المسار : قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن “إسرائيل” تنتهج سياسة ابتزاز خطيرة بحق عائلات في قطاع غزة، بوضعها أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما التعاون مع جيش الاحتلال ومليشياته، أو مواجهة القتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري.
وأكد المرصد الأورومتوسطي، في بيان السبت، أن “إسرائيل” تمارس نمطا إبادِيا متصاعدا انتقلت فيه من الابتزاز الفردي إلى الجماعي، بهدف تفكيك نسيج المجتمع الفلسطيني، عبر إجبار الأفراد على خيانة مجتمعهم وتدمير الروابط الاجتماعية وإخضاع الناجين لشروط بقاء تُحطّم هوية الجماعة وقدرتها على الاستمرار.
وأوضح “الأورومتوسطي” أن فريقه الميداني رصد تصعيدًا غير مسبوق في ابتزاز “إسرائيل” للعائلات الفلسطينية في القطاع، بشكل جماعي منهجي يضع الأسر بكاملها أمام “معادلة مروّعة” لا خيار فيها سوى الانخراط في العصابات والمليشيات التي تنشئها “إسرائيل”، أو مواجهة الملاحقة والقتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري.
واعتبر المرصد أن هذه السياسة “محاولة منظمة للقضاء على المجتمع الفلسطيني وإخضاعه لإرادة الاحتلال الإسرائيلي”.
وأشار إلى تلقيه شهادات صادمة من أفراد في عائلات أُجبرت على الاختيار بين البقاء تحت الحصار والقصف بلا مأوى أو غذاء أو دواء، والنزوح القسري نحو المجهول في ظروف تفتقد أدنى مقومات الحياة.
وأضاف أنهم تلقوا تهديدا مباشرا وصريحا بالقتل إن لم يمتثلوا لأوامر جيش الاحتلال، في مشهد يعكس سياسة مدروسة لتحطيم إرادة المدنيين الفلسطينيين ودفعهم إلى الاستسلام عبر استخدام الخوف والدمار كسلاح جماعي.
كما أكدت شهادات أخرى أن عائلات فلسطينية تعرّضت لضغوط مباشرة للتعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي مقابل السماح لها بالبقاء في بعض المناطق أو الحصول على المساعدات الأساسية.
وبيّن أن هذه الممارسة تُحوِّل الإغاثة من حق إنساني غير مشروط إلى أداة ابتزاز ووسيلة للسيطرة، وتضع حياة المدنيين في دائرة مقايضات قسرية تُجردهم من أبسط أشكال الحماية الإنسانية.
وأشار المرصد إلى أن فريقه الميداني وثّق ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، مجزرة بحق عائلة بكر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، أسفرت عن استشهاد تسعة من أفرادها، بينهم نساء وأطفال.
ونبه إلى أن هذه المجزرة جاءت بعد يوم واحد فقط من رفض عائلة بكر التجاوب مع طلب إسرائيلي بالبقاء في المنطقة وتشكيل مليشيا محلية تعمل لصالح الاحتلال وتنفّذ مهام غير مشروعة، على غرار عصابة “أبو شباب” التي شكّلها شرقي رفح.
وأوضح المرصد أن جيش الاحتلال بدأ بالفعل بالعمل على تشكيل عصابات مشابهة في عدة مناطق أخرى من قطاع غزة، بينها جنوب خانيونس، وشرقي حي الشجاعية، وبيت لاهيا شمالي القطاع.
ونقل فريق “الأورومتوسطي” عن المواطن معتصم بكر أن مختار العائلة اضطر للنزوح قسرًا بعد أن كانت العائلة قد قررت البقاء في منازلها وخيامها غرب غزة.
وبين أن هذا القرار جاء عقب اتصال إسرائيلي عُرض فيه على المختار البقاء مع ضمان الأمان شريطة أن يعمل أبناء العائلة كمليشيا تابعة للجيش، على غرار مجموعة “أبو شباب”، وأن يلتزموا بسياساته.
وأوضح بكر أن مختار العائلة رفض العرض، وأبلغ أفراد عائلته بضرورة الرحيل، “فغادروا بالفعل مفضلين النوم في الطرقات وافتراش الأرض على أن يُسجَّل في تاريخ العائلة أنها انخرطت في درب الخيانة”.
وأكد “الأورومتوسطي” تلقيه معلومات من مصادر في عائلتي “الديري” و”دغمش” تفيد بتلقيهم عروضا إسرائيلية مماثلة للانخراط في مليشيات محلية، وعندما قوبل ذلك بالرفض كثّف الاحتلال تفجير العربات المفخخة في حي الصبرة.
وأعقب ذلك بقصف واسع استهدف عددًا من المنازل بينها مربع سكني لعائلة “دغمش” قبل أيام، ما أسفر عن استشهاد أكثر من ستين فردًا من العائلة لا يزال كثير منهم تحت الأنقاض حتى اللحظة.
وأشار المرصد إلى أن جيش الاحتلال كان قد انتهج هذه الممارسة في وقت سابق من عدوانه على قطاع غزة بشكل فردي، حيث كان يتواصل مع المخاتير ويعرض عليهم التعاون من خلال تولي مسؤولية توزيع المساعدات والتنسيق مع قواته، وأن العديد من المخاتير والوجهاء الذين رفضوا التجاوب تعرضوا لاحقًا للاستهداف المباشر.
وأكد “الأورومتوسطي” أن جيش الاحتلال يحاول الآن تشكيل عصابات ومليشيات مرتبطة به تقوم بمهام غير مشروعة، بما في ذلك نشر الفوضى والسرقات، مستغلةً هشاشة المجتمع الفلسطينية الناتجة عن عامين من جريمة الإبادة الجماعية.
وقال المرصد إن هذه الممارسات تندرج بوضوح ضمن نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إذ إن استهداف المدنيين وتجويعهم وتهجيرهم قسرًا أو استخدام المساعدات كأداة ابتزاز تُعدّ أفعالًا محظورة بشكل قاطع بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.
وأكد أن تواتر هذه الأفعال وربطها بالسياق الأوسع للعدوان الإسرائيلي على القطاع، “يكشف عن نهج يستهدف تحطيم النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني وإخضاعه”، وهو ما يشكّل مؤشرًا خطيرًا على نية الإبادة الجماعية عبر التدمير التدريجي وإضعاف القدرة الجماعية على البقاء.
ودعا المرصد الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تبني قرار عاجل لتشكيل قوة حفظ سلام ونشرها في قطاع غزة، بما يكفل وقف الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، وضمان وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية بلا عوائق، وحماية المرافق الصحية والإغاثية، وإنهاء الحصار وإعادة الإعمار.
وطالب جميع الدول، بتحمّل مسؤولياتها القانونية والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، واتخاذ جميع التدابير الفعلية لحماية المدنيين هناك، وضمان امتثال “إسرائيل” لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وضمان مساءلتها ومحاسبتها على جرائمها ضد الفلسطينيين.
ودعا أيضا إلى تنفيذ أوامر القبض التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الجيش السابق في أول فرصة، وإصدار المزيد من أوامر الاعتقال، وتسليمهم إلى العدالة الدولية، ودون إخلال بمبدأ عدم الحصانة أمام الجرائم الدولية.