الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

رباح
58 Min Read
 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 20/8/2025

مصادر في واشنطن: ترامب لن يتدخل.. سيترك “خيار الحرب والصفقة” بيد نتنياهو

بقلم: حاييم لفنسون

رد حماس الإيجابي لدول الوساطة، علينا أن نأخذ بحذر. الكرة الآن في ملعب ترامب.  افترضت قطر أنها إذا نجحت في إقناع حماس بالموافقة على الخطة الجزئية التي عرضها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في الشهر الماضي، فسيطلب ترامب من نتنياهو التوقيع عليها. ولكن مصادر في واشنطن قالت إنه لا يبدو أنه في نية الرئيس التدخل، وأنه سيترك القرار في يد إسرائيل.

في غضون ذلك، يواصل نتنياهو استراتيجيته للحفاظ على الحرب الخالدة، التي تحافظ على وحدة الحكومة وتوصله إلى الانتخابات في أقصى موعد ممكن. كل بضعة أيام ينشر مناورة أخرى وأكاذيب فظة، في حين أن الهدف نفسه. أطلق المتحدث بلسان نتنياهو إحاطة باسم “مصدر سياسي” قال فيها إن “سياسة إسرائيل لم تتغير”. “إسرائيل تطالب بإطلاق سراح جميع المخطوفين بحسب المبادئ التي حددها الكابنت”، كتب. ولكن لا توجد كذبة أكبر من ذلك.

سياسة إسرائيل تغيرت بشكل كامل. يجب ان نتذكر أمام ماكينة الكذب بأن الصفقات الجزئية كانت بسبب نتنياهو. كان موقف حماس، منذ بداية 2024، وجوب تضمين تحرير كل المخطوفين مقابل إنهاء الحرب. ولكن لعدم رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب، تولد في واشنطن فكرة “الصفقة الإنسانية” لإطلاق سراح 40 مخطوفاً مريضاً، من المسنين والنساء. ولكن حتى هذه الصفقة، قام نتنياهو بتأجيلها عدة مرات بثمن حياة المخطوفين الستة الذين قتلوا في رفح، إلى أن فرضها عليه ويتكوف وترامب عشية انتخابه.

خشي نتنياهو في حينه من بدء علاقته مع ترامب بالقدم اليسرى. لو صمد أمام الضغط لأسبوع آخر، لما عاد المخطوفون الذين أطلق سراحهم في الصفقة الأخيرة. يطرح نتنياهو في كل مرة شروطاً جديدة لكسب الوقت، ويطرح طلبات تافهة لتفجير المفاوضات. طوال ثلاثة أشهر، كانت مطالبته بترحيل قادة حماس الشرط “الأساسي الذي لا يمكن التنازل عنه”. والآن، لا يوجد ذكر لأي شرط من الشروط الخمسة التي طرحها الأسبوع الماضي لإنهاء الحرب.

بعد أشهر رفض فيها ذلك، يقول نتنياهو الآن إنه سيرفض صفقة جزئية لا تؤدي إلى إنهاء الحرب. مليء بالتشجيع بوعده بغزو غزة، يعاني نتنياهو من غرور مفرط، وهو على قناعة بأن يده هي العليا. وقد اقتنع بذلك في أيار عشية إنشاء صندوق غزة الإنسانين، وفي السنة الماضية عشية احتلال رفح، الذي لم يضف أي شيء ولم ينقص أي شيء باستثناء أرواح الجنود والرهائن. وكان إنشاء الصندوق هدفاً شخصياً مجيداً، أدى إلى انهيار سياسي لا يمكن للحكومة أن توقفه.

السؤال الآن: كيف سيتصرف ترامب؟ أمس، عبر الرئيس الأمريكي عن دعمه العلني لموقف نتنياهو الذي يقول بأن تصفية حماس وحدها هي ما تحرر المخطوفين. كان نتنياهو ورجاله مسرورين من بيانه الذي منحهم الثقة لمواصلة الانشغال بـ “تصفية حماس” بدلاً من الانشغال بالصفقة في الأشهر القريبة القادمة. إذا أدرك ترامب أن دعمه لنتنياهو يبعد إنهاء الحرب فعندها سيفرض عليه الصفقة التي تطبخها قطر ومصر.

——————————————

معاريف 20/8/2025

بعد إطلاق سراح قاتل الهذالين.. المستوطنون في الضفة: سيجرون مقابلاتهم في “بلاد أخرى”

منذ ساعتين

بقلم: ران أدليست

المخطوفون سبب وجيه لإسقاط الحكومة، وإسقاط المنظومة التي تجري تحتها حالات، كقصة موت الفلسطيني عودة الهذالين من قرية أم الخير في جبل الخليل. يانون ليفي، المشتبه به بإطلاق النار، كانت الولايات المتحدة أدخلته في القائمة السوداء بسبب ضلوعه في أحداث عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

لكن ليفي يرى نفسه مدعوماً من الصهيونية القومجية والمستوطنة والمسيحانية، تلك التي تضحي بالمخطوفين وكأنها حلوى تختطف، وبشكل غير مباشر من حكومة إسرائيل، والجيش الإسرائيلي، و”الشاباك”، وشرطة إسرائيل، والإدارة المدنية، وجهاز القضاء، ودولة إسرائيل كلها. بمساعدة هذه المنظومات كلها، يمكن الوصول إلى وضع مطلق النار المشبوه “بالإماتة بخف عقل” يحرر بعد “تحقيق”، يعود إلى ساحة الجريمة ويشرف على عمل الجرافات أمام وجوه سكان القرية.

إضافة إلى ليفي، تم اعتقال بضعة فلسطينيين في ذاك الحدث للاشتباه بالاعتداء، واعتقال ناشطين ذوي جنسية أجنبية حاولا التدخل بالكاميرات التي وثقت إطلاق النار. “جزء من منشوراتهم تشهد على خط مناهض لإسرائيل”، شرح المحامي أفيحاي حجبي، الذي يمثل ليفي عن منظمة “حيننو”. طلب المحامي أن يعرف إذا كان “الفوضويون” موجودين في المعتقل أيضاً. المدعي العام أكد. وادعى حجبي بوجوب فحص إذا كانت نار ليفي مست بالقتيل، وهل هناك فتوى طبية أو نتائج فحصية واضحة. على حد قوله، “قبل الحديث عن الدفاع عن النفس، يجب أن نعرف إذا كانت هناك رصاصة في الجسد، ثقب دخول وخروج”. فأجاب المدعي العام: “شهادة الطبيب موجودة في الملف”.

في مداولات تمديد الاعتقال، اعتقدت القاضية حفي توكر بأن ادعاء الدفاع عن النفس من جانب ليفي يلقى تعزيزاً من شهادتين، وأن الخطر المحدق من ليفي ليس بالشدة التي تبرر استمرار الإقامة الجبرية. بالتوازي، مدد اعتقال بعض من سكان القرية. جثة الهذالين لم تحرر بالدفن إلا بعد أن قدمت العائلة التماساً إلى محكمة العدل العليا، فيما جرت الجنازة بقليل من المشاركين.

إن الحساب القومجي للمستوطنين مع الهذالين، المربي والناشط المعروف ضد طرد السكان الفلسطينيين من أم الخير، يرتبط أيضاً بتضمين الفيلم الوثائقي الحاصر على الأوسكار “لا توجد بلاد أخرى”، مقابلة معه. أم الخير، على بؤرة استهداف المستوطنين منذ سنين، وتشهد القرية زيارات ليلية عنيفة لمستوطنين برعاية جنود الجيش الإسرائيلي، وإدخال آليات ثقيلة لأجل “تنظيف” القرية من الأشجار. القسم الأكثر إرهاباً هو تلبد إحساس الجمهور الغفير، الذي يتعرف بحقن متدنية على المظالم اليومية التي تقع في “المناطق” [الضفة الغربية]. بالإجمال، هذا كان يوماً عادياً آخر في الضفة.

——————————————

إسرائيل اليوم 20/8/2025

الكذبة الكبرى التي ستفجر الشارع الإسرائيلي: “سياستنا ثابتة لا تتغير”

بقلم: يوآف ليمور

  صحيح أن بيان “المصدر السياسي” الكبير مكتوب بعلامات تعجب، لكنه مليء بعلامات الاستفهام، ويترك مجال مرونة غير صغير لنتنياهو الذي يناور بين تعهدات وضغوط متضاربة.

يبدأ البيان بكلمات “السياسة الإسرائيلية ثابتة ولم تتغير”. كان يمكن لهذا أن يكون مضحكاً لو لم يتعلق بحياة الإنسان – مخطوفين وجنود، لأن السياسة الإسرائيلية ليست ثابتة. قبل ثلاثة أسابيع، عملت إسرائيل على الاتفاق الجزئي المعروض عليها الآن، قبل أن يغير نتنياهو رأيه ويعلن عن رغبته في اتفاق شامل. وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة على التذبذب في السياسة الإسرائيلية.

الجملة الثانية في البيان تقضي بأن إسرائيل “تطالب بتحرير كل المخطوفين الخمسين، وفقاً للمبادئ التي قررها الكابنت لإنهاء الحرب”. هذه المبادئ واسعة جداً، وتتضمن بنوداً مثل “نزع سلاح حماس وتجريد القطاع”، وكفيلة بأن تتواصل إلى الأبد ودون أي اتفاق حولها. ولا يملك المخطوفون وقتاً لانتظار تحقق هذه الأهداف، ناهيك عن أنه لم يبدأ بعد الانشغال بمن سيحكم القطاع في المستقبل.

الجملة الثالثة في البيان تلمح بأن نتنياهو يعتقد أن للإسرائيليين مشكلة عسيرة في الذاكرة. “نحن في مرحلة الحسم النهائي لحماس، ولن نبقي أي مخطوف في الخلف”. من الصعب أن نحصي المرات التي وعد فيها نتنياهو أننا قريبون/على شفا/على مسافة لمسة عن النصر/ الحسم. هذا لم يحصل بالترهات منذئذ، ولن يحصل بإصدار بيان الآن. حماس حسمت عسكرياً منذ زمن بعيد، ما تبقى هو حجمها سياسياً، الأمر الذي يتفاداه نتنياهو بثبات لأسباب ائتلافية.

في القراءة الأولى، يستوجب ظاهراً القول إن هذا البيان يرفض اقتراح الوسطاء لأنه يقرر إما كل شيء أو لا شيء: إما تحرير كل المخطوفين معاً مع تجريد القطاع وإقامة حكم بديل فيه أو حرب حتى النهاية. غير أنه في قراءة أخرى، نلاحظ وجود مجال مناورة فيه. فهو لا يربط كل الأمور بجملة واحدة، بل يقضي بأن عليها أن تنفذ جميعاً. كما أنه لا يشترط إعادة كل المخطوفين في دفعة واحدة، بل يوضح أن في نية إسرائيل إعادتهم إلى الديار جميعاً. كيف ومتى سيحصل هذا – هذا منوط بالتحليلات والمفاوضات.

من يدفع في غزة؟

نتنياهو يكسب الوقت، لكنه في أزمة غير بسيطة: بين شركائه الائتلافيين الذين يهددون بتفكيك حكومته من جهة، وضغط جماهيري تعاظم جداً الأسبوع الأخير من جهة أخرى. وثمة ضغط موازٍ يجري في الساحة الدولية، بين تخوف إسرائيل من هدنة طويلة تعزز حكم حماس وعملياً تخلده، وبين حاجتها لتحظى من جديد ببعض من الشرعية الدولية التي فقدتها في الأسابيع الأخيرة، على خلفية “حملة التجويع” التي أدارتها حماس.

قد تحاول إسرائيل فحص إمكانية استبدال المنحى الجزئي المقترح (10 مخطوفين و18 جثة مقابل 140 – 150 سجيناً مؤبداً، انسحاب إلى حزام أمني، تسريع المساعدات الإنسانية ووقف نار لـ 60 يوماً) بمنحى أوسع يتضمن الشروط التي قررها الكابنت. ثم شك في هذا، ويتطلب هذا شرطين أساسيين: الأول، وجود دائم لتهديد عسكري مصداق على حماس لتوسيع الحرب. والثاني، ضغط دولي على حماس (وعلى إسرائيل أيضاً).

ربما تكون هذه هي الساعة التي يتعين فيها على الولايات المتحدة أن تضع على الطاولة، علناً، اقتراحاً يتضمن علاقات مع السعودية ومع دول إسلامية أخرى، يبنى في إطاره أيضاً جهاز يكون مسؤولاً عن الحكم في قطاع غزة وإعماره بعد الحرب.

ثلاث ملاحظات:

1ـ بالنسبة لمصر التي عادت لتكون محور الوساطة المركزي، مثلما يفترض بها أن تكون دوماً، بحكم مكانتها وموقعها الجغرافي وعدائها للإخوان المسلمين أيضاً). ليس هذا سوى واحد من الأضرار التي سببها التسليم الإسرائيلي لقطر، والذي انكشف بعضه في قضية يحقق فيها الآن على الارتباطات بينها وبين مقربي نتنياهو.

2 ـ بالنسبة للإمكانيات، تحاول إسرائيل الحصول على كل شيء وتخاطر بأن تبقى بلا أي شيء. في المعضلة المعروفة، إذا كان من الأفضل عشرة مخطوفين أحياء أو المخاطرة بموتهم، فعلى الحكومة أن تشرح كيف تعتزم إعادة الجميع إلى الديار. فقولها إن ضغطاً عسكرياً سيفعل هذا يمكن تحديه بسهولة، في ضوء دروس السنتين الأخيرتين.

3 ـ أما بالنسبة للعائلات، فبعضها تلقى بلاغاً من مديرية المخطوفين حول إذا كانت بحاجة إلى مساعدات في الاستعدادات للأعياد، بمعنى بقاء المخطوفين يفترض في غزة حتى ذلك الحين. أمس، قيل لها إن المحادثات تجري بسرية، وإنه لا يمكن اطلاعها على التفاصيل. يخيل أن بعض الحساسية لن يضر. احتجاج يوم الأحد علمنا بأنه لا يمكن إسكات العائلات أو إسكات الشعب. إذا كان الاتفاق المقترح سيُعرقل، فستتفجر الصرخة التي يجمعها إسرائيليون كثيرون على وضعهم بصوت أعظم مما في الماضي.

——————————————-

هآرتس 20/8/2025

عقب الأزمة مع أستراليا.. للإسرائيليين: أتظنون أن العالم سيميز بين “الدولة” و”الحكومة” إلى الأبد؟

بقلم: أسرة التحرير

رئيس الوزراء لم يكتف بسبع ساحات حرب في السنتين الأخيرتين. يبدو أنه مصمم على إعلان حرب على العالم كله، ثم جر يهود العالم مع دولة إسرائيل إلى الهوة.

هذا الأسبوع جاء دور رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز. منذ أن قرر الاعتراف بدولة فلسطينية، فُتحت مواجهة سياسية حادة، وأطلق نتنياهو نحوه اتهامات منفلتة العقال بالإنجليزية في حسابه على x: “سيذكرك التاريخ كسياسي ضعيف خان إسرائيل وهجر يهود بلاده”.

ألبانيز لم يخن لا إسرائيل ولا يهود أستراليا. لكن نتنياهو كما هو الحال دوماً، يسقط نفسه على الآخرين: ضعيف غير قادر على أن يقرر شيئاً؛ يضعضع مكانة إسرائيل في العالم؛ ويترك مواطنيه لمصيرهم، ويشخص أي نقد على سياسته مع اللاسامية، وهكذا يزيد الكراهية لليهود في أرجاء العالم. أقوال مثل قول نتنياهو لا تقلل من الضغط على الجالية اليهودية في أستراليا عقب موجة اللاسامية – بل العكس.

الأستراليون يدققون من جهتهم. وزيرة الخارجية بيني وونغ، قالت إن حكومة نتنياهو “تعزل إسرائيل وتقوض الجهود الدولية من أجل السلام وحل الدولتين”. جاء تصريحها عقب قرار إسرائيل إلغاء تأشيرات لمندوبي أستراليا في السلطة الفلسطينية، في خطوة ثأرية على سحب تأشيرة النائب سمحا روتمان، الذي يمثل اليمين الإسرائيلي الهاذي.

أستراليا تقول ما بدأ كل العالم يقوله: دولة إسرائيل ليست حكومتها الهدامة. فيها أجزاء سوية العقل وسليمة يمكنها القيادة إلى مسار الانبعاث، وترك هذيان النكبة والترحيل، والعودة إلى مسيرة سياسية تقوم في نهايتها دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. حالياً، توجه العقوبات إلى الكهانيين ورسلهم في الكنيست والحكومة. إسرائيل بن غفير وسموتريتش، غير مرغوب فيها.

وزير الداخلية الأسترالي توني بيرك، قال هذا ببساطة لشبكة “سكاي نيوز”: دولته ستمنع “كل من ينشر رسائل كراهية وانقسام” من دخول أبوابها. وجاء في القرار أن وجود روتمان “يشوش حفظ القانون، ويتسبب بشرخ اجتماعي، ويشعل تصريحات مهيجة أخرى”. كله صحيح. العالم مل من مجانين إسرائيل.

هناك إمكانيتان: إما أن تنطوي إسرائيل أخيراً في حدودها الطبيعية والقابلة للدفاع، أو تتكاثر دوائر النبذ، وفي النهاية تحل على كل الإسرائيليين جميعاً، بلا تمييز. ليس واضحاً على الإطلاق كم من الوقت سيبقى العالم يميز بين دولة إسرائيل وحكومتها. هذا التمييز ربما بات ينتمي إلى الماضي.

——————————————

يديعوت أحرونوت 20/8/2025

حالة ترقب وتشويش بعد رد حماس: لماذا يرفض نتنياهو ما سبق أن وافق عليه؟

بقلم: سيما كدمون

أنا مشوشة. لا أجد يدي وقدمي بين كثرة المعلومات، لا أتمكن من تحسس طريقي في متاهة كبرى للمصالح التي أمامي. أقرأ الأنباء، أستمع إلى التحليلات، ولا أنجح في الجسر بين الأمر ونقيضه، بين نبأ ما وذاك الذي حل محله، بين من يريدون أن نفهم ومن اعتقدوا أننا فهمنا.

أو بشكل ملموس أكثر: بين احتلال وصفقة، بين يأس وأمل، بين صفقة جزئية وصفقة كاملة، بين سياسة ثابتة وسياسة متذبذبة، بين حماس “معززة” وحماس “مضغوطة”، بين هذه التي استجابت لاقتراح الوزراء وبين الموافقة على “تعديلات طفيفة”. وإذا ما أخذنا الأمر بشكل شخصي أكثر: بين يريف “مغير الأقفال” الذي يغلق الباب في وجه المستشارة القانونية للحكومة ويرفض مصافحة رئيس المحكمة العليا، وبين لفين “المصدوم” من سلوك النائبة غوتليف التي وصفت أمس رجل حراسة المحكمة “بهيمة”، والحراس “يودنرات”.

ينبغي للمرء أن يقرأ عناوين الصحف في اليومين الأخيرين، اليوم التالي للاحتجاج الأكبر الذي اتهم فيه نتنياهو المتظاهرين أنهم مؤيدون لحماس، وأن الاحتجاجات ضامنة لتكرار فظائع 7 أكتوبر. وكيف لوزراء الحكومة، الذين تهجموا على مئات الآلاف الذين خرجوا إلى الشوارع، واتهموهم بأنهم يخدمون حماس ويعززونها ويشجعون رفض الخدمة.

كم من الشر يحتاج المرء كي يقول لمئات آلاف المواطنين، ممن لكثيرين منهم بنات وبنون يقاتلون في غزة، إنه يتعين عليهم أن يقاتلوا في حرب لا نهاية لها. كم من انعدام الخجل يحتاج المرء كي يتوجه إلى عائلات المخطوفين ويتهمهم بإحباط الصفقة. كم من التهكم يحتاج المرء كي يجعل نتنياهو بعد سنتين من الكارثة الأكبر للشعب اليهودي منذ المحرقة ألا يتحمل المسؤولية عن الكارثة، بل يعنى بإلقاء الذنب على المتظاهرين.

امتلأت الصفحات الأولى بنبأ يشهد على عكس الأمور: فقد ادعت التقارير بأن حماس تريد صفقة، وأنها استجابت للاقتراح المطروح عليها. ونتنياهو، الذي ادعى قبل يوم بأن حماس معززة بسبب المظاهرات، يدعي الآن بأن “حماس في ضغط ذري” – هذا ما قاله بعد زيارة لفرقة غزة مع وزير دفاعه الهجومي، الرجل الذي قال عن نفسه إنه شارك “مشاركة مركزية في بلورة أهداف وقدرات الجيش قبيل الهجوم في إيران”، وبضع كلمات أخرى مثل “وجهت”، “قدت”، “عرضت”، “بلورت”، “نفذت”.

إذن من نصدق، يد نتنياهو اليمنى أم اليسرى؟ يده المحتلة أم تلك التي تجري مفاوضات. تفيد التجربة بأن نتنياهو لا يقصد ما يقوله، ولا يقول ما يقصده. لاجتياز خطاباته، ينبغي عزل الأكاذيب وإسكات الحقائق، والتلاعب، من أجل مصالحه. الأمر الوحيد الذي قد يرشدنا، نحن المشوشين، هو أنه لا يمكن الثقة بما يقال نيابة عنه أو عن مقربيه. خسارة أيضاً محاولة تحليل الألغاز. ربما نعرف إلى أي أذن قيل هذا، وأي مصلحة استهدف خدمتها. ولعل هذا ما يريده نتنياهو. الوصول إلى وضع لا يهم ما يحصل فيه، ويمكنه أن يقول دوماً “انتصرت”. إذا حدثت صفقة أثنيتهم بتهديداتي. وإذا لم تحدث لم أستسلم لنزعة اليساريين الانهزامية.

في واقع طبيعي، كان رئيس الوزراء يقول نواياه: في واقع طبيعي كنا سنصدقه. لكن في الواقع الذي يسود في هذه الأيام لا يمكن تصديق أي شيء. يدعي اليمين بأن سبب وجود موافقة من جانب حماس هو الخوف من احتلال غزة. إن التهديد بالاحتلال هو الذي جعل حماس تلين. هل احتلال غزة يشكل ضغطاً على حماس للموافقة على المفاوضات، أم أن هذا ما يريده نتنياهو كي يحفظ حكومة سموتريتش – بن غفير؟

ربما تصرفت حماس هذه المرة بحكمة ولم تعد إلى الوسطاء بعشرات التعديلات. وهكذا تجبر نتنياهو على أن يجتهد للإقناع، لماذا لا يقبل الاقتراح الذي استجابت له حماس؟

في الأجواء إحساس بأن شيئاً ما يحصل. إن أموراً تجري الآن من خلف ظهرنا. لعلنا قريبون من صفقة أكثر مما نؤمن.

لحظة، صفقة أم نصف صفقة؟

——————————————

هآرتس 20/8/2025

استدلالاً بـ “مجزرة كفر قاسم”.. لزامير وجنوده: سيأتي يوم يحملكم السياسيون مسؤولية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية

بقلم: غال ليبرتوف

في تشرين الثاني 1948 نشر نتان ألترمان في العمود السابع قصيدة بعنوان “حول هذا الموضوع”، بشأن جندي إسرائيلي شاب قرر تجربة بندقيته، فأطلق النار وقتل عجوزاً في مدينة محتلة. لم يعط ألترمان أي تفاصيل تمكن من تشخيص القاتل أو القتيل أو ساحة القتل. مناحيم فنكلشتاين يذكر بأن هذه القصيدة نشرت بعد فترة قصيرة من عودة الشاعر نفسه من القتال في المنطقة الجنوبية. ربما عرف عن الحادثة هناك، وربما حدثه عنها إسحق سديه. في كل الحالات، كتب الشاعر في النسخة المحدثة للقصيدة: “لأننا نحمل سلاح الحرب نحن معهم/ البعض فعلياً والبعض بموافقة جزئية/ يتم دفعهم بتمتمة “الضرورة” و”الانتقام”/ إلى عالم مجرمي الحرب”.

إن أقوال بصيغة “لا يوجد خيار” و”لا يوجد أشخاص غير مشاركين” بعد 7 أكتوبر، ما زلنا نسمعها، ليس بتمتمة، بل إن المختلف يزيد على المتشابه. ونذكر بأن ألترمان حذر مما اعتبره أموراً شاذة، “مقموعة”، قد تتحول وتصبح قاعدة، لأن الأعشاب الضارة ربما تنتشر إذا لم تتم معاقبتها.

في الواقع الحالي، ما يروي الأعشاب الضارة ويرعاها ويسمدها حكومة تحتقر القانون. والمواطنون الغزيون الذين يجمعون الطعام يتم إطلاق النار عليهم، ليس من أجل “تجربة السلاح”، بل حسب روحية القائد الذي يجلس في القدس. رئيس الحكومة في حينه، دافيد بن غوريون، أمر بطباعة قصيدة ألترمان وتوزيعها على جنود الجيش الإسرائيلي. يسهل تخمين ماذا سيفعل بقصيدة مثل هذه القصيدة الآن، ولا نريد التحدث عما سيتم فعله بكاتبها. الجميع في حينه لم يحبوا قصيدة ألترمان، لكنهم أيدوه بسبب أقواله، ومدحوا حرية التعبير والنقاش. الفنانون الآن، الذين يتجرأون على إسماع صوتهم حول ما يتم فعله في غزة، يلاحقون ويقاطعون. بعد مرور 77 سنة على سيادته، فقد الخلود أي بوصلة وضمير. المنارة للأغيار أصبحت ظلاماً على شفا الهاوية. في هذا الواقع الفظيع، حيث يتم التخلي عن المخطوفين، وحيث ينتحر عشرات الجنود ويُقتل المئات منهم ويصاب الآلاف وينهار عشرات الآلاف، وحيث ترسل الحكومة إخوتهم الذين يتضاءلون إلى موتهم، بينما تعفي الكثير من ناخبيها من المصير نفسه، وعندما يضحي رئيس الوزراء بدولته وبحياة جنوده ومواطنيه من أجل بقائه السياسي – لم يعد أي معنى للتحدث عن الأخلاق، والصهيونية، واليهودية، والقيم.

السطور التالية نخصصها للقضاء

مثلما نذكر، قضية كفر قاسم تناولت قتل عشرات سكان القرية على يد جنود حرس الحدود، سكان المكان الذين كانوا يخضعون في حينه للحكم العسكري، كان من المفترض فرض حظر التجول عليهم من الساعة التاسعة مساء، لكن قائد اللواء 17 في قيادة المنطقة الوسطى قرر تقديم حظر التجول إلى الساعة الخامسة مساء. وقد تم إبلاغ المختار بذلك قبل نصف ساعة فقط. والنتيجة أن عدداً كبيراً من السكان الذين لم يعرفوا وقت حظر التجول الجديد عادوا إلى بيوتهم بعده. الجنود الذين تم وضعهم هناك أُنزلوا من السيارات، وحسب الأمر الذي حصلوا عليه من قائدهم، بدأوا يطلقون النار عليهم. قتل 47 شخصاً، وأصيب عدد كبير. من أطلقوا النار تم تقديمهم للمحاكمة في محكمة عسكرية. أما ادعاؤهم بأنهم محقون وأنهم نفذوا الأمر، فقد تم رفضه. نص قرار الحكم على “اختبار الراية السوداء” الذي يرفرف فوق أمر غير قانوني، ويلزم الجندي بعدم طاعته. إذا أطاعه يحاسب جنائياً على أفعاله. وحكم القضاة بأنه ليس مخالفة شكلية ظاهرة فقط، بل مخالفة تدمي العين وتؤلم القلب، “إذا لم تكن العين عمياء والقلب قاسياً أو فاسداً”.

شارون ايفيك، الذي يشغل الآن منصب نائب المستشارة القانونية للحكومة، كتب حين كان مدعياً عسكرياً عاماً أنه من جهة تصعب ترجمة “اختبار الراية السوداء” إلى تعليمات ملموسة في الحياة العملية (المحكمة العسكرية للاستئناف حاولت فعل ذلك، لكن بنجاح جزئي جداً)، ومن جهة أخرى، كان هناك من قالوا بأن العلم الأسود تحول إلى رمادي مع مرور السنين، حيث استخدمت المحاكم العسكرية الحكم حتى في حالات أقل تطرفاً وحسماً، خاصة مقارنة مع قضية كفر قاسم.

اليوم، كما قلنا، نقف أمام واقع مختلف: إذا كان هناك من عبروا عن تخوفهم من بهتان العلم الأسود وتحوله إلى اللون الرمادي، فالكثيرون الآن أصبحوا يستخفون حتى بما هو أسود من السواد.

الآن حان الوقت لتوضيح الأمور كي يسمعوا وإزالة الشك. طوال الوقت الذي يستخدم فيه الجيش معظم الوسائل لمنع المس بالمدنيين عند إطلاق النار على المسلحين، فالحديث لا يدور عن جرائم حرب أو عن جريمة بشكل عام، حتى لو أصيب مدنيون. في المقابل، إطلاق النار المتعمد على المدنيين الذين لا يشكلون أي خطر على أحد هو جريمة حرب. إن أمر إطلاق النار على المدنيين الذين يبحثون عن الطعام جريمة حرب وغير قانوني. تجميع السكان ونقلهم من أماكنهم بالإكراه بهدف عدم تمكنهم من العودة لبيوتهم، هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. والأمر بفعل ذلك هو أمر غير قانوني بشكل واضح.

هذه هي هراءات نتنياهو في الرد على تحذير المستشارة القانونية للحكومة بأن الدولة هي المسؤولة عن سكانها عندما تسيطر على منطقة عسكرية، وهي المسؤولة عن جوعهم حين يجوعون. إن امتناع إسرائيل عن توفير الطعام في هذه الظروف يعتبر تجويعاً، وهو جريمة ضد الإنسانية وأمر غير قانوني بشكل واضح. خلافاً للادعاءات المدحوضة التي أسمعت ضد إسرائيل بشأن ارتكاب جرائم حرب في بداية عملية “السيوف الحديدية”، فثمة الآن أساس من الأدلة والشهادات على ارتكاب هذه الجرائم كما يبدو في عملية “عربات جدعون”، لكنها ستكون لا شيء مقابل الجرائم التي ستترتب على تنفيذ أمر الكابنت احتلال مدينة غزة.

نقول لرئيس الأركان: سيأتي يوم وتقدم فيه الشخصيات الرفيعة في إسرائيل الحالية للمحاكمة بسبب ارتكاب جرائم حرب في غزة. سيحدث هذا في إسرائيل إذا بقيت قائمة بعد الحكام الحاليين، لمنه سيحدث حتماً في لاهاي وفي دول أوروبية كثيرة. رجال المستوى السياسي الحالي سيلقون المسؤولية عليك وعلى جنودك. سيقولون بأنك عملت على مسؤوليتك، وأنك لم تمسكهم. اطلب منهم تعليمات مفصلة وواضحة، وثقها، أبلغ الجمهور عنها. إذا كانت غير قانونية بشكل واضح أرفضها. ليس هذا من حقك، بل واجبك.

أما أنتم، جنود الجيش الإسرائيلي، فحافظوا على التمييز بين واجب الطاعة وعدم الطاعة. إذا أطلقتم النار على مواطنين غير محميين، وإذا طردتم سكاناً من أراضيهم مع معرفة أنه غير مسموح لهم بالعودة، فلن يسمعكم أحد حين تقولون بأنكم كنتم تنفذون الأوامر، سواء في المحاكم في الخارج أو في المحاكمة الجنائية في إسرائيل.

ليس من نافل القول إنهاء هذا المقال بكلمات المحكمة العسكرية للاستئنافات في قضية كفر قاسم: “ما هو التفوق الروحي الذي نتمتع به على الأعداء المحيطين بنا، الذي بفضله أقيمت دولتنا: ليس فقط روح التضحية لدى جنودنا، أو قدرتنا التقنية، بل أيضاً، وربما الأهم من كل ذلك، المستوى الأخلاقي للدولة وجيشها ومواطنيها”.

——————————————

يديعوت 20/8/2025

النزول عن الشجرة أمام “حماس” أم مواصلة التسلّق؟!

بقلم: مايكل أورن

يُقال بالإنكليزية عن حكومة معينة إنها “تصعد إلى سلّم عالٍ”، بينما يُقال في إسرائيل إنها “تصعد إلى الشجرة”.

سواء أكان صعودها إلى سلّم، أو شجرة، لقد صعدت حكومة إسرائيل عالياً جداً. ومنذ أن أعلن رئيس الوزراء نتنياهو عزمه على احتلال الربع المتبقي من غزة وتحقيق “نصر كامل” على “حماس”، يسأل محللون في إسرائيل والعالم: “الآن، بعد أن صعدنا إلى هذا السلّم، أو إلى هذه الشجرة، عالياً جداً، كيف يمكننا النزول؟”

أحد الحلول الممكنة هو أن تعلن إسرائيل استعدادها للانسحاب الكامل من غزة في مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى، غير أن المشكلة هي أن “حماس” “شريرة”، لكنها ليست غبية، وفي جميع الأحوال، ستحتفظ لنفسها ببعض الأسرى، كورقة ضمان ضد أي اجتياح إسرائيلي مستقبلي للقطاع.

علاوة على ذلك، سيضرّ هذا الحل كثيراً بفرص توسيع اتفاقيات أبراهام: فالدول العربية، التي قد تكون مستعدة للسلام مع “دولة يهودية” قوية، قد تفكر مرتين قبل أن تسلك مسار السلام مع إسرائيل التي أذلّتها “حماس”.

هناك طريق أُخرى ممكنة للنزول بوساطتها عن الشجرة، وهي تكرار صفقة 2020، عندما حصلت إسرائيل على السلام مع الإمارات العربية المتحدة، في مقابل موافقتها على عدم ضم أجزاء من الضفة الغربية.

والآن، في مقابل عدم غزو غزة، يمكن لإسرائيل أن تحصل على سلام مع المملكة العربية السعودية.

وفي الوقت عينه، يمكن للولايات المتحدة الضغط على قطر، لكي تضغط بدورها على “حماس” لإطلاق سراح الأسرى وتسليم سلاحها.

إلّا إن المشكلة هنا هي الثمن الذي يطلبه السعوديون: استعداد إسرائيلي لاتخاذ خطوات جوهرية نحو إقامة دولة فلسطينية؛ في الحقيقة، لا أحد مستعد لدفع هذا الثمن، لا أعضاء الحكومة الحالية، ولا معظم المواطنين في إسرائيل.

يبقى حلّ أخير، ومن المؤكد أنه من خارج الصندوق: بدلاً من النزول عن الشجرة، يمكن للحكومة أن تواصل تسلّقها أعلى فأعلى.

تعتقد “حماس” أن تسونامي الإدانات الدولية ضد إسرائيل وعزلتها العميقة في العالم سيجبرانها على الاستسلام في النهاية. لكن ماذا لو لم تستسلم إسرائيل، بل واصلت خطتها بشأن الاجتياح بوتيرة أكبر، لتُظهر لـ”حماس” أنه لا يمكن لأي تدخُّل دولي إنقاذها؟ قد تقبل “حماس” اتفاق وقف إطلاق النار، في مقابل إطلاق سراح الأسرى، عندما تكون في مواجهة احتمال دمار حقيقي وواسع النطاق.

في نهاية المطاف، لا توجد طريق خالية من المخاطر لإنهاء الحرب.

كل مسار مليء بالعقبات والهاويات. وحتى لو تحقق “النصر الكامل”، فسيكلف إسرائيل حياة العديد من الجنود وثمناً غالياً مما تبقى من مكانتها في العالم.

لذلك، فإن الأهم، الآن، هو تبنّي سياسة واضحة، شجاعة ومتسقة.

لا يجوز الاستمرار في خطوات جزئية وغير حاسمة.

على حكومة إسرائيل أن تقرر، الآن، إذا ما كانت تريد النزول عن الشجرة، أم الاستمرار في تسلُّقها، وأن تفعل ذلك حتى النهاية.

——————————————

هآرتس 20/8/2025

المقاطعة الدولية لإسرائيل تعزّز نتنياهو وشركاءه

بقلم: الوف بن

تستعد إسرائيل لاحتلال مدينة غزة على أمل أن يوصل طرد سكانها وتدمير المدينة الفلسطينيين الى نقطة الانكسار، التي فيها سيبدؤون الهروب من القطاع (“المغادرة الطوعية”). في خيال وفي صلاة بنيامين نتنياهو وأصدقائه في الائتلاف هكذا يجب ان تظهر “هزيمة “حماس” التي يعدون بها منذ سنتين.

كلما اقترب موعد تنفيذ الخطة يزداد انتقاد الغرب لإسرائيل، ومعه تثور النقاشات حول فرض العقوبات والمقاطعة. تطول القائمة كل يوم – الاعتراف بفلسطين، ومنع دخول رجال اليمين، وتعليق الاتفاق التجاري، وسحب الاستثمارات، وحظر السلاح، واغلاق الأكاديميا أمام الباحثين الإسرائيليين، وأيام غضب وتظاهرات في مواقع سياحية، وإبعاد لاعبي كرة قدم من اوروبا. لم تصل الكتلة حتى الآن لتصبح حاسمة، وتقلل الحكومة من أهمية الضغط بادعاء ان كل ذلك “لاسامية وخضوع للارهاب”. بالنسبة لها فطالما يقف دونالد ترامب وراء نتنياهو فانه يمكن مواصلة الحرب بدون خوف من الضغط الدولي.

ما الذي سيحدث اذا ازداد الضغط وشعر الجمهور الإسرائيلي بذلك في جيبه وفي صعوبة السفر الى دول العالم؟ هناك من يأملون انتهاء الاحتلال بسرعة، وأن يحصل الفلسطينيون على الاستقلال ويكون كل شيء على ما يرام. هم يضربون مثلاً انهيار نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا. في روايتهم فرض “العالم” عقوبات وطرد الدولة العنصرية من المسابقات الدولية، وفجأة استسلم البيض ونقلوا الحكم للاغلبية السوداء. الحقائق تخرب قليلا الرواية: الابرتهايد عاش النظام سنوات كثيرة مع العقوبات، وسقط فقط بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث لم يعد الغرب بحاجة الى معقل مناوئ للاتحاد السوفييتي سابقا في افريقيا.

حتى لو وافقنا على ادعاء ان المقاطعة هي التي أسقطت الابرتهايد وليس الجغرافيا السياسية فان هذا هو المثال الشاذ الذي لا يدل على القاعدة. توجد إيران وروسيا منذ سنوات تحت العقوبات الغربية التي تتسبب بعدم راحة للسكان، لكنها لم تؤد حتى الآن الى سقوط الأنظمة فيها، أو الى تخفيف مواقفها. في هذه الدول أحدثت المقاطعة الدولية نتيجتين: شدد النظام خطوات القمع الداخلي، وهاجرت النخبة الليبرالية الى الخارج. لم يتنازل زعماء الأبرتهايد عن كراسيهم بدون نضال، وكلما زاد الضغط من الخارج والانتفاضات في الداخل فان قوانين حالة الطوارئ تشتد، وتزداد الرقابة والاعتقال التعسفي وقتل السجناء وطرد السكان الى جيوب مغلقة. فلادمير بوتين وعلي خامنئي يتبعان أسلوباً مشابهاً، ويظهر هروب الادمغة لهم طريقة مريحة للتخلص من المعارضين.

لا يختلف نتنياهو عنهما في سعيه الى حكم الفرد، الذي سيفرض نظام التفوق اليهودي في “ارض إسرائيل الكاملة”، كما وعد عند تشكيل الحكومة. لقد صدر ضده امر اعتقال دولي بسبب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم يتأثر سلوكه بذلك. اذا ازداد الضغط من الخارج فهو فقط سيستغله لإحكام سيطرته على الحكم ومنع الاحتجاج. في نهاية المطاف حتى التظاهرة من اجل تحرير المخطوفين في غزة، الأحد الماضي، وصفها بانها خيانة ومساعدة للعدو. لا يتحدث نتنياهو علناً عن مغادرة المثقفين والليبراليين، التي تسارعت في السنتين الأخيرتين، لكن بالنسبة له هذا مكسب صاف. مصوتو اليسار والوسط يغادرون، والتكاثر الطبيعي يميل لصالح الحريديين والمتدينين، وقاعدة اليمين ستتعزز فقط. “من يؤيدون الثقافة الغربية فليذهبوا، ونحن سنتدبر أمرنا بدونهم”، قال آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، على شاكلة الحاخامات الحريديين القوميين الذين يحاربون “التقدم” الآن.

إذا تم فرض مقاطعة دولية على إسرائيل فهي ستزعج وتضر الأقلية الليبرالية، وستدفعها نحو الخارج، في الوقت الذي يتعزز فيه فقط نتنياهو وشركاؤه. لا تخشى الأنظمة الديكتاتورية والمسيحانية الضغط الخارجي، بل فقط تستفيد منه. بالضبط مثلما هي الحال في إيران.

——————————————

تعريف معاداة السامية.. التلاعب في الدستور الأميركي من أجل “إسرائيل”

تنتشر قوانين حرية التعبير غير الدستورية في جميع أنحاء الولايات المتحدة ويبدو أن لها هدفاً واحداً: مواجهة المعارضة بشأن ما يحدث في غزة.

بقلم: جاك هنتر

19/8/2025 

مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية تنشر مقالاً يتناول الجدل حول تعريف معاداة السامية وكيف جرى تسييسه واستخدامه في الولايات المتحدة لقمع الانتقادات الموجهة لـ “إسرائيل”، خاصة بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

“معاداة السامية هي تصوّر معيّن لليهود، قد تُعبّر عن كراهية تجاههم. وتستهدف معاداة السامية، بلاغياً وجسدياً، الأفراد اليهود وغير اليهود و/ أو ممتلكاتهم، والمؤسسات المجتمعية والمرافق الدينية اليهودية”. وقد لا يقتصر الأمر على ذلك. وهل تُعدّ معاداة الصهيونية معاداة للسامية؟ يحاول موقع التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست توضيح ذلك: “قد تشمل هذه المظاهر استهداف “دولة إسرائيل”، باعتبارها جماعة يهودية. ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل، على غرار أي دولة أخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية”. وهذه اللغة تبدو غامضة أيضاً.

ويواصل النص الاستشهاد بأمثلة على معاداة السامية، بما في ذلك “اتهام اليهود كشعب بالمسؤولية عن أفعال خاطئة حقيقية أو متخيلة ارتكبها شخص أو مجموعة يهودية واحدة، أو حتى عن أفعال ارتكبها غير اليهود”. وهل يندرج انتقاد حكومة “إسرائيل” ضمن هذا التصنيف؟ أم أن هذه نقطة أخرى متعلقة بمعاداة السامية أثارها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست: “اتهام المواطنين اليهود بأنهم أكثر ولاءً لإسرائيل، أو للأولويات المزعومة لليهود في جميع أنحاء العالم، من ولائهم لمصالح دولهم”. 

لا تبدو صياغة التعريف قانونية، لأنه، وفقاً لأرونوف، لم يكن من المفترض أن يكون قانوناً. ومع ذلك، يقول المنتقدون إنّ التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وأنصار “إسرائيل” يستخدمونه لقمع الانتقادات الموجهة لسياسات الحكومة الإسرائيلية وللعمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية هنا في الولايات المتحدة. 

وقد أوضحت أفيفا تشومسكي ما يحدث في مقال نُشر في مجلة “ذا نيشن” الأسبوع الماضي قالت فيه: “إن إيجاد سُبُل قانونية لقمع ما كان سيُعتبر خطاباً سياسياً محمياً بشأن إسرائيل هو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وحلفاءه إلى الشعور بالحاجة إلى تحويل تعريفهم إلى قانون. ويزعم دعاة التبني القانوني لهذا التعريف أنه ضروري نظراً لتزايد معاداة السامية في هذا البلد”.

لقد انتشرت هذه القوانين بعد أشهر، إن لم يكن أسابيع، من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما قُتل أكثر من 10 آلاف غزّي، معظمهم من المدنيين، في عمليات “الجيش” الإسرائيلي في القطاع. وتصاعدت الاحتجاجات في الشوارع الأميركية، ولا سيما في الجامعات، مع بدء الأميركيين في التشكيك في المساعدات العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل”. وحذّر مسؤولون حكوميون، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، من أنّ حوادث معاداة السامية قد وصلت بالفعل إلى “مستويات تاريخية” في جميع أنحاء البلاد.

وفي مشروع قانونه الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 والذي يطالب وزارة التعليم “باعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لاستخدامه في إنفاذ قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية”، قال النائب مايك لولر (الجمهوري عن ولاية نيويورك) صراحةً: “لقد شهدنا ارتفاعاً سريعاً في معاداة السامية في الجامعات، ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدها”.

وفي نهاية المطاف، أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون تعريف مؤيد للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، بأغلبية 320 صوتاً مقابل 91 صوتاً، في أيار/ مايو 2024. أما مجلس الشيوخ، فقد فشل حتى الآن في اتخاذ مثل هذا الإجراء. في غضون ذلك، تواصلت حملة قمع حرية التعبير، التي غالباً ما كانت مبررة ببعض أشكال الحظر التي فرضها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست على معاداة السامية.

لقد تم اعتقال الناشط الفلسطيني وطالب الدراسات العليا في جامعة “كولومبيا” محمود خليل في شهر آذار/ مارس “دعماً للأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب والتي تحظر معاداة السامية”. وبعد احتجاجات العام الماضي على الحرب في غزة، قالت إدارة ترامب إنها توسع نطاق أمرها الصادر عام 2019 وستتخذ “خطوات قوية وغير مسبوقة لحشد جميع الموارد الفيدرالية من أجل مكافحة انتشار معاداة السامية في جامعاتنا شوارعنا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023”.

وفي أواخر تموز/ يوليو، أفادت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه في جامعة “كولومبيا” وحدها، “تم إيقاف أو طرد نحو 80 طالباً” نتيجة تعرّض الجامعة لضغوط لاتخاذ إجراءات صارمة ضد معاداة السامية أو فقدان التمويل الفيدرالي. وجامعة “كولومبيا” ليست استثناءً بأي حال من الأحوال.

وعندما اقترح السيناتور الجمهوري لولاية أوهايو تيري جونسون مشروع قانون في تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي تم إقراره، لتعريف معاداة السامية بموجب قانون الولاية لتحديد ما إذا كان الفرد قد ارتكب “ترهيباً عرقياً”، قال إن “المظاهرات المرتبطة بالاحتجاجات المؤيدة لغزة في الحرم الجامعي اتسمت بالعدوان والتعصب المثيرين للقلق”. وأضاف جونسون، من دون ذكر أي أمثلة محددة، أن “عدداً كبيراً من هذه الاحتجاجات يتجاوز الخط الفاصل إلى معاداة السامية من خلال استهداف الطلاب اليهود والتعبير عن خطاب الكراهية”.

وقد لاقت جهوده انتقادات واسعة. وأشارت آن غازي، التي انضمت إلى آخرين في مبنى الكابيتول قبل تصويت كانون الأول/ ديسمبر 2024 الذي أقرّ مشروع قانون جونسون بأغلبية ساحقة، بالقول: “من خلال ربط تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بالقرارات القانونية والإدارية، يُخاطر هذا القانون بخلط الانتقادات المشروعة لسياسات إسرائيل أو الأيديولوجية السياسية للصهيونية مع معاداة السامية. وهذا من شأنه أن يقوّض المناقشات المشروعة حول حقوق الإنسان وتقرير المصير ويهدد بقمع المناقشات الضرورية للديمقراطية السليمة”. 

يقول كينيث ستيرن، وهو مدير مركز دراسة الكراهية في كلية “بارد” ومؤلف التعريف الأصلي لمعاداة السامية الخاص بالتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست الصادر عام 2006، إنّ تسليح التعريف من خلال القانون أو الأمر التنفيذي “يضع الطلاب اليهود المؤيدين لإسرائيل في موقف قد يُنظر إليهم على أنهم يحاولون قمع التعبير بدلاً من الرد عليه”. ومع ذلك، يقول ستيرن إن هناك معاداة حقيقية للسامية في الولايات المتحدة، بما في ذلك في الجامعات، وإنّ التعريف الذي ساعد في صياغته يتعرض للتحريف والاستغلال لإسكات المنتقدين المناهضين لـ”إسرائيل”، وهو ما قد يجعل الوضع أسوأ.

ويزعم النقاد أن مجرد استخدام هذا التعريف لتطبيق قوانين جديدة أو قوانين حرية التعبير الفعلية قد يؤدي إلى انتهاكات أخرى. وهذا ما يحدث حالياً. وقد أشار الصحافي المستقل غلين غرينوالد في برنامج “إكس أون صنداي”، إلى أنه “قد تغادر أستاذة يهودية متخصصة في دراسات الهولوكوست جامعة كولومبيا لأن النصوص التي لطالما استخدمتها تشمل الفيلسوفة اليهودية هانا أرندت، التي قارنت الصهاينة بالنازيين وقالت إن الصهيونية عنصرية. فهذه أفكار محظورة اليوم بموجب قانون خطاب الكراهية الخاص بالتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست الذي فرضه ترامب على الجامعات”.

وكان غرينوالد يشير إلى تخفيضات التمويل التي تستهدف بها إدارة ترامب الكليات التي يشعر البيت الأبيض أنها لا تحقق بشكل صحيح في جرائم معاداة السامية كما حددها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. وفي حديثها إلى وكالة “أسوشيتد برس”،  قالت ماريان هيرش، الأستاذة بجامعة “كولومبيا” والباحثة البارزة في مجال الإبادة الجماعية، “إنّ الجامعة التي تُعامل انتقاد إسرائيل على أنه معاداة للسامية وتُهدد بفرض عقوبات على من يخالفها لم تعد مكاناً مفتوحاً للبحث والدراسة. لا أعرف كيف يُمكنني تدريس الإبادة الجماعية في ظل هذه البيئة”. فقد دأبت هيرش على استخدام المنهج نفسه لعدّة سنوات، لكن فجأةً أصبح هذا المنهج مخالفاً للقانون.

وكما قالت أرونوف: “إذا كنت تعتقد أن الأمر لا يتعلق بقمع الخطاب السياسي، ففكّر في مثالٍ مُشابه. لا يوجد تعريفٌ للعنصرية ضد السود يُطبّق بقوة القانون عند تقييم قضيةٍ بموجب الباب السادس. وإذا كنتَ ستصيغ تعريفاً، فهل ستُضمّن معارضة التمييز الإيجابي؟ أو معارضة إزالة تماثيل الكونفدرالية؟” إنها أسئلة جيدة، لكنها فوضوية وبلا إجابة، وربما لا يمكن الإجابة عليها، لأن قلة من الناس قد يفكرون في الذهاب إلى هناك بشكل قانوني، بسبب التعديل الأول.

وهل يعتبر التلويح بالعلم الفلسطيني أو وصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجامعية “خطاب كراهية”؟ لقد أدرك معظم الأميركيين خلال نصف القرن الماضي بأن أسلوب التعبير هذا محمي بموجب التعديل الأول، وهي سابقة أرستها المحكمة العليا في عام 1978 في قضية رفعها اتحاد الحريات المدنية الأميركية دفاعاً عن الخطاب النازي الجديد. 

ويصرّ سيناتور ولاية أوهايو المذكور آنفاً على أنه “لا ينبغي تفسير قانونه على أنه ينتقص من أي حق يحميه التعديل الأول أو ينتهكه”. هذا الملحق هو ما قاله معظم قادة الحكومة لتجاهل المخاوف الدستورية بشأن مشاريع قوانين خطاب معاداة السامية. وهم مخطئون؛ وقولهم إنه يتوافق مع الدستور لا يعني بالضرورة أنه كذلك. هذا وتدرس المحاكم بالفعل ما إذا كان استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لتزييف السياسات والقوانين يُعد أمراً غير دستوري.

في تشرين الأول/أكتوبر 2024، قضت المحكمة الجزئية الأميركية للمنطقة الغربية من تكساس في قضية “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” ضد حاكم ولاية تكساس أبوت بأن الأمر التنفيذي الذي يوجه جميع مؤسسات التعليم العالي في تكساس باستخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لإنشاء قوانين حرية التعبير وإنفاذها قد ينتهك التعديل الأول، وبأن مجموعات الطلاب المتضررة يمكنها رفع دعاوى قضائية ضد الحاكم.

لقد شهدت الولايات المتحدة الكثير من الاضطرابات العنصرية والدينية عبر تاريخها. ولحسن الحظ، نجح التعديل الأول في تخطي كل التحديات التي واجهته. فهل أصبح اليوم مجرد ذكرى؟ ولأي سبب، لأجل حكومة دولة أخرى؟ ولكن، كما يقول غلين غرينوالد: “لا استثناء لإسرائيل في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة”.

——————————————

إسرائيل تخوض حربا لا تستطيع كسبها

بقلم: عامي أيالون* – (فورين أفيرز) 5/8/2025

الطريق إلى قيام دولة فلسطينية وحده القادر على وقف الكارثة في غزة – وعلى العالم أن يقود المسار.

*   *   *

أصبحت الحرب التي اندلعت بعد المجزرة التي قادتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 أكثر الصراعات تحوّلًا في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي. مع ذلك، وبعد مرور أكثر من 22 شهرًا على إطلاق قوات الدفاع الإسرائيلية حملتها لتدمير حماس، ما تزال إسرائيل بلا نهاية سياسية محددة.

وقد تعثرت المفاوضات حول وقف لإطلاق النار في غزة، وعمّق فشل إسرائيل في تصوُّر “اليوم التالي” للحرب الكارثة الإنسانية في القطاع، التي أصبحت تشمل أزمة جوع متفاقمة.

ومع تحوّل الصراع أكثر فأكثر إلى مشكلة إقليمية ودولية دامية، بدأ لاعبون من خارج إسرائيل يتدخلون لمحاولة إيجاد حل: يوم الاثنين الماضي، أطلقت فرنسا والمملكة العربية السعودية خطة في الأمم المتحدة لفرض نهاية أكثر حسماً للقتال، ولتشجيع الدول الأخرى على الاعتراف بدولة فلسطين ودعم إنشاء دولتين على حدود 1967 استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي. وقالت كندا وفرنسا والمملكة المتحدة إنها ستعترف بدولة فلسطين بحلول أيلول (سبتمبر) المقبل ما لم تتوقف الحرب.

في كل هذا، تبدو الحكومة الإسرائيلية الحالية عاجزة عن تغيير نهجها، على الرغم من أن هدفها العسكري الرئيسي – تفكيك البنية التحتية “الإرهابية” لحماس- قد تحقق إلى حد كبير.

وترك غياب أي رؤية إسرائيلية طويلة المدى إسرائيل، وغزة، والمنطقة الأوسع في حالة فوضى ممتدة. ذلك أن الحروب التي بلا هدف سياسي واضح لا يمكن كسبها ولا يمكن إنهاؤها.

وكلما طال فراغ التخطيط الإسرائيلي، ازداد اضطرار الفاعلين الدوليين إلى التكاتف لمنع وقوع كارثة أسوأ من هذه التي تتكشف حاليًا.

ويجب أن يفعلوا ذلك – ليس من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل أيضًا من أجل استقرار المنطقة ومن أجل خدمة مصالحهم الخاصة. كانت الحرب التي أعقبت المجزرة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) حربًا عادلة. لكنها تصبح اليوم حربًا غير عادلة، غير أخلاقية، وضد مصلحة إسرائيل نفسها حين تنقل المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في غزة من حماس إلى إسرائيل.

تغيّر المناخ

ثمة حدثان رئيسيان أعادا تشكيل المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين: الربيع العربي؛ وهجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر). من جهته، غيّر الربيع العربي، الذي بدأ في أواخر العام 2010، الديناميات الداخلية للعديد من الأنظمة في الشرق الأوسط بشكل جذري.

فقد أعطى الحركات الشعبية قوة؛ وأضعف الشرعية التقليدية للطغاة؛ وأجبر حتى أكثر القادة استبدادًا على أن يصبحوا أكثر استجابة لمشاعر شعوبهم. وكان ينبغي على القادة الإسرائيليين والأميركيين أن يفهموا أن الربيع العربي سيؤثر، على المدى الطويل، في كيفية استجابة مختلف الفاعلين الإقليميين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

لطالما شكّلت القضية الفلسطينية شعارًا موحِّدًا لفاعلين متباينين – من السنة والشيعة، والعرب والفرس، والإسلاميين والقوميين، ومثّلت رابطًا أيديولوجيًا لـ”طوق النار” الإيراني: حزب الله في لبنان؛ وحماس في غزة؛ والحوثيين في اليمن؛ والميليشيات الشيعية في العراق وسورية.

ومع أن هذه الجماعات كثيرًا ما كانت على خلاف، فإن قضية فلسطين كانت نقطة تجمّع ومصدر شرعية في العالم الإسلامي الأوسع.

كان تجاهل هذه الحقيقة خطأ جوهريًا من جانب صانعي السياسات الإقليميين والعالميين على حد سواء. لم تكن مجزرة 7 تشرين الأول (أكتوبر) مجرد عمل إرهابي وحشي.

كانت حدثًا حمل رسالة سياسية متعمدة، تتحدى بشكل مباشر عقيدة “إدارة الصراع” التي حدّدت سياسة إسرائيل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأكثر من عقد.

كما كانت أيضًا رفضًا لافتراضات الولايات المتحدة بأن الدول العربية ستستمر في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل من دون بذل جهود جدية لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ذلك الوهم انهار في خريف العام 2023، كاشفًا هشاشة منطقةٍ جمعتها البراغماتية الدبلوماسية، لكنها كانت تعجّ بالمظالم التي لم تُحلّ بعد. وقد اعتُبرت “اتفاقات أبراهام” التي أُبرمت في العام 2020، والتي تمت بوساطة الولايات المتحدة، إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا. فقد رسّخت السلام بين إسرائيل ودول عربية عدة -أبرزها البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة.

لكن هذه الاتفاقات ارتكزت على اعتقاد خطير ومضلل بأن القضية الفلسطينية أصبحت غير ذات صلة في المنطقة، وأنه يمكن التوصل إلى مزيد من اتفاقات التطبيع من دون أن يؤخذ في الاعتبار تطلع الفلسطينيين إلى تقرير المصير.

وقد شجع هذا الخطأ الاستراتيجي إسرائيل على تعميق سيطرتها على الضفة الغربية -من خلال توسيع الاستيطان وتجريد المجتمعات الفلسطينية من أراضيها- وإضعاف السلطة الفلسطينية.

كما أتاح لحركة حماس أن تملأ معظم الفراغ السياسي في غزة وأن تهمّش السلطة الفلسطينية المُنهَكة، وأن تعرض نفسها باعتبارها المدافع الوحيد عن حقوق الفلسطينيين.

في أيلول (سبتمبر) 2023، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن “ممر الهند – الشرق الأوسط”، وهو مشروع اقتصادي طموح يربط الهند بأوروبا عبر مسارات تمر بعدد من دول المنطقة العربية وإسرائيل. وقد صُمم المشروع ليكون ثقلًا استراتيجيًا موازنًا لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، لكنه بدوره همّش الفلسطينيين، ولم يعرض لهم أكثر من مجرد إيماءات رمزية.

 وكان الممر المقترح بالنسبة لحماس – وخاصة لقائدها يحيى السنوار- خيانة من الفاعلين العرب الإقليميين والفاعلين الدوليين. وأصبح مفهومًا الآن أن خطة الممر كانت عاملًا مركزيًا في قرار السنوار شن هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

أعادت المجزرة، والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة، صياغة الحسابات السياسية بالنسبة لحكام آخرين في المنطقة. وأبرزت تصريحات بعض القادة حقيقة أوسع: أن الرأي العام، حتى في الأنظمة غير الديمقراطية، أصبح قوة لا يستطيع القادة تجاهلها.

منعطف حاد

بعد نجاحاتها العسكرية غير المسبوقة، تقف إسرائيل الآن عند مفترق تاريخي أمام طريقين. أحد الطريقين -وهو الطريق الذي تسلكه إسرائيل الآن- سيقود البلاد نحو تآكل معاهدات السلام القائمة مع الدول العربية التي أبرمتها، وتعميق الانقسام الداخلي، والعزلة الدولية.

وسيدفع باتجاه مزيد من التطرف في المنطقة، وازدياد العنف الديني – القومي من المنظمات الجهادية العالمية التي تتغذى على الفوضى، وتراجع الدعم بين صانعي القرار في الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين، وارتفاع معاداة السامية في أنحاء العالم. أما اختيار الطريق الآخر -الذي يعزز الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين معًا ويشجع على الاستقرار والازدهار في عموم الشرق الأوسط- فسوف يتطلب توجه إسرائيل نحو اتفاق إقليمي يتضمن حل دولتين قابل للحياة.

إن هذه الحرب جزء من صراع مستمر وعميق الجذور حول الهوية والتاريخ والانتماء. وهو صراع شكّلته قوة غير متكافئة، لكنه تغذى بخوف متناظر. ولا بد أن يتيح حله لكل طرف أن يصوغ رواية انتصاره الخاصة.

وهذا يتطلب، بدوره، انخراطًا دوليًا نشطًا وقيادة فاعلة. يجب أن يكون أي حل دائم -ليس سياسيًا وإقليميًا فحسب، بل نفسيًا ورمزيًا أيضًا. وحده الإطار الإقليمي المدعوم دوليًا بشكل متماسك يمكن أن يوفر الشرعية الخارجية والحوافز الأوسع والغلاف السياسي اللازم لكلا الطرفين من أجل تقديم التنازلات.

تظل “مبادرة السلام العربية” للعام 2002، التي طرحتها المملكة العربية السعودية وأقرها مجلس جامعة الدول العربية، الإطار الأكثر شمولية والأقل استغلالًا للتسوية. وعلى عكس الجهود الدبلوماسية السابقة، تميزت هذه المبادرة بعنصرين حاسمين: هدف نهائي واضح -إقامة دولتين على أساس حدود العام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي- ومشاركة إقليمية كاملة في عملية التفاوض.

ومثلت هذه المبادرة انقلابًا على بيان الخرطوم الصادر عن جامعة الدول العربية في العام 1967، حيث حوّلت “اللاءات الثلاث” الشهيرة لذلك البيان -لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات- إلى “نعم” إقليمية جماعية.

تجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذا المقترح. ولكن بالنسبة للإسرائيليين، يمكن الآن فهم المبادرة العربية على أنها انتصار استراتيجي: تتويج لعقود من الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي أثمرت اعترافًا عربيًا واسعًا بحق الدولة اليهودية في الوجود. كتب زئيف جابوتنسكي -أحد مؤسسي الصهيونية وأحد المهندسين الرئيسيين لعقيدة إسرائيل الأمنية- في العام 1923 أن المفاوضات الحقيقية مع العالم العربي لن تكون ممكنة إلا حين يعترف بأن الشعب اليهودي باقٍ في المنطقة.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فبعد أكثر من 140 عامًا من النضال، ونكبة العام 1948، والانتفاضات الشعبية ضد الاحتلال، والكلفة الباهظة للحروب المتعاقبة، فإن الإطار الذي اقترحته مبادرة السلام العربية سيمنحهم اعترافًا طال انتظاره بالهوية الوطنية والدولة. والأهم من ذلك، أنها لا تتناول الحدود والسيادة فقط، بل أيضًا الهيكلية الأمنية الإقليمية الضرورية لتحقيق سلام دائم.

الوعظ خارج الجوقة

للأسف، أظهرت الحكومة الإسرائيلية الحالية أنها تعارض بشكل فعّال إقامة دولة فلسطينية. ولذلك، حان الوقت الآن لكي يمضي الفاعلون الدوليون قدمًا في عملية واقعية تدريجية مستوحاة من مبادرة السلام العربية، وكذلك من المقترحات المصرية والفرنسية – السعودية الأخيرة.

 يجب أن يصدر أوسع تجمع ممكن من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية والدول العربية المعتدلة، إعلانًا مشتركًا: الهدف هو قيام دولتين ذاتي سيادة، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام واعتراف متبادل. ويمكن للوضوح الذي يوفّره مثل هذا البيان أن يخترق ضباب انعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويسمح للطرفين بتخيّل مستقبل يستحق السعي من أجله.

سوف تكون الخطوة العملية الأولى هي تأمين وقف إطلاق نار في غزة والإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين. ويمكن لحكومة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية تحت إشراف أميركي – سعودي أن تتولى إدارة الشؤون المدنية في غزة، بينما تتولى قوة أمنية عربية إقليمية، ربما وفق تفويض من جامعة الدول العربية أو تفويض متعدد الأطراف، الحفاظ على النظام.

ويمكن أن تقود المملكة العربية السعودية والإمارات، جنبًا إلى جنب مع المنظمات الدولية الكبرى، عملية إعادة إعمار غزة على نطاق واسع. ويمكن نزع سلاح حماس تدريجيًا بواسطة قوات “السلطة الفلسطينية” بدعم إقليمي.

في غضون 18 إلى 24 شهرًا من وقف إطلاق النار، ينبغي إجراء انتخابات فلسطينية تحت إشراف دولي في الضفة الغربية وغزة، بهدف إنشاء حكومة فلسطينية موحّدة وشرعية قادرة على تمثيل شعبها في مفاوضات الوضع النهائي.

ومرتكزًا إلى مبادرة السلام العربية، ومسترشدًا بقرارات الأمم المتحدة القائمة، وبوساطة دولية قوية، سيضع الاتفاق النهائي حدودًا دائمة تتضمن تبادلات في الأراضي قائمة على الأمن والديموغرافيا والتواصل الجغرافي.

كما سيؤسس لترتيبات أمنية، ويتفاوض بشأن حلول للإسرائيليين الراغبين في الإقامة في فلسطين والفلسطينيين الساعين إلى العيش في إسرائيل، ويبتّ في وضع اللاجئين الفلسطينيين والقدس، ويؤكد الاعتراف المتبادل.

وبالتوازي مع ذلك، يجب استثمار الإنجازات العسكرية لإسرائيل والولايات المتحدة في إطلاق مفاوضات شاملة مع إيران لمنعها من حيازة أسلحة نووية.

ويجب على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والصين وإسرائيل والسعودية (ممثلةً للجامعة العربية) والأمم المتحدة تنسيق هذه العملية ووضع آليات تفتيش دولية قوية.

من قوة إلى قوة

في مقابلة أجريت معه في العام 1997، قدّم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، توقعًا مرعبًا، تخيل فيه أنه بحلول العام 2027 ستقوم دولة إسلامية موحّدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، تحكمها الشريعة الإسلامية. وعندما سُئل عمّا قد يمنع ذلك، أجاب: “الشيء الوحيد الذي أخشاه هو واقع يعتقد فيه الفلسطينيون أن اليهود سيسمحون بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل”.

لقد كشفت هذه الاعترافات عن حقيقة جوهرية: تعتمد قوة حماس على اليأس، وتزدهر في غياب البدائل. ولكن إذا ما تم تقديم مسار موثوق ومدعوم دوليًا نحو إقامة دولة فلسطينية، فإن جاذبية حماس ستنهار.

لقد استعادت إسرائيل قدرتها على الردع العسكري. وأظهرت قدرتها على الدفاع عن نفسها وردع أعدائها. لكن القوة وحدها لا يمكن أن تفكك شبكة الوكلاء الإيرانيين وتمنح إسرائيل سلامًا وأمنًا دائمين لأجيالها القادمة. وحده الاتفاق الإقليمي المدعوم دوليًا بقوة، والذي يفضي في نهاية المطاف إلى حل دولتين قابل للحياة، يمكن أن يحفظ أمن إسرائيل وهويتها اليهودية – الديمقراطية، وينهي دورة العنف، ويحوّل الشرق الأوسط من ساحة معركة إلى منطقة تعاون. وليس هذا مثالية يوتوبية، وإنما هو تصوُّر يعمل في مصلحة الفاعلين الإقليميين والدوليين. أما بالنسبة لإسرائيل، فقد أصبح ضرورة استراتيجية.

*عامي أيالون Amihai “Ami” Ayalon: من أبرز الشخصيات الأمنية والسياسية في إسرائيل، وُلد في العام 1945 في كيبوتس معجان ميخائيل، وبرز كقائد في سلاح البحرية حيث وصل إلى منصب قائد سلاح البحرية الإسرائيلية بين العامين 1992 و1996، ثم تولى رئاسة جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” من 1996 إلى 2000.

بعد تقاعده من العمل الأمني دخل المعترك السياسي، وانتُخب عضوًا في الكنيست عن حزب العمل، وعُرف بمواقفه التي تميل إلى دعم حل الدولتين والدعوة إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وشارك في مبادرات مثل “مبادرة جنيف” و”نداء الشعب” مع شخصيات فلسطينية بارزة. اشتهر بكونه شخصية مثيرة للجدل داخل المؤسسة الإسرائيلية، حيث جمع بين خلفيته الأمنية وميله إلى خطاب أكثر انفتاحًا نحو التسوية مع الفلسطينيين. وهو مؤلف كتاب “نيران صديقة: كيف أصبحت إسرائيل أسوأ أعداء نفسها وأملها في المستقبل” Friendly Fire: How Israel Became Its Own Worst Enemy and Its Hope for the Future.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel Is Fighting a War It Cannot Win

—————–انتهت النشرة—————–

Loading

Share This Article