الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت احرونوت 14/9/2025

رغم تسونامي الاعتراف بدولة فلسطينية، تجتهد إسرائيل ان يكون التهديد شديد القوة

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين 

في الأشهر الأخيرة توجد إسرائيل في مسيرة استراتيجية تتمثل بـ الانطواء الى الوراء”، أي ضعضعة، تخلي عن أو فقدان ذخائر تراكمت على مدى السنين حيال المجال الإقليمي، وبالاساس اتفاقات سياسية، وبالمقابل، سعي الى إعادة الدولاب التاريخي الى الوراء، إعادة الواقع الى ما كان عليه في الماضي، في الغالب في ظل التوتر والعداء.

الإشارة الإماراتية عن الخطر المحدق باتفاقات إبراهيم في اعقاب الهجوم في قطر ونوايا الضم في يهودا والسامرة تضاف الى الإيضاحات السعودية بان لا افق للتطبيع طالما استمرت الحرب في غزة، للخبو المتواصل في علاقات إسرائيل والأردن، والأخطر – للاستياء المتعاظم حيال مصر في ضوء الاستعداد لاحتلال مدينة غزة والذي يترافق وبحث في نقل السكان من القطاع، الامر الذي يثير في القاهرة القلق من مؤامرة لدفع جموع الغزيين الى أراضيها (وفي الخلفية – “تقارير” في إسرائيل مصدرها ومصداقيتها مشبوهان حول تعزيز قوات مصرية في سيناء وانتهاكات لاتفاق السلام تذكر بالانباء الملفقة التي اقترحت في اطار قطر غيت).

لا يتوقف في هذا الجهد لاعادة عقارب الزمن الى الوراء. الكثيرون في الحكومة يتحدثون علنا عن تجديد الاستيطان في القطاع، ضم معظم أراضي يهودا والسامرة وكذا ضعضعة او اسقاط السلطة الفلسطينية. ثمة من لا يكتفون بالعودة الى عصر ما قبل اتفاق أوسلو بل يتطلعون الى استرجاع احداث 1948 وإعادة تصميم الجغرافيا والديمغرافيا بين البحر والنهر بل وتحقيق وعود توراتية حول “حدود الوعد”. التهديد الملموس اكثر من أي شيء آخر ينعكس على اتفاقات إبراهيم، احد الإنجازات البارزة لنتنياهو (وترامب). فقد قام الاتفاق على أساس إحساس مشترك للدول العربية وإسرائيل بالتهديد من جانب إيراني وداعش، تشخيص فرص في مجالات الاقتصاد والتعاون الأمني والتقدير بان إسرائيل ستمتنع عن إجراءات دراماتيكية في السياق الفلسطيني مقابل تطوير علاقات مع المنطقة – كما وجد تعبيره في كبح فكرة الضم في 2020. هذه المعادلة تهتز: إسرائيل تستعد لاحتلال غزة ولفرض السيادة، تعمل بشكل يصفه العالم العربي بغير متوازن (الهجوم في قطر) وثمة حتى من يدعون بان العلاقة معها تتحول من ذخر استراتيجي الى عبء. ولتهدئة الروع يروج في إسرائيل لحملة مغرضة تقضي بانه يمكن الإمساك بالحبل من طرفيه: فرض السيادة (“بحساسية وبحذر”)، والحفاظ على العلاقات مع العرب في آن معا.

لا يدور الحديث عن سلوك غير واع. فاصحاب القرار واعون تماما لتداعيات الخطوات، مثلما ينعكس من اقوال نتنياهو الأسبوع الماضي – وبموجبها فان خطواته تجبي بالفعل ثمنا سياسيا ودبلوماسيا باهظا، لكنه مستعد لان يدفعه كي يحقق “النصر المطلق”. ممثلو الصهيونية الدينية اثر فظاظة: من ناحيتهم فان تنفيذ رؤيا وحدة البلاد هو الأساس، بينما العزلة الدولية والضغط الدولي عديما المعنى.

ان فكرة “شعب وحده يسكن وبالاغيار لا يهتم” تترافق ومبررات تقضي بان الخطوات الحالية تنطوي على تعلم واع لدروس 7 أكتوبر، بما في ذلك التصميم على تحقيق ما تقرر كاهداف استراتيجية – بكل ثمن، ودون اعتبار لموقف العالم “مزدوج الاخلاق”. هذا، الى جانب اقناع ذاتي بموجبه معظم النقد الخارجي ينبع من دوافع لاسامية والاخفاقات الاعلامية هي جزء مركزي من المشكلة وفقط اذا ما اصلحت سيكون ممكنا “التسويق” للعالم استمرار الحرب في القطاع والضم في يهودا والسامرة.

قبل لحظة من التسونامي السياسي المرتقب في ضوء الاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطينية، تجتهد إسرائيل لضمان ان يكون التهديد شديد القوة. فللتوتر الجسيم الذي ينشأ حول الاستعداد لاحتلال غزة وضم المناطق يضاف الان الهجوم في قطر الذي وان كان يتركز على هدف مبرر يتمثل بتصفية العدو المسؤول عن مذبحة 7 أكتوبر، لكنه اصبح، مثلما في مرات عديدة في اثناء الحرب، عديم العمق الاستراتيجي.

فضلا عن ذلك، يبدو أن الهجوم قام على أساس تقديرات مغلوطة وتشويهات فكرية. فقد كان يفترض بالعملية ان تضر بالمكانة الإقليمية الدولية لقطر وتلين مواقف حماس في المفاوضات على الصفقة، لكن عمليا، العالم العربي والساحة الدولية يعانقان الدوحة التي انطلقت الى هجوم مضاد وتستخدم مراكز النفوذ التي طورتها على مدى السنين في عوالم السياسة، الاقتصاد، الاعلام، الثقافة والرياضة في ارجاء العالم. حماس، من جهتها تلقت ضربة محدودة، تواصل التمسك بمواقف متصلبة، وعلاقتها بقطر تتعزز. كل هذا مرة أخرى يؤكد القلق الذي ثار كثيرا في اثناء الحرب: أصحاب القرار، الذين لم يحققوا باخطائهم ومسؤولياتهم عن قصور 7 أكتوبر لم يحسنوا الفهم لطبيعة المنطقة والعدو ويواصلون الوقوع في الخطأ.

معظم الإسرائيليين يرون في التسونامي السياسي تحديا يقع في مستويات عالية لا تتعلق بحياتهم اليومية: الاعتراف بدولة فلسطينية، منع وصول وزراء في الحكومة الى دول في الغرب وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية. لكن، مثلما في مثال الضفدع الذي يغلي في الوعاء بان التسونامي سيصل في النهاية الى نقطة الغليان التي سيشعر بها الجميع. في هذه اللحظة يدور الحديث عن قيود تفرض على رياضيين، فنانين او مندوبي صناعات السلاح. لكن قريبا قد يتطور تحد في مجالات الاقتصاد والمواصلات أيضا.

العالم يتابع سلوك إسرائيل بقلق. كثير من الدول وان كانت تميز بين الحكومة والجمهور لكنها قلقة مما يعد كادمان على القوة العسكرية المتبلة في أحيان كثيرة بشعارات دينية وبرموز أخلاقية من عهد التوراة، في ظل التمسك بالخيالات، مثل تحقيق خطة ترامب في غزة وفي ظل تثبيت المواجهة كواقع دائم. على هذه الخلفية يتبدد الائتمان الواسع والشرعية التي حظيت بها إسرائيل بعد 7 أكتوبر، وهي تؤسس بالتدريج لمكانة دولة منبوذة وعديمة التفكر التي تتمسك باهداف حتى اغلبية الجمهور في إسرائيل تعارضها أو تشتبه بالدوافع من خلفها.

——————————————

يديعوت احرونوت 14/9/2025 

فشل هجوم الدوحة، وتبقى التساؤلات

بقلم: رونين بيرغمان

“كان السلوك الإسرائيلي مشبعًا بدماء قطرية”، هذا ما صرّح به مسؤولون خليجيون كبار لموقعي “Ynet” و”يديعوت احرونوت” حول مقتل الحارس الأمني ​​القطري لقيادة حماس في هجوم سلاح الجو الإسرائيلي في الدوحة. تثير هذه الكلمات تساؤلًا لم يُبحث حتى الآن بشأن الهجوم المثير للجدل. هل أخذت إسرائيل هذا الاحتمال، المتمثل في وجود عناصر أمن محليين، في الاعتبار، أو على الأقل كان ينبغي إدراجه في الحسابات وتقييمات المخاطر التي سبقت الهجوم؟

لإسرائيل خبرة واسعة في إرسال الوفود إلى الدوحة، وفي كيفية تعامل السلطات الأمنية المحلية مع الممثلين الأجانب، وخاصةً أولئك المعنيين بقضايا حساسة. وقالت المصادر: “كانت إسرائيل تعلم أن من واجب قطر، كمضيفة، ضمان سلامة ضيوفها، وأن هناك احتمالاً لتواجد حراس الأمن داخل المبنى، وحتى في الغرفة المعنية”.

وبحسبهم، فإن تجاهل إسرائيل لخطر استهداف أفراد الأمن القطريين دليل على أن هدف الهجوم لم يكن قيادة حماس، بل “المفاوضات حول صفقة والعلاقات مع قطر، والتي يسعى نتنياهو، على ما يبدو بسبب مشاكله القانونية، إلى سحقها”. وكما كشفنا هنا، صرّح مسؤول قطري رفيع المستوى أمس بأن قادة حماس لم يكونوا في غرفة أخرى، بل في مبنى آخر. وأضاف مسؤول أمني كبير أنه سيتم أيضًا دراسة احتمال تواجدهم في مبنى آخر في الوقت نفسه، لأن هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه إسرائيل في تحقيقها في الحادث.

وأضاف المسؤول القطري أن قتلى الهجوم، بمن فيهم نجل الحية، كانوا فريقًا شارك في صياغة مواد لاجتماع كبار المسؤولين، بعضهم قادم من تركيا، لمناقشة الخطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأضاف المصدر أن الفشل كان من الممكن أن يكون أكبر بكثير، لأنه قبل الهجوم بوقت قصير، أُجِّل اجتماع بين قيادة حماس والمسؤول القطري الكبير المسؤول عن العلاقات بين حماس وإسرائيل، المعروف بين أصدقائه وزملائه باسم “السيد كوهين” لزياراته المتكررة لإسرائيل، لمدة ساعة أو ساعتين. بمعنى آخر، حال الحظ دون تواجده في موقع الهجوم. هذا مصدر مقرب من رئيس الوزراء القطري، وحتى من الأمير، الذي كان من شأن مقتله في الهجوم أن يزيد من تفاقم الأزمة.

يشعر القطريون بالحيرة أمام السؤال الكبير الذي لا يزال مطروحًا: ماذا حدث لكبار مسؤولي المنظمة الذين لم يُقتلوا على ما يبدو، ولكن من المحتمل جدًا أن يكون بعضهم قد أصيب على الأقل. لم يحضر معظم كبار المسؤولين جنازات قتلى الهجوم، وتزعم قطر أن هذه اعتبارات أمنية، لكنها لا ترغب في تقديم مزيد من التفاصيل حول سبب عدم نشر صور كبار المسؤولين.

وفقًا لمصدرين خليجيين مطلعين على ما يحدث في الدوحة، يفرض القطريون أعلى مستويات الأمن والمعلومات على القضية برمتها، بما في ذلك الضحايا أو أي شخص كان بالقرب من موقع الهجوم الذي دمر جزءًا من مجمع مكاتب حماس. أما بالنسبة لقيادة المنظمة، المستهدفة أصلًا بالقصف، فتقول المصادر إنهم جميعًا في الدوحة، في مجمع قطري آمن، بدون هواتف أو أي جهاز إرسال آخر، ويُحظر عليهم التحدث إلى أي شخص خارج المجمع.

ووفقًا لأحد كبار المسؤولين الخليجيين، وقع الهجوم “في خضم مناقشات هنا، قبل ساعات من اجتماع حماس الداخلي ثم اجتماعات معنا، لمناقشة الموقف من اقتراح الرئيس ترامب الأخير. كيف نفهم هذا؟” بالإضافة إلى ذلك، لم يصرح كبار المسؤولين القطريين في محادثات الليلة الماضية بذلك صراحةً، ولكن يبدو أن قطر، لاعتقادها أن هدف نتنياهو من الهجوم كان إحباط مفاوضات التوصل إلى اتفاق وأي إمكانية للتوصل إليه، لن تنسحب تمامًا من المفاوضات، وقد تستمر في لعب دور الوسيط الرئيسي. سيُتخذ القرار رهنًا بنشر نتائج اجتماعات الوفد القطري مع الرئيس ترامب وكبار مسؤولي الإدارة منذ الهجوم. عاد الوفد القطري، برئاسة رئيس الوزراء الشيخ محمد، إلى الدوحة، لكن لم يُعرف بعد ما تم الاتفاق عليه بينه وبين الرئيس ترامب وفريق البيت الأبيض. ويُشير التقييم إلى أنه نظرًا لأن الولايات المتحدة تُقدم ضمانات كافية للحماية من أي هجوم إسرائيلي آخر على الأراضي القطرية، وربما تُصبح أكثر انخراطًا في محاولة فرض اتفاق على نتنياهو يُنهي الحرب، فإن قطر ستواصل التوسط.

في غضون ذلك، يقول كبار مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية عن الهجوم إن “عملية اتخاذ القرار كانت عليلة، وهذا في الواقع مديح. فعندما يعارض معظم مسؤولي الأمن الهجوم، دون عرض منهجي للاعتبارات المؤيدة والمعارضة، ودون عمل الموظفين، ودون منحهم الوقت الكافي لشرح ما سيُكشف، والاعتبارات المتعلقة بالعلاقات مع قطر، والتداعيات على الرهائن. في النهاية، توقف نتنياهو عن التشاور الحقيقي، وما يفعله هو أداء واجبه. في النهاية، هو ووزير الدفاع يقرران وحدهما، أي أنه هو من يقرر.

على مدار ما يقارب عامين من بدء الحرب، وُضعت خطتان لضرب الهدف. إحداهما عملية برية بقيادة الموساد، سُميت “قطار الليل”، والأخرى عملية جوية. لاحقًا، وفي ضوء معارضة الموساد للأمر برمته، ولضمان عدم قطع أي عملية الاتصال بين الموساد والقطريين، أُزيلت العملية البرية من جدول الأعمال، ولم يبقَ سوى العملية الجوية، التي نوقشت خلال الأربع والعشرين ساعة التي سبقت الهجوم وحتى الموافقة عليها.

علامات الاستفهام المتبقية

بعد خمسة أيام من هجوم الدوحة، ومن خلال محادثات مع كبار المسؤولين القطريين والإسرائيليين، تتزايد علامات الاستفهام. إليكم أهمها:

لماذا فشل الهجوم؟ وفقًا لمصدر قطري رفيع المستوى كُشف عنه هنا، لم يكن قادة حماس موجودين إطلاقًا في المبنى الذي تعرض للهجوم، والذي لم يُلحق به أي ضرر سوى جزئي. يقول المصدر القطري إن قتلى الهجوم، بمن فيهم نجل الحية، كانوا منشغلين بصياغة مواد لاجتماع لكبار القادة. هل تلقت قيادة حماس تحذيرًا فوريًا قبل الهجوم بشأن ما سيحدث؟ مع مرور الوقت، يبدو أن التحذير من الولايات المتحدة جاء بعد الهجوم. ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة، أُجريت تغييرات وتعديلات على نظام حماس الأمني، بما في ذلك مرافق الاجتماعات. هل هذا هو سبب تفويت كبار القادة للهجوم، أم أنهم ذهبوا للصلاة في مبنى آخر في اللحظة الأخيرة؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فكيف لم ترَ المخابرات الإسرائيلية ذلك؟

هل كانت إسرائيل على علم بوجود خطر إلحاق الضرر بأفراد الأمن القطريين، بمن فيهم كبار المسؤولين الذين قد يجتمعون مع أعضاء حماس؟ هل اتُخذت الاحتياطات اللازمة لمنع هذا الضرر؟ هل وُضع خطر الضرر في الاعتبار أثناء عملية صنع القرار التي أدت في النهاية إلى إصدار رئيس الوزراء الأمر بالهجوم؟

تحضيرًا للمكالمة الهاتفية المشفرة التي أذنت بالهجوم، هل أُجري أي عمل منظم من قِبل الاستخبارات العسكرية، أو جهاز الأمن العام (الشاباك)، أو جهاز المخابرات الوطني، حول المخاطر والفرص المتوقعة في حال فشل الهجوم، وحتى في حال نجاحه؟

لماذا لم يُدعَ نيتسان ألون، الخبير الكبير المشارك في مفاوضات صفقة الرهائن التي كان من المفترض أن تُعقد في الدوحة في الساعات التي تلت الهجوم، إلى النقاش؟ ومن، إن وُجد، طرح في غيابه مسألة تأثير الهجوم على مفاوضات إعادة الرهائن، وهي مسألة تُمثل أحد هدفي الحرب؟

هل طُرِحَت إمكانية، وإن وُجِدَت، فمن قام بذلك، وبعد أي عمل تحضيري، بأن العملية، حتى في حال نجاحها، قد تُسبب ضررًا استخباراتيًا-عملياتيًا، لا سيما فيما يتعلق بأمرين: الأول هو كشف قدرات جهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز الاستخبارات العسكرية. والثاني، إذا صحت التقارير (كما كُشِفَ عنها في صحيفة وول ستريت جورنال)، استخدام قدرات فريدة للغاية لسلاح الجو.

ما الذي تغيّر وأدى إلى قرار الهجوم الآن، بعد أن عُرضت على نتنياهو سلسلة من الخطط خلال العامين الماضيين للقضاء على نفس القادة الكبار في المبنى نفسه؟ في جميع الحالات الأخرى، اتُخذ قرار بعدم التدخل طالما كان القطريون وسطاء بين إسرائيل وحماس. ولا يزال الأمر كذلك. فلماذا قرار الهجوم إذًا؟

بماذا وعد رئيس الموساد، ديفيد برنياع، القطريين بشأن استهداف قادة حماس؟ وفقًا لمنشور أمريكي ومصادر خليجية، وعد برنياع قبل بضعة أشهر بأن إسرائيل لن تتخذ أي إجراء ضد قادة حماس على الأراضي القطرية طالما استمرت المفاوضات. رفض الموساد التعليق على هذه الأمور أو أي أسئلة أخرى تتعلق بالهجوم. هل كان النهج العدواني الذي اتبعته حاشية نتنياهو تجاه قطر في الأسابيع الأخيرة – تغريدة لابنه يائير قارن فيها الأمير ووالدته بالنازيين، ونبوءات يعقوب باردوغو حول قصف الدوحة، وتدخل كبار المسؤولين في صياغة تصريحات المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي حول اغتيال مراسل الجزيرة بطريقة تربط قطر بوكالة هانا – حملةً لنزع الشرعية عن قطر تمهيدًا للهجوم؟

على حد علم معظم المصادر، عارض كلٌّ من رئيس الموساد برنياع ورئيس الأركان زامير الهجوم في ذلك الوقت، أي الهجوم بشكل عام. لم يكن نيتسان ألون مشاركًا في المشاورات، وبالتالي، على الأكثر، كان المسؤول الأمني ​​الكبير الوحيد غير المعين سياسيًا والذي كان من الممكن أن يُعرب عن دعمه لهذه الخطوة هو القائم بأعمال رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، حيث أعلن رئيس الوزراء أنه لن يكون الرئيس القادم للشاباك. إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتخذ رئيس الوزراء قرارًا بشأن عملية بالغة الأهمية وواسعة النطاق، في حين لا يدعمها أيٌّ من كبار المسؤولين ذوي الخبرة، مع تهميش السلطة العليا فيما يتعلق بالرهائن، وتجاهل المخاطر التي يمثلها رؤساء الموساد والجيش الإسرائيلي عليه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي السيناريوهات المتفائلة التي عرضها رئيس الوزراء أو التي عُرضت عليه؟ ما الذي توقعه من وافقوا على العملية بعد قطع رأس قيادة حماس؟ أن تستسلم الحركة في غزة.

——————————————

إسرائيل اليوم 14/9/2025

مسؤول عسكري: إسرائيل تعرض امنها القومي للخطر بشكل غير مسبوق

بقلم: يوآف ليمور

في قيادة الجيش الإسرائيلي يوجد تحفظ واسع على حملة عربات جدعون 2 التي من المتوقع أن تبدأ في غزة قريبا. فقد أعربت محافل رفيعة المستوى عن تخوفها من أنه امتدادا للهجوم في قطر فان “إسرائيل تعرض للخطر أمنها القومي بشكل غير مسبوق”.

في نهاية الأسبوع شدد الجيش الإسرائيلي الهجمات في غزة تمهيدا للحملة. بالتوازي، تزايدت الجهود لتشجيع المواطنين الفلسطينيين على ترك المدينة، وان كان سجلت من جانبهم حتى الان استجابة جزئية فقط. التقديرات هي أن الكثير من السكان سيتركون في اللحظة التي تقترب فيها كتلة القوات من المدينة، وان كانوا في الجيش يحذرون من أن 100 حتى 300 الف منهم كفيلون بان يبقوا في غزة ويصعبون على العملية.

 تجنيد الاف من رجال الاحتياط

هذا الأسبوع سيجند الجيش نحو 20 الف آخرين من رجال الاحتياط باوامر الاستدعاء 8، معظمهم كي يستبدلوا وحدات نظامية ليتوجهوا الى القتال في غزة وبعضهم كي يعززوا منظومات أخرى وذلك استمرارا لنحو 60 الف من رجال الاحتياط جندوا في بداية الشهر. معظم وحدات الاحتياط ستخدم الضفة وكذا في حدود سوريا ولبنان فيما ستقود المعركة في غزة الوحدات النظامية.

في الأيام الأخيرة اشتد الضغط على الجيش الإسرائيلي من جانب القيادة السياسية لتسريع الحملة، في ظل تجاهل تحذيرات رئيس الأركان وكبار الجنرالات – وكذا كبار المسؤولين في الموساد، في الشباك وفي هيئة الامن القومي – إذ مشكوك ان تحقق الحملة هدفها المعلن بحسم المعركة مع حماس. وأضاف هؤلاء بان الخطة القائمة من شأنها أن تتواصل لاشهر عديدة، تعرض للخطر مخطوفين وتكلف ثمن إصابات عديدة بين الجنود، وتوريط إسرائيل امام الاسرة الدولية كنتيجة لصور الدمار والقتلى التي ستصل من غزة.

القلق في القيادة الأمنية تزايد بعد محاولة تصفية مسؤولي حماس في قطر الأسبوع الماضي. نتائج الهجوم لم تتضح بعد بكاملها لان حماس وقطر تبقيان على ستار سميك في محاولة للتغطية على حالة كبار مسؤولي المنظمة والمصابين في الحدث. لكن تتعاظم التقديرات بان الهجوم فشل او نجح بشكل محدود جدا. وتنتقد محافل امنية رفيعة المستوى بشدة الهجوم الذي تم بخلاف رأي رئيس الأركان، رئيس الموساد، رئيس امان ورئيس هيئة الامن القومي. ومع أن الأربعة ايدوا النية العامة لتصفية قيادة حماس، لكنهم تحفظوا من التوقيت – عندما يكون مقترح امريكي لانهاء الحرب – على الهدف (على أراضي قطر) وعلى احتمال تورط إسرائيل.

يخيل ان التحفظات التي طرحت قللت من حجم الضرر الذي الحقته إسرائيل بنفسها. فالهجوم يعتبر في العالم كاحباط مقصود للمحاولات الدولية للوصول الى اتفاق، يعيد المخطوفين ويمنع توسيع القتال. ونظرا لحقيقة أن قيادة حماس نزلت تحت الأرض، وبغياب قطر كوسيط لم يتبقَ لإسرائيل غير خيار الحرب – فيما أنها هي المسؤولة الحصرية عن نتائجها.

الحلف الذي تخطط له مصر

إضافة الى ذلك، عقدت إسرائيل جدا وضعها الدولي (المعقد أصلا). دول العالم الغربي تنافست فيما بينها بالتنديد بالهجوم والعالم العربي عاطف خوفا من أن تقرر إسرائيل مهاجمة دول أخرى كانت تعد حتى الان “محصنة”. ونشر امس بان مصر تقترح إقامة حلف إقليمي – مثابة ناتو عربي – يشكل تكافلا متبادلا ضد هجمات أجنبية. ومع ان الاقتراح لا يذكر صراحة إسرائيل بالاسم لكنه يلمح بها ويضعها على شفا مواجهة علنية مع كل دول المنطقة بما فيها تلك التي على علاقات سلام وتطبيع معها.

قبل شهرين ونصف فقط، في اعقاب الحرب ضد ايران كان يخيل أن حلفا كهذا سيقوم فيما تكون إسرائيل في مركزه، كوزن مضاد للتهديد الشيعي الذي مركزه ايران، وتهديد حلف الاخوان المسلمين الذي تقوده قطر وتركيا. اما الان فقد نجحت إسرائيل في التقريب بين العالم السني كله – والجسر فوق العداء البنيوي بين قطر وبين السعودية، مصر والامارات – بما في ذلك التقارب المقلق مع ايران، التي زار وزير خارجيتها القاهرة يوم الجمعة الماضي. يوم الاثنين ستعقد في قطر قمة عديدة المشاركين في موضوع “إرهاب الدولة الإسرائيلي” التي سيصل اليها رئيسا ايران وتركيا أيضا.

صحيح أن إدارة ترامب تحافظ على كرامة إسرائيل علنا وتمتنع عن الانضمام الى الهجمة العلنية عليها، لكن تسريبات مختلفة لوسائل اعلام أمريكية تفيد بان في واشنطن يسود عدم ارتياح من الهجوم. في نهاية الأسبوع التقى الرئيس برئيس وزراء قطر، كجزء من محاولاتها للمصالحة. مصدر إسرائيلي كبير قال ان هذا انجاز سلبي مدوٍ لإسرائيل: نجحنا في أن نأخذ دولة مؤيدة للارهاب ونحولها الى قديس مُعنّى.  بدلا من ان نمس باعدائنا عززناهم”.

عقوبات ضد إسرائيل

الضرر الذي لحق بإسرائيل حيال قطر يضاف الى الاضرار السياسية الأخرى التي تتراكم كل يوم، ومن المتوقع لها أن تتصاعد الان على خلفية توسيع المعركة في غزة. في أوروبا يتحدثون منذ الان علنا عن مقاطعات وعقوبات اقتصادية، اكاديمية وثقافية فيما في الخلفية أيضا إمكانية توسيع حظر السلاح من جانب دول أخرى بشكل يصعب على قدرة أداء الجيش الإسرائيلي. كما أعربت محافل مختلفة أيضا عن تخوفها من المس بالصفقات الأمنية وكذا بالتصدير الأمني الإسرائيلي الذي يدخل الى الدولة مليارات الدولارات في السنة.

مصادر رفيعة المستوى وصفت كما أسلفنا هذه التهديدات كخطر غير مسبوق على الامن القومي الإسرائيلي. في الحكومة يرفضون هذه التحضيرات ويدعون بانها محاولة للترويع ولاحباط النية لحسم المعركة مع حماس ولكن في الجيش يقولون ان العكس هو الصحيح: الخطوات التي تقودها الحكومة بالذات هي التي تحبط الاحتمال للوصول الى الحسم ومن شأنها أن تتسبب في أن تكون إسرائيل هي الخاسرة في المعركة – وتدفع ثمنا باهظا و “خطيرا” اكثر مما هي قادرة على احتماله.

——————————————-

هآرتس 14/9/2025 

حلفاء الولايات المتحدة يرون في إسرائيل تهديدا ويطالبون بضمانات

بقلم: تسفي برئيل 

للمرة الثالثة في غضون سنتين يعقد في الدوحة عاصمة قطر مؤتمر قمة عربية اسلامية طاريء، التي يتم تاطيرها كتضامن اقليمي مع الدولة المستضيفة التي هاجمتها اسرائيل. غزة في الواقع ستكون في الصدارة في القمة، لكن فقط كلاعبة ثانوية في عرض استهدف دعوة واشنطن الى وقف تهديد اسرائيل. الهجوم في قطر اوضح لجاراتها ولدول المنطقة بان صفقة التبادل والمعركة ضد حماس واحتلال القطاع تضع هذه الدول امام تهديد ملموس، وحتى مكانتها كحليفة للولايات المتحدة لا تحميها من هذا الخطر.

في الاحاطات التي اجروها مع وسائل الاعلام العربية الكبيرة، بالاساس القطرية والمصرية، طرحت مرة اخرى افكار عملية، مثل قطع العلاقات مع اسرائيل أو خفض مستوى التمثيل السياسي للدول التي توجد لها معها علاقات دبلوماسية، وفرض عقوبات اقتصادية أو تشكيل “لجنة عمل خاصة”، تعمل ضدها على المستوى السياسي والقانوني. من قدموا هذه الاحاطات قاموا باحياء فكرة تشكيل قوة عربية متعددة الجنسيات للدفاع عن دول المنطقة من الهجمات الاجنبية، أي الاسرائيلية. القمم السابقة، الاولى في تشرين الثاني 2023 والثانية بعد سنة تقريبا، نتج عنها بيانات توصية متعددة البنود.

الفيتو الامريكي مضمون

من الواضح انه في هذه المرة ايضا يجب عدم توقع اكثر من خطابات نارية، وتنديد باسرائيل والتعبير عن دعم “الشقيقة” قطر التي انتهكت سيادتها من قبل سلاح الجو الاسرائيلي. ولكن يجب ذكر انه احيانا يوجد لمثل هذه اللقاءات ايضا نتائج. القمة التي عقدت في السنة الماضي مثلا، نتجت  عنها لجنة فرعية صغيرة برئاسة السعودية، التي قادت بتصميم ونجاح المبادرة للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. هذه الجهود وصلت الى ذروتها في نهاية الاسبوع بالقرار الجارف للجمعية العمومية للامم المتحدة وهو تبني حل الدولتين.

اسرائيل ما زال يمكنها الاعتماد على الفيتو الامريكي في مجلس الامن، الذي سيمنع اقامة الدولة الفلسطينية، وسيضم قرار الجمعية العمومية الى قرارات تصريحية واعلانية اخرى، التي تراكم عليها الغبار في الادراج. ولكن لا يمكن تجاهل المشاعر الدولية التي تعززت في الاشهر الاخيرة. قرار الجمعية العمومية ليس فقط بادرة حسن نية اخرى تستهدف تغليف بالتضامن “القضية الفلسطينية”؛ حل الدولتين يعتبر الآن خطوة عملية تستهدف انهاء الحرب في غزة؛ ووقف طموح اسرائيل لاحتلال القطاع وضم الضفة الغربية وتحديد مجال العمل العسكري لاسرائيل في المنطقة. هذه استمرارية مباشرة للعقوبات الرسمية التي فرضتها المانيا، النرويج، اسبانيا وبريطانيا، واستمرارية للقطيعة التجارية بين اسرائيل وتركيا، والمقاطعة “الرمادية” للنشاطات الاكاديمية والثقافية الاسرائيلية، التي تطبقها دول ومنظمات كثيرة.

في حين ان الدول الغربية تتخذ خطوات ضد اسرائيل، فانه بالتحديد الدول العربية التي وقعت على اتفاقات سلام معها، تمتنع حتى الآن عن المس الحقيقي بمنظومة العلاقات الهشة. مصر، التي لم تقم بارسال سفير الى اسرائيل ورفضت قبول اوراق اعتماد سفير اسرائيل اوري روتمان (سابقته اميرة اورون انهت عملها قبل سنة تقريبا)، تهدد في الواقع بانه “سيكون لهجوم اسرائيل على مصر نتائج خطيرة”. ولكنها لا تتحدث بمفاهيم قطع العلاقات او الغاء اتفاق كامب ديفيد. بالتحديد بنيامين نتنياهو هو الذي يهدد بـ “اعادة فحص” صفقة الغاز الضخمة التي تم التوقيع عليها في شهر آب بين شركة الغاز الاسرائيلية ومصر، وجهات اسرائيلية رفيعة تواصل باستمرار التحدث عن التهديد الذي يشكله تكثيف التشكيلة العسكرية لمصر في شبه جزيرة سيناء، رغم أن الجيش الاسرائيلي اكد على انه لا يوجد أي تغيير، وأن أي تحريك للقوات يتم بالتنسيق بين الدولتين.

حسب مصادر اسرائيلية ومصدر مصري فان التنسيق العسكري بين الدولتين يستمر مثلما في السابق، وحتى أن القاهرة اعلنت بانها ستواصل العمل كوسيط في صفقة تحرير المخطوفين. هذا لا يعني ان مصر لا تخاف من تنفيذ اسرائيل لتهديدها، فتح معبر رفح، من اجل السماح لمئات آلاف الغزيين بالانتقال الى شبه جزيرة سيناء، أو محاولة اغتيال شخصيات رفيعة في حماس، تعيش في مصر أو تقوم بزيارتها. حسب اقوال المصدر المصري “القاهرة تعمل على الصعيد الدبلوماسي السري، ولا يوجد الآن سيناريو رد عسكري. المعضلة العسكرية الرئيسية في هذه الاثناء ليست كيف تعمل عسكريا ضد اسرائيل، بل كيف تستعد لاحتمالية تدفق مئات آلاف الغزيين الى الاراضي المصرية”.

دولة الامارات ايضا لا تسارع الى التلويح بالمس باتفاقات السلام أو فرض عقوبات اقتصادية مثل الغاء صفقات وتجميد رحلات الطيران من اسرائيل واليها أو منع دخول الاسرائيليين. تفسير دولة الامارات لذلك هو ان العلاقات مع اسرائيل تخدم سكان غزة، حيث ان الامارات والاردن، اللتان تواصلان التنسيق الامني مع اسرائيل هما الدولتان العربيتان الاساسيتان اللتان حصلتا على اذن ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع واخراج منه المواطنين الذين يحتاجون للعلاج. أبو ظبي ايضا حصلت من اسرائيل على اذن لمد خط مياه ينقل المياه من محطة تحلية في شبه جزيرة سيناء الى منطقة المواصي، وهكذا يتم تخفيف ازمة المياه الصعبة التي يعاني منها النازحون. طالما انه يوجد تهديد لعلاقاتها مع القدس فانه ينحصر في الوقت الحالي في الحالة التي تقوم فيها اسرائيل بضم الضفة أو مناطق فيها، حيث ان منع الضم كان المبرر الاساسي الذي استندت اليه دولة الامارات من اجل التوقيع على الاتفاق مع اسرائيل.

الريفييرا التي تلاشت

في نفس الوقت دول الخليج تواصل العمل بشكل كثيف على الصعيد الدبلوماسي امام دونالد ترامب، الذي يملك اداة الضغط الناجعة لوقف الحرب ومنع احتلال مدينة غزة. ولكن اذا تمكنت الدول العربية من عزو لنفسها الفضل في انجاز سياسي على شاكلة تبديد فكرة الترانسفير وريفييرا ترامب بضغط منها، فان هجوم اسرائيل في قطر هو الآن قصة اخرى.

قطر ليست سوريا او لبنان او العراق او الاردن، التي سماءها وبرها اصبحت منذ زمن منطقة نيران مفتوحة للنشاطات العسكرية الاسرائيلية، الامريكية، الروسية والتركية. حسب تعريفها هي تعتبر نفسها “حليفة كبيرة للولايات المتحدة التي ليست عضوة في الناتو”، وحتى ان جاراتها في الخليج تنظر اليها كمنافسة، وحتى عدوة – حتى أنها فرضت عليها في 2017 حصار اقتصادي استمر لاربع سنوات، وهي جزء لا يتجزأ من مجلس التعاون الخليجي. ولكونها كذلك فان المس بها يعتبر مس بكل دول الخليج.

هذه الدول لا تنوي شن حرب على اسرائيل، وأي دولة منها، حتى قطر، لم تلمح بنية لي ذراع ترامب بواسطة تجميد تعهدها بالاستثمار في الولايات المتحدة بتريليونات الدولارات. ولكن العرض الذي سيبدأ اليوم في الدوحة لن يركز فقط على قطاع غزة، هو يستهدف ارسال الى الولايات المتحدة رسالة شديدة ويطالبها بالوفاء بالتزاماتها وضمان أمن حلفاءها امام حليفة اخرى، التي وقعت على اتفاقات سلام مع بعضها، لكنها تتصرف كدولة معادية.

 ——————————————

هآرتس 14/9/2025 

الهجوم في قطر خطر لازمة شديدة مع شريكتنا الولايات المتحدة

بقلم: د. ابراهام بن تسفي 

بصياغة اخرى للمقولة الاسطورية للمفكر الاستراتيجي من القرن التاسع عشر كارل فون كلاوزوفيتش، الذي قال ان الحرب من شانها ان تكون استمرارية للسياسة بوسائل مختلفة، هكذا ايضا يمكن القول بان اتفاق سياسي، صفقة او حتى وقف لاطلاق النار، يمكن ان ينبثق بعد صمت المدافع. هذا على فرض ان الحديث لا يدور عن، حسب تعريف كلاوزوفيتش، “حرب مطلقة”، التي تسعى الى الهزيمة المطلقة للعدو بدون شروط وبدون تفكير باليوم التالي.

في الواقع الذي تعيش فيه اسرائيل منذ سنتين، يبدو ان المنطق النقي والصافي للحرب المطلقة هو الذي يوجه نموذج سلوك الحكومة المتكرر منذ 7 اكتوبر المرير. التعبير الاخير بشان ان معظم قرارات اسرائيل في هذه الفترة تستمد من اعتبارات تكتيكية – عملياتية، مع تجاهل مطلق لعنقود كامل من الضغوط أو الاحتياجات الاستراتيجية – السياسية (اقليمية ودولية على حد سواء)، كان محاولة تصفية قيادة حماس الخارج في الدوحة.

بنفس الدرجة التي تسببت فيها المحاولة الفاشلة لتصفية خالد مشعل في 1997، الذي اصبح بعد ذلك رئيس المكتب السياسي لحماس، وبالتحديد في الاردن، والضرر السياسي الكبير والحرج لاسرائيل – خاصة فيما يتعلق بعلاقات الثقة والتعاون الاستخباري والعملياتي بين الدولتين – هكذا ايضا فاقم الهجوم على قادة حماس في قطر التسونامي السياسي الذي يهدد باعادة اسرائيل الى فترة الحضيض التي عاشت فيها منذ اقامتها.

في تلك الايام البعيدة، عندما “دول الغرب العظمى – الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا – ادارت ظهرها لاسرائيل، وفي نفس الوقت اغلق عليها سور العداء، العزل والمقاطعة في الدائرة الداخلية لدول المنطقة المحيطة بها، كان ذلك فقط هو الاتحاد السوفييتي برئاسة ستالين هو الذي هب لمساعدتها من خلال تزويدها بالطائرات والنفط باهظة الثمن. لقد كانت تلك شراكة قصيرة وعديمة الجدوى، التي سرعان ما اختفت على خلفية الدعم المتزايد لموسكو للمعسكر العربي.

لكن رغم فشل 1997 – بتجاهل تام للاعتبارات السياسية والاستراتيجية الحاسمة التي كان يجب ان تقف كاشارة تحذير واضحة امام اعين رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو – إلا أنه عادت وتكررت في الاسبوع الماضي هذه الصورة للتضحية بالمجال الاستراتيجي والسياسي على مذبح انجاز تكتيكي مقدر من قبل نفس رئيس الحكومة.

تداعيات مدمرة

لكن الفشل في هذه المرة اخطر باضعاف من سابقه، وتداعياته يمكن ان تكون مدمرة وشاملة في نطاقها، لان الحديث لا يدور الآن عن مواجهة شديدة مع المملكة الاردنية الهاشمية، بل بخلق ازمة شديدة ايضا مع الحليفة والشريكة المخلصة والوحيدة، الولايات المتحدة. هذا بدون الحديث عن الشرخ الزائد الذي لا لزوم له مع الكيان “المعقد” الذي يسمى قطر، ومع كل العالم العربي والاسلامي، ومع كل المنظومة الدولية، ومع التداعيات المقلقة بخصوص مصير المخطوفين.

اولا، يجب ان نذكر بانه خلافا لمشعل فان كل الاشخاص الاشرار الذين حاولوا اغتيالهم في الدوحة لم يكونوا يعيشون في الظلام والخفاء، بل ظهروا وعملوا علنا في قطر. بناء على ذلك، حتى لو كان محكوم عليهم بالقتل، فما الذي جعل نتنياهو يصمم على تصفيتهم الآن بالذات، في الوقت الذي فيه عملية الوساطة التي في اساسها توجد الولايات المتحدة، كانت ما تزال في ذروتها؟ ما الذي جعله يعتقد ان ورثتهم سيظهرون فجأة الاعتدال وروح المصالحة والنية الجيدة؟ هل حسن نصر الله مثلا، كان معتدل اكثر من سلفه عباس موسوي الذي تمت تصفيته في شباط 1992؟.

في الاساس اذا لم يكن الامر يتعلق بالرغبة في هز السفينة العالقة وتغيير اتجاهها، بل الرغبة في انهاء أي احتمالية للتوصل الى صفقة ومواصلة ادارة “الحرب المطلقة” – حتى لو كان ثمنها السياسي، الاقتصادي – الاجتماعي، آخذ في الارتفاع، وفي الوقت الذي فيه حياة المخطوفين آخذة في النفاد امام انظارنا –يتولد الانطباع بانه حتى بعد عشرات السنين من محاربة الارهاب العربي فان الزعماء لدينا لم يتحرروا بعد من التصور والمفهوم الذي بحسبه علاقة القوة بين الطرفين هي المفتاح الحصري للنصر المطلق.

هذا تفكير بسيط وعرقي، يفترض انه حتى الحركات القاتلة والمتعصبة والراديكالية يحركها طموح يسعى الى تقليص الاضرار والبقاء. هل دروس مواجهات بقوة قليلة في القرن العشرين مثل الحرب بين الهند والصين، حرب فيتنام وحرب افغانستان، لم تثبت مرة تلو الاخرى بان الطرف الضعيف لا يسعى بالضرورة الى النصر العسكري، بل هو يطمح الى استنزاف العدو وسفك دمائه وتحطيم معنوياته واضعاف اساس دعمه، الداخلي والخارجي، في الطريق الى ذلك.

يجب علينا أن نتذكر بان نقطة انكسار امريكا في حرب فيتنام كانت ترتبط بالتحديد بتجسيد استعداد الفيتكونغ بتنفيذ نوع من الانتحار الجماعي من خلال الخروج من غياهب الغابات المظلمة وشن حرب مواجهة عديمة الاحتمالية امام الدبابات الامريكية وضد الجيش الاكبر باضعاف. هذه كانت الانعطافة التي اثبتت لمتخذي القرارات في ادارة الرئيس جونسون بان شيفرة التشغيل التي توجه الاعداء مختلفة جوهريا عن اعتقادهم بقدسية الحياة وقيود الاخطار التي ايضا منظمات العصابات الارهابية مستعدة لتحمل مسؤوليتها.

حاجة فورية الى تفكير سياسي حقيقي

على هذه الخلفية التاريخية فانه من الواضح ايضا ان شعار “النصر المطلق” ليس اكثر من شعار. وبناء على ذلك فان استمرار القصف في غزة يمكن ان يسرع الانجراف السريع في مكانتنا الدولية، حيث كل ما بني بعمل كبير منذ اقامة الدولة من اجل توسيع دائرة العلاقات والشراكات يتحطم الى شظايا امام انظارنا.

في المقام الاول، شبكة العلاقات الخاصة بين واشنطن والقدس، التي منذ الستينيات اعطت اسرائيل شبكة امان قوية في كل المجالات، آخذة في التمزق. كيف ان قادتنا الذين يركزون على المستوى التكتيكي يمكنهم بشكل عام تجاهل الاهمية الاستراتيجية والتجارية الكبيرة للدوحة بالنسبة لترامب، واحراج الرئيس في ذروة المفاوضات التي يجريها مبعوثوه مع ممثلين اسرائيليين وقطريين في العاصمة الامريكية، وعدم التشاور مع البيت الابيض قبل الهجوم؟.

وكيف أنهم لا ياخذون في الحسبان فصل محور وساطة قطر دفعة واحدة؟. مع كل تعقيداتها، حسب تعبير نتنياهو، فان قطر كانت الدولة الاكثر ارتباطا بكل اجزاء العالم العربي. لماذا نقطع هذا المحور ولو حتى بشكل مؤقت؟ هل لا يوجد في ذلك ضربة قاضية لحلم التطبيع الاقليمي الواسع الذي سعى ترامب الى تحقيقه بلا كلل وملل؟.

من بالضبط سيستبدل قطر في مهمة الوساطة؟ هل هذا هو رئيس حكومة فيجي، الذي يتوقع ان يزورنا في هذا الاسبوع؟. في الختام، على خلفية كل ذلك أي صورة لاسرائيل يمكن ان ترتسم امام العالم، بالاساس في محيطنا في الشرق الاوسط؟ ألن يكون فيها ما من شانه أن يمحو صورتها كمرساة استقرار ومسؤولية في داخل محيط مليء بالازمات والانقسامات؟.

من خلال هذه الصورة البائسة والمقلقة يبدو ان قرار الامم المتحدة المصادقة اول أمس باغلبية ساحقة، 142 دولة، على “بيان نيويورك”، الذي في اساسه يشكل اطار ملزم لتطبيق “حل الدولتين”، ويؤيد بشكل صريح اقامة دولة فلسطينية سيادية، وفي نفس الوقت  المطالبة بوقف الحرب في غزة، فان هذا اشارة واضحة تدل على الحاجة الفورية الى تفكير سياسي حقيقي.

في عالم العولمة الذي تحاول اسرائيل الاندماج في اطره المختلفة كدولة شرعية ومحترمة، فان اظهار نظرة تستخف بالمؤسسات والمنظمات الدولية، حسب صيغة رئيس الحكومة الاول دافيد بن غوريون الذي قال بان “الامم المتحدة هي جسم عاجز”، فقط سيزيد من شدة ضائقة اسرائيل بكل المعاني، ويمكن ان يحولها الى دولة منبوذة.

——————————————

معاريف 14/9/2025

هجمات الدوحة هزيمة استراتيجية

بقلم: أنا برسكي

لقد اثبتت إسرائيل مرة أخرى بانها تعرف كيف تصل الى أي هدف، في كل مكان، حتى في قلب الدوحة. لكن بالتوازي اكتشفت أيضا ضعفها: عدم قدرتها على التفكير لبضع خطوات الى الامام.

لنضع جانب للحظة نتائج العملية، الأهداف التي حددت، والسؤال اذا كانت تحققت أم لا. الهجوم في عاصمة قطر فتح جبهة جديدة، سياسية واستراتيجية، أساسا حيال صديقتها الأقرب – الولايات المتحدة.

مجلس الامن في الأمم المتحدة، الهيئة التي يصعب عليها غير مرة الوصول الى توافقات، نجح هذه المرة في توحيد كل أعضائه الـ 15، بما فيها الولايات المتحدة، في شجب حاد لإسرائيل.

هذا حدث استثنائي: واشنطن، الحامية التقليدية لإسرائيل، اضطرت لان تنضم الى وثيقة تتحدث عن مس بسيادة قطر وتعرب عن “اسف عميق” على فقدان حياة مواطنين. لقد تلقت إسرائيل صفعة علنية، ليس من طهران او من موسكو بل من صديقتها الأكبر خلف البحر.

رئيس وزراء قطر، محمد آل ثاني ادعى بان إسرائيل تخلت عن المخطوفين وألقت قنابل في الوقت الذي يبحث فيه زعماء حماس مقترح وقف النار الأمريكي. “إسرائيل لا تراعي الرهائن”، قال. مع ذلك تعهد الا تتخلى قطر عن دورها كوسيط.

بالمقابل، سارعت حماس للإعلان بان الهجوم لن يغير مطالبها. بمعنى: لا إنجازا عسكريا واضحا، بل ضرر سياسي جسيم.

حتى الرئيس ترامب، الشريك شبه التلقائي لإسرائيل، بدا في الأيام الأخيرة كمحبط. “أنا جد غير راض”، هكذا وصف احساسه. مجرد حقيقة انه اضطر لان يتحفظ علنا ويضيف بانه يأمل في أن الخطوة “لن تضر بالمفاوضات على المخطوفين”، تدل على عمق الشرخ. التنسيق مع البيت الأبيض – كما يخيل، ضاع هباء بين السماء والبحر.

في دول عربية كثيرة يرون في الهجوم في الدوحة ليس فقط عملا عسكريا بل أيضا خطوة تضعضع الاستقرار. إسرائيل تتخذ صورة جهة مهددة، بل وأحيانا حتى اكثر من طهران. الإحساس في الخليج هو أن الردع الإسرائيلي يترجم الى مغامرة خطيرة – مغامرة يمكنها أن تؤدي الى ارتباطات جديدة بين قطر وايران بل وتعزيز تحالف إقليمي ضد إسرائيل.

في إسرائيل نفسها، من الصعب إيجاد خبير واحد يصور الهجوم كنجاح استراتيجي. ثمة من حذر من أن من شأن الخطوة ان تقرب قطر من ايران وتخلق تحالفا إقليميا معاديا. آخرون شددوا بان الخطوة تعرض للخطر صفقة المخطوفين في المدى القصير وتعمق العزلة السياسية لإسرائيل في المدى البعيد. وحتى أولئك الذين لا ينتمون حقا لمعارضي او متقدي الحكومة ورئيسها، بل العكس – قريبون ومقربون – يصفون العملية بانها “تفويت مزدوج”: نتيجة عملياتية جزئية وضرر للعلاقات مع الولايات المتحدة على حد سواء. الصورة التي تنشأ عن كل هذا جلية وواضحة: إسرائيل تعمل انطلاقا من مفهوم القوة العسكرية – “يمكن، إذن نفعل”، لكنها تدفع ثمنا متراكما في الساحة السياسية. بتعابير أخرى، خطوة تكتيكية، مشكوك أن يكون ممكنا وصفها كنصر تكتيكي، يصبح هزيمة استراتيجية. الهجوم لم يدفع قدما بإعادة المخطوفين، بل ابعد الولايات المتحدة، ومنح ايران وحماس هدايا في الوعي وفي الدبلوماسية.

لمجلس الامن لن تكون خطوات عقاب عملية، لكن مجرد الشجب الأمريكي – حتى وان كان رقيقا – هو ضوء تحذير خطير. قطر أعلنت منذ الان بانها ستواصل الجهد الدبلوماسي. لكن بالتوازي ستطرح الهجوم على بحث إضافي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وستنظر في خطوات قانونية.

الرسالة واضحة: إسرائيل يمكنها ان تستخدم القوة العسكرية في كل نقطة على المعمورة، لكنها اذا واصلت التصرف هكذا، دون دمج لتفكير سياسي استراتيجي – سنجد أنفسنا معزولين، ضعفاء دبلوماسيا، مهددين بقدر لا يقل من خسارة حلفاء مما من اعدائنا الالداء.

——————————————

هآرتس 14/9/2025 

حتى ترامب بدأ يدرك ان نتنياهو خطير على المنطقة وعلى العالم

بقلم: ايريس ليعال

هناك قضية ترتبط بقطر، التي يجب ان تقلق جدا بنيامين نتنياهو. الامكانية الكامنة للضرر الذي يمكن ان تسببه له مرتفعة، وهي ليست “قطر غيت”. قرار مهاجمة الدوحة من اجل اغتيال القيادة العليا لحماس في هذا التوقيت، خلافا لموقف جهاز الامن، يبدو أنه، بعد مرور ايام على تنفيذه، قرار هستيري – لا توجد كلمة اكثر دقة من ذلك.

حتى الآن نحن لم نحصل على أي تفسير معقول لسؤال ما الذي كانت ستحققه هذه العملية لو أنها نجحت، وهل تم اخذ الفشل في الحسبان بكل تداعياته. ولكن حتى لو أن هذه العملية نجحت فان ذلك كان سيكون خطأ كارثي. اسرائيل وافقت على وساطة قطر قبل سنتين وسلمت بالصمت بحقيقة أنها تستضيف قادة حماس، بمصادقة امريكا. تغيير كبير في السياسة، مثلما تمثل ذلك في العملية، من شانه ان يفسر بتغير الظروف. نتنياهو يحاول ربط التوقيت بالعملية التي حدثت قبل يوم في القدس. ولكنه هو ايضا يعرف ان هذا تفسير ضعيف.

النتيجة المعقولة للهجوم في هذه الاثناء هي ان الحرب في غزة ستستمر، والمقاطعة الدولية ستزداد وحياة المخطوفين ستكون في خطر. حتى لو كانت هذه هي النتيجة المرغوبة بالنسبة لنتنياهو فانه لم يفكر في كل التداعيات. في هذه الاثناء اسرائيل برئاسته تعتبر دولة غير متوقعة وخطيرة، وهو نفسه يعتبر مدفع سهل الانطلاق، ايضا دونالد ترامب ومحيطه المقرب بدأوا في استيعاب، ولو بتأخير مأساوي، انه في كل مرة يوجد فيها تقدم، يظهر أنه هو الذي يفجر شيء.

في اوساط الحزب الجمهوري فان عدم الرضا من نتنياهو ومن تاثيره على ترامب آخذ في الازدياد. في التعليق المرفق بفيلم انجته مجموعة تسمى “ماغا اف.ان.بي”، والذي بثته “فوكس نيوز”، جاء: كل من وثق بنتنياهو في أي يوم احترق… لقد سخر من رئيس امريكي ضعيف. ايها الرئيس ترامب، لا تجعله يفعل بك ذلك”. بعد هجوم اسرائيل ينظر الى ترامب في محيطه بانه شخص ربما يكون قد أيد العملية العسكرية ضد دولة لها مع الولايات المتحدة علاقات وثيقة، وأنه اذا لم يكن يعرف ذلك فهو عاجز عن كبح جماح نتنياهو.

اغتيال المؤثر الافنغلستي تشارلي كيرك انزل عن جدول الاعمال العملية في الدوحة. ترامب كان مدمر من عملية القتل، لكن ليس الى درجة ان لا ينجح في ملاحظة الفرصة والاعلان بان خطاب اليسار الراديكالي هو المسؤول عن عملية القتل. نتنياهو وابواقه سارعوا الى الانضمام للاحتفال من اجل التغطية على الرائحة النتنة التي فاحت من الفشل في الدوحة. فهم قالوا بان اليسار سيقود الى حرب اهلية وقتل يمينيين ايضا في اسرائيل. للنزاهة، يجب الاعتراف بانه تقريبا في كل دولة اليمين استغل هذه الحادثة لصالحه. في المانيا اليمين الفاشي استغل الاغتيال السياسي لهذا الشخص، الذي معظم الالمان سمعوا عنه من قبل، وحرض ضد اليسار والمهاجرين وكل الاهداف المعتادة. في بريطانيا يتم التخطيط لمسيرة كبيرة لليمين لاحياء ذكرى كيرك. يا مجانين العالم، اتحدوا.

الآن نتنياهو يحاول استغلال الاغتيال من اجل موضعة نفسه الى جانب ترامب، وحتى انه سارع الى وضع حجر الاساس لمتنزه في بات يم على اسمه. ولكن عندما يتلاشى الغبار وتتكشف تفاصيل اخرى حول المشتبه فيه بالاغتيال ودوافعه وتكتمل دورة التحريض والتملق – فان نتنياهو سيتعين عليه الاجابة على عدة اسئلة. سواء الثمن الذي ستجبيه قطر من ترامب على العملية، أو الخطر الذي يحدق في اعقابها باتفاقات ابراهيم العزيزة علينا، يمكن أن تغير موقفه من نتنياهو. من ناحيته ابتلاع جدال النشاطات العسكرية المعادية لنتنياهو عندما تنجح، هذا شيء، وفشلها هو شيء آخر.

يجب الصلاة من اجل حدوث ذلك، لانه اذا لم يقوموا بوقفه فان نتنياهو سيبحث عن طريق عسكرية ضخمة ومدمرة من اجل تعويض الفشل في الدوحة. لماذا ما زالوا يجدون صعوبة في قول هنا ما قيل علنا في وسائل الاعلام الاجنبية: نتنياهو هو شخص غير متزن واعتباراته معيبة، وهو خطير على المنطقة وعلى العالم.

——————————————

هآرتس 14/9/2025

إسرائيل لـ 142 دولة: منقطعون عن العالم.. وجمعية لاسامية

بقلم: أسرة التحرير

أقرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم الجمعة، بأغلبية ساحقة، إعلاناً بادرت إليه فرنسا والسعودية، يدعو إلى “تنفيذ سريع” لحل الدولتين. صوتت 142 دولة إلى جانب الاقتراح، وعارضته 10 وامتنعت 12 عن التصويت. هنغاريا هي الوحيدة التي عارضت من بين دول الاتحاد الأوروبي، أما تشيكيا فامتنعت.

ردود فعل إسرائيل لم تتأخر. سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، شجب القرار وادعى بأنه “عليل”، و”أحادي الجانب”، و”يتبنى أكاذيب أعدائنا”. وأعلنت وزارة الخارجية بأن “الأمم المتحدة منظمة سياسية منقطعة عن الواقع”، وإن هذا “سيرك سياسي منقطع”. يصعب التفكير في مثال أكثر وضوحاً على العبث: دولة واحدة تتهم العالم كله بـ “انقطاع عن الواقع”.

تميل إسرائيل إلى عرض قرارات الجمعية العمومية كـ “تسونامي سياسي”، وتراه تنكيلاً سياسياً أو دليلاً على اللاسامية وعلى العمى الإعلامي. غير أن العكس هو الصحيح: فالمبادرة الفرنسية السعودية جاءت للمضي بحل وسط سياسي يضمن الأمن وحق تقرير المصير للشعبين. “نحن ندفع قدماً للسلام في الشرق الأوسط بطريق لا رجعة عنها. مستقبل آخر ممكن: دولتان للشعبين، تعيش إحداهما إلى جانب الأخرى بسلام وأمن”، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب التصويت.

من يمنع عن إسرائيل استيعاب الواقع هي – مرة أخرى – الولايات المتحدة. هذه المرة أيضاً اختارت إسناد رفض إسرائيل ووصفت القرار “بخدعة علاقات عامة خاطئة”

من يمنع عن إسرائيل استيعاب الواقع هي – مرة أخرى – الولايات المتحدة. هذه المرة أيضاً اختارت إسناد رفض إسرائيل ووصفت القرار “خدعة علاقات عامة خاطئة”. هذا رد صبياني يعزز من يرفض الدبلوماسية ويقطع إسرائيل عن الإجماع الدولي. إن الرد الأمريكي التلقائي يعمل في غير صالح إسرائيل، التي تحتاج حاجة ماسة للارتباط بالواقع وهي تغرق الآن في الوحل الغزي، وتدق طبول الحرب في ساحات أخرى وأخرى.

إن الادعاء الأمريكي المنتشر في إسرائيل أيضاً، القائل بأن التصويت “هدية لحماس” هو ادعاء مشوه. العكس هو الصحيح؛ فحل الدولتين ضربة شديدة لحماس، وليس جائزة للإرهاب. المنظمة تعارضه بشدة، وتطلب دولة واحدة من “البحر إلى النهر”. والحل السياسي سيقضي على برنامجها الإرهابي.

إن قرارات الجمعية العمومية وإن كانت غير ملزمة، لكنها تؤشر إلى الطريق لتنفيذ فكرة الدولة الفلسطينية. إسرائيل ملزمة بوقف الحرب في غزة، وتحرير المخطوفين، وأن تخرج من القطاع وتفتح الطريق السياسي من جديد. وبدلاً من رفض مبادرات العالم، عليها أن تستعين بها كي توقف حماس الدماء وتضمن مستقبل الشعبين.

——————————————

هآرتس 14/9/2025

“برطعة الشرقية”.. أن تعيش الاحتلال والعنصرية: ستُمنع من العودة أو تُغرّم أو…

بقلم: عميت تيروش

العيادة المتنقلة التابعة لجمعية “أطباء من أجل حقوق الإنسان” تذهب مرتين في الأسبوع لتقديم العلاج للفلسطينيين في قرى مناطق الضفة الغربية. لهذه العيادة إطار ثابت: الالتقاء في الطيبة عند الساعة 9:15، والسفر في حافلة صغيرة مكتظة بالصناديق البلاستيكية المليئة بالأدوية والمعدات، واجتياز جدار الفصل من خلال حاجز في الطريق إلى قرية في الضفة. وبعد بضع ساعات على عمل العيادة وبعد تناول وجبة الغداء، العودة إلى الحاجز على أمل العبور فيه بدون تفتيش وتأخير. هذا هو الروتين.

السبت الماضي كان مختلفاً. خرجنا من الطيبة كالعادة وسافرنا شمالاً نحو وادي عارة. ثم دخلنا إلى قرية برطعة. الطريق طويلة وأنا أنتظر الحاجز، ولكنه لا يأتي. لا يوجد أي جندي أو لافتة تحذير. بعد عشرين دقيقة سفر في القرية، وصلنا إلى الهدف. نزلنا من الحافلة الصغيرة، وعلى مدخل المبنى الذي وصلنا إليه كتبت كلمات بالعربية، “دولة فلسطين، مدينة برطعة”. هل هذا هو الأمر؟ شرق أوسط جديد؟ دولتان لشعبين مع حدود مفتوحة؟

الواقع أقل سحراً بكثير. ولفهم ذلك، يجب العودة إلى تاريخ المكان. برطعة قرية أقامتها عائلة كبها في منتصف القرن التاسع عشر. بعد انتهاء حرب 1948 تم تقسيم القرية على أساس وادي المية الذي يمر بالأساس إلى برطعة الغربية، التي بقيت داخل أراضي إسرائيل، وإلى برطعة الشرقية التي تم ضمها للأراضي الأردنية. بعد احتلال الضفة الغربية في 1967 انتقلت برطعة الشرقية إلى سيطرة إسرائيل مثل كل مناطق الضفة الغربية المحتلة.

عندما أقيم جدار الفصل، الذي كان في معظمه شرق الخط الأخضر، ترك أراضي فلسطينية كثيرة محبوسة بين الخط الأخضر والجدار، بدون طريق مباشرة لوصول الفلسطينيين إلى أراضيهم

عندما أقيم جدار الفصل، الذي كان في معظمه شرق الخط الأخضر، ترك أراضي فلسطينية كثيرة محبوسة بين الخط الأخضر والجدار، بدون طريق مباشرة لوصول الفلسطينيين الذين يملكون هذه الأراضي. الوضع في برطعة الشرقية أبعد بكثير من ذلك، لأن القرية كلها بقيت خارج الجدار. ولكن وراء الخط الأخضر. من الشرق جدار الفصل وحاجز الريحان، ومن الغرب الخط الأخضر الذي يقسم القرية إلى قسمين، تاركاً سكان برطعة الشرقية في وضع لا يمكن تخيله: لا إمكانية لهم للدخول إلى المناطق المحتلة؛ لأنه لا يمكنهم العودة إلى بيوتهم بدون تصريح. ولكن إذا اجتازوا الوادي وسط القرية واعتقلتهم الشرطة الإسرائيلية فسيتم تغريمهم. إذا واصلوا الطريق إلى داخل إسرائيل، سيتعرضون لعقوبة أشد، مثل كل الماكثين غير القانونيين.

من ناحية طبية، سكان برطعة الغربية يحصلون على تأمين طبي رسمي، وخدمات صناديق المرضى ووفرة الأطباء والمختصين في كل المجالات، وإمكانية الوصول إلى المراكز الطبية في إسرائيل. في المقابل، يعتمد الفلسطينيون في برطعة الشرقية على زيارة الطبيب ثلاث مرات في الأسبوع، لبضع ساعات، وفقاً لنشاط الحاجز ومزاج القائمين عليه، وعلى تصاريح دخول المنطقة المعزولة المعطاة (أو غير المعطاة) للطواقم الطبية. مثلما هي الحال في كل الضفة الغربية، فإن الأدوية المتاحة لسكان برطعة الشرقية متأخرة بأجيال عن المتوفرة في الجانب الآخر للوادي. وطب الطوارئ يتأثر أيضاً، حيث لا تستطيع سيارات الإسعاف دخول إسرائيل من برطعة الشرقية، وعليها العبور في الحاجز من أجل الوصول إلى أقرب مستشفى في جنين.

في برطعة كل ما يفصل بين دولة إسرائيل والاحتلال هو شارع ينحدر بشكل حاد نحو الوادي، صعب في بدايته، ويتميز بخدوش عميقة بسبب السيارات الكثيرة التي احتكت به. من يعيش مع شعور أن الاحتلال هو حدث بعيد، وراء الجدار، فإن برطعة جاءت لتعليمه أن الأمر ليس كذلك. الاحتلال ليس حدثاً، وليس له حدود زمان أو مكان. هو حاضر في فقدان الثقافة، والعنف، وغياب حدود شخصية أو حدود عامة، والسفر في الشارع، وعدم الشفقة أو الاهتمام، والانغلاق تجاه فقدان الحياة وفقدان الصورة الإنسانية. يجب أن ينتهي الاحتلال، وإلا فسننتهي كمجتمع.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article