المسار : نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية قصة أحمد الأحمد، المهاجر السوري من بلدة النيرب، الذي “خاطر بحياته وانتزع سلاح أحد المهاجمين في حادث إطلاق نار مروّع على شاطئ بونداي في أستراليا، في موقف إنساني أنقذ أرواحًا وجعل منه بطلًا عالميًا. وتحوّلت بطولته إلى مصدر فخر لبلدته المنكوبة وللسوريين عمومًا، ورسالة قوية عن الشجاعة الإنسانية التي تتجاوز الدين والهوية وحدود الجغرافيا”.
وذكر التقرير أنه مرّ ما يقارب عشرين عامًا منذ أن غادر أحمد الأحمد بلدته النيرب، في ريف إدلب شمال غربي سوريا، مهاجرًا إلى أستراليا. غير أن اسمه عاد فجأة ليتردد في أزقة البلدة المدمّرة، صباح أحدٍ استثنائي، بعدما تحوّل إلى حديث العالم.
استيقظ سكان النيرب على مقطع فيديو يُظهر ابن بلدتهم وهو يواجه مسلحًا على شاطئ بونداي في مدينة سيدني، وينتزع منه سلاحه في لحظة فارقة أنقذت أرواحًا، خلال أحد أكثر حوادث إطلاق النار دموية في أستراليا منذ نحو ثلاثين عامًا.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، في إشادة لافتة “أحمد الأحمد يجسّد أفضل ما في بلدنا. ففي لحظة تجلّى فيها الشر، سطع مثالٌ نادر على قوة الإنسانية”.
شجاعة لم تفاجئ من عرفوه
بالنسبة لأهل النيرب وأقارب أحمد، لم تكن هذه البطولة مفاجِئة. فالرجل البالغ من العمر 44 عامًا، والأب لطفلين، عُرف منذ صغره بجرأته واندفاعه ونبله.
يقول عمه، محمد أحمد الأحمد: “منذ طفولته، كان أحمد شجاعًا لا يتردد. كان يتحرك بدافع أخلاقي، لا خوف لديه”.
ويضيف أن أحمد كان مصدر فخر للبلدة حتى قبل هذه الحادثة، إذ حصل على شهادة جامعية في القانون قبل أن يهاجر إلى أستراليا عام 2006.
وقد اكتشف العم خبر البطولة مصادفة أثناء تصفحه وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تمتلئ شاشة هاتفه برسائل العائلة، التي تناقلت الفيديو بدهشة واعتزاز.
لحظة فاصلة على شاطئ بعيد
يُظهر التسجيل أحمد وهو يتحرك خلف سيارة مركونة متخذًا منها ساترًا، قبل أن ينقضّ على مطلق النار، البالغ من العمر خمسين عامًا، ساجد أكرم، ممسكًا بعنقه وذراعيه، وينتزع منه بندقية طويلة.
يسيطر أحمد على السلاح ويوجّهه نحو المهاجم، لكنه لا يطلق النار. يبعده بهدوء، ثم يضع البندقية قرب شجرة، قبل أن ينسحب أكرم باتجاه جسر قريب حيث كان ابنه، نافيد، يواصل إطلاق النار على الحشد خلال احتفال بعيد حانوكا اليهودي.
وقد انتهى الهجوم بمقتل 15 شخصًا وإصابة العشرات، فيما قُتل ساجد أكرم لاحقًا برصاص الشرطة.
أما أحمد، فأُصيب بخمس طلقات في ذراعه اليسرى، ويخضع لجولات من العمليات الجراحية، مع أشهر طويلة من التعافي.
بطل على سرير المستشفى
من سرير المستشفى، وجد أحمد نفسه في قلب اهتمام عالمي. وتحوّلت بطولته إلى نقطة ضوء وسط مأساة وطنية، ودليل حيّ على أن الشجاعة الفردية يمكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا.
وفي النيرب، التي عاشت سنوات طويلة من العزلة والدمار، أصبحت بطولة أحمد مصدر فخر نادر. يقول ابن عمه، أحمد محمد الأحمد (33 عامًا):
“لقد رفع رؤوس العائلة وكل السوريين. تخيّل… نصف العالم يتحدث عن النيرب، وهي قرية صغيرة بالكاد يعرفها أحد”.
قرية تبحث عن أمل
ويؤكد تقرير “غارديان” أن النيرب تحتاج، كغيرها من القرى السورية المنهكة، إلى ما تلتف حوله بعد أكثر من عقد من الحرب. فأنقاض الخرسانة تملأ شوارعها، والمباني المثقوبة ما زالت شاهدة على صراع انتهى قبل عام فقط.
كانت البلدة الزراعية الصغيرة تقع على خطوط التماس خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت 14 عامًا، وتبادلت السيطرة عليها قوات النظام والمعارضة، ما دفع آلاف السكان إلى النزوح نحو إدلب وتركيا.
ولا يزال منزل أحمد قائمًا، لكنه مهجور ومدمّر: سقف مثقوب، وجدران منهكة، وحطام يحيط به من كل جانب.
وربما جعلت هذه التجربة الطويلة مع العنف شجاعة أحمد أكثر إلهامًا. وقد تكون خدمته العسكرية السابقة—إذ كان شرطيًا مجنّدًا وفقًا لعمه—قد منحته الخبرة التي مكنته من التصرف بسرعة وحسم.
ويقول عمه:”عندما هاجم وانتزع السلاح من المعتدي، لم ينظر إلى دين أو هوية. لم يُميّز بين عربي أو يهودي أو مسيحي. ما حرّكه كان إنسانيته فقط”.
فخر يتجاوز الحدود
تابعت النيرب بدهشة تحوّل ابنها إلى رمز عالمي. وقد أشاد به سياسيون وشخصيات عامة من مختلف الدول، بينهم رئيس بلدية نيويورك المنتخب، زهران ممداني، الذي وصفه بأنه نموذج للشجاعة والتعايش.
وفي متجره الصغير لبيع التبغ قرب محطة قطار في إحدى ضواحي سيدني، وضع المارّة الزهور ورسائل الشكر. كتب أحدهم: «أنت بطل أسترالي». وعلّقت لافتة أخرى: «نحن فخورون بك للغاية”.
كما جمعت حملة تبرعات على منصة «غو فاند مي» أكثر من 2.5 مليون دولار أسترالي لتغطية نفقات علاجه، من أكثر من 42 ألف متبرع—ولا يزال الرقم في ارتفاع.
ما وراء البطولة
ويؤكد التقرير على أن لهذه القصة وقع خاص على السوريين، الذين واجه كثير منهم استقبالًا قاسيًا في بلدان اللجوء. ويقول ابن عمه:”الجميع فخور به. لقد قدّم صورة مختلفة. رسالة تقول إن المسلم ليس داعش. المسلم إنسان… يساعد، ويحمي، ويضحي”.
ويختم كاتب التقرير بالقول “من أنقاض النيرب إلى رمال بونداي، تمتد قصة أحمد الأحمد كجسر نادر بين الألم والأمل—قصة رجل حمل إنسانيته معه، ولم يتركها خلفه مع الحرب”.

