المحكمة الشعبية في المغرب تدين الاحتلال الإسرائيلي بجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وتؤكد مشروعية المقاومة الفلسطينية

المسار: احتضنت هيئة المحامين بمكناس، يوم الجمعة 12 دجنبر 2025، أشغال المحكمة الشعبية بالمغرب، المخصّصة للمحاكمة الإنسانية والحقوقية والجنائية للجرائم المرتكبة من طرف الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وذلك بمبادرة من جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وبشراكة مع اتحاد المحامين العرب، والائتلاف العربي لمناهضة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني، ومعهد حقوق الإنسان التابع للجمعية، وبالتعاون مع دائرة مناهضة الفصل العنصري في منظمة التحرير الفلسطينية، في تجسيد عملي للدور التاريخي والرسالي للمحامين المغاربة في الدفاع عن القضايا العادلة وحقوق الإنسان، وانسجاماً مع مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي ونظام روما الأساسي.

وقد نُظّمت هذه المحكمة الرمزية وفق مقاربة مهنية تحاكي المحاكمات الدولية، وتعكس قدرة الجسم المهني للمحامين على تحويل التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى فعل قانوني مؤسس ومنهجي، قائم على قواعد المحاكمة العادلة وضمانات الدفاع، وذلك بحضور وازن لهيئة قضائية تضم نخبة من أبرز المحامين والنقباء من مختلف هيئات المحامين بالمغرب، إلى جانب حضور شعبي ومؤسساتي واسع شمل ممثلين عن النقابات المهنية وشخصيات حقوقية وأكاديمية، ولفيفاً من الإعلاميين والمهتمين.

وشارك في جلسات المحكمة الشعبية عدد من الشخصيات  الفلسطينية البارزة، من بينها الدكتور ماهر عامر، مدير عام دائرة مناهضة الفصل العنصري في منظمة التحرير الفلسطينية، والأستاذ فادي عباس نقيب المحامين الفلسطينيين، إلى جانب عضوي مجلس النقابة الأستاذ مالك العوري، والأستاذ علاء السمار ، حيث شكّل حضورهم إضافة نوعية عززت البعد المهني والحقوقي للمحكمة، ورسّخت الطابع المشترك للنضال القانوني الفلسطيني–المغربي في مواجهة جرائم الاحتلال وسياسات الفصل العنصري.

وتكوّن الفريق القانوني المشرف على أشغال المحكمة من عدد من النقباء والمحامين، من بينهم النقيب الأستاذ شافي عبد الرزاق عن هيئة مكناس، والنقيب الأستاذ المكاوي بنعيسى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، والنقيب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي عن هيئة القنيطرة، إلى جانب الأساتذة خالد السفياني، وكريمة سلامة، ومحمد إشماعو، وحاتم بكار، ومصطفى يخلف، والنقيب الرئيس الأستاذ أبو الفضل إدريس، حيث جرى توزيع الأدوار وفق هيكلة دقيقة شملت هيئة المحكمة، والنيابة العامة، ودفاع الضحايا، ودفاع المتهمين، بما يضمن المهنية والموضوعية الكاملة.

وافتُتحت الجلسة بكلمة للنقيب والمحامي القدير  عبدالرحيم  الجامعي، أكد فيها أن هذه المبادرة ليست فعلاً رمزياً أو خطابياً، بل تمريناً حقوقياً جاداً يعكس وعي المحامين المغاربة بمسؤوليتهم الإنسانية، ويعيد وضع القضية الفلسطينية في صلب الاهتمام المهني، بروح قانونية وأخلاقية ومؤسساتية. أعقب ذلك تلاوة قرار الاتهام الذي حمّل الكيان الصهيوني، من خلال أركانه السياسية والعسكرية، مسؤولية ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، والتجويع، وسياسات الفصل العنصري، إضافة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما في قطاع غزة، في سياق حرب إبادة متواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023، وامتداداً لمسار طويل من الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.

وخلال الجلسة، استمعت هيئة المحكمة إلى شهادات مؤثرة لأطباء اشتغلوا داخل مستشفيات قطاع غزة خلال العدوان، وإلى ممثلين عن منظمات حقوقية دولية وخاصة ممثل امنستي في المغرب فضلاً عن شهادات لضحايا مباشرين من الأطفال والنساء وكبار السن، وثّقوا حجم الانتهاكات وآثارها الإنسانية العميقة. كما قدّمت النيابة العامة مرافعتها، التي ركزت على توصيف الجرائم المرتكبة وفق قواعد القانون الجنائي الدولي، مستندة إلى تقارير أممية ووقائع ميدانية موثقة، وطالبت بتحميل المسؤولية الجنائية الكاملة لكافة المتورطين، من قادة سياسيين وعسكريين، ومن خطط وسهّل ونفذ ووفّر الغطاء السياسي أو الإعلامي أو اللوجستي لتلك الجرائم، في حين أُتيح لدفاع المتهم تقديم دفوعه وملاحظاته الشكلية والموضوعية، في احترام تام لمقتضيات المحاكمة العادلة.

وبعد مداولات قانونية معمقة، أصدرت هيئة المحكمة حكمها الرمزي في أجواء مفعمة بقيم الحرية والعدالة، واستناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولين الإضافيين، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، حيث قضت بإدانة الكيان الصهيوني بشكل قطعي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، معتبرة أن الطابع الممنهج والمتواصل لهذه الأفعال يرقى إلى تطهير عرقي واضطهاد جماعي يخالف قواعد القانون الدولي العرفي.

وأكدت المحكمة أن المقاومة الفلسطينية، قبل وبعد عملية “طوفان الأقصى”، هي كفاح مشروع تكفله الشرائع الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتحظى بدعم أحرار العالم، وتشكل مصدر إلهام لكل الشعوب المقاومة للاستعمار والتمييز العنصري. كما أدانت بشدة مواقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبرتها تواطؤاً سياسياً وأخلاقياً مع جرائم موصوفة دولياً، مشيدة في المقابل بالمواقف الشعبية المغربية والمسيرات التي جسدت القيم الحقوقية والإنسانية الراسخة ورفض أي اختراق صهيوني للمنطقة.

وأعلنت المحكمة أن غزة أرض فلسطينية خالصة، وقضت بعدم مشروعية أي وصاية أو إدارة مفروضة على أراضيها أو سكانها أو على الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن العدالة، حين تعجز الدول عن إنفاذها، تصبح مسؤولية الشعوب، باعتبارها مطلباً إنسانياً كونياً. كما أوصت بتفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية على دولة الاحتلال، ودعم آليات المقاطعة والمساءلة، وإنشاء آلية دولية مستقلة للمحاسبة وصندوق دولي لتعويض الضحايا وجبر الضرر، معتبرة أن هذا الحكم يشكل وثيقة قانونية وحقوقية مرجعية تُضاف إلى مسار النضال الدولي الرامي إلى إنهاء الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وترسيخ مبدأ عدم التقادم في الجرائم الدولية الجسيمة.

Share This Article