع بقدرات يمكن لها أن تنتج كميات كبيرة من المعدات والأسلحة والذخائر تستفيد منها في حروبها، ناهيك عن أن الحظر وفق ما رشح من معلومات لا يشمل سوى الأسلحة التي لا تعد أساسية للدفاع عن النفس للإسرائيليين”.

ومع تعدد الاعتبارات، أوضح تورستن بينر، من معهد السياسات العامة العالمية، مع موقع فوكوس أونلاين، أن ما يؤدي دوراً في القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي على الأرض هو أجهزة إرسال مركبة المشاة القتالية ميركافا، لكن لا تزال عملية تصدير هذه الأجهزة من ألمانيا معلّقة بحكم الدعوى القضائية التي رفعها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، مبيناً أنّ المحكمة الإدارية في ولاية هيسن ستبت بالأمر قريباً.

بعض الشركات الألمانية قد تتخذ تدابير للالتفاف على القيود

أسلحة تستخدم في غزة

بيّنت التقارير أن ألمانيا أرسلت في العام 2025 إلى إسرائيل دفعات أصغر حجماً من الأسلحة والذخائر وأنظمة لاسلكية ومعدات إلكترونية وبرمجيات عسكرية ودبّابات، إلى معدات متخصصة للبحرية الاسرائيلية أفيد بأنها حملت مكونات لسفن حربية صغيرة مزودة برادار ومدافع متطورة من طراز “ساعر” منتشرة حالياً في قطاع غزة. وذكرت صحيفة دير شبيغل أنّ ما سلّمته ألمانيا أخيراً من شحنات أسلحة لتل أبيب شمل 3 آلاف سلاح محمول مضاد للدبّابات و500 ألف طلقة ذخيرة لرشاشات قصيرة وأسلحة نارية آلية ونصف آلية، إلى تسليم قطع غيار لطائرات الهليكوبتر والدبابات. ومن المعلوم أنّ 30% من واردات الأسلحة الإسرائيلية تأتي من ألمانيا و69% من الولايات المتحدة و1% من إيطاليا.

الأسلحة الإسرائيلية أكثر أهمية

أكد البروفسور في جامعة الجيش الألماني في ميونخ كارلو ماسالا، لشبكة التحرير الألمانية، أخيراً، أن اعتماد برلين على الأسلحة الإسرائيلية أكثر أهمية من شحنات الأسلحة الألمانية لإسرائيل، لأن ألمانيا تستورد من تل أبيب نظام الدفاع الجوي “آرو 3” وطائرات الاستطلاع المسيّرة المسلحة “هيرون تي بي” وبقيمة إجمالية تصل إلى 4.5 مليارات يورو. وأوضح أنه من الصعب استبدال “آرو 3” بسهولة، وأن “النكسة” الأكبر قد تكون الاضطرار إلى التخلي عن المعلومات الإسرائيلية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي العسكري وما لها من نتائج على العمل الاستخباري.

زيادة عزلة إسرائيل

وفي حين أن القرار الحكومي الألماني كان رسالة سياسية بالدرجة الأولى، ولاقى تقديراً لدى العديد من الأوساط السياسية المحلية، بينها من حزب الخضر، إذ طالبت الزعيمة المشاركة في زعامة الحزب البيئي فرانسيسكا برانتنر الحكومة الفيدرالية والمستشار ووزير الخارجية يوهان فادفول بالدعوة فوراً إلى إيجاد حلّ وبلورة منظور سياسي، والضغط لإنهاء الحرب والكارثة الإنسانية، كما طالبت بألا تمنع برلين بعد الآن العمل الأوروبي المتواصل في هذا الاتجاه، بل أن تأخذ زمام المبادرة.

وكان رئيس كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي في البوندستاغ (البرلمان الألماني) ينس شبان دافع عن قرار ميرز، مشدداً في رسالة عبر الفيديو على أن ألمانيا تبذل قصارى جهدها لضمان بقاء العلاقات الألمانية الإسرائيلية سليمة، واستئناف برلين عمليات تسليم الأسلحة في أسرع وقت ممكن، كما وإعطاء دفعة جديدة للتنمية السلمية في الشرق الأوسط. وأضاف أن حق إسرائيل في الوجود وأمنها سيظل مصلحة عليا لألمانيا، وهذا ما يميّز ألمانيا عن الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وبريطانيا العظمى، وفق رأيه.

Loading

Share This Article