وسط الركام وقسوة البرد.. غزيون يعيدون بناء بيوتهم المدمرة بإرادة لا تنكسر

المسار : منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا لافتا لإعلانات شركات مقاولات صغيرة ومبادرات شبابية تُعنى بترميم المنازل المتضررة جزئيا، مع اقتراب فصل الشتاء وحرص كثير من الأهالي على العودة لما تبقى من منازلهم بدلا من البقاء في الخيام التي لم تعد قادرة على تحمل شتاء ثالث.

وتتركز أعمال الترميم في المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال مؤخرا، لا سيما وسط وشرق محافظة خان يونس، والمناطق الشرقية من معسكرات وسط القطاع، إضافة إلى بعض الأحياء الشمالية والشرقية من مدينة غزة، حيث أصبح الوصول إليها ممكنا بعد أشهر من الاجتياحات.

غبار الترميم ووجوه العائدين

في شوارع وأزقة هذه المناطق، ينتشر غبار الترميم الناجم عن إزالة الركام وتنظيف ما تبقى من المنازل، ويتسابق أصحاب البيوت على إزالة الأنقاض وفتح الممرات الداخلية، بينما يستعين آخرون بشركات محلية توفر فرقا من العمال المهرة للمساعدة في تنظيف المنازل وترميمها وإزالة المخاطر المحتملة كسقوط بعض الأسقف أو الجدران، إضافة إلى تركيب نوافذ مؤقتة من النايلون لعزل الرياح والمطر.

ويعتمد كثير من المقاولين على عمال يقيمون في مخيمات النزوح، مقابل مبالغ تتراوح بين ألف وألفي شيكل شيكل (300-600 دولار) لكل شقة، وفق مساحتها ودرجة الضرر التي لحق بها.

مهن متعددة وأدوار متكاملة

تتنوع مهن العاملين في هذا القطاع الوليد حديثا، فبينهم عتالون يرفعون الأنقاض، وحدادون، ونجارون، وعمال سباكة، وبناؤون للجدران.

محمود عليان، صاحب إحدى مجموعات الترميم، يقول لـ”قدس برس”:”فكرتنا قائمة على مساعدة الناس وتسهيل عودتهم لمنازلهم، نعرف أن الإمكانيات محدودة، لذلك نعتمد على الجهد البدني والعمل المتواصل، من تنظيف الشقق، إلى تركيب الأبواب والشبابيك وخزانات المياه وما تيسر من أعمال الترميم.”

ويضيف أن “فريقه المكون من خمسة عمال يبدأ بإزالة الركام والتي عادة ما يستغرق عدة أيام، ثم ينتقل المتخصصون لتقدير احتياجات المنزل الأساسية ليصبح صالحا للعيش بعد أن كان كومة من الحجارة والتراب”.

أعباء مالية تدفع نحو الترميم الذاتي

لكن ليس الجميع قادرا على تحمل هذه التكاليف، فكثير من الأهالي لجأوا إلى جهود ذاتية عبر تعاون أفراد العائلة والجيران، رائد العمصي في الخمسينات من العمر من حي الشيخ رضوان يقول لـ”قدس برس” :”نزحت أكثر من ثماني مرات خلال عامين، وأنفقت كل ما أملك، عندما قررت العودة طلبت مني إحدى الشركات نحو ثلاثة آلاف شيكل للترميم، وهو مبلغ لا أستطيع دفعه، استعنت بأبنائي وأبناء إخوتي وعمومتي لتنظيف الشقة وإعادة ترتيب ما يمكن إصلاحه، الحياة في الخيام لم تعد ممكنة بسبب غياب الخصوصية وقسوة الظروف.”

أدوات مفقودة وأسعار مرتفعة

يؤكد الحداد سعدي أبو خوصة أن “نقص الأدوات اللازمة للترميم يشكل تحديا كبيرا، هناك نقص في معدات اللحام، وقص الحديد، والمولدات الكهربائية القادرة على تشغيل الماكينات، كثير من الأدوات نستأجرها بالساعة، وهذا يضاعف التكلفة، ولا يقدر عليها كثير من الأهالي.”

هذا النقص دفع بعض المرممين إلى حلول بديلة، مثل تغطية النوافذ بالنايلون أو البلاستيك المقوّى، واستبدال الأبواب الخشبية والألمنيوم بـ”شوادر” وأقمشة سميكة توفر حدا أدنى من الخصوصية والحماية.

ورغم هذه الجهود، تبقى عملية الترميم محدودة في ظل غياب المواد الأساسية ومنع دخول المعدات الثقيلة ومواد البناء، ومع اقتراب الشتاء، يواجه آلاف العائدين سباقا مع الوقت لتأهيل منازلهم بالحد الأدنى قبل هطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة.

وما يزال قطاع غزة يواجه آثار الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 238 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، فضلًا عن دمار شامل طال معظم مناطق القطاع، وسط تجاهل دولي لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.

وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق مرحلي بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة “حماس”، إثر مفاوضات غير مباشرة في شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.

وبموجب الاتفاق، أطلقت “حماس” في 13 تشرين الأول/أكتوبر سراح 20 أسيرا إسرائيليا أحياء، فيما تشير تقديرات “إسرائيلية” إلى وجود جثامين 28 أسيرا آخرين.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي لم تستجب دولة الاحتلال لها حتى الآن، تشكيل “لجنة الإسناد المجتمعي” لتسيير الأمور في قطاع غزة، ومتابعة تدفق المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار، وسط تحذيرات من أن أي إدارة لا تستند إلى وحدة وطنية وسيادة فلسطينية حقيقية، ستبقى عرضة للتفكك والابتزاز السياسي.

Share This Article