المفاوضات تدخل يومها الثالث دون “دخان أبيض”.. ونتنياهو في قفص الاتهام

وديع عواودة
الناصرة- عن “القدس العربي”: تدخل المفاوضات الجارية في شرم الشيخ يومها الثالث دون خروج دخان أبيض، ولذا تبلغ نقطة الحسم في غضون أيام، وربما ساعات، في ظل إرسال لاعبي تعزيز جدد لطواقم المفاوضات، ورغبة جامحة لصاحب “الخطة المقترحة”، ترامب، بتحقيقها فورًا، خاصة أنه سبق أن قال إن المرحلة الأولى ينبغي أن تتم خلال 72 ساعة، مثلما قال أيضًا، قبل أسبوع، إنه يمنح “حماس” مهلة ثلاثة أو أربعة أيام.

ليبرمان: نجاح المفاوضات يتوقف على شخص واحد يدعى ترامب.. لا أعتمد على نتنياهو بل أعوّل على ترامب فقط

في الأثناء، تواصل جهات مختلفة التعبير عن تفاؤل بدرجات متفاوتة، إذ عاد الرئيس ترامب وقال، في الليلة الفائتة، إن المفاوضات جدية وأنا متفائل وأعتقد أن هناك احتمالًا جيدًا لسلام في ما يتعدى غزة، في الشرق الأوسط، فيما أعرب الناطق بلسان الحكومة القطرية ماجد الأنصاري عن تفاؤل حذر بقوله، في تصريحات إعلامية، إنه قد طرأ تحسن طفيف بفضل ضغط أمريكي، فيما قالت مصادر رسمية محجوبة الهوية إنها متفائلة. لكن على الأرض لا اختراق حتى الآن، وهناك فجوات حقيقية وجوهرية بين الجانبين تنبع بالأساس من كون خطة ترامب ضبابية وفيها نقاط كثيرة قابلة للتأويل بشكل مختلف.

نقاط الخلاف

من نقاط الخلاف هذه النابعة من عدم وضوح “الخطة” موضوع هوية الأسرى الفلسطينيين، ففيما تتحدث الخطة عن “أسرى”، تطالب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإفراج عن جثتي القياديين الشقيقين السنوار (طبقًا لتسريبات إسرائيلية)، رؤساء الفصائل الفلسطينية، أمثال مروان البرغوثي، عبد الله البرغوثي، أحمد سعدات وحسن سلامة، وتدعو للعمل وفق معيارين وهما أقدمية الأسرى خلف القضبان وأعمارهم، وهذا ما ترفضه حكومة الاحتلال، التي توافق على تحرير 250 أسيرًا مؤبدًا دون رؤساء الفصائل. كما أن “حماس” تريد ربط مرحلتي الصفقة: انسحاب كامل من القطاع قبل الإفراج عن المحتجز الأخير، فيما تعاند إسرائيل على تطبيق المرحلة الأولى من الصفقة كما يتجلى في رد ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية على سؤال صحيفة “يسرائيل هيوم”: هل إسرائيل مستعدة لقبول مطلب “حماس” للربط بين الإفراج عن آخر مخطوف وانسحاب كامل من القطاع؟ قال مكتب نتنياهو: هناك تفاؤل حذر في إسرائيل حيال “المفاوضات التقنية” الجارية بعدما تمت المصادقة على الخطة من قبل كل الأطراف، وهي تريد استعادة الرهائن في المرحلة الأولى من الاتفاق. كما تطالب “حماس” بضمانات دولية لا أمريكية فحسب، بوقف الحرب، وعدم معاودة الاحتلال لها، نظرًا لعدم وجود إمكانية للثقة بنتنياهو، المعروف بكونه مخلفًا للعهود والاتفاقات، وأشار لذلك رئيس “حماس” خليل الحية، في حديث للقناة الإخبارية المصرية، ليلة أمس، بقوله إن “حماس” تريد إنهاء الحرب وفقًا للخطة الأمريكية، لكن إسرائيل تواصل القتل ونحن بحاجة لضمانات دولية لوقف الحرب.

“كذّاب ابن كذّاب”

وفعلاً، هناك ما يبرّر موقف “حماس” بمطلب الضمانات الحقيقية بالانسحاب ومنع استئناف حرب الإبادة، فقد سبق أن أثبت نتنياهو جاهزيته الدائمة للتهرب والغدر، ولذا من غير الممكن الثقة به وبمواقفه المعلنة. نتنياهو الذي وصفه، قبل عام ونيف، وزير المالية سموتريتش بـ “الكذّاب ابن الكذّاب”، قال، أمس، في بيان يستبطن نواياه الخبيثة: “نحن في أيام مصيرية وسنواصل لتحقيق كل أهداف الحرب: استعادة المخطوفين، تدمير حكم “حماس”، والتثبت من أن غزة لن تكون مصدر تهديد لإسرائيل”. حينما يقول نتنياهو “أيام مصيرية” فهو يرد بشكل غير مباشر على الاتهامات الإسرائيلية المتواصلة له بالسعي لتعطيل خطة ترامب رغم أنها لصالح إسرائيل بالأساس، بيد أنها لا تنسجم مع أطماعه بـ “النصر المطلق”.
في إسرائيل أيضًا هناك مراقبون ومسؤولون متشككون حيال نوايا نتنياهو في هذه المرحلة أيضًا، إذ يثابر المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل على القول مرة تلو المرة إن نتنياهو سيعطّل الخطة إن سنحت له الفرصة، وهذا ما يؤكده زميله المحلل السياسي الخاص بالقناة 13 العبرية رافيف دروكر. وهذا الصباح، أكد ذلك أيضًا رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، أحد رموز المعارضة، بقوله إن إسرائيل في فترة تحدٍّ كبير، ولذلك انعكاسات كثيرة على سلوك صنّاع القرار وسلوك الإسرائيليين، وهم في خضم تجربة السابع من أكتوبر في ذكراها الثانية، وبالنسبة لهم ما زالت هذه هزة أرضية كبيرة.
ردًا على سؤال حول توقعاته من شرم الشيخ تابع ليبرمان حديثه للإذاعة العبرية الرسمية: “هذا منوط بمدى تصميم ترامب الذي سيمارس الضغوط على “حماس” من خلال تركيا ودول عربية، وكذلك بضغط مباشر على نتنياهو، وكلنا أمل أن ينجح فنحن ننتظر بشرى من شرم الشيخ”.

دروكر: نتنياهو قد يعطّل الخطة، فهو يبني على أن ترامب سيفقد القدرة أو الاهتمام بالضغط على الأطراف

نجاح المفاوضات رهن تصميم ترامب

لكن شروط “حماس” تناقض الخطة الأمريكية؟ سئل ليبرمان فقال: “لا أنا ولا أنت نعلم ما حقيقة ما يجري هناك. أقترح أن نبقى ملتزمين بخطة ترامب التي وجدت دعمًا واسعًا.. وفي المفاوضات هناك تحولات، صعود وهبوط، والآن هي تدار من قبل أعلى المستويات… وعلينا الصبر”.
وردًا على سؤال آخر حول الدور التركي الذي يدخل على خط التفاوض، وإمكانية أن يمارس أردوغان الضغط على “حماس”، قال ليبرمان إن تركيا مع بقية الوسطاء لا هامش مناورة إضافياً لهم، ولذا في نهاية المطاف فإن الجبهة الموحدة هذه من شأنها أن تقرّب الصفقة”.
وأخيرًا سئل هل سيشارك بقية مكونات المعارضة في منح سلة أمان لحكومة نتنياهو؟ عن ذلك قال، وهذا الأهم في سياق الحديث عن فقدان الثقة بنتنياهو وعن حاجة الجانب الفلسطيني لضمانات حقيقية: “سلة الأمان كبيرة طبعًا. لا مشكلة في ذلك، فالمشكلة في صناعة القرار، فأنا لا أثق بنتنياهو. أثق فقط بترامب، ونجاح المفاوضات يتوقف على شخص واحد يدعى ترامب، وإسرائيل أيضًا هامش مناورتها ضيق، بل وصل الصفر، فنحن متعلقون بالولايات المتحدة. هذه الحكومة أوصلتنا إلى هنا بعدما تسبّبت بأن معظم الشعب الأمريكي لا يؤيد إسرائيل اليوم، ومعنا فقط جمهور مصوّتي الحزب الجمهوري، وهذا يعني هامش مناورة ضيق، ورأينا الاستطلاعات التي تقول إن مصوتي الديمقراطيين ومعظم الشباب في أمريكا ضدنا. لا أعتمد على نتنياهو بل أعوّل على ترامب فقط”.
يشار إلى أن نتنياهو أخلّ عدة مرات بالاتفاقات والصفقات السابقة، فقد رفض الانتقال للمرحلة الثانية من خطة بايدن المطروحة في أيار 2024، فلماذا لا يخون هذه المرة!
رغم أن نتنياهو حظر على وزرائه التحدث بموضوع الصفقة، قال الوزير زئيف إلكين (الليكود) للإذاعة ذاتها، صباح اليوم الأربعاء، إن خطة ترامب مكسب كبير لإسرائيل لأنها تعيد الرهائن ولا تبقي “حماس” في الحكم وتنزع سلاحها، داعيًا لعدم السماح لـ “حماس” بإدخال تعديلات جوهرية حقيقية على الخطة”.
وتتساءل أوساط في إسرائيل أيضًا عن قدرة ويتكوف وكوشنر ومعهما رئيس حكومة قطر والوزير الإسرائيلي ديرمر ورئيس الاستخبارات التركية على إحداث اختراق والتجسير على الفجوات في مواقف الطرفين، بعد وصولهم المنتظر لشرم الشيخ، اليوم، وفق تأكيد موقع “أكسيوس” الأمريكي، الذي ينقل عن مصدر في “حماس” قوله إنه لا مشكلة بأن تقوم جهة فلسطينية بحكم غزة لاحقًا.

Share This Article