| افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) 27/11/2025
مكافحة الجرائم العربية الخطيرة في إسرائيل
بقلم: العقيد (احتياط) البروفيسور غابي سيبوني والعميد (احتياط) إيريز فينر
مقدمة
في السنوات الأخيرة، واجهت إسرائيل أزمةً خطيرةً في مجال الأمن الشخصي والعام. فقد أصبحت الجرائم الخطيرة، وخاصةً الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، تهديدًا استراتيجيًا لسيادة القانون والأمن القومي والنسيج الاجتماعي بأكمله. فمنذ مطلع عام 2025، قُتل أكثر من 200 مواطن في المجتمع العربي وحده – وهو رقمٌ مُذهلٌ وصادمٌ يُشير إلى موجةٍ عنيفةٍ من جرائم القتل والاغتيالات وإطلاق الصواريخ وتفجير السيارات المفخخة وأعمال الشغب المسلحة. المنظمات الإجرامية، التي تكثفت أنشطتها في العقد الماضي، تتجاوز الخطوط الحمراء: فهي تقتل النساء والأطفال، وتُلقي القنابل اليدوية في مراكز المدن، وتُؤذي ضباط الشرطة ومفتشيها، وتُشعل النار في المدارس، وتُزرع المتفجرات. لا تزال موجة العنف هذه محصورةً إلى حدٍ كبيرٍ في المنظمات الإجرامية، لكنها تُؤثر أحيانًا على جميع المواطنين. من الأمثلة الصارخة على ذلك حادثة الاغتيال التي وقعت نهارًا على الطريق السريع 443 قرب موديعين، حيث أطلق مسلحون النار على سيارة في إطار تصفية حسابات بين مجرمين من عائلة أبو قطيفان. أسفر إطلاق النار عن مقتل مدني كان يقود سيارته على الطريق ووقع في مرمى النيران، وهو المرحوم سيرجي ماتوف، ضابط احتياط ومهندس ورجل عائلة. ركب القتلة دراجة نارية تشبه دراجة الشرطة النارية، وأطلقوا النار في وضح النهار من سلاح طويل على سيارة الجيب التي كان يستقلها المستهدفون.
وإلى جانب الصراع الدموي بين المنظمات الإجرامية، يبرز نشاطها ويؤثر على جميع السكان في مجال تحصيل رسوم الحماية- الخاوة، وفي كل ما يتعلق بالتهريب الواسع للأسلحة والمعدات الأخرى، التي تُستخدم في الأنشطة الإجرامية، والتي قد تقع أيضًا في أيدي عناصر إرهابية.
لقد حدد القرار الحكومي رقم 4618 للعام 2006 “مكافحة الجريمة الخطيرة والمنظمة ومنتجاتها” كهدف بعيد المدى. تضمّن القرار، الذي اعتُمد عقب تزايد حاد في الجريمة المنظمة، خطوات رئيسية: إنشاء فريق عمل خارق لرسم السياسات، ولجنة دائمة لتنسيق الأنشطة، وفريق استخبارات متكامل، وتعزيز التعاون بين السلطات، وتشجيع التعديلات التشريعية. واستُلهمت الخلفية من مجموعة العمل المالي التي تُشدد على ضرورة الجمع بين أدوات الاستخبارات والأدوات الجنائية والاقتصادية، إذ إن الجريمة المنظمة مدفوعة بالأرباح المالية، ويُعدّ الإضرار بمصادرها المالية عاملاً أساسياً في الردع.
ومع ذلك، وبعد 18 عاماً، أصبح الواقع مُريعاً. فقد انتقد تقرير مراقب الدولة للعام 2020 الفريقَ الأعلى ـ”المناقشات التي جرت دون دراسة معمقة”، وأوصى بصياغة تنفيذ استراتيجية منهاجية.
من يقف في طليعة مكافحة الجرائم الخطيرة؟
من يقف في طليعة مكافحة الجرائم الخطيرة في إسرائيل؟ إذا سألنا الجمهور هذا السؤال، فمن المرجح أن نفترض أن الإجابة هي أن الحكومة والوزراء المعنيين هم في طليعة هذه المعركة، مع التركيز على وزير الأمن الوطني. في الواقع، يتحملون مسؤولية كبيرة في مكافحة الجريمة. ومع ذلك، في دولة إسرائيل، فإن القائد الأعلى والوحيد لمكافحة الجرائم الخطيرة هو المستشار، أو المستشاره حاليًا، بصفته المسؤول عن جهاز إنفاذ القانون. ليس هذا فحسب، بل إن “الفريق الأعلى” الذي شُكّل العام 2006 يعمل في الواقع بمثابة كابنيت لمكافحة الجرائم الخطيرة. وبصفتها رئيسة “الفريق الأعلى” لمكافحة المنظمات الإجرامية، يتعين على المستشارة إعلان حالة الطوارئ وصياغة الأدوات القانونية المناسبة.
نظرًا لحالة الطوارئ في مجال الجريمة، طلب رئيس الوزراء منها عقد اجتماع للفريق الأعلى تحت قيادتها مرة واحدة أسبوعيًا. لم يُنفّذ هذا التوجيه. ردًا على سؤال حول هذا الموضوع في نقاش بلجنة الدستور، أجابت المستشارة بهرب ميارا: “أبلغنا رئيس الوزراء أن الفريق الأعلى لجميع هيئات إنفاذ القانون، بمن فيهم المفتش العام وأنا، لا يستطيع الاجتماع أسبوعيًا. وقد اجتمع الفريق خمس مرات هذا العام.”
وتستمر المستشارة القانونية في الادعاء بأنها وحدها المخولة بمناقشة قضايا ملموسة في مجال إنفاذ القانون، بل وحتى سياسات إنفاذ القانون، وهي مسؤوليتها وحدها، ومن خلالها، مسؤولية أجهزة إنفاذ القانون. هذا تصريح متكرر ومثير للإشكال، يُظهر أن السلطة الوحيدة في يديها، لكنها ترفض إشراك الحكومة، رغم توجيه رئيس الوزراء بتقديم خطة طوارئ لمعالجة هذه القضية ورغم الواقع على الأرض، الذي لا يزال صعبًا ومميتًا.
بناءً على توجيهات رئيس الوزراء، دعا رئيس هيئة مكافحة الجريمة العربية في مكتب رئيس الوزراء، المحامي روي كحلون، المستشارة القانونية، بصفتها شخصيةً في طليعة مكافحة الجرائم الخطيرة، ولا تمارس صلاحياتها في هذا المجال، إلى عقد اجتماع أسبوعي للفريق الأعلى (أيلول 2025). وأكد في كلمته أن “التعامل مع حالة الطوارئ في تطبيق القانون مسؤوليةٌ حصريةٌ لجهاز إنفاذ القانون”. وأشار إلى أن على المستشارة العمل على صياغة خطة استراتيجية تتضمن أهدافًا واضحةً وقابلةً للقياس، وفي مقدمتها تفكيك المنظمات الإجرامية وتحييد البنى التحتية الاقتصادية التي تقوم عليها الجريمة. يجب أن تكون الخطة شاملةً، بحيث تعكس جهود جميع أجهزة إنفاذ القانون مجتمعةً – شرطة إسرائيل، ومصلحة الضرائب، ومكتب المستشارة، وجهاز الأمن العام، وهيئة حظر غسل الأموال، وغيرها. لتوضيح الأمور وتوضيح السلطة الحصرية للمستشارة في مكافحة الجريمة العربية، كتب أنه وفقًا لمبدأ استقلالية جهاز إنفاذ القانون، فإن التعامل مع حالات الطوارئ الإنفاذية تقع على عاتق جهاز إنفاذ القانون وحده، وهو الجهاز الذي يقع في يد المستشارة. لا يقتصر الأمر على أن المستشارة لا تقوم بعملها فحسب، بل إنها تمنع الآخرين من التعامل مع القضية. وبالتالي، في ردها على رئيس هيئة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، تمنع المستشارة المسؤولين الحكوميين من التطرق إلى سياسة جهاز إنفاذ القانون. وبناءً على ذلك، يترتب على ذلك أن الحكومة لا تملك صلاحية تحديد سياسة الإنفاذ اللازمة التي تسمح لها بوقف تدفق جرائم القتل وتقوية المنظمات الإجرامية.
على المستشارة القانونية للحكومة أن تتصرف بإعلان حالة الطوارئ، ومعاملة المنظمات الإجرامية كمنظمات إرهابية (وفقًا لتوجيهات رئيس الوزراء)، وعقد اجتماع أسبوعي للفريق الأعلى، ونفض المنظمة بشكل شامل. المستشارة القانونية هو رأس جهاز إنفاذ القانون، ولها وحدها صلاحية التصرف. لذا، فإن سلطتها في إدارة مكافحة الجرائم الخطيرة مطلقة. إلا أن تقاعسها يؤدي إلى انهيار الردع، وزعزعة ثقة الجمهور بمؤسسات إنفاذ القانون، وتهديد استراتيجي لسيادة القانون.
الوضع الميداني – موجة من جرائم القتل وحالة طوارئ خانقة
الواقع الميداني ليس مجرد إحصائية باردة، بل هو مأساة إنسانية دموية، تحدث يوميًا وتؤثر على حياتنا جميعًا، وليس فقط على حياة المجتمع العربي. خلال شهري كانون الثاني وشباط 2025، قُتل 36 مواطنًا في المجتمع العربي، وهو رقم قفز إلى 46 مع بداية آذار. وبحلول أيلول 2025، ارتفع العدد إلى 160 قتيلًا، منهم أربعة قُتلوا في يوم واحد فقط. وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فبحلول أكتوبر 2025، قُتل أكثر من 200 مواطن في المجتمع العربي وحده منذ بداية العام.
لا يقتصر العنف على قتل المجرمين، بل يتميز بجرأة غير مسبوقة. قتل النساء والأطفال الأبرياء، وإطلاق الصواريخ والقنابل اليدوية في قلب المدن المزدحمة، وتفجير السيارات في وضح النهار، وإلقاء المتفجرات من طائرات مسيرة، وإشعال النار في المؤسسات التعليمية، وتدمير البنية التحتية الوطنية مثل مباني البلدية، وإطلاق النار على ضباط الشرطة ومفتشيها، بل وحتى تهريب أسلحة ثقيلة لأغراض الدمار الشامل. يبدو أن العديد من العناصر الإجرامية تعمل بشعور بأن يد الدولة الطويلة لن تصل إليهم، وأنهم بمنأى عن العقاب. هذا الشعور بالحصانة هو نتيجة مباشرة لضعف إنفاذ القانون، مما يسمح لهذه المنظمات بتعزيز قوتها، والسيطرة على الأسواق المحلية، وتهريب المخدرات والأسلحة، والتسلل إلى المناقصات العامة، بما في ذلك مناقصات جهاز الأمن. تتجلى المشكلة، من بين أمور أخرى، في الظواهر التالية:
حيازة الأسلحة غير القانونية – إن عدد الأسلحة غير القانونية في المجتمع العربي هائل للغاية، ويشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن المواطنين. لا يقتصر الأمر على الأسلحة الصغيرة فحسب، بل يشمل أيضًا المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات والقنابل اليدوية والرشاشات. ربما توجد مئات الآلاف من الأسلحة غير القانونية في المجتمع العربي. وتمتلكها عناصر إجرامية، بالإضافة إلى مواطنين عاديين، وهو أمر يبدو طبيعيًا. وفي كثير من الحالات، تُستخدم هذه الأسلحة كرمز للمكانة الاجتماعية، وللدفاع عن النفس. وفي كثير من الحالات، يكون مصدرها السرقة من الجيش الإسرائيلي وتهريب الأسلحة من مصر والأردن. تُستخدم هذه الأسلحة لصالح المنظمات الإجرامية، ولكنها قد تُشكل تهديدًا أمنيًا في حال نشوب صراع، مثل الذي وقع العام 2021 في المدن المعنية وعلى بعض الطرق خلال عملية “حارس الأسوار”.
تهريب الأسلحة وسرقة الأسلحة من الجيش الاسرائيلي – تتزايد ظاهرة تهريب الأسلحة من الحدود الأردنية والمصرية. وقد استُبدلت طرق التهريب التقليدية بالتهريب عبر الطائرات المسيرة، بأعداد متزايدة خلال العامين الماضيين. يتوازى هذا مع ظاهرة سرقة الأسلحة من قواعد الجيش الاسرائيلي، والتي تفاقمت أيضًا خلال الحرب، نظرًا لتوزيع الأسلحة والمعدات في مناطق التجمع والمعسكرات، وغياب اهتمام القادة والوحدات بها. وتُوجَّه هذه الأسلحة بشكل كبير نحو الجريمة في القطاع العربي. وفي الوقت نفسه، هناك أيضًا تسرب للأسلحة نحو الأنشطة الإرهابية، مع التركيز على أراضي يهودا والسامرة، ولكن أُبلغ أيضًا عن تهريب أسلحة عبر طائرات مُسيَّرة في غزة.
تسلل المنظمات الإجرامية إلى المناقصات العامة – تستغل المنظمات الإجرامية الثغرات القانونية للمشاركة في المناقصات العامة والفوز بها. وتكمن خطورة هذه المسألة في الطريقة التي تعمل بها هذه المنظمات لضمان فوزها بالمناقصة، والأموال التي تتدفق إلى جيوب عائلات الجريمة وتمويل أنشطتها.
فقدان الردع تجاه المنظمات الإجرامية – لا تردعها سلطات إنفاذ القانون، بل تتحمل مسؤولية جرائم القتل التي ترتكبها. هناك تصاعد في عمليات القتل، مع إيذاء النساء والأطفال، بهدف زيادة الضرر والرعب الذي تُحدثه. كما أن انخفاض معدل الكشف (أكثر بقليل من 10 في المئة)، إلى جانب تخفيف العقوبة في المحاكم، يُسهم أيضًا في فقدان الردع. إلى جانب ذلك، نشهد نقصًا في الحماية الكافية لموظفي نظام إنفاذ القانون والجهات التنظيمية الحكومية والشهود. تُعمّق هذه الظاهرة ضرر المنظمات الإجرامية في جميع أنحاء البلاد.
إنشاء نظام “عدالة” موازٍ – تصبح المنظمات الإجرامية ذات سيادة من خلال شراء المسؤولين المنتخبين والمسؤولين في الأنظمة الحكومية ومن خلال إجراء التحكيم في المجتمع العربي، خارج النظام القانوني الرسمي. يُفضل الكثيرون الحصول على إعفاء من نظام “عدالة” بديل تديره المنظمات الإجرامية، وهي منظمات لديها القدرة على إنفاذ “الحكم” وتنفيذه.
الابتزاز ورسوم الخاوة – إن نطاق ظاهرة تحصيل رسوم الخاوة هائل. تُقدَّر أرباح المنظمات الإجرامية العربية بنحو ملياري شيكل سنويًا من ابتزاز رسوم الرعاية. ويُضاف إلى ذلك مليارات من الأضرار غير المباشرة. يُلحق الابتزاز الضرر بمجموعة متنوعة من القطاعات، بما في ذلك الزراعة والبناء والبنية التحتية. كما تدفع الهيئات الحكومية رسوم رعاية، وتُجبر مشاريع البنية التحتية الوطنية أيضًا على دفع رسوم رعاية مقابل “حراسة” مواقع العمل. ووفقًا لتقرير صادر عن “نيو ووتش”، فإن 73 في المئة من العاملين في قطاعات البناء والتجارة والزراعة والصناعة مُلزمون بدفع رسوم رعاية.
في نقاش عُقد بحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكبار الوزراء، وكبار قادة الشرطة، تجلّت خطورة الوضع من خلال الإحصاءات والحالات المُحددة. افتتح رئيس الوزراء النقاش بنداء عاجل: “إن الزيادة المُقلقة في قضايا الجريمة تتطلب إعلان حالة الطوارئ وتكثيف المكافحة”. وأقرّ رئيس قسم التحقيقات والاستخبارات في شرطة إسرائيل بأن “زيادة جرأة المنظمات الإجرامية تتجاوز قدرات إنفاذ القانون الحالية”. وأضاف مفوض الشرطة: “نشهد تزايدًا في العنف ضد موظفي القطاع العام، بما في ذلك إطلاق النار على ضباط الشرطة، مما يُقوّض الردع”.
باختصار، يمكن القول إن المنظمات الإجرامية تزداد قوةً مع فقدان إسرائيل السيطرة على العديد من مناطق عملها. وهذا يُشكّل تهديدًا استراتيجيًا ليس فقط للمجتمع العربي، بل للأمن القومي للبلاد ككل.
العوائق – الموارد والتنسيق والسياسات
تتسم عوائق مكافحة الجرائم الخطيرة في إسرائيل بتعقيدها وعمقها، وتؤثر على جميع مراحل العملية – بدءًا من جمع المعلومات الاستخبارية، مرورًا بالتحقيق والملاحقة القضائية، وصولًا إلى مصادرة الأصول والضرر الاقتصادي الذي يلحق بالمنظمات الإجرامية.
في إطار تبادل الآراء في إطار النقاش في اللجنة الدستورية مع المستشارة القانونية للحكومة، أثارت الأخيرة عدة عوائق ترى أنها تعيق جهود إنفاذ القانون. فبينما تعمل الحكومة، من خلال هيئة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، على دعم إنفاذ القانون، يُقيّد جهاز إنفاذ القانون كل إجراء بموجب مبدأ “استقلالية إنفاذ القانون”.
تتعلق الحجة الأولى بنقص الموارد البشرية والمالية، مما يُشكّل “عائقًا” في جميع مراحل إنفاذ القانون. هذا ما ذكرته المستشارة القانونية للحكومة في ردها على اللجنة الدستورية. ينص التقرير على وجود فجوة كبيرة بين عدد كوادر الشرطة وعدد كوادر النيابة العامة، ويزعم أن النيابة العامة تفتقر إلى حوالي 100 كادر. هذه الفجوة تُعيق العديد من القضايا عن الوصول إلى مرحلة المقاضاة، مما يسمح للمنظمات الإجرامية بمواصلة عملها بحرية.
حتى لو قبلنا ادعاء نقص الكوادر، فإن تقاعس المستشارة القانونية للحكومة لا علاقة له إطلاقًا بنقص الموارد. يكفي قراءة الأسئلة التي وجهها إليها رئيس اللجنة الدستورية حول هذا الموضوع: لم تُعرض على الفريق الاستشاري دراسات مُحدثة حول الجريمة في إسرائيل وبشكل عام؛ لم تُرسم خريطة لمصادر المعلومات التي يُمكن للفريق الاستشاري على أساسها اتخاذ قرارات بشأن الاستراتيجية الصحيحة للتعامل مع الجريمة المنظمة؛ لم يتغير تواتر اجتماعات الفريق الاستشاري في ضوء تزايد معدلات الجريمة خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالطبع لم تُدرس خطة استراتيجية بديلة تتناسب مع الواقع الصعب.
علاوة على ذلك، يُظهر النقاش في لجنة الدستور أن الفريق الأعلى لم يُوجِّه أو يعمل على بناء خريطة استخباراتية وطنية ومتكاملة، وأنه لم يُشكَّل فريق استخبارات متكامل ضمن إدارة المهام الخاصة في قسم التحقيقات والاستخبارات بالشرطة، كما هو مطلوب. ولم يُقدِّم الفريق التعديلات التشريعية المطلوبة حاليًا لتبسيط مكافحة الجرائم الخطيرة. وأخيرًا، لم تحصل شرطة إسرائيل، لفترة طويلة، على إذن من المستشارة القانونية للحكومة لتشغيل الأدوات التكنولوجية اللازمة لمكافحة الجريمة. مما سبق، يتضح أن ادعاء نقص الكوادر لا يُفسِّر عدم كفاءة مكتب النائب العام، برئاسة المستشار القانوني للحكومة، في التعامل مع الجرائم الخطيرة.
وهناك عقبة أخرى تتعلق بحقيقة أن الفريق الأعلى لا يُدرك إمكانات التنسيق؛ فالمناقشات عامة دون عمل الموظفين المنتظم. يجتمع الفريق الأعلى برئاسة المستشارة، ثلاث أو أربع مرات فقط سنويًا، حيث تمنع المستشارة القانونية للحكومة إجراء مناقشات تكاملية مع الحكومة، وتجمع رؤساء أجهزة إنفاذ القانون والمسؤولين الحكوميين حول طاولة واحدة، بحجة استقلالية جهاز إنفاذ القانون. تُشكّل هذه العقبات حلقة مفرغة من انعدام التنسيق وانعدام تنظيم العمل بين جميع موظفي الحكومة ومسؤولي إنفاذ القانون.
الطريق إلى الأمام
قد تؤدي سلسلة الإخفاقات في مواجهة هذا التحدي إلى استنتاج مؤلم مفاده أن هذه آفة وطنية لا حل لها، وأنه من الممكن على الأكثر إبطاء وتيرة انتشارها، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن جودة التعلّم لدى المجرمين أعلى بكثير من جودة تعلّم أجهزة إنفاذ القانون. نعتقد أن هذا افتراض خاطئ، ويمكن تحسين الوضع بشكل كبير. ولتحقيق ذلك، ينبغي اعتماد الخطوات المقترحة أدناه.
المقترح الأول والأكثر أهمية وإلحاحًا هو إعلان حالة الطوارئ لأجهزة إنفاذ القانون. إعلان يسمح بتعبئة الموارد فورًا، ونقل الميزانيات المخصصة، وتوسيع صلاحياتها. هذا إلى جانب صياغة أدوات قانونية ملائمة تُمكّن أجهزة إنفاذ القانون من التعامل بفعالية مع الجريمة المتنامية. يجب على الفريق الأعلى صياغة خطة استراتيجية شاملة لمكافحة الجريمة، مع تشكيل فرق طوارئ متكاملة – الشرطة، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ومصلحة الضرائب، ومكتب النائب العام – بميزانية مناسبة وموارد بشرية كافية، بما في ذلك الموافقة على صلاحيات الطوارئ مثل الاعتقالات الإدارية المؤقتة والمصادرة السريعة. يُعدّ تعميق استخدام الأدوات الإدارية عنصرًا أساسيًا في مكافحة الجريمة، مثل تقييد حركة المرور، ومصادرة المركبات، ومنع التلامس، والأماكن التي يصعب على العناصر الإجرامية الوصول إليها، وما شابه.
يُقترح أيضًا تغيير نموذج التعامل مع المنظمات الإجرامية القاتلة، ومعاملتها كمنظمات إرهابية. ويتماشى هذا مع توجيه رئيس الوزراء ومشروع القانون الجاري صياغته في هذا الشأن. سيسمح هذا التغيير باستخدام أدوات أمنية: مراقبة الشاباك لقادة المنظمات، والمصادرة الفورية للبنية التحتية الاقتصادية، والعقوبات المالية العالمية، مع الحفاظ على الضوابط والتوازنات الإلزامية. في الواقع، ولأسباب غير واضحة، تعمل الهيئات الاستشارية القانونية على تجاهل هذا التوجيه من رئيس الوزراء.
يُقترح أيضًا عقد اجتماع دوري وإلزامي ومتكرر (أسبوعي) للفريق الأعلى، يشمل مقر الحكومة. ويتماشى هذا مع توجيه رئيس الوزراء. يهدف هذا الطلب إلى بناء استجابة عملية لحالة الطوارئ الراهنة، عندما يُضعف رفض المستشار القانوني للحكومة تشكيل فريق إنفاذ، أو للأسف، إشراك ممثل الحكومة فيه، بحجة أن ذلك سيُدخل اعتبارات سياسية في نظام الإنفاذ، الجهودَ المبذولة. يُذكر أنه في الحكومة السابقة، ترأس نائب الوزير يوآف سيغلوفيتش فريق إنفاذ حكوميًا لمكافحة الجريمة في أوساط العرب، والذي حضره ممثلون عن الوزارات والهيئات المعنية، بما في ذلك المستشار القانوني للحكومة ومكتب النائب العام. وقد حظي سيغلوفيتش بتعاون كامل من المستشار القانوني للحكومة، دون أي ادعاءات بتدخل الاعتبارات السياسية في نظام الإنفاذ.
وأخيرًا، من الضروري صياغة خطة خمسية تشمل أيضًا قيادة المجتمع العربي وتسخرها للنضال. يجب أن تتضمن الخطة أهدافًا ومؤشرات واضحة، وفي مقدمتها تفكيك المنظمات الإجرامية والبنى التحتية الاقتصادية لهذه المنظمات. كما يجب أن تُسلّط الخطة الضوء على إجراءات جميع هيئات الإنفاذ. في هذا الإطار، ينبغي السماح بتشغيل الأدوات التكنولوجية التي تُسهم في مكافحة الجريمة. وينبغي أن يشمل جزء من هذه الخطة تحسين حماية حدود البلاد وقواعد ومعسكرات الجيش الاسرائيلي. وهنا أيضًا، يتطلب الأمر مزيجًا من استجابة استخباراتية، واستجابة للبنية التحتية، واستجابة تكنولوجية، واستجابة عملياتية، وأهم من ذلك، استجابة إنفاذية/قانونية.
ملخص
إن مكافحة الجريمة الخطيرة والمنظمة في إسرائيل، كما حللناها في هذه المقالة، ليست مجرد فشل تكتيكي، بل هي فشل منهجي عميق يُهدد أركان الدولة: سيادة القانون، والأمن القومي، وثقة الجمهور. يُعد الفريق الفائق المُنشأ لهذا الغرض أداة ممتازة، لكن عمله، وخاصة في السنوات الأخيرة، كان مُعيبًا.
يجب على المستشارة، التي ترأس الفريق الأعلى، أن تُدرك أنها على رأس مجلس الوزراء المعني بمكافحة الجريمة، ولا يُمكنها التهرب من هذا الدور بادعاء “استقلالية إنفاذ القانون”. يجب تفكيك الأنظمة لتمكين مكافحة متكاملة وفعالة لهذه الجريمة.
الدعوة للتغيير الآن: على المستشارة إعلان حالة الطوارئ، وتطبيق قانون المنظمات الإرهابية على المنظمات الإجرامية، وعقد اجتماع للفريق الأعلى لمكافحة الجرائم الخطيرة أسبوعيًا وعند الحاجة، ووضع خطة محددة الأهداف. على الحكومة دعم هذا الجهد بالميزانيات، وعلى الكنيست بالتشريعات.
لا تستطيع إسرائيل تحمل عام آخر من سفك الدماء؛ بل عليها أيضًا مواجهة هذا التهديد قبل أن نجد أنفسنا في مواجهة “واقعة 7 أكتوبر” جديدة.
——————————————-
هآرتس 27/11/2025
الحروب ضد الاساطير القومية محكوم عليها بالفشل، يا يوفال هراري
بقلم: ديمتري شومسكي
البروفيسور يوفال نوح هراري، دعا الاسرائيليين والفلسطينيين الى التخلي تماما عن الروايات القومية الاسطورية حول من عاش أولا في ارض اسرائيل/ فلسطين (“هآرتس”، 13/11). روغل الفر ايد نوح هراري على الاقل فيما يتعلق برفض الموثوقية التاريخية لاساس رئيسي ومؤسس في الرواية الصهيونية – الاسرائيلية، الفكرة التي بحسبها تم اجلاء شعب اسرائيل من ارض اسرائيل قبل ألفي سنة (“هآرتس”، 17/11).
يصعب عدم التوافق معهما من ناحية تاريخية. فالحديث يدور بدون شك عن اسطورة واضحة، التي مصدرها للمفارقة، ليس صهيوني بل ديني – مسيحاني. وقد احسن رؤية ذلك البروفيسور يسرائيل يوفال في مقال مؤسس كتبه قبل عشرين سنة بعنوان “اسطورة الاجلاء من البلاد – زمن يهودي وزمن مسيحي”. اساس هذه الاسطورة هو ان اليهود فقدوا استقلالهم السياسي وتم اجلاءهم من البلاد كعقاب على رفضهم لييشو. ولكن في المقابل، تصعب الموافقة على الاستنتاج القومي – السياسي الذي يستنتجونه من هذا الادعاء التاريخي، وهو أن التمسك بهذه الاسطورة يمنع بالضرورة الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين.
نظرة الى تاريخ الفكرة القومية الصهيونية تطرح صورة مختلفة في جوهرها. لا يوجد خلاف حول ان مؤسس الصهيونية الروحية – الثقافية، احاد هعام، آمن بلا تحفظ برؤية النفي الاسطورية للشعب اليهودي من بلاده، ورأى في الحركة الصهيونية حركة عودة اليهود الى وطنهم التاريخي. في نفس الوقت، في تناوله في 1920 لوعد بلفور، قال ان الحق التاريخي لشعب اسرائيل “العودة والاستيطان في ارض الآباء… لا تلغي حق سكان البلاد الآخرين الذين ياتون باسم الحق الواقعي للعودة والعمل في البلاد منذ اجيال، هم ايضا هذه البلاد هي وطنهم القومي”.
الفيلسوف مارتن بوبر ايضا، الصهيوني الروحاني – الديني البارز، ايد بشكل واضح اسطورة النفي والعودة لشعب اسرائيل الى وطنه. “اذا كان في أي يوم احد ما في الصهيونية، شعر بهذه الصلة بين شعب وبلاده كصلة تنبع من قوة تاريخية وفوق تاريخية، التي لا يوجد اعلى منها، فأنا هو هذا الشخص”، كتب في 1929. وحتى انه قام بتاليف كتاب مع نكهة دينية – سياسية بعنوان “بين شعب وبلاده – اسس تاريخ الفكرة”. اضافة الى ذلك في فترة الانتداب اعتبر بوبر من اشد المطالبين بفكرة اقامة دولة يهودية – عربية، ثنائية القومية، في ارض اسرائيل على الفور، رغم التفوق الديمغرافي العربي في البلاد في حينه. وقد سوقت هذه الفكرة في حينه جمعية بريت شالوم، التي لم يكن بوبر عضو فيها، لكنه كان بلا شك الروح الحية من ورائها.
لقد كان شموئيل هوغو بيرغمان، المعجب بمارتن بوبر وشريكه الفكري والسياسي والناشط الرئيسي والقيادي في حركة بريت شالوم، والذي اصبح بعد ذلك اول رئيس للجامعة العبرية في القدس، كان صهيوني متحمس حتى في صباه في مسقط رأسه براغ في بداية القرن الماضي، وكان متعاطف بارز مع اسطورة المنفى وفكرة العودة الحديثة الى صهيون. في براغ ترأس لفترة جمعية طلاب صهيونية محلية حملت اسم له طابع مسيحاني بدرجة معينة وهو باركوخبا.
عندما تناول في نهاية العشرينيات “المشكلة العربية” كتب بيرغمان: “من نعم الله على شعب اسرائيل، ان بيته الوطني هو وطن لشعبين”، هذا يعود حسب رأيه الى ان الصهيونية تم تكليفها بدور اخلاقي سياسي رفيع المستوى وهو ما كان في نظره بمثابة رسالة لاهوتية – اخلاقية، وهي اثبات ان الشعب اليهودي وحركته الوطنية، خلافا للدول القومية المهيمنة التي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى في اوروبا الشرقية، في مناطق متعددة القوميات، والتي عززت حقوق امة واحدة ذات سيادة، يناصران الحقوق القومية المتساوية بين شعبي ارض اسرائيل، بروح مفاهيم العدالة العالمية التي ارساها انبياء اسرائيل.
من المثير للاهتمام ان ابو فكرة تهجير عرب اسرائيل – الكاتب البريطاني اليهودي اسرائيل زنغفيل، كان لديه التزام فضفاض بشكل معين بالفكرة الصهيونية وعودة اليهود الى وطنهم. زنغفيل، صاحب عبارة “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”، كان في البداية من المقربين لهرتسل. ولكن عندما ادرك استحالة تحقيق ميثاق على ارض اسرائيل، ورفض المنظمة الصهيونية “لخطة اوغندا” التي أيدها، قام بتاسيس المنظمة اليهودية الاقليمية في العام 1905، التي سعت الى اقامة وطن قومي لليهود الموجودين في ارجاء العالم. قبل ذلك بفترة كان قد حدد رؤيته بشان مستقبل عرب البلاد. “اما طرد القبائل التي تقيم في البلاد بحد السيف، مثلما فعل اسلافنا، أو التعامل مع مسالة هجرة السكان الاجانب الذين في معظمهم من المسلمين، الذين منذ اجيال تعودوا على معاملتنا بازدراء”.
لذلك، في محاولة لدفع الاسرائيليين الى الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين، ليس من الضروري شن حرب شاملة على اسطورة طرد اليهود من البلاد، لانه لا توجد صلة حتمية بين الايمان بهذه الاسطورة ونفي القومية الفلسطينية. قد يكون المرء صهيوني متدين ويؤمن بدولة ثنائية القومية أو تقسيم البلاد، أو قد يكون مثل زنغفيل، غير مهتم تماما باساطير الصهيونية، ويدعم العنصرية والتهجير.
الاكثر اهمية من ذلك – اذا كان يمكن تعلم أي شيء من تاريخ القوميات والحركات القومية الحديثة فهو أن الحروب ضد الاساطير القومية مصيرها الفشل. يفضل بدلا من ذلك التركيز على شيء ما اصعب، الذي يبدو سيزيفي، لكن مع ذلك هو اكثر واقعية: الكشف للاسرائيليين عن حقيقة انه يمكن تماما الايمان بالايديولوجيا الصهيونية، وفي نفس الوقت ان نؤيد بصورة حماسية المساواة في الحقوق القومية بين شعبي ارض اسرائيل/ فلسطين.
——————————————
هآرتس 27/11/2025
الولايات المتحدة تتبنى نهج إسرائيل في لبنان: يمكن فرض السلام بالقوة
بقلم: ليزا روزوفسكي
اغتيال رئيس اركان حزب الله، هيثم علي طبطبائي، في بيروت في يوم الاحد الماضي، حصل على دعم واضح من واشنطن. في الحقيقة كبار قادة الادارة الامريكية قالوا بانه لم يتم ابلاغهم مسبقا عن الهجوم. ولكنهم اوضحوا في محادثات مع “هآرتس” ووسائل اعلام اخرى بان اسرائيل والولايات المتحدة تقومان بالتنسيق معا بشان السياسة تجاه حزب الله. ايضا فرنسا، الراعية الغربية للبنان واحد الاضلاع في جهاز التنسيق العسكري الذي اقيم قبل سنة للحفاظ على وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله، لم تقم بادانة العملية.
في الاشهر الاخيرة السياسة والتصريحات العلنية لكبار القادة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعلاقة بين لبنان واسرائيل، وما يتعلق بالتزام كل طرف من الطرفين، لم تكن متناسقة على اقل تقدير. في شهر آب بعد ان صادقت حكومة لبنان على الخطة الامريكية، نزع سلاح حزب الله حتى نهاية السنة، بالغ المبعوث الامريكي الخاص توم باراك في أمله وتفاؤله ودعمه للبنان. فقد قال انه يجب على اسرائيل الرد بـ “مصافحة مماثلة”، أي البدء في لعب دورها في المعادلة والانسحاب بالتدريج من المواقع الخمسة التي احتلتها في لبنان ووقف الهجمات ضد لبنان. هذا لم يخرج الى حيز التنفيذ، ورغم ذلك فان نغمة باراك تحولت بالتحديد تجاه لبنان. في بداية تشرين الثاني في مؤتمر المعهد الدولي للابحاث الاستراتيجية في البحرين، سبق لباراك أن سمى لبنان “دولة فاشلة”، وعبر عن تشككه في قدرتها على نزع سلاح حزب الله.
عند دخول ميشيل عيسى الى منصب السفير الرسمي للبنان في واشنطن، توقف باراك عن معالجة شؤون لبنان وترك هذا الملف لعيسى ومورغن اورتيغوس، التي عادت الى الساحة اللبنانية قبل بضعة اشهر، اضافة الى عملها في بعثة الولايات المتحدة في الامم المتحدة. في هذه الاثناء في اسرائيل وزير الشؤون الاستراتيجية والمقرب من رئيس الحكومة رون ديرمر قدم استقالته، على الاقل رسميا، وملف لبنان موجود الان على اكتاف القائم باعمال رئيس هيئة الامن القومي غيل رايخ والسفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة يحيئيل لايكر.
يبدو ان مقاربة واشنطن لشؤون لبنان مرت بكثير من التغيير في الاشهر الاخيرة. حسب معرفتنا، حتى الآن الادارة الامريكية تتبنى مقاربة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، التي تقول بانه يمكن فرض على لبنان السلام بواسطة القوة. بكلمات اخرى، واشنطن تقدر انه يمكن اجبار حكومة لبنان والجيش اللبناني على نزع سلاح حزب الله، وأن هجمات اسرائيلي في لبنان يمكن ان تحثهم على فعل ذلك.
رغم الادراك بان التصعيد الحالي من شأنه، باحتمالية عالية، ان يزداد وان يصبح خطير، فانهم في الولايات المتحدة يرون سيناريو متفائل، بحسبه الهجمات يمكن ان تضع الرئيس اللبناني جوزيف عون امام اختيار، اما الحرب أو الدخول الى مفاوضات سياسية مع اسرائيل، وتاسيس تطبيع وانضمام لاتفاقات ابراهيم، ليس اقل من ذلك.
في القدس يشاركون في هذا التقدير. الانسحاب من المواقع الخمسة لا يقف على الاطلاق الآن على الاجندة في اسرائيل. وبالتاكيد ليس قبل ان يظهر الجيش اللبناني نتائج. في هذه الرؤية القطبية توجد اسئلة غير محلولة. اولا، هل عون والجيش اللبناني يمكنهم العمل بصورة حازمة اكثر امام حزب الله بدون المخاطرة مرة اخرى بالحرب الاهلية؟ ثانيا، هل يستطيع السماح لنفسه بالجلوس على طاولة المفاوضات مع اسرائيل، الدولة التي العداء لها يخترق كل القطاعات؟.
في فرنسا يعرفون هذا التعقيد. من جهة، ايضا في باريس خائبو الامل من الوتيرة ومن طبيعة نشاطات الجيش اللبناني ضد حزب الله، وهم على قناعة بانه يمكنه فعل اكثر من ذلك رغم ضعفه وقيوده ونقص الميزانيات. من جهة اخرى، هم يخشون من ان نموذج الضغط الزائد يمكن ان يحطم الاستقرار الهش في لبنان بدلا من تعزيزه. في الفترة القريبة القادمة اورتيغوس ستزور باريس، ويتوقع ان تسمع من نظرائها الفرنسيين اقتراحات، التي يبدو أنها ستتلخص بالادعاء أنه لا يمكن الضغط طوال الوقت على طرف واحد فقط بدون طلب أي مقابل من الطرف الاخر. مثلا، على شاكلة بادرة حسن نية من قبل اسرائيل مثل الانسحاب على الاقل من واحد من المواقع الخمسة على الاقل. حول هذه الامكانية، كما قلنا، لا يريدون في اسرائيل سماع أي شيء الآن.
من تحاول مواصلة الحوار مع كل الاطراف، ومع اسرائيل ايضا، والتي يبدو انها تضع كل ثقلها لمنع التصعيد، هي مصر. وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي قام بزيارة لبنان أمس، بعد يوم من تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هاتفيا مع نظيره اللبناني من اجل التعبير عن دعمه ودعم دولته. في الشهر الماضي رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد قام بزيارة لبنان ايضا بعد بضعة ايام على زيارة خاطفة في اسرائيل التقى فيها مع نتنياهو. من غير المستبعد ان القاهرة تحاول استخدام تاثيرها على الوضع في غزة من اجل الضغط على اسرائيل، حيث الهدف هو وضع وزن مضاد لمنطق تحقيق السلام بالقوة. رسالة مصر هي ان العمليات العسكرية وحدها لن تثمر نتائج دبلوماسية.
“في نهاية المطاف كل شيء يعود الى طريق مسدود”، قال ايتان يشاي، رئيس برنامج الشرق الاوسط في معهد ميتافيم. “اسرائيل تقول: قوموا بنزع سلاح حزب الله وبعد ذلك نحن سننسحب. حكومة لبنان تقول: قوموا بالانسحاب، وبعد ذلك يمكننا نزع سلاح حزب الله. حزب الله يقول: لن نتخلى عن سلاحنا في أي يوم. ولكن اذا كنتم تريدون على الاقل أي حوار والتوصل الى تسوية فقبل كل شيء يجب على اسرائيل الانسحاب. في حين ان الامريكيين والمجتمع الدولي يقولون للبنان: أولا قوموا بنزع سلاح حزب الله وبعد ذلك سنعطيكم الاموال”. حتى الآن أي جهة كما يبدو، لم تجد طريقة لاختراق هذه الدائرة. ولكن يبدو انهم في اسرائيل وفي الولايات المتحدة يراهنون على اضعاف حزب الله ووضع الرئيس عون امام اقتراح لا يمكنه رفضه. السؤال هو هل يمكنه الموافقة على هذا الاقتراح؟.
——————————————
إسرائيل اليوم 27/11/2025
إسرائيل بحاجة الى زعامة ايديولوجية
بقلم: د. نيسيم كاتس
على مدى سنين طويلة جدا، أصبحت السياسة الإسرائيلية ساحة صدام شخصي. الخطاب الجماهيري، الذي عصف في الماضي حول مسائل تتعلق بـ “الطريق” – اشتراكية مقابل رأسمالية، بلاد إسرائيل الكاملة مقابل تسوية إقليمية – تقلص الى المسألة الضحلة: “نعم بيبي” أم “لا بيبي”. المأساة الكبرى للعقد الأخير ليست الاستقطاب الاجتماعي بل ضياع الطريق. دولة إسرائيل، التي توجد في احدى الفترات الأكثر تعقيدا في تاريخها، تدار بلا بوصلة. نحن نوجد في أزمة قيادة عميقة، تنبع من أن سياسيين أحلوا التكتيك محل الأيديولوجيا والاستطلاعات محل الرؤيا.
النموذج الأكثر صراحة على الفجوة التي بين الشكل والمضمون هو بنيامين نتنياهو. نتنياهو هو علامة تجارية بحد ذاته بنجاحه كـ “قائد اليمين”، الدرع الحصري لبلاد إسرائيل والامن القومي. لكن مراجعة صادقة لاعماله على مدى السنين تظهر صورة معاكسة بل واحيانا مذهلة في ثغراتها. فقد كان نتنياهو هو الذي صافح عرفات، وقع على اتفاق واي وسلم الخليل. كان نتنياهو هو الذي صوت في صالح فك الارتباط (حتى لحظة الحقيقة)، جمد البناء في يهودا والسامرة غير مرة تحت ضغط امريكي، وادار سياسة “احتواء” تجاه حماس في غزة على مدى نحو 15 سنة في ظل الامتناع الثابت عن حسم عسكري واضح – الى أن فرض علينا الواقع.
مع نهاية القتال الشديد في غزة يمتنع نتنياهو عن ضم يهودا والسامرة، يثني على قرار مجلس الامن الذي يشق مسارا مستقرا لدولة فلسطينية، يخلق تدويلا للمواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية ويصدر بحكم الامر الواقع الحلول الأمنية الإسرائيلية الى دول أخرى. هذا ليس يمينا. خطاب نتنياهو يميني – صقري، لكن السياسة الفعلية هي في مرات عديدة سياسة يسار – وسط حذرة، مترددة وبراغماتية اكثر مما ينبغي. هذه الفجوة تخلق طيفا معرفيا لدى الجمهور الذي ينتخب اليمين ويتلقى سياسة حفظ الوضع الراهن التي تتميز بها أحزاب الوسط – اليسار.
على الجانب الاخر من المتراس السياسي – الفكري (ظاهرا) يقف نفتالي بينيت، الذي يمثل مشكلة من نوع آخر تماما. فلئن كنا لدى نتنياهو نعرف ما هي الأيديولوجيا المعلنة لكننا نرى تنفيذا معاكسا، فاننا لدى بينيت لا نعرف على الاطلاق ما هي الأيديولوجيا او هل هي موجودة على الاطلاق، باستثناء التطلع الى الكرسي. بينيت الذي بدأ طريقه كمدير عام مجلس “يشع” للمستوطنين وكرمز يميني لنتنياهو، اثبت في ولايته كرئيس للوزراء بان المرونة هي قيمته العليا.
ان إقامة “حكومة التغيير” للشراكة مع أحزاب يسار بامتدادها ومع الموحدة، كشفت عن فراغ فكري. فهل بينيت يؤيد الضم؟ التسوية؟ الاقتصاد الحر أم الدعم المالي الحكومي؟ حقيقة أنه كان يمكنه أن يجلس في الحكومة ذاتها مع نيتسان هوروفيتس ومع منصور عباس تشهد على ان الأيديولوجيا بالنسبة له هي عجينة يمكن تصميمها وفقا للظروف السياسية. الجمهور الإسرائيلي يبقى مشوشا: هل بينيت هو رجل يمين؟ رجل وسط؟ ام ببساطة مدير تكنوقراطي يسعى الى “تهدئة الخواطر” وإعادة انتخابه لرئاسة الوزراء بكل ثمن؟
ان نتيجة غياب قيادة أيديولوجية هي نتيجة هدامة. فعندما لا يعمل القادة انطلاقا من منظومة قيم مرتبة، فان الدولة تدار على طريقة “إطفاء الحرائق”. فلا توجد استراتيجية بعيدة المدى لان الاستراتيجية تنشأ عن الرؤيا والرؤيا تنشأ عن الأيديولوجيا. الجمهور يصبح تهكميا والثقة بمؤسسات الدولة تتآكل، والاحساس هو أن السياسة هي لعبة تهكمية للبقاء الشخصي.
ان إسرائيل بحاجة ماسة الى قيادة “الحقيقة في النشر”. نحن بحاجة الى قائد يمين ينفذ سياسة يمين – سيادة، حوكمة وردع – والى قائد يسار يعرض بديلا سياسيا واقتصاديا واضحا، دون ان يتخفى في صورة وسط. نحن بحاجة الى قادة مستعدين لان يدفعوا ثمنا سياسيا على مبادئهم، ولا يبيعون مبادئهم من اجل ثمن سياسي. وحدها العودة الى الصراع الفكري الحقيقي، بين مذاهب مرتبة وواضحة، يمكنها أن تعيد إسرائيل الى مسار النمو، الامن والامل. حان الوقت للتوقف عن التصويت للأشخاص والبدء بالتصويت للطريق.
——————————————-
هآرتس 27/11/2025
نتنياهو يعتمد على تشويه حزب راعم لتحقيق هدفه الانتخابي
بقلم: سليم بريك
قبل اسبوعين تقريبا نشرنا هنا، أنا والبروفيسور اوري بار يوسيف، مقال تناول التوجه الذي بدأ يسود في المعارضة المستخذية، التي هدفها هو ان كل من لا يخدم في الجيش لا يمكنه التصويت للكنيست (“هآرتس”، 10/11). من خلال هذه المطالبة، التي وجدت تجسيدها في الاقتراح الذي قدمه افيغدور ليبرمان وأيده، اراد رؤساء المعارضة تحويل اسرائيل بالفعل من دولة ديمقراطية ليبرالية، التي فيها حقوق المواطنين فطرية وواجباتهم تم تحديدها بالقانون، الى نموذج جمهوري تكون فيه الحقوق المدنية مشروطة باداء واجبات مثل الخدمة العسكرية. هذا التوجه خطير، لانه يستهدف الجمهور الحريدي الذي يرفض التجند، لكنه سيضر ايضا بالمواطنين العرب في البلاد، الذين بدونهم ما كانت المعارضة ستتمكن من هزيمة نتنياهو واستبداله.
يمكن كتابة الكثير عن عيوب هذا النموذج الجمهوري. ولكن أنا هنا فقط اشير الى ان النموذج الديمقراطي الليبرالي هو النموذج الديمقراطي الوحيد الواضح، خلافا لنماذج هابطة مثل الديمقراطية الرسمية أو الديمقراطية العرقية – النموذج الذي تم اختراعه لابقاء اسرائيل في عائلة الدول الديمقراطية رغم عيوبها الديمقراطية الكثيرة، بدءا من التمييز المماسس والممنهج ضد المواطنين العرب ومرورا بغياب دستور يتضمن الحقوق الاساسية للانسان وانتهاء بالاكراه الديني الذي ليس له مثيل في الديمقراطيات.
قانون الاساس: اسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي تمت المصادقة عليه في 2018، عمق اكثر ابعاد التمييز المماسس، وفي الواقع رسخ تفوق اليهود على باقي المواطنين، الامر الذي يتعارض مع كل قيم الديمقراطية.
الآن عرفنا عن خطوة اخرى اعلن عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في محاولته للفوز في الانتخابات القادمة بأي ثمن، حتى باساليب غير ديمقراطية، من خلال استغلال اغلبيته في الكنيست بشكل مستمر، وهذا نموذج واضح لاستبداد الاغلبية. القصد هو اعلانه بشان حظر الجناح الجنوبي في الحركة الاسلامية، وبالتالي، شطب قائمة “راعم” واحباط أي فرصة لتغيير الحكومة في البلاد.
أنا مضطر الى الاشارة هنا الى ان هذا الاجراء، اذا تم تنفيذه، فهو سيضر بالذات باليمين. الحركة الاسلامية قريبة اكثر في مواقفها في كل ما يتعلق بحقوق الانسان من القوائم الدينية والحريدية. مثلا، هجومهم على الطائفة المثلية، كما شاهدنا ذلك اكثر من مرة. اضافة الى ذلك نتنياهو نفسه عقد صفقات كثيرة مع منصور عباس، مثلا انتخاب مراقب الدولة، حل الكنيست وما شابه. كل ذلك تم بمباركة نتنياهو وبتنفيذ الوزير ياريف لفين. نتنياهو هو الذي اقترح على منصور عباس الالتقاء مع الحاخام حاييم دروكمان من اجل اعداده لتحالف مع اليمين. وعندما افشل الوزير بتسلئيل سموتريتش هذا الاقتراح نفى نتنياهو علاقته مع قائمة راعم، وبدأ في مهاجمتها وسلب شرعيتها كالعادة. سموتريتش نفسه اكد هذا الامر، ولم يوفر أي انتقاد لنتنياهو وسماه “كذاب ابن كذاب”.
لن تنتهي محاولة نتنياهو بالضرورة بحظر الجناح الجنوبي في الحركة الاسلامية، لأنه لا يوجد مبرر لها. ومن المرجح ان تمنع محكمة العدل العليا هذا الاجراء، رغم انها في الفترة الاخيرة اصبحت دعامة ضعيفة. نتنياهو يعتمد على افتراض انه سيشوه سمعة راعم، وبالتالي، اجبار قادة المعارضة في ظل اجواء كراهية العرب بعد هجمات 7 اكتوبر، على الانضمام اليه كي لا يغضب ناخبوها منها. وهكذا سيحقق هدفه الانتخابي، وهذا ايضا ينطلق من افتراض ان نسبة التصويت في اوساط العرب في مثل هذا الوضع ستنخفض، الامر الذي سيخدمه اكثر بالطبع.
بخصوص حق التصويت وحق التمثيل، التي هي حقوق اساسية في النظام الديمقراطي، فان نتنياهو يستطيع حرمان المواطنين المسلمين من هذه الحقوق بسهولة، حيث ان المادة 4 في قانون الاساس: الكنيست محصنة باغلبية الـ 61، وائتلاف نتنياهو توجد له هذه الاغلبية. بالطبع، نتنياهو يستطيع تغيير قوانين الانتخابات (مثلا، المادة 7أ في قانون الاساس: الكنيست)، وتوسيع صلاحيات لجنة الانتخابات لشطب قوائم والغاء واجب مصادقة المحكمة العليا على هذا الشطب. اقتراح بهذه الروحية تم تمريره بالقراءة الاولى من قبل عضو كنيست في قائمته.
من المهم احباط مثل هذه المحاولة لنتنياهو وهو لا يزال في السلطة، ليس فقط لانها محاولة مكشوفة لتحويل مسار الانتخابات القادمة لصالحه بطريقة غير ديمقراطية وغير لائقة، بل بالاساس لان نهج نتنياهو المستبد وانعدام أي ضبط من جانبه ومن جانب الائتلاف البائس الخاضع له، قد يتسبب بضرر كبير للديمقراطية. اعتقد انه يجب على رئيس الشباك دافيد زيني التحرك على الفور ضد هذا التوجه لعدة اسباب. أولا، لان الشباك ملزم بحماية الديمقراطية حسب المادة 7 في قانون الشباك، ولا شك ان مثل هذا الانتهاك الخطير للحقوق الاساسية لحوالي خمس مواطني الدولة يتسبب بضرر كبير للديمقراطية. ثانيا، لان هذا الانتهاك اذا حدث، يمكن ان يعرض الحقوق الاساسية للعرب الى الخطر، ويقلل من اندماجهم في المجتمع، وبالتالي، قد يشكل خطر على القيم الاساسية للدولة، بل وحتى على الامن، نتيجة ردود الفعل العنيفة ضد مثل هذه الخطوات
لم يتاخر الوقت بعد للقضاء على هذه الافكار المشوهة قبل تبلورها. والاكثر اهمية هو انه لم يتاخر الوقت بعد لقادة المعارضة على الاستيقاظ من السبات وان ينهضوا ويهبوا للدفاع عن الديمقراطية، أو عما بقي منها. هذا هو واجبهم الاساسي في هذا الوقت العصيب.
——————————————-
هآرتس 27/11/2025
ماذا تعرفون عن الجيش الاسرائيلي
بقلم: جدعون ليفي
ما الذي نعرفه عن جيشنا؟ تقريبا لا شيء. ما الذي نعرفه عن نوعية قادته؟ أقل بكثير. كل ضابط كبير يتم تعيينه في منصب يتوج على الفور من قبل جوقة المراسلين العسكريين بلقب “ضابط مبجل” – دائما ضابط مبجل، ومن غير الواضح من قبل من هذا الضابط مبجل – بعد ذلك تمر فترته بدون ان يكون لأحد من المدنيين أي فكرة ما اذا كان هذا الضابط جيد. الجنرالات لا يجرون مقابلات، باستثناء مقابلات العلاقات العامة المملة والمحرجة التي ينظمها لهم المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. ولا أحد يعرف هل هم جيدون؟ هل هم سيئون؟ وهل الجيش الذي تحت امرتهم جيد؟ هل هو مستعد؟ من يعرف.
بعد ذلك يتسرحون من الجيش ويتحولون الى محللين في الاستوديوهات وأزهار لسياسيين، وبعد ذلك تنكشف عورتهم بالكامل. يتبين أنه تم تضليلنا وخداعنا. الضابط المبجل هو احيانا شرنقة. فالشخص الذي فعل العجائب تبين أنه غبي. وبدون ذكر اسماء هناك امثلة لا تحصى على ذلك.
الكثير من ضباط الجيش الاسرائيلي ومن رؤساء الشباك والموساد ايضا، الذين تحيط بهم الهالة، عندما يخرجون الى الضوء فانهم يسيئون الى هذه الهالة. كان من الافضل لهم ان يبقوا في الظلام، خاصة في السنتين الاخيرتين التي سيطر فيها جنرالات الاحتياط على الاستوديوهات في التلفزيون. كل ضابط وعميل يعتقد انه يمكنه التحدث عن أي موضوع في العالم – والحرج يزداد. هل هؤلاء هم الاشخاص الذين تولوا حياتنا وموتنا، وقمنا بعبادتهم؟.
اسرائيل تعيش في حالة اضطراب في هذا الاسبوع فيما يتعلق بهم. هل سيتم تعيين في الظل في منصب الملحق العسكري في واشنطن، هل سيستمر اللواء شوم في منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. الانفاس احتبست. لا احد يعرف من هم وماذا يساوون، لكن كل واحد له رأي حول من هو المناسب ومن هو لا. وهكذا ايضا بخصوص المعركة بين الكبار، وزير الدفاع ورئيس الاركان: كل واحد منهما له رأي حول من هو الجيد ومن هو السيء.
يبدو أن المعسكر الديمقراطي كان يجب أن يكون مسرور بانه يوجد وزير دفاع مدني، الذي يوقف الجيش ويضع له حدود. ايضا حقيقة ان معسكر اليمين، بالتحديد هو، يذبح البقرة الاكثر قدسية، أي الجيش الاسرائيلي، يجب ان تشجع حتى لو تم هذا الامر لاسباب غير صحيحة.
الجيش الاسرائيلي تحول الى وحش منفلت العقال. فقط جنون الانظمة في اسرائيل هو ما يجعل رأس الجهاز الظلامي، الشباك، حارس الديمقراطية، ورئيس الاركان بطل المعسكر الليبرالي، وضحية للشخص الشرير – وزير الدفاع المدني. صحيح ان يسرائيل كاتس بذل كل جهده كي يصبح اسم مثير للسخرية والاشمئزاز. ولكن ما الذي نعرفه عن خصمه ايال زمير؟ هل هو رئيس اركان جيد؟ هل هو سيء؟ من يعرف. انتظروا حتى يجلس في الاستوديوهات كمواطن عادي، ربما عندها سنخفض عيوننا نحو الارض من الحرج مرة اخرى.
المعروف لا يهم معظم الاسرائيليين. زمير هو قائد الجيش الذي حول غزة الى مقبرة وانقاض. هو قائد الجيش الذي نفذ (وينفذ) جرائم حرب وابادة جماعية. هو قائد الجيش الذي جنود يسرقون ابقار الفلسطينيين ولا يتم تقديمهم للمحاكمة. كل تاييد له، حتى امام كاتس الشيطان، هو تاييد لافعاله التي ستكشف وستحاكم ذات يوم، وهذا ما نأمله على الاقل في اختبار التاريخ، اذا لم يكن قبل ذلك.
يصعب التصديق كيف ان شخص مشاركته في تجاوزات مقلقة جدا للقانون الدولي واضحة تماما، نفس هذه المشاركة لا تزيد ولا تنقص من تقدير الجمهور له، وكأن الامر يتعلق بموضوع هامشي، هواية منسية. ليس فقط هو، بل جميع قادة الجيش الاسرائيلي وجنوده لا تتم محاكمتهم من قبل الجمهور على افعالهم. كل شيء يغفره لهم لأنهم يحمونه، حتى يغفر لهم اخفاقات 7 اكتوبر. في اسبرطة 2025 الجيش الاسرائيلي ما يزال يقف فوق كل شبهة، مثل البقرة المقدسة.
——————————————-
معاريف 27/11/2025،
زمير يغرد للزعامة السياسية عما ينبغي له ان يكون واجبها
بقلم: افي اشكنازي
“واضح لنا اليوم بما لا يرتقي اليه الشك – مطلوب زعامة شجاعة غائية ومغيرة للواقع. زعامة تعترف بالفشل وتتجرأ أيضا على قيادة التغيير. المسؤولية القيادية هي إعادة البناء. هذا هو الجوهر المركزي للزعامة”، قال امس رئيس الأركان الفريق ايال زمير في اثناء احتفال ذكرى لرئيس وزراء إسرائيل الأول دافيد بن غوريون.
قيل هذا في سديه بوكر، لكنه موجه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولوزير الدفاع إسرائيل كاتس: “في كل ساعة نحن نلتزم – سنواصل القتال، سنواصل التحسن، الجيش الإسرائيلي ولد كجيش الشعب وهو فسيفساء بشري رائع. جيش ودرع الدولة اليهودية، الذي يستمد قوته من الشعب ويعمل فقط وحصريا من اجل الشعب”.
زمير: “الجيش الإسرائيلي هو مختبر الزعامة للامة. الزعيم ملزم بان يكون أول من يضحي، أول من يتحمل المسؤولية، أول من يصلح. هذا هو اختبارنا القيادي اليوم. الا ننشغل فقط بما لم يكن بل ان نقود الى ما سيكون.
“ها هو أمرنا الأخلاقي، المهني والقومي، وهذا هو الإرث البن غوريوني الذي نحميه وندفع به قدما. هذا عنصر مركزي في القدرة على الوجود.
“الى جانب الاعتراف بالالم – نحن ننظر اليوم بفخر عظيم الى إنجازات الجيش الإسرائيلي. لكن الفخر ليس الرضا. هو يستوجب منا أن نكون متحفزين، او نواصل بناء جيش افضل واقوى مع قيادة اكثر دقة ومع زعامة عسكرية تنظر بعيدا وتقود جيل المقاتلين التالي: هذا هو المكان الذي ترتبط فيه المسؤولية القيادية بالنمو القومي. هذا هو المكان الذي تولد فيه الزعامة العسكرية انبعاثا. إذ من اصل المسؤولية – علينا أن ننمو. من اصل المسؤولية علينا أن نقود وهذا ما يفعله الجيش الإسرائيلي”، شدد زمير.
يبدو أن الازمة بين وزير الدفاع إسرائيل كاتس وقيادة الجيش – وعلى رأسها رئيس الأركان زمير – لن تنتهي قريبا. فالطرفان ارتفعا على السلالم. في الجيش يفهمون انهم مطالبون الان بان يعملوا بنشاط وبحزم كي يمنعوا سيناريو قتالي كفيل بان يهز إسرائيل من جديد وبالطبع الجيش الإسرائيلي.
امس ثبت مرة أخرى بان كل ساحات القتال تقريبا نشطة وتتطلب من الجيش الإسرائيلي انتباها استخباريا وعملياتيا.
الجيش الإسرائيلي خرج فجر امس الى حملة “خمسة حجارة” كي يقضي على كتائب الإرهاب في شمال السامرة التي تعمل بتمويل من ايران ومحافل خارجية.
في رفح وفي خانيونس وجد الجيش الإسرائيلي نفسه مطالبا بان يعمل امس أيضا كي يمنع حماس من التموضع العسكري.
في لبنان يوجد الجيش الإسرائيلي في ذروة التأهب العملياتي.
وفوق كل ذلك، في طهران يواصلون العمل والاستعداد للحرب التالية.
يجدر الانصات الى ما قاله مدير عام الصناعة الدولية بوعز ليفي امس: “المفاجأة الكبرى لإسرائيل في حملة “الأسد الصاعد” تجاه ايران لم تكن في التكنولوجيا بل في جسارة الإيرانيين. لم نصدق ان أحدا ما سيتجرأ على ان يطلق سربا بهذا الحجم من الصواريخ الى مركز البلاد.
“كنا الدولة الأولى في العالم التي تعرضت بهذا القدر الكبير من الصواريخ في نفس الوقت. الإيرانيون طوروا هنا مجالا، وواضح انه حرب الصواريخ التالية ستكون برشقات والرد ينبغي أن يكون متناسبا”.
والان عودة الى السياسة الداخلية: بعد كل الأمور حان الوقت لان يبدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زعامة، مثلما المح له رئيس الأركان أمس: “لا يكفي الشرح، لا يكفي النقد – مطلوب زعامة شجاعة، غائية ومغيرة للواقع. زعامة تعترف بالفشل وتتجرأ على قيادة التغيير أيضا.
“ليس زعامة مخيفة ومغرقة، بل زعامة رافعة، زعامة مع الهام. ليس زعامة متملصة بل زعامة تنظر الى الحقيقة في العيون وتحدد اتجاها جديدا. المسؤولية القيادية هي إعادة البناء. هذا هو الجوهر المركزي للزعامة”.
——————————————
يديعوت احرونوت 27/11/2025،
رغم النشاط العسكري المكثف بقي الهدوء سائدا في الضفة الغربية
بقلم: اليشع بن كيمون
لقد أعلن الجيش الاسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي أنه لم يعد هناك أي مسلحين في الضفة الغربية ممن نفّذوا هجمات. جاء ذلك بعد اغتيال آخر المدرجين في القائمة. لكن الجيش الاسرائيلي لا يكتفي بما حققه: فقد أطلق أمس عمليةً أُطلق عليها اسم “الحجارة الخمسة” في منطقة شمال الضفة، وبالأخص في القرى الخمس، بما فيها طمون وطوباس.
وفي إطار هذه العملية، التي لا يُعرف مدتها بعد، فرضت قوات من ألوية الضفة وأفرايم والكوماندوز حصارًا على القرى، وبدأت بإجراء عمليات تفتيش استخباراتية للعثور على أسلحة ومعدات عسكرية إضافية. وفي الوقت نفسه، ستبدأ القوات، برفقة جهاز الأمن العام (الشاباك)، باستجواب واحتجاز واعتقال مطلوبين. ويُظهر التاريخ الموجز أن إطلاق العملية (التي أُبقيت سرية) تضمن أيضًا تدريبات تكتيكية أعدتها القوات للمطلوبين. أمس، عُثر على غرفة عمليات تصوير، وصودرت أموال.
ووفقًا لمصادر أمنية، فقد تغير الواقع في الضفة الغربية. إذا نظرت إلى منظور الأعوام 2021-2023 مقارنةً بعامي 2024-2025، ستدرك أن التغيير الذي حدث مهم. فحقيقة أن المقاتلين اليوم ينطلقون للركض في قلب مخيم جنين للاجئين تحكي كل شيء.
في السنوات التي سبقت حرب السيوف الحديدية، تجنبت قيادة المنطقة الوسطى القيام بنشاط عدواني مفرط في الضفة الغربية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى توحيد الساحات. كان الخوف هو أن تؤدي التصفية في جنين إلى إطلاق صواريخ على النقب أو المستوطنات المركزية؛ وأن الانخراط في نشاط مطول في قلب إحدى القرى سيؤدي إلى هجمات من الشمال أيضًا؛ أو حتى إلى تورط عرب إسرائيل، كما رأينا في فيلم “حارس الأسوار”. فقد تم ردع الجيش الاسرائيلي. كانت النتيجة ظهور بنية تحتية تُعرف باسم “عرين الأسود”، والتي عملت في نابلس وأنشأت نموذج “الكتيبة” الذي نُسخ لاحقًا في أماكن أخرى (ولا يزال يُنسخ)، وأدى لاحقًا إلى سلسلة من الهجمات العنيفة، ثم إلى عملية “بيت فجان” التي نفذتها قيادة المنطقة الوسطى في شمال الضفة. وُصفت العملية آنذاك بأنها بالغة الأهمية، ولكن عند النظر إليها اليوم، يتضح أنها كانت عملية محدودة للغاية.
أوضحت مصادر أمنية أن “مستوى الردع في الضفة الغربية يشهد اليوم ارتفاعًا ملحوظًا. فمنذ الحرب، يدركون أن إسرائيل والجيش الاسرائيلي غيّرا نظرتهما للتهديدات. على سبيل المثال، لو كانت هناك معلومات استخباراتية في الماضي لإحباط مخطط لشخص ما، وكنا نفكر مرتين أو ثلاث مرات فيما يمكن أن يفعله في ساحات أخرى، وكم من الموافقات العليا ستتطلب، وخاصةً مقدار التصريح الأمني المطلوب، فإن كل شيء اليوم أصبح أكثر سلاسة وسهولة وسرعة. عدد أقل من الأفراد وموافقات أقل. ويرجع ذلك إلى اتساع منطقة العمليات اليوم”، كما أوضح مصدر في قيادة المنطقة الوسطى. “يستطيع المقاتلون الوصول إلى كل شبر من الضفة الغربية. لم يكن هذا يحدث في الماضي”. في الواقع، لم يحدث هذا منذ عام 1967.
سلوك الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية مُحير، ويتناقض مع تقديرات العديد من مسؤولي الأمن الذين اعتقدوا أن قلة مشاركة العمال، وتزايد العدوان، والانتشار المكثف للقوات، والقضاء على العديد من المسلحين ستدفع الجماهير إلى الشوارع وبداية انتفاضة.
الإحباط الناعم:
لكن هذا لم يحدث. اتضح أنه على الرغم من التصريحات الصادرة للعالم الخارجي، لم يُقرر مجلس الوزراء انهيار السلطة الفلسطينية، بل العكس: الهدف هو الحفاظ عليها كجزء من الاستقرار الأمني – وفقًا لتصور الحكومة الإسرائيلية. العلاقة مع الاجهزة مُعقدة (قبل أيام قليلة فقط كُشف عن خلية مرتبطة بالسلطة)، لكنها تُساهم هذه الأيام في الاستقرار الأمني.
من ناحية الجمهور الفلسطيني، من المهم معرفة كيفية تقسيمه إلى عدة جماعات. ما قد يدفع الفلسطينيين في جنين إلى الانتفاضة ليس بالضرورة ما سيقودهم إلى ذلك في الخليل. ينقسم السكان بشكل تقريبي إلى مجموعتين رئيسيتين: البالغون الذين عايشوا سنوات الانتفاضة وعملية السور الواقي، والشباب الذين عايشوا أحداث السابع من أكتوبر وما يحدث الآن. وتوضح مصادر أمنية أن “كلاهما شهد كيف يُغيّر الجيش الاسرائيلي صورته”. كلاهما يدرك، كلٌّ بطريقته، ثمن الخسارة، أي ما قد يلحق به من ضرر نتيجة انتفاضة في مكان سكنه.
سبب آخر للواقع الأمني الحالي هو الاتساق والتحكم في الرسائل. يستثمر الجيش الاسرائيلي الكثير في “الإحباط الناعم”، أي اعتقال المحرضين الرئيسيين على الإنترنت، بالإضافة إلى أولئك الذين يُقبض عليهم بمواد التحريض. توضح المصادر نفسها: “إن رؤية شخص يتجول حاملاً علم حماس في جنازة، ثم اعتقاله بعد 12 ساعة، يبعث برسالة واضحة”.
من المشاكل الخطيرة التي واجهتها القيادة كانت جنازات المسلحين الذين كانوا ينتجون مقاطع فيديو لمسلحين على بُعد نصف ساعة من كفار سابا، وهي مقاطع قوضت شعور السكان الإسرائيليين بالأمن، وشكلت أيضًا تحريضًا سافرًا على الإنترنت في الشوارع الفلسطينية. في الأشهر الأخيرة، يبدو أن هذه الظاهرة قد انخفضت بشكل ملحوظ.
يتعلق قلق قيادة المنطقة الوسطى بإمكانية العودة إلى التصورات التي كانت مقبولة قبل الحرب. وأوضحوا: “مع انتهاء القتال، هناك ميل لكي يعود الناس إلى ما ظنوا أنه ناجح سابقًا. نحن نكافح حتى لا يتكرر هذا مع الجيش الاسرائيلي، وحتى لا نُفاجأ مرة أخرى.
تُدرك المؤسسة الأمنية أن هناك أحداثًا قد تُشعل القطاع رغم التغييرات الجذرية التي يمر بها. قد يكون هذا إعادة تأسيس البنية التحتية من قِبل الملسحين مُفرج عنهم، أو هجومًا خطيرًا يُطلق العنان لسلسلة من الهجمات، أو حدثًا سياسيًا خارجيًا بقرارات دراماتيكية، أو جريمة قومية، أو حتى حدثًا فلسطينيًا داخليًا.
قد ينتفض الشارع
صرحت مصادر في الجيش الاسرائيلي: “دخلنا هذه الأيام مرحلةً عاد فيها مفهوم الترقب، وربما الأمل، إلى الشارع الفلسطيني. يرى سكان الضفة الغربية كيف يُعلن ترامب انتهاء الحرب في قطاع غزة، ويلتقي بقادة عرب، ويُعلن أنه يُروّج لخطة سلام شاملة للشرق الأوسط، ويتحدث أيضًا عن مسارٍ نحو دولة فلسطينية. لكن هذا الأمل، بل وحتى الخيبة منه، قد تُثير غضب الشارع الفلسطيني”. ولهذا السبب تحديدًا، تُشدد مصادر أمنية على ضرورة أن تُعزز قيادة المنطقة الوسطى الركائز الأمنية التي بُنيت خلال العامين الماضيين دون التطرق إلى عوامل مُختلفة، وأن تتصرف عكس ما فعلته قبل 7 أكتوبر تمامًا.
——————————————
هآرتس 27/11/2025
“أوسلو” بمنطق بن غفير: الحكواتي وأطفاله إرهابيون.. والاستيطان والنهب والقتل “أعمال مشروعة”
بقلم: أسرة التحرير
الأحد، استعد عشرات الأطفال الفلسطينيين من القدس الشرقية لتقديم مسرحية “تحت شجرة الزيتون” الموسيقية في مسرح الحكواتي. صعد الأطفال، بملابسهم التقليدية، إلى المسرح للرقص والغناء، عندما اقتحم رجال الشرطة، بعضهم ملثمون وبعضهم بملابس مدنية، القاعة وأمروا بإيقاف العرض. “هل سمعتم ما قلت؟ هل سمعتم؟ على الجميع الخروج في غضون خمس دقائق!” صرخ أحد رجال الشرطة بملابس مدنية في وجه موظف المسرح. أصيب الأطفال بالذعر، وبدأوا بالبكاء والركض، وتقيأ أحدهم ذعرًا. أما الكبار، فلم يكن لديهم أي إجابة.
الذريعة القانونية لمداهمة الشرطة للمسرح هي المادة 3 من “قانون تطبيق الاتفاق المرحلي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة”. يهدف هذا القانون إلى تطبيق اتفاقيات أوسلو في التشريع الإسرائيلي. تنص المادة على منع السلطة الفلسطينية من العمل في أراضي دولة إسرائيل. ومن المثير للسخرية، في هذا الإجراء، أن الشرطة الإسرائيلية، بناءً على أوامر الوزير بن غفير، وصلت إلى المسرح لفرض الامتثال لاتفاقيات أوسلو.
بن غفير ليس أول وزير يستغل منصبه للإساءة إلى سكان القدس الشرقية باسم هذا القانون. كما اعتاد الوزراء السابقون توقيع أوامر الإغلاق وإرسال الشرطة لتفريق مهرجان للمهرجين، وبطولة كرة قدم، وحدث يوم المرأة، ومؤتمرات صحافية، وحفل إطلاق كتاب، وغيرها بالقوة. كل ذلك باسم الادعاء بأن السلطة الفلسطينية متورطة في الحدث من خلال تمويل أو رعاية أو حتى استضافة شخص مرتبط بالسلطة. في معظم الحالات، تكون المشاركة ضئيلة، إن وُجدت. إن الالتزام القسري بأحد بنود اتفاقيات أوسلو أمر غريب – بالنظر إلى حقيقة أن إسرائيل دمرت الاتفاقية من خلال البناء العشوائي في المستوطنات وتشجيع إنشاء العشرات من البؤر الاستيطانية والمزارع والتجمعات السكنية الجديدة في الضفة الغربية.
إن الغرابة في هذه الحالة لافتة للنظر بشكل خاص في ضوء الفشل الذريع للشرطة والوزير المسؤول عنها، في كل مجال، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمواطنين والمقيمين العرب. في اليوم التالي لاقتحام المسرح، نُشرت بيانات حول جرائم قتل النساء في إسرائيل: قُتلت 43 امرأة منذ بداية العام، وهو رقم قياسي منذ عقد، ويوشك أن يُحطّم رقماً قياسياً في عدد جرائم القتل في المجتمعات العربية – 230 جريمة قتل منذ بداية العام.
والأسوأ من ذلك، أن اعتداء الشرطة العنيف على مسرحية أطفال يُرسل رسالة إلى الجمهور مفادها أن عبارة “فلسطيني بريء” من وجهة نظر إسرائيل تعدّ تناقضاً ذاتياً، سواءً كان إرهابيًا من حماس في قطاع غزة أم طفلًا في مسرحية بالقدس الشرقية. هذه وصفة مؤكدة لليأس والعنف، وتشجع أكثر العناصر تطرفًا في المجتمع الفلسطيني، وتُعطي تأكيدًا إضافيًا للمجتمع الدولي بأن إسرائيل تتجه نحو تعميق الاحتلال والقمع والفصل العنصري.
—————–انتهت النشرة—————–

