إسرائيل تتغاضى عن جرائم جنودها… ومَن يحقق فيها يصبح مجرمًا

المسار :


المدعية العامة العسكرية لم تحقق في جرائم حرب في غزة رغم وجود أدلة، لكنها تجرأت على فتح تحقيق ضد جنود عذّبوا معتقلًا فلسطينيًا * العلاقة بين قضية الفساد في الهستدروت ووزراء في الليكود، وما هي علاقة نتنياهو بالقضية؟

إسرائيل في أزمة شديدة، داخلية وخارجية، وتتحول مسرحياتها إلى مسرحيات ساخرة، من الصعب أن تقنع شخصًا عاقلًا. لكن لا يمكن تحميل مسؤولية ذلك على أحداث 7 أكتوبر، إذ إن هذه الأحداث كشفت، طوال حرب الإبادة في السنتين الأخيرتين، مدى عدم عقلانية الخطوات والعمليات العسكرية والتصريحات والدعاية الإسرائيلية. والأمر المؤسف هو قناعة قسم واسع من المجتمع الإسرائيلي بكل ذلك.

أزمات الحكومة الداخلية، فضائح الفساد، الخلافات بين المستوى السياسي والمستوى الأمني – العسكري، وأزمات كثيرة أخرى، توحي بأن إسرائيل في حالة فوضى عارمة. وسائل الإعلام الإسرائيلية تتناول هذه الأزمات من دون عمق، ومراكز الأبحاث والدراسات ترفض التخلّي عن رؤى ثبت فشلها لكنها ما زالت متواصلة، مثل محاولة إرغام الفلسطينيين على القبول بالاحتلال، الذي، بالرغم من استمراره منذ 58 عامًا، يبقى أحد أبرز أسباب أزمة إسرائيل.

يرى البعض أن هذه الفوضى هي عقيدة تخدم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خبير فيها. لكن ترامب يؤيده نصف الناخبين الأميركيين، في حين أن المعارضة نشطة ضده وتطرح سياسة بديلة، أما نتنياهو فيؤيده أيضًا نصف الناخبين، لكن المعارضة الإسرائيلية ليست نشطة ولا تطرح بديلًا سياسيًّا، فمعظمها يميني.

في الأسبوع الأخير، تفجّرت قضية المدعية العامة العسكرية، يفعات تومر يروشالمي، وتسريب شريط مصوّر من كاميرات المراقبة في منشأة الاعتقال في معسكر “سْديه تيمان”، يوثّق تعذيب معتقل فلسطيني من قطاع غزة، الذي أُصيب بجراح خطيرة جدًا، على أيدي خمسة جنود من قوات الاحتياط في وحدة “القوة 100”.

عملية التعذيب هذه وقعت في بداية شهر تموز/يوليو من العام الماضي، وفتحت الشرطة العسكرية تحقيقًا في الجريمة التي ارتكبها الجنود. وفي شهر آب/أغسطس، نشرت القناة 12 الشريط المصوّر الذي يوثّق التعذيب، وفي شباط/فبراير من العام الحالي قُدّمت لائحة اتهام ضد الجنود، نُسبت إليهم تهم التنكيل بالمعتقل الفلسطيني في ظروف خطيرة، وإلحاق أضرار جسيمة به.

خلال اعتقال الجنود الخمسة المتهمين من “سديه تيمان”، جرت مواجهات بينهم وبين أفراد الشرطة العسكرية، تبعها اقتحام عناصر من اليمين، بينهم وزراء، للمعسكر، وفتح تحقيق جنائي ضد المقتحمين. لكن هذه التطورات واحتجاجات اليمين ضد معاقبة الجنود الخمسة، أدت في نهاية الأسبوع الماضي إلى فتح تحقيق ضد المدعية العامة العسكرية بشبهة تسريبها الشريط المصوّر إلى مراسل القناة 12. وقدّمت المدعية العسكرية استقالتها، معترفة بأنها أمرت بتسريب الشريط المصوّر.

وكتبت تومر يروشالمي في استقالتها: “صادقت على إخراج المادة إلى وسائل الإعلام في محاولة لصدّ دعاية كاذبة ضد جهات إنفاذ القانون في الجيش. وأتحمّل مسؤولية جميع المواد التي خرجت إلى وسائل الإعلام من صفوف الوحدة. وانطلاقًا من هذه المسؤولية أيضًا قررت إنهاء مهامي كمدعية عامة عسكرية”.

رغم أن المدعية العامة العسكرية امتنعت عن التحقيق في جرائم إسرائيل وجنودها طوال الحرب، علمًا أن الكثير منها موثّق بتقارير وصور، كالتي ينشرها الجنود في الشبكات الاجتماعية، فإن التحقيق الوحيد الذي قررت إجراءه، ضد الجنود الخمسة، أدى إلى حملة واسعة للغاية ضدها، نفذتها الحكومة والمعارضة، وانتهت باستقالتها من منصبها واعتقالها ومحاكمتها.

هذه الحملة ضد المدعية هي رسالة واضحة لأي مسؤول يحاول إدانة مجرمي حرب إسرائيليين. وقد عبّر عن ذلك وزير الأمن، يسرائيل كاتس، لدى إعلانه عن تعيين المحامي إيتاي أوفير مدعيًا عسكريًّا عامًّا هذا الأسبوع، قائلًا إن عليه “تنظيف وترميم وتنظيم جهاز النيابة العسكرية استنادًا إلى مبادئ، في مقدمتها الدفاع عن الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون ببطولة في ظروف صعبة ومعقدة من أجل أمن دولة إسرائيل، وبالطبع ألا يبادر ويشارك في فِرْيَات دموية تشوّه صورة الجنود وتمسّ بكرامتهم وتعرضهم للملاحقة في العالم كله”.

المدعية العسكرية برّرت تسريبها الشريط المصوّر بأنه “محاولة لصدّ دعاية كاذبة ضد جهات إنفاذ القانون في الجيش”، يروّج لها اليمين المتطرّف. إلا أن جميع أحزاب المعارضة الصهيونية، دون استثناء، شاركت في الحملة ضدها ونددت بتسريب الشريط المصوّر الذي يثبت تورّط الجنود في الجريمة، التي تحوّلت إلى جريمة ارتكبتها المدعية، بينما تم الإفراج عن الجنود الخمسة من دون أي شروط أو قيود. ففي إسرائيل، مجرمو الحرب لا يُحاكمون.

بين حكومة نتنياهو والهستدروت

كُشف هذا الأسبوع عن قضية فساد كبيرة في نقابة العمال العامة – “الهستدروت”، وأعلنت الشرطة أنها أجرت تحقيقات سرية بشأنها على مدار السنتين الأخيرتين. واعتقلت الشرطة عشرات المشتبهين، بينهم رئيس الهستدروت أرنون بار دافيد، بمخالفات الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. ويتوقّع أن يتم التحقيق مع نحو 300 شخص في هذه القضية، بين مشتبه وشاهد، بينهم وزراء من حزب الليكود، إذ إن المشتبه المركزي في القضية هو وكيل التأمين عزرا غباي، المقرّب من الليكود وقيادات في الحزب.

واستغل غباي، وفقًا للشبهات، علاقاته مع بار دافيد ومسؤولين آخرين في الهستدروت، من أجل تعيين أشخاص في مجالس إدارات شركات حكومية بتوصية من رؤساء لجان الهستدروت، مقابل أن يسعى رؤساء اللجان إلى نقل تأمينات جميع العاملين في الشركات التي يعملون فيها إلى شركة التأمينات التي يملكها غباي، وأن بار دافيد حصل على أموال ومنافع شخصية أخرى من غباي.

إلا أن هذه القضية معقدة وشائكة أكثر مما يُخيّل، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. فقد نقل رئيس لجنة العاملين في شركة القطارات، لياف إلياهو، بوليصات التأمين الصحي لأكثر من 4 آلاف موظف من شركة التأمينات “هَفينيكس” إلى وكالة التأمين التي يملكها غباي، من دون عقد مداولات في شركة القطارات، وهي شركة حكومية، لكن الهستدروت دعمت إلياهو وعيّنت له محاميًا ضد شركة القطارات.

ويتبين أن إلياهو يحظى أيضًا بدعم وزيرة المواصلات ميري ريغف، التي تُعيّن أعضاء مجلس إدارة شركة القطارات. وحسب صحيفة “ذي ماركر”، فإن إلياهو أحضر أعضاء جددًا إلى حزب الليكود هذا العام من أجل دعم ريغف داخل الحزب.

في العام الماضي، تم الكشف عن اختفاء ملايين الشواكل التي رصدتها “كيرن كييمت ليسرائيل – كاكال” لصالح الجمهور، وفتح مجلس إدارة “كاكال” تحقيقًا، لكن رئيس لجنة العاملين في “كاكال”، يسرائيل غولدشتاين، طالب بوقف التحقيق، وحصل على دعم الهستدروت التي أعلنت عن نزاع عمل يهدد بإضراب العاملين في “كاكال”.

كذلك تسيطر لجنة العاملين في “كاكال”، أي غولدشتاين، على تعيين عاملين جدد. وبموجب صلاحياته هذه، تم تعيين شقيق رئيس الهستدروت، عيران بار دافيد، في شركة “هيمنوتا” التابعة لـ”كاكال” عام 2019، مديرًا لمشروع مقابل راتب شهري يزيد على 20 ألف شيكل وسيارة.

وفي العام نفسه، تم توظيف زوجة روعي يعقوب، نائب رئيس الهستدروت وحلقة الوصل بين بار دافيد ومكتب رئيس الحكومة ووزير القضاء ياريف ليفين. ويعقوب هو أحد المعتقلين في قضية الفساد في الهستدروت.

كذلك عُينت زوجة رئيس الائتلاف، عضو الكنيست أوفير كاتس، في وظيفة إدارية في “كاكال” عام 2018، بينما عُينت زوجة غولدشتاين، رئيس لجنة العاملين في شركة القطارات، في وظيفة في الهستدروت.

في هذه الأثناء، لا يزال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يمارس ضغوطًا من أجل تعيين نجله يائير رئيسًا لدائرة في الهستدروت الصهيونية العالمية، بحيث تموّل “كاكال” راتبه. وأفادت الصحيفة بأن نتنياهو يمارس هذه الضغوط بواسطة وزير الثقافة والرياضة، ميكي زوهار، الذي جرى التحقيق مع اثنين من المقربين منه على الأقل في إطار قضية الفساد في الهستدروت.

Share This Article