بقلم: وسام زغبر …خطة ترامب بين الإغراءات المضللة والمخاطر الوطنية: نحو موقف فلسطيني موحّد

عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين 

أعاد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بشأن غزة النقاش حول مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، بعدما جاء محمّلاً بوعود إنسانية ملحّة، لكنه في الوقت نفسه محاط بغموض سياسي قد تكون له تداعيات بعيدة المدى.

فالمقترح يضع على الطاولة مجموعة من الخطوات التي يَصعُب الاعتراض عليها في ظاهرها: وقف إطلاق النار، انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، إدخال مساعدات إنسانية غير مشروطة إلى القطاع، وتبادل للأسرى. إلا أن الإشكالية الحقيقية تكمن في ما يتجاوز هذه العناوين، لجهة حدود الانسحاب غير الواضحة، واحتمال تكريس فصل غزة عن الضفة الغربية، بما قد يقوّض أسس الدولة الفلسطينية المعترف بها دولياً على حدود 1967.

على هذا الأساس، تبدو الحاجة ماسة إلى مقاربة فلسطينية شاملة تتجاوز الحسابات الفصائلية الضيقة. فالقضية المطروحة لا تخص غزة وحدها، بل تتصل مباشرة بمستقبل القدس والضفة الغربية، وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. من هنا تأتي الدعوة لعقد حوار وطني واسع يضم الأمناء العامين للفصائل، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وشخصيات وطنية متوافق عليها، من أجل بلورة موقف موحد تجاه خطة ترامب، وتشكيل فريق تفاوضي باسم منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

المسار البديل المطروح فلسطينياً يرتكز على مجموعة من الثوابت: وقف فوري لإطلاق النار، انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، إدخال المساعدات دون شروط، تبادل الأسرى، تشكيل هيئة وطنية لإدارة غزة بمرجعية منظمة التحرير، والانطلاق بخطة إعادة إعمار تحت المظلة المصرية والعربية. وإلى جانب ذلك، يبقى استحقاق الانتخابات الديمقراطية الشاملة بنظام التمثيل النسبي الكامل أداة أساسية لتجديد الشرعية الوطنية وتعزيز الوحدة الداخلية.

الموقف العربي من المقترح الأميركي بدا حذراً؛ إذ ركزت بيانات الترحيب على الجوانب الإنسانية، لكنها ربطت مستقبل القطاع بالدولة الفلسطينية المستقلة، في صياغة سياسية مقصودة لتجنّب الصدام المباشر مع واشنطن، وترك الباب مفتوحاً أمام تعديلات تعيد الاعتبار للحقوق الوطنية الفلسطينية.

في المحصلة، يتجاوز النقاش حول خطة ترامب حدود الهدنة والمساعدات. فهو في جوهره اختبار جديد لقدرة الفلسطينيين على صياغة موقف موحّد، يحافظ على وحدة الأرض والشعب، ويمنع تكريس سيناريو الانفصال. فالتعامل بحذر ومسؤولية مع هذه اللحظة قد يحوّلها من فخ سياسي إلى فرصة لإعادة بناء الإجماع الوطني على قاعدة حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

Share This Article