“إسرائيل الإمبريالية” تجرب حدود قوتها في لبنان وتواصل ملاحقة حزب الله

وقال كوهين إن قلعة الشقيف التي بناها الصليبيون قبل 900 عام على تلة، تعطي مشاهد بانورامية عن جمال المحيط في جنوب لبنان، تحولت اليوم إلى منطقة لمشاهدة الموت والقصف الإسرائيلي اليومي للبنان. فالحرب التي انتقلت إلى لبنان بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تباطأت ولكنها لم تتوقف. وكانت آخر الغارات اليومية مقتل أحد قادة حزب الله في بيروت.

ونقلت الصحيفة عن نواف سلام، رئيس الوزراء اللبناني قوله: “يقول الإسرائيليون إنهم لن يغادروا حتى ينزع حزب الله سلاحه، ويقول الحزب، كيف ننزع سلاحنا في الوقت الذي لا ينزع الإسرائيليون سلاحهم؟”، وأضاف: “يعرف حزب الله أن الأمور تغيرت في المنطقة ولكنهم يحاولون المقاومة”.

بات هدف الرئيس دونالد ترامب لنزع سلاح حزب الله بشكل كامل غير واقعي

وأضاف كوهين أن غياب الثقة أدى إلى تصعيد خطير، بحيث بات هدف الرئيس دونالد ترامب لنزع سلاح حزب الله بشكل كامل غير واقعي. ففي جميع أنحاء المنطقة، تضغط الولايات المتحدة لتغيير الشرق الأوسط بوسائل جديدة. و”الديمقراطية” ليست جزءًا من قاموس الرئيس ترامب، ولكن الرخاء هو الذي يطرح كبديل عن صناديق الاقتراع، باعتباره الحل السحري الجديد.

لكن رحلة قام بها كوهين مع مصوره واستمرت عدة أسابيع إلى لبنان وإسرائيل وتركيا، تشير إلى أن تجدد الحرب، في الوقت الحالي، هو أكثر ترجيحا من نشر السلام. وأضاف كوهين أن الوضع في لبنان يقدم مثالا واضحا عن شرق أوسط جديد، تمارس فيه إسرائيل القصف في كل مكان تقريبا. إن “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، والذي كان حزب الله جزءا أساسيا منه، أصبح ظلا لما كان عليه في السابق. فإيران، التي دمرت إسرائيل قدراتها في حرب حزيران/ يونيو القصيرة، أصبحت أضعف. وسوريا، بعد سقوط نظام الأسد العام الماضي، لم تعد صديقة لطهران، ولم تعد خطوط إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله كما كانت في السابق.

وتتكيف المنطقة مع ما يسميه عبد الخالق عبد الله، عالم السياسة في الإمارات العربية المتحدة، “إسرائيل الإمبريالية”، وهي دولة ستقضي على أعدائها في أي مكان: من لبنان إلى سوريا، ومن غزة إلى إيران واليمن. وقد أصبحت الضربات الإسرائيلية الاستباقية هي القاعدة الجديدة.

ويعلق الكاتب أنه في ظل هذه الهيمنة، سيتعين على الولايات المتحدة أن تضع القيود، إن وجدت، التي ستفرضها على إسرائيل من أجل تعزيز السلام في المنطقة. وقد تتمثل إحدى طرق تحقيق ذلك في تعزيز جيوش قوى إقليمية أخرى، مثل المملكة العربية السعودية أو تركيا، وهو ما يبدو أن ترامب عازم على القيام به.

وبالنسبة لحزب الله الذي تضاءل حجمه ولكنه ما زال متحديا، فقد كان التكيف قاسيا. ولم يرد الحزب عسكريا على الهجمات الإسرائيلية، حتى منذ تصاعدها بعد وقف إطلاق النار في غزة الشهر الماضي.

ونقل كوهين عن توم باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا، والمبعوث الخاص إلى لبنان وسوريا، أنه إذا شعرت إسرائيل بأي تهديد، “فسترد في أي وقت وفي أي مكان”.

“إسرائيل الإمبريالية” ستقضي على أعدائها في أي مكان: من لبنان إلى سوريا، ومن غزة إلى إيران واليمن

وقال عن الضربات ضد حزب الله: “عندما يجد الإسرائيليون هؤلاء الأشخاص، فإنهم يقضون عليهم، لذا هناك اثنان أو ثلاثة يقضى عليهم كل أسبوع”. كان هذا مصير حسن عبد الكريم شحرور، الذي تعرف عليه حزب الله لاحقا، في سيارته البيضاء أسفل قلعة الشقيف في 20 أيلول/سبتمبر وشاهد الكاتب اغتياله.

وفي بلدة شتولا الحدودية، نقل عن أحد الجنود واسمه شلومو هاتان قوله وهو يشير إلى أنقاض برج مراقبة تابع لحزب الله: “لن نعود إلى الوضع الذي كان قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث كان عدونا قريبا من السياج. إن تعريفنا للحركة المشبوهة أصبح الآن منخفضا جدا وسيؤدي إلى رد فعل فوري”. ويقول كوهين إنه تجول مع هاتان على طول الجدار. وقال الجندي: “الآن، سيتعين علينا أن نعيش بالسيف طوال القرن المقبل”.

ويقول إنه دخل مركز حراسة مبنيا من الإسمنت يواجه لبنان، وكتب على جداره بجانب ثغرة ضيقة الكلمات التالية: “يا رجل، يا أب، يا يهودي، يا إسرائيلي. لا تنس ولا تسامح. تذكر سبب وجودك هنا وما تواجهه”.

ويقول كوهين إن نواف سلام، وهو محام من عائلة بيروتية، تولى منصبه مطلع هذا العام وكان عازما على ترسيخ حصر السلاح في يد الدولة، مع أن دولا فاشلة لم تحقق إلى حد كبير هذا الهدف قط. وهذا الهدف يعني نزع سلاح حزب الله. كما أن الجيش اللبناني ضعيف التجهيز. إضافة إلى أن قرع إسرائيل لطبول الحرب يعقد من هذه المهمة. وقال سلام: “لدينا لاعب خارج عن عقاله يتصرف كقوة مهيمنة بقيادة نتنياهو و تزداد قوته يوما بعد يوم. في الوقت نفسه، هناك جيل جديد في جميع أنحاء العالم لم يعد يتسامح مع السلوك الإسرائيلي”.

وتعهدت إسرائيل في الهدنة العام الماضي بالانسحاب من لبنان في غضون 60 يوما، لكنها “احتفظت بخمس نقاط على قمم التلال”، كما قال سلام. وقد أثار هذه القضية مرات عديدة، بما في ذلك مع اللواء غاسبر جيفرز الثالث، الضابط الأمريكي الذي كان قائدًا لـ”آلية مراقبة” وقف إطلاق النار لعدة أشهر، ولكن دون جدوى.

وقال سلام بانزعاج: “أخبرته أننا لسنا في عام 1914 أو 1915. لمراقبة ما يدور حولك، لا تحتاج إلى أن تكون على قمة تلة بارتفاع 700 متر بمنظار أو تلسكوب غاليليو! لدى إسرائيل صورٌ بالأقمار الصناعية وطائرات بدون طيار وبالونات مزودة بأكثر الكاميرات تطورا في العالم”.

وقد طالبت فرنسا، التي تشرف على وقف إطلاق النار إلى جانب الولايات المتحدة، رسميا هذا الشهر بانسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة، لكن الولايات المتحدة لم تضغط علنا على هذه القضية. وأصرت مورغان أورتاغوس، المبعوثة الأمريكية إلى الشرق الأوسط، في بيروت مؤخرا على أن يكمل الجيش اللبناني نزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية العام. ولم يكن هناك أي اقتراح بأي مقابل.

وتساءل ياسين جابر، وزير المالية اللبناني، عن قدرة الجيش على تحقيق هذا الهدف. وقال: “لا يمكنك أن تطلب من الجيش أن يصنع المعجزات عندما يفتقر إلى الوسائل، وسلوك الجانب الإسرائيلي يقوض ذلك”.

واعترف باراك بأن العقبات التي تعترض نزع سلاح حزب الله هائلة. فالجماعة حزب سياسي راسخ في لبنان يتمتع بدعم شيعي كبير، وهي في الوقت نفسه جماعة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة.

ولن يكون تحقيق نزع سلاح حزب الله أمرا سهلا، فهو ضعيف لكنه ليس بدون قوة، ولا يزال يحصل على التمويل بعدة طرق، كما لديه عشرات آلاف المقاتلين. وفي الضاحية الجنوبية ببيروت، المزاج متحدٍ “ستذل إسرائيل وستنهار ولن يذلنا أحد”.

رؤية ترامب الكبرى تتمثل في الجمع بين رأس المال الخليجي، والإبداع التجاري اللبناني، والتكنولوجيا الإسرائيلية، وقوى عاملة عربية كبيرة، لإنتاج معجزات اقتصادية تصالح الشرق الأوسط

وما عليك إلا أن تستمع لخطابات زعيم الحزب، نعيم قاسم، فخطاباته التي تنقل عبر شاشة، تذكير بأن كل عملية قتل تقوم بها إسرائيل تزيد من عزيمة أعدائها. وقد عبرت لوحة إعلانية لحزب الله على الطريق الساحلي السريع عن كل شيء: “عندما ننتصر، ننتصر، وعندما نستشهد، ننتصر”. ولم تمس حفرة عميقة في الضاحية، حيث قتلت القنابل الإسرائيلية حسن نصر الله. وقال قاسم: “العدو هو العدو نفسه، ومرتكب المجازر هو نفسه”، “فكيف نتخلى عن السلاح؟ كيف؟ كلا، سلاحنا باق. من الآن وحتى يوم القيامة، سيبقى!”.

ويقول كوهين إن باراك دعاه إلى مقر إقامته في إسطنبول. وبصفته صديقا قديما لترامب في مجال الأعمال، يحاول باراك تهدئة الحروب التي عصفت بالشرق الأوسط منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمان. والآن، في تقديره، تمر المنطقة بمنعطف جديد. وبصفته واقعيا يتمتع بروح المبادرة، وكاليفورنياً ينحدر من مهاجرين مسيحيين لبنانيين، يشكك في كلمة “سلام”، التي يعتبرها وهما أو آنية في أحسن الأحوال في بيئة مليئة بالجروح العميقة.

وقال الكاتب إن رؤية ترامب الكبرى تتمثل في الجمع بين رأس المال الخليجي، والإبداع التجاري اللبناني، والتكنولوجيا الإسرائيلية، وقوى عاملة عربية كبيرة، لإنتاج معجزات اقتصادية تصالح الشرق الأوسط. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا أكثر من مجرد وهم. ويسعى باراك جاهدا لاغتنام الفرصة. ويقول للقادة اللبنانيين إن نزع سلاح حزب الله “سيشرك السعوديين والقطريين، الذين تضرروا بشدة في لبنان لأنهم حاولوا، وذهبت الأموال إلى الفساد”.

وقال سلام إن باراك اقترح خطوات متزامنة من جانب إسرائيل وحزب الله كطريق للمضي قدما. وقال: “يسلم حزب الله بعض الأسلحة ويخلي جزءا من البلاد، وتنسحب إسرائيل من نقطتين من النقاط الخمس، وهكذا”. وقد ساد صمت طويل، “كانت فكرة ممتازة منه، ولكن لا شيء”.

Share This Article