المسار : نشرت هيئة تحرير هآرتس مقالا جاء فيه :
افتتحت الحكومة الائتلافية أمس موجة تشريعات خاطفة جديدة، هدفها الدفع قدمًا بالانقلاب على النظام. الهيئة العامة للكنيست صادقت في قراءة تمهيدية على سلسلة من القوانين التي قد تؤثر على مجمل الحياة العامة في المستقبل القريب. تمرير هذه التشريعات بات ممكنًا بعد الرفع الجزئي للمقاطعة التي فرضتها الأحزاب الحريدية على الائتلاف، عقب موافقتها على صيغة قانون التهرّب من الخدمة التي قدّمها بنيامين نتنياهو وعضو الكنيست بوعز بيسموت. هذه القوانين تُسنّ على حساب المقاتلين ومن يؤدّون الخدمة.
ومن بين القوانين التي صودق على بعضها بالفعل في القراءة التمهيدية: سحب امتيازات التقاعد من ضباط في الاحتياط بسبب تصريحات سياسية (“قانون يائير غولان”)، تعزيز الطابع الديني اليهودي في الحيّز العام (“اقتراح قانون تجسيد الهوية اليهودية في الحيّز العام”)، تليين معايير تعيين أعضاء مجالس الإدارة في الشركات العامة (إلغاء حظر الارتباط السياسي)، وتقليص صلاحيات رئيس المحكمة العليا (سحب صلاحية تحديد هيئات نظر محكمة العدل العليا).
حتى لو لم تتجاوز جميع هذه القوانين عقبة المحكمة العليا، وحتى لو كان بعضُها يهدف إلى تشتيت الانتباه العام وإثارة الغضب — فإن رؤية الحكومة واضحة: دولة فاسدة ومتخلّفة، أقل حرية وأكثر استبدادًا، تقوم على “حكم الشريعة اليهودية” والمحسوبيات. دولة يُعاقَب فيها المواطنون على التعبير عن آرائهم، ولا تحمي فيها منظومة القضاء المواطن، بل المقرّبين من السلطة. هذه هي الدولة التي يتصوّرها بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف، وهم يستخدمون كل ما بأيديهم من قوة لتحقيق هذه الرؤية.
هجوم حماس في أكتوبر 2023 كشف عن تعفّن وفساد عميق طال تقريبًا جميع مؤسسات الدولة. وبعد عامين من الحرب، تحتاج إسرائيل إلى علاج جذري وإعادة تأهيل شاملة. كان بإمكان الائتلاف أن يوجّه الموارد نحو الترميم والشفاء، لكن هذه القضايا لا تهمّه.
هذه التشريعات لا تقدّم حلًا ولو لمشكلة واحدة من المشكلات الملحّة في إسرائيل. الحكومة لا تبذل جهدًا لإعادة إعمار الشمال المنكوب، ولا لترميم مستشفى “سوروكا” ومعهد وايزمان، ولا لدعم الجرحى ومصابي الصدمات النفسية، ولا لمساعدة الأسرى الذين أُفرج عنهم، ولا لإعادة بناء غلاف غزة. القوانين التي يمرّرها الائتلاف لا تهدف إلى ترميم الدولة أو خدمة الفرد، بل فقط إلى تعميق قبضته على السلطة وضمان أن تكون الدولة على صورته: أكثر تدينًا، أكثر فسادًا، وأقل ديمقراطية.
إذا فازت أحزاب الائتلاف في الانتخابات المقبلة، فهكذا ستبدو دولة إسرائيل في المستقبل. وقبيل الانتخابات سيحاول حزب الليكود وشركاؤه تحويل النقاش إلى قضايا مثل السلطة الفلسطينية، ومشاركة العرب في الحكومة، و”تمرّد” الطيارين عشية الحرب. سيقال للجمهور إن الانتخابات استفتاء على قيام دولة فلسطينية. سيكون ذلك كذبًا. الانتخابات المقبلة ستكون استفتاءً على طبيعة ومستقبل دولة إسرائيل نفسها.

