
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
إسرائيل اليوم 7/3/2025
نتنياهو سيخوض حرب سموتريتش… والثمن باهظ
بقلم: يوسي بيلين
عندما فهم نتنياهو أي خطأ رهيب ارتكبه لتفضيل حماس على السلطة الفلسطينية، وبتوجيه مال كثير لمنظمة الإرهاب (الخطأ الذي لا حاجة لإقامة أي لجنة تحقيق للعثور عليه)، وضع المس بحماس على رأس أهدافه.
غير أن تقويض حماس هو هدف غامض جداً، ويبدو غير قابل للتحقق بوسائل عسكرية تقليدية. فالعودة إلى الحرب في غزة وإعادة جنودها إلى القطاع للمس بمجندي حماس الجدد لن يحقق هدوءاً بل ضحايا بين أفضل الأبناء، وتشديد الموقف من إسرائيل في العالم في ضوء غير المشاركين الذين سنلحق بهم الأذى. العودة إلى غزة ستقلل فرص عودة مخطوفين أحياء، وستتعارض مع إرادة الإدارة الأمريكية. ستكون حرب سموتريتش الأولى.
نتنياهو لا يثق بأحد، لكن بين أولئك الذين لا يثق بهم يرى أن سموتريتش بوضع أفضل من غانتس أو لبيد، المستعدين لمنحه شبكة أمان لكن لهما “أجندة” لا تخلد حكم بيبي. أما زعيم “الصهيونية الدينية” فأدرك أن “الصهيونية الدينية” التي كانت تاريخية لإحدى الجهات الأكثر براغماتية في الخريطة السياسية في إسرائيل، لم تعد معه ومع أحلامه العابثة. وبات متعلقاً بنتنياهو تماماً، ويعرف ما سيحصل لو تنافس على الانتخابات التالية وحده، ولهذا فهو يقضي أيامه بتهديدات مخيفة.
نتنياهو، الذي منح بن غفير إمكانية الدخول إلى الكنيست، وألغى وعده له بألا يدخله إلى حكومته، ربما يدفع إسرائيل إلى حرب زائدة وغالية بالدم والدموع ليبقى الشريك السابق لبن غفير في الائتلاف.
عندما علم بالاتفاق مع حماس، بمعونة مصر وقطر وبتوجيه أمريكي، الكثيرون فرحوا، لكن خطة نتنياهو كانت مكشوفة: منح الرئيس ترامب إنجازاً سياسياً، بتحرير جزء من المخطوفين الأحياء والأموات، وتعطيل المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تعني إنهاء الحرب ومكانة ما لحماس في غزة، في المستقبل أيضاً. كان هذا بديلاً آنياً لـ “الصباح التالي”، الذي يؤجله منذ 17 شهراً، على أمل إما أن يموت الملك أو يموت الكلب. ولما كانت هذه خطوة مكشوفة، فإن ملاعين حماس فهموها، وبدلاً من منح بيبي المعاذير لعدم مواصلة المسيرة، أجبروه على اختلاق معاذير تضع الابتسامة على وجوه “قاعدته” أيضاً. رئيس الوزراء حشر نفسه في الزاوية؛ بدلاً من أن يختار بين عدة خيارات فيما أن القرار بيده، يأتي إلى نهاية المرحلة الأولى في الاتفاق وأمامه القسم الذي يسمح بما ترفضه إسرائيل كلها رفضا باتا – منح إمكانية لحماس للمشاركة في مستقبل قطاع غزة.
إن منع إدخال شاحنات المساعدات لا يحل شيئاً، بل يعزز حماس ويعود ليعرض إسرائيل كمتوحشة لسكان القطاع البائسين. بدلاً من معاقبة الجمهور جماعياً ودفع ثمن زائد على ذلك، من الأفضل ذل جهود سياسية مع ويتكوف وطاقمه تركز على لحظة إنهاء المرحلة التالية، بما فيها التحرير الكامل للرهائن. الإمكانية الأكثر معقولية هي منح قادة حماس في غزة حصانة، وإعطاؤهم إمكانية الانتقال إلى مكان آخر والسماح للدول العربية بإعمار غزة وإدارتها على مدى فترة انتقالية. هذا سيسمح بتحرير كل الرهائن ويمنع العودة إلى الحرب في القطاع. الأغلبية التي يريد نتنياهو أن يضمنها لنفسه في الكنيست سيحققها من خلال كتل برلمانية العودة إلى الحرب في غزة ليست عَلمها.
—————————————-
معاريف 7/3/2025
معاريف.. رئيس وزراء ترعبه “لجنة” وشعب يقاد كالقطيع: ما لنا ودروز سوريا؟
بقلم: آفي بنيهو
لنتنياهو أسبابه لمعارضته لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاض مع تفويض واسع وصلاحيات تحقيق وللقتال ضد الجمهور لعدم إقامتها. هو يعارض لأنه إلى جانب كونه رئيس الوزراء الذي يتحمل المسؤولية العليا عن كل ما يحصل في الدولة في ورديته، فهو أيضاً رئيس الكابنيت الأمني الذي يتلقى التقارير، ويبلور السياسة ويتخذ القرارات في شؤون الأمن، الحياة والموت. كما أنه القائد المباشر لرئيس “الشاباك”. الجهاز ورئيسه يبلغان نتنياهو ويتلقيان التعليمات منه. منه فقط. ليس من وزير الدفاع ولا من وزير الاستخبارات. وهذا ملزم.
في إطار منصبه، يعتبر نتنياهو رئيس لجنة رؤساء الأجهزة – محفل كل رؤساء أسرة الاستخبارات والأجهزة السرية الذين يجرون تقويمات استخبارية للوضع ويتخذون قرارات بخطوات، وحملات وغيرها. هو الرجل الذي وضع سياسة تفضيل حماس على السلطة الفلسطينية، وسياسة تمويل حماس وغض النظر عن تعاظمها. هو الذي رفض مبادرات هجومية لاغتيال رؤساء حماس، وهو الذي منح قطر مكانتها تجاه قطاع غزة.
صحيح أن المسؤولية عن مأساة أكتوبر تكمن في الجيش و”الشاباك” اللذين لم يوفرا إخطاراً استخبارياً وجواباً عملياتياً للمواطنين الذين تركوا لمصيرهم، لكن يتحمل المستوى السياسي بعامة ونتنياهو بخاصة، مسؤولية لا بأس بها: مسؤولية تمثيلية مسؤولية كرئيس كابينت، وكذا كرئيس لجنة رؤساء الأجهزة، وكقائد لـ “الشاباك”. وليس أقل من هذا – في انشغال الدولة بالانقلاب النظامي.
نتنياهو يخشى لجنة تحقيق عن حق. فلن تبقيه نقياً ومعفياً من المسؤولية، ولا حتى في ضوء التعليل الذي يحاول غرسه في الوعي: “لم يوقظوني في الصباح”، وكأنه لو استيقظ لكان أكثر ذكاء من كل الآخرين. نتنياهو هو عراب مفهوم أن “حماس القوية جيدة لليهود”. لكن هذا لن يجديه نفعاً، فلن يكون ممكناً الامتناع عن لجنة تحقيق رسمية مع رئاسة قاض مع تفويض وصلاحيات. ستقوم رغم أنفه، الآن أو بعده، وستحقق وتكشف وتشير إلى النتائج والاستنتاجات. وهو، مثلما في المرة السابقة، يمكنه أن يقول دوماً: “لن أقبل الاستنتاجات ولن تقبلها أغلبية الشعب”.
بهذا، هو يعطي لفين “ضوءاً أخضر” للبدء بتنحية المستشارة القانونية للحكومة، التي تزعجه وتزعج وزراءه، مع أخذه بالحسبان بأن محكمة العدل العليا ستوقفه – وعندها سيكون ممكناً الشروع في أزمة دستورية يتطلع لفين إليها منذ زمن بعيد، ويري رئيس “الشاباك” باب الخروج، الذي هو أيضاً يؤيد لجنة تحقيق رسمية.
نتنياهو الآن في سكرة قوة خطيرة. فهو يشعر بريح إسناد من ترامب لينكل ويشهر بالخصوم السياسيين بشكل فظ وغليظ، ويتحدث بحدة ضد رؤساء أجهزة الأمن التي تحميه وتحمي عائلته وتحمينا وتسميتها بـ “الطغمة”، والتحدث إلى الإعلام باسم “محافل في محيط رئيس الوزراء” ضد الجيش، و“الشاباك”، والمحكمة، والنيابة العامة، وضد الخدمة العامة والإعلام. يشعر بأنه “الزعيم الأعلى”، كما وصفه في مسرحية تملق مقززة وزير الاقتصاد نير بركات. لا شيء أمامه، وحيداً أمام مرمى بلا حارس. يتحكم بالسلطة التنفيذية وبالسلطة التشريعية أيضاً، حيث وافق رئيس الكنيست هذا الأسبوع على الاستجابة لطلب نائب من المعارضة للوقوف دقيقة حداد، فقط بعد أن أقر له نتنياهو بذلك.
مع سكرة القوة هذه وأجواء “الدولة كلها ضدي” يتحرك نتنياهو بين منصة الخطابة في المحكمة، وهو قلق من تحقيقه المضاد الذي سيوقف “المؤتمر الصحافي” المتواصل الذي يعقده، وبين رئاسة الوزراء والكابنيت ومحاولة ضرب “الأعشاب الضارة” التي تزعجه مثل رئيس “الشاباك”، بعض من رجال الجيش، والمستشارة القانونية وغيرهم. هذا وضع خطير لا مثيل له، لدرجة أني أعود لنصيحتي القديمة في أن نحمي أنفسنا وأبناءنا ونعطي نتنياهو في النقطة الصحيحة صفقة قضائية مخففة تمنح عفواً لدولة إسرائيل ومواطنيها. فنحن الآن نعاني أكثر من هذه الوضعية.
ودي أن أتساءل أين أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وكيف يعدون واجبهم في الرقابة والإشراف على السلطة التنفيذية، أي الحكومة. بودي لو أعرف أنه حين يبلغ رئيس الوزراء ووزير الدفاع النظام السوري بأن الجيش الإسرائيلي سيدافع عن الدروز في قرية قرب دمشق، أهذه هي سياسة إسرائيل أم مجرد نزوة؟ هل نحن أصحاب السيادة في سوريا؟
سأسأل: عندما تصوت إسرائيل في الأمم المتحدة مع إيران والسودان وكوريا الشمالية، وترامب ضد أوكرانيا، هل اجتاز هذا التغيير الدراماتيكي في السياسة بحثاً ورقابة ما.
هنا عدد لا يحصى من التغييرات الدراماتيكية في سياسة الأمن والخارجية لإسرائيل، وهذه الحكومة الغريبة والسيئة تستوجب رقابة وإشرافاً أكبر. هل هذا يحصل؟ لا أعرف. هل أصبحت تركيا رسمياً دولة عدو؟ ماذا عن روسيا والصين؟
أدعو أعضاء لجنة الخارجية والأمن واحداً واحداً وكل باسمه أن يطلعونا على عملهم وأداء واجبهم.
في دراستي للإدارة العامة في جامعة حيفا، علموني أنه في اللحظة التي “يخرج” فيها المواطنون من بلدتهم أو من حكومتهم، فهذا إفلاس خطير، وهذا يحصل عندنا أكثر مما ينبغي. في اللحظة التي يعلق فيها أبناء عائلات المخطوفين آمالهم بالرئيس الأمريكي وليس برئيس وزراء إسرائيل، وفي اللحظة التي يقولون فيها حول “منحى ويتكوف” وليس حول “منحى نتنياهو”، وفي اللحظة التي يدعى فيها المخطوفون إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس ولا يطيرون في “كنف صهيون” مثلما يستحق مفدو الأسر وأعزاء الأمة هذه – فهذا إفلاس.
نتنياهو بحاجة إلى دعم ترامب في وجه حكومته الرافضة وأساساً سموتريتش، وهذا على ما يرام، لكن محظور إعفاؤه من مسؤوليته عن إعادة المخطوفين. هذه مسؤولية إسرائيلية وليست أمريكية.
——————————————
هآرتس 7/3/2025
هل يملك نتنياهو ولفين القدرة على استبدال المستشارة القانونية لتنفيذ “انقلابهما الطموح”؟
بقلم: حن معنيت
تصريح وزير العدل ياريف لفين أول أمس حول البدء في إجراءات إقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، لم يسقط أي أحد عن كرسيه في مكتبها. كان بيانه استمرارية طبيعية لحملة تطاول جامحة من وزراء الحكومة ضد المستشارة في الأشهر الأخيرة. وبعرف لفين أن إخراج الإقالة إلى حيز التنفيذ ضعيفة جداً، لكنه يرى أهمية لمجرد العملية. بواسطة تبريرات شبه موضوعية، يصور بهراف ميارا بأنها تهدف إلى تخريب حكم اليمين، ويدفعها إلى الزاوية ويمس بثقة الجمهور بها. مع ذلك، مصادر في محيط المستشارة قالت “هي لا تنوي الانحناء نصف سم”. إن غضب لفين والوزراء من بهراف ميارا ثار عقب نشاط المستشارة من أجل المصلحة العامة، المناقضة لمصالح الحكومة الضيقة في عدة مواضيع.
رغم الوتيرة البطيئة جداً التي تدار فيها محاكمة رئيس الحكومة الجنائية، فإنها تهدد مستقبله السياسي والشخصي. المستشارة القانونية تؤيد الموقف الصارم الذي بدأت النيابة العامة في طرحه مؤخراً، ويفيد بوجوب تسريع وتيرة المحاكمة. تعارض بهراف ميارا بشدة رغبة نتنياهو في وقف المحاكمة في صالح عملية جسر جنائي بين الدفاع والنيابة، الذي سيجرى أمام قاض وسيط خارجي يتولى عملية الجسر. حسب رأيها، لا سبب لعملية كهذه، وإذا كان نتنياهو يريد تقصير الأمور حقاً، فإن بابها مفتوح للمفاوضات المباشرة لعمل صفقة ادعاء. ولكن نتنياهو يرى أن ميارا لن تسمح له بالتملص في إطار صفقة الادعاء من الاعتراف بجزء من المخالفات ومن وصمة العار التي ستبعده عن الحلبة السياسية. نتنياهو ومساعدوه معنيون بمستشار قانوني يذهب إلى رئيس الحكومة ويمكنه من التملص من العقوبة.
الموضوع الرئيسي والفوري جداً الذي تتحدى فيه ميارا الائتلاف إلى درجة رغبتهم في إقالتها هو رفضها الدفاع عن قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، إلى جانب تصميمها على تنفيذ القانون وحكم “العليا” بهذا الشأن، وفرض عقوبات اقتصادية، وغير ذلك ضد طلاب المدارس الدينية المتهربين. إن بقاء حكومة نتنياهو مرهون بقدرتها على التأثير على رغبة الشركاء الحريديم في الائتلاف وسن قانون إعفاء جديد لهم، لكن بهراف ميارا والمحكمة العليا يقفون في طريقها. أرسلت المستشارة القانونية هذا الأسبوع أيضاً رسالة إلى وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، حذرت فيها من أن بيانات تجنيد الحريديم في السنة الحالية بعيدة عن أن تناسب احتياجات الجيش وبند المساواة. بهراف ميارا اضافت بأن موقف جميع الجهات المهنية ورجال القضاء هو أن زيادة خطوات التنفيذ الشخصي للقانون، منها سحب الامتيازات من المتهربين وتوسيع العقوبات المالية والإدارية، شرط ضروري لزيادة عدد المتجندين. ومطلوب هنا مستشار قانوني متساهل أكثر من الحكومة، يكون مستعداً للدفاع عن قانون إعفاء جديد، سيساعدها في البقاء.
لفين ونتنياهو معنيان بإقصاء بهاراف ميارا عن منصبهما على ضوء موقفها الحازم بوجوب تشكيل لجنة تحقيق رسمية في مذبحة 7 أكتوبر. المستشارة القانونية تطرح هذا الموقف منذ فترة طويلة، وحسب رأيها فإن لجنة تحقيق رسمية هي الأداة المناسبة الوحيدة للتحقيق في إخفاقات فظيعة. كما هو معروف، نتنياهو غير معني بتشكيل لجنة محايدة، تلقي عليه المسؤولية.
ثمة سبب رئيسي الذي يعنى لفين في ظله بالتخلص من بهراف ميارا، وهو رفضها الصارم للسماح له بالدفع قدماً بخطة الانقلاب النظامي التي أعلن عنها عند تشكيل الحكومة. المستشارة عارضت التعديلات القانونية التي تستهدف إلغاء استخدام ذريعة المعقولية ومنع إخراج نتنياهو إلى حالة عدم الأهلية. وقفت هي وطاقمها ضد محاولة سيطرة بن غفير على الشرطة عندما تولى منصب وزير الأمن الوطني. في الحالتين الأوليين، تبنت المحكمة العليا موقف بهراف ميارا. في موضوع بن غفير جرى تبني موقف بهراف ميارا بصورة جزئية عندما ألغت المحكمة العليا بنداً في القانون استهدف السماح لوزير الأمن الوطني بتحديد سياسة قسم التحقيقات في الشرطة.
في هذا الأسبوع، أوضحت بهراف ميارا بأنها تعارض بنداً يراه لفين مهماً للانقلاب النظامي، وهو السيطرة على لجنة تعيين القضاة. وقالت ميارا إن الخطة التي طرحها لفين ووزير الخارجية ساعر لتسييس لجنة تعيين القضاة ليست دستورية، ويجب إلغاؤها في المحكمة العليا. حسب قولها، خطة ساعر – لفين تلقي بظلال سياسية ثقيلة على جهاز القضاء وتضر بمهنيته واستقلاليته وقدرته على انتقاد الحكومة. حسب رأيها، تداعيات تطبيق الخطة تحتاج على الأقل إلى إجراءات جوهرية قبل تطبيقها.
بصورة غير مرضية للفين ونتنياهو، تبذل ميارا كل ما في استطاعتها منع التعيينات الفاسدة أو غير المهنية التي تهتم بها الحكومة. في أول اجتماع لهما، رفضت المستشارة طلب رئيس الحكومة الدفاع في المحكمة العليا لتعيين رئيس “شاس”آريه درعي، في منصب وزير. وعارضت ميارا هذا التعيين بسبب الإدانات الكثيرة التي وجهت لدرعي بسبب ارتكاب مخالفات مختلفة عند توليه مناصب عامة رفيعة. وهنا أيضاً وافقت المحكمة العليا على موقفها. كما عارضت ميارا تعيين روئي كحلون في منصب القائم بأعمال مفوض الخدمة المدنية على أساس أنه لا يملك خبرة مهنية، ونتيجة معارضتها حكم أن تكون فترة توليه لهذا المنصب مؤقتة، ثلاثة أشهر فقط. في تشرين الأول، حكمت المحكمة بأنه رغم معارضة ميارا على تعيين أوداليا مينس رئيساً للقناة الثانية لسبب مشابه، فستتم الموافقة على التعيين.
بعد أن تحمل رئيس الأركان وجهات رفيعة أخرى في الجيش المسؤولية عن إخفاقات 7 أكتوبر وقدموا استقالاتهم، حدد نتنياهو رئيس “الشاباك” رونين بار كهدف فوري للإقالة. ولكن قد تصعب عليه ميارا هذا الأمر. فقد أوضحت المستشارة مؤخراً في رسالة أرسلها نائبها، الدكتور غيل ليمون، بأنه إذا نفذ نتنياهو إقالة رئيس “الشاباك” فعليه قبل ذلك أن يمر عبر المستشارة، ويجلب ما لديه لفحص مسبق. حسب التقديرات، فإن بهراف ميارا والمحكمة العليا سيعارضون إقالة بار لأنه يترأس الآن الهيئة التي تحقق في العلاقة بين رجال مكتب رئيس الحكومة وقطر، وإقالته في ذروة هذا التحقيق الحساس تستهدف تخريب هذا التحقيق.
أيضاً وجود التحقيق الذي قررت بهراف ميارا والمدعي العام عميت آيسمان إجراءه يهدد رئيس الحكومة. وثمة ذريعة أخرى من بين الذرائع الكثيرة التي ذكرت هنا، وهو جلب مستشار قانوني مريح ويفعل ما تريده الحكومة.
——————————————
يديعوت أحرونوت 7/3/2025
زامير: سنعود إلى غزة بقوة لا مثيل لها.. ونستعد لـ”مواجهة مباشرة” مع إيران “قريباً”
بقلم: رون بن يشاي
الفريق إيال زامير، رئيس الأركان الـ 24 للجيش الإسرائيلي، دخل إلى منصبه وهو يعرف أن لا دقيقة أمامه ليضيعها. “ليس عندي فراغ حتى للانفعال”، درج على القول الأسبوع الأخير لرجال مكتبه، وللمحيطين به، وكذا لمعارفه السابقين الذي أكثر من التشاور معهم. ربما نفهمه. فقد عين رئيساً للأركان في واقع يعتبره كهدنة في حرب لا تزال في ذروتها: حرب متعددة الجبهات ليس فيها بعد تسوية دائمة في أي من الساحات السبع التي تدور فيها، وكل منها قد تشتعل في كل لحظة.
زامير مقتنع بأن الجيش وقادته الآن في إحدى الفترات الأصعب منذ قيام الجيش الإسرائيلي في 1948 ليس فقط بسبب تأكل الحرب المتواصلة منذ نحو سنة ونصف، بل أيضاً في ضوء أزمة الثقة العميقة بين الجمهور والجيش وداخل الجيش نفسه. قال لأحد أصدقائه إنه فخور بإنجازات الجيش في الحرب، لكن عليه اجتياز تغيير وبسرعة، كي نحقق الحسم.
زامير ليس رجل أقوال. له مذهب مرتب يطرحه على الورق بجمل قصيرة وبلغة عسكرية. بعد محادثات مع أناس مقربين له ومشاهدات من لقاءات عمل أجراها مؤخراً أو شارك فيها، نتعرف على خطة عمل رئيس الأركان زمير للسنتين القادمتين.
غزة وإيران على رأس سلم أولوياته الاستراتيجية – العسكرية: جاهزية وتأهب فوري للقضاء على حكم حماس في غزة وممارسة ضغط على المنظمة لإعادة المخطوفين، واستعدادات لمواجهة مباشرة ومستمرة مع إيران قريباً. وثمة موضوع آخر في سلم أولوياته الاستراتيجي، وهو انتشار سريع وجديد للدفاع عن كل حدود دولة إسرائيل.
إعادة الثقة داخل الجيش أولوية من أولوياته. الموضوع الثاني هو زيادة فورية لحجم قوات الجيش وتحسين سريع لقدراته التكنولوجية. هذه هي العناوين التي لكل منها خطة تنفيذ.
التصدي للعبوات
أمس، التقى رئيس الأركان مع رؤساء السلطات في الغلاف، وعقد بعدها جلسة لإقرار خطط استئناف القتال في غزة بمشاركة قادة ميدانيين من قيادة المنطقة الجنوبية والفرق التي ستشارك في القتال، وكذا جنرالات هيئة الأركان. هذا استمرار للقاء سابق عقد قبل بضعة أسابيع في قيادة المنطقة الجنوبية بمشاركة رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس الأركان المنصرف هيرتس هليفي. في ذاك اللقاء شارك زمير أيضاً كرئيس أركان مرشح. وفور ذلك، بسط أمام بعض الحاضرين خططه لاستئناف المعركة في غزة على مدى وقوى وسرعة لم نر مثيلها. وستتضمن الخطة كثافة للنار جواً وبراً، مع الامتناع قدر الإمكان عن المس بغير المشاركين الذين ستخصص لهم مناطق مأوى وممرات هروب، وسيتولى الجيش الإسرائيلي نفسه توزيع المساعدات الإنسانية بشكل لا تصل إلى حماس.
يبدو أنها خطة لن تخرج إلى حيز التنفيذ إلا إذا أصرت حماس على رفضها قبول منحى ويتكوف لتحرير المخطوفين ووقف نار من 50 يومًا. لكن الجيش الإسرائيلي يعمق الآن إعداده للحملة.
أمس، في اللقاء مع القادة الذين يفترض أن يشاركوا في المناورة داخل غزة، وجه زمير تعليماته لتطوير أساليب كشف، وتشخيص وتحييد سريع للعبوات. فهو يرى في العبوات التهديد الأساس على مقاتلي الجيش في وقت المناورة، ليس في غزة فقط، بل في الضفة ولبنان أيضاً إذا ما استؤنف القتال هناك. وعليه، فإن مسألة العبوات تحتاج معالجة فورية ستتبلور فيها حلول عملية جديدة للمشكلة في ظل استخدام التكنولوجيا وتجربة تراكمت أثناء القتال. لا يرى زامير تضارباً بين تقويض حماس وإعادة المخطوفين. لديه هدفان على رأس أولوياته، وهو مقتنع بأن الضغط العسكري الشديد والسريع جداً سيؤدي إلى تسوية تحقق الهدفين.
أما بخصوص إيران، فلا يشرك زمير في أفكاره وخططه حتى أكثر المقربين له، لكن يمكن التقدير بأن إسرائيل تشخص الآن نافذة فرص للعمل لتحييد أو على الأقل لتعطيل البرنامج النووي العسكري لإيران. بل هناك تقديرات بأننا إذا لم نعمل الآن، فستمتلك إيران النووي ونجد أنفسنا أمام وضع استراتيجي جديد.
الإلحاح في المسألة الإيرانية نتيجة مخاطرة وفرصة. مخاطرة تنبع من تخصيب إيران حتى الآن كمية أكبر من 240 كيلوغراماً يورانيوم لدرجة 60 في المئة، تكفي لست قنابل أو رؤوس متفجرة نووية بعد مرحلة أخرى سريعة من التخصيب في غضون بضعة أسابيع. وفي مثل هذا الوضع، فتدمير البرنامج النووي سيؤخر سباق إيران نحو القنبلة.
نشرت وسائل الإعلام الأمريكية عن وجود مؤشرات بأن إيران تستأنف الجهود لتطوير القنبلة، أي السلاح النووي. وبات ثمة حاجة لتدمير كل عناصر البرنامج، في الأماكن التي وزعت فيها إيران مختبرات تطوير القنبلة نفسها ومنشآت لإنتاج الصواريخ الباليستية التي سترممها إيران بعد الهجوم الذي أوقعته عليها إسرائيل في 1 أكتوبر العام الماضي.
ما يبقي على نافذة الفرص مفتوحة لإسرائيل وربما للولايات المتحدة أيضاً، أن منظومة الدفاع الجوي الإيراني تضررت بشدة في أكتوبر، وهكذا أيضاً منشآت إنتاج الوقود الصلبة للصواريخ. وستغلق النافذة حين تنجح إيران في سد هذه الثغرات في دفاعها وهجومها. وبالتالي، يستعد الجيش للعملية بالتدريب وبالتسلح على حد سواء.
غير أن أي عملية إسرائيلية تحتاج إلى ضوء أخضر من إدارة ترامب، الذي قال صراحة إنه يفضل الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع الإيرانيين. وزير على وعي بذلك، لكنه ملزم بترك حرية القرار للمستوى السياسي، ولهذا عليه إعداد الجيش لعملية في إيران في المدى الفوري، بما في ذلك التنسيق مع قيادة المنطقة الوسطى الإيرانية بقيادة الجنرال مايكل كوريللا.
لزامير ميزة مهمة في هذا السياق: كمدير عام لوزارة الدفاع في أثناء الحرب كان على اتصال دائم مع البنتاغون حول موضوع التسلح وبنى علاقات وارتباطات ثقة تساعده في كل ما يتعلق بالتسلح بالذخيرة والوسائل القتالية الأخرى الضرورية للهجوم على مسافات بعيدة.
يرى زامير نفسه كجندي يتبع المستوى السياسي، ولهذا يسعى لتعاون وثيق مع وزير الدفاع والمستوى السياسي. يقول: “بصفتي رئيس أركان، سأقول للحكومة بصدق ما هو ممكن عمله وما هو غير ممكن، بمعنى ما يمكن للجيش أن يعمله وما لا يمكنه”. قد نرى في هذا القول رسالة للحكومة يكون رئيس الأركان زامير ملزم بموجبها أولاً وقبل كل شيء بأمن الدولة.
بعد وقت غير بعيد، يخطط زمير للبدء بتصميم خطة عملية جديدة متعددة الساحات تتضمن لبنان ومساحات بعيدة مثل اليمن، إلى جانب الضفة الغربية أيضاً. لزامير تجربة قتالية تقريباً في كل من هذه الساحات. فقد كان قائد سرية وكتيبة في الحزام الأمني في جنوب لبنان، وكان في حملة “السور الواقي” في 2002 قائد لواء احتياط 656 الذي شارك في المعركة المريرة لاحتلال جنين ومخيمها. زمير فخور بداء اللواء في المعركة إياها.
أحد المزايا الهامة التي يجلبها زامير إلى المنصب، قدرته على إجراء تقويمات دقيقة للوضع أو التحديات التي يقف أمامها الجيش. في حزيران 2021، في احتفال إنهاء مهام منصبه كنائب لرئيس الأركان، قال ما بدا اليوم كنبوءة: “نحن أمام معركة ثقيلة، طويلة، متعددة الساحات… لهذا، هناك حاجة لقدرة حسم، وطول نفس واحتياطي قوي… بنظري، الجيش الآن بأدنى حجمه الآن أمام هذه التحديات المركبة التي شهدناها في السنوات الأخيرة.
في أيار 2023، في مؤتمر هيرتسليا، قال زامير إن الحروب التقليدية لا تزال واردة، والمطلوب جيش كبير، نوعي وتكنولوجي بحجم تتطلبه حرب طويلة متعددة الساحات. في تلك الأيام، كان الجيش يتحدث عن إغلاق وحدات قتالية وعن جيش صغير وذكي. بل إن زامير حذر من الحاجة للجاهزية لما سماه “احتلالاً سريعاً” لأرض إسرائيلية من قبل العدو، بالضبط ما حصل في 7 أكتوبر في الجنوب، وكان من شأنه أن يحصل في الشمال أيضاً. ولهذا، فلا غرو أنه يؤيد اليوم إدخال عنصر جديد، “المنع”، لمفهوم الأمن التقليدي الذي تعمل إسرائيل بموجبه منذ عهد بن غوريون. المنع هو نقيض سياسة الاحتواء التي ميزت المستويين السياسي والعسكري في السنوات الأخيرة.
——————————————-
هآرتس 7/3/2025
ضجة في إسرائيل حول المسؤول عن إخفاق 7 أكتوبر.. وترامب حائراً: كيف أعيد المخطوفين؟
بقلم: عاموس هرئيل
كل يوم يظهر مثل 7 أكتوبر. الكارثة التي حدثت قبل 17 شهراً بالضبط تحلق كغيمة سوداء فوق المجتمع الإسرائيلي. ويرى محررو النشرات الإخبارية أنها توفر مبرراً للعودة إلى ذلك اليوم الفظيع عدة مرات في الأسبوع، في النصف الثاني للنشرة. في الفترة الأخيرة، يبرز هذا الأمر على خلفية التقاطع بين عدة تطورات: نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي عن المعارك في الغلاف (إضافة إلى نشر التحقيقات في الأسبوع الماضي)، ونشر ملخص التحقيق الداخلي في “الشاباك”، واستبدال رئيس الأركان، والصراع المحموم بين رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار ورئيس الحكومة نتنياهو.
بار، وهليفي رئيس الأركان المستقيل، صديقان منذ سنوات. الكارثة في الغلاف وضعتهما في نفس طرف المتراس: مسؤولان رئيسيان عن الفشل الذي سبق المذبحة، وقادا عملية استيقاظ إسرائيل في الحرب التي شملت احتلال أجزاء كبيرة في القطاع وقتل معظم كبار قادة حماس. هدفا التصفية الرئيسيان يديرهما نتنياهو ورجاله بهدف إلقاء التهمة كلها عليهما، وإبعادهما عن منصبيهما.
هذا الأسبوع حقق نتنياهو بمساعدة مبعوثه في وزارة الدفاع، يسرائيل كاتس، النجاح الأول لجهوده عند مغادرة هليفي. أما بار فما زال على الكرسي، ومصمم على القتال على صورة الدولة والدفاع عن الديمقراطية الإسرائيلية. حسب كل الدلائل سيفعل نتنياهو كل ما في استطاعته لإرسال بار إلى نفس طريق هليفي وتحويل الجهاز إلى نسخة (فاخرة أكثر) لشرطة إسرائيل. ربما سيواجه تحدياً أصعب. فنشر التحقيقات جدد النقاش العام الصاخب والمشحون حول المذبحة، حيث الكثير من المشاركين في ذلك يناقشون الآن بحرية أكبر الأحداث التي أدت إليها. المعلومات التي تقدم للجمهور، للمرة الأولى بشكل مفصل جداً، تؤكد وجود انهيار في أجهزة كثيرة، توقفت فيه معظم طبقات الدفاع الإسرائيلية عن العمل في اللحظة الحاسمة نتيجة هجوم خططت له حماس جيداً. لو نسق رئيس حماس يحيى السنوار خطواته سراً مع حزب الله وإيران ودعم الهجوم بعملية موازية من لبنان، لوجدت إسرائيل نفسها للمرة الأولى منذ حرب يوم الغفران في خطر يهدد وجودها. عدد الكتائب التي دافعت عن حدود لبنان، أربع كتائب، كانت تشبه التي نشرت على حدود القطاع. لم يكن مستوى الاستعداد هناك أعلى بكثير، رغم وقوف عدو أقوى، قوة الرضوان التابعة لحزب الله، على الطرف الثاني للحدود.
التهديد من غزة واجه جيشاً متعباً وغير مبال، مع تآكل معايير الانضباط في وحداته القتالية خلال السنوات، حسب ضابط حقق في معركة رئيسية قال “الجيش نسي منذ فترة طويلة كيفية الدفاع”. في دوريات على طول الحدود أو في زيارات عند أولادهم الذين خدموا في أماكن بعيدة، تساءل كثير من الإسرائيليين عن المناخ المريح الذي كان سائداً هناك، حتى على بعد عشرات الأمتار عن العدو. هذا سؤال البيضة والدجاجة، لكن ربما تأثر الأمر أيضاً من وجود تجمعات مدنية مزدهرة قربهم.
الهدوء النسبي تحطم بضجة فظيعة صباح 7 أكتوبر. فقد كشفت التحقيقات أن معظم أعمال القتل التي نفذها المخربون كانت في الثلاث ساعات الأولى قبل وصول قوات التعزيز للجيش الإسرائيلي إلى القطاع. الآن يتردد سكان الحدود الشمالية حول إزاء العودة إلى بلداتهم وهم يأملون خيراً تجاه ما حدث في الجنوب في حينه. البت في المعضلة التي تواجه سكان الكيبوتسات التي تضررت في الغلاف ما زال بعيداً؛ لأن المطلوب هو المزيد من أعمال الترميم قبل إعادة إسكانهم.
المذبحة كشفت الصعوبة في نظرية الأمن الإسرائيلية، التي اعتمدت على حجم قوات مقلص على الحدود، وكتائب كثيرة “تم سحبها للدفاع عن المستوطنات في الضفة ومنطقة خط التماس، حيث في الخلفية تقليصات في منظومة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. في ظل غياب قوات كافية على الحدود، وإزاء جيوش الإرهاب التي تطورت في لبنان وغزة، أخذ اعتقاد أعمى بالإنذار الاستخباري يتعزز، الذي كان يمكن أن يأتي في الموعد ويوفر الزمن المناسب لنشر المزيد من القوات ورفع الاستعداد في منظومة الدفاع القائمة. لكن الإنذار لم يأت، رغم أن هليفي وبار ناقشا مع رجالهما العلامات المحتملة لوقوع حادثة على الحدود في الساعات التي سبقت الهجوم. والنتيجة فشل ذريع.
منذ هجوم حماس، تعرف الجمهور الإسرائيلي على قضية بطاقات الهواتف المحمولة، الإشارة الاستخبارية الرئيسية التي تم اكتشافها في القطاع ليلة 6 – 7 أكتوبر، التي كان يمكن أن تدل على نوايا حماس. وتبين من تحقيقات “الشاباك” أنه تم تفعيل 45 بطاقة إسرائيلية في هواتف محمولة لدى نشطاء حماس في تلك الليلة. ليلة واحدة، قبل سنة بالضبط من ذلك، تم تشغيل 38 بطاقة، وفي شهر رمضان في نيسان 2023 تم تفعيل 37 بطاقة. وتبين في الحالتين أن الأمر يتعلق بمناورة فقط.
أصبحت هذه كتلة حاسمة، كان يمكن أن تغير قرار عدم رفع الاستعداد في قيادة المنطقة الجنوبية. يقع جزء من المسؤولية على رئيس الأركان التارك، الذي اكتفى بإجراء مشاورة غير رسمية، ولم يجر تقدير موقف حسب إجراءات الجيش الإسرائيلي. تقدير الموقف هذا كان يقتضي استعداداً منظماً أكثر في “أمان” واستدعاء ضباط من البيت وحضور مندوب من الاستخبارات في محادثة هاتفية مشتركة برئاسة هليفي.
مناخ نهاية الولاية
بعد المذبحة أيضاً، ورغم أن أحداث الليلة كشفت فجوة اتصال بين الجيش و”الشاباك”، غير أن هليفي وبار حافظا على الصداقة، وخففا التوتر بين الجهازين (الأمر الذي لم ينجح بالنسبة لرئيس الأركان ورئيس الموساد دافيد برنياع)، وحرصا على التجول معاً في جبهات القتال. تم الحفاظ على الجبهة المنسقة أيضاً الآن وهي تتجه نحو المرحلة الأخيرة. صباح الثلاثاء، تم نقل تحقيقات “الشاباك” حول المذبحة إلى نتنياهو بناء على طلب منه. في المساء، نشر أن بار يعتقد أنه لا يجب عليه الاستقالة الآن رغم تحمله مسؤولية الإخفاقات، لأنه ما زال يناضل على تشكيل لجنة التحقيق الرسمية وإعادة جميع المخطوفين. في صباح اليوم التالي، قال هليفي في خطاب الوداع بأن “تشكيل لجنة تحقيق رسمية بات أمراً حيوياً للتوصل إلى حذر المشاكل والتمكين من الإصلاح”.
لم تكن هذه هي الأقوال الحادة الوحيدة في خطابه؛ فقد ظهر أن نهاية الولاية حررت قليلاً لسان رئيس الأركان التارك. “المعاملة المتطاولة لا تساعدنا لنصبح أفضل”، قال هليفي. “قد تمس بالثقة بين المرؤوسين القادة، وتهز ثقة الآباء الذين يضحي أبناؤهم بأنفسهم. لا يجب أن تكون جندياً لتعبر عن رأيك، لكن بعض الواعظين لم يشعروا بصلابة العدو الباردة أو سمعوا رفيقاً جريحاً على نقالة في أرض معادية”. ليس صعباً التخمين بأن القسم الأول من هذه الأقوال كان موجهاً لنتنياهو، أما القسم الثاني فموجه لماكينة السم التي أنتجها ويشغلها رجاله، وعلى رأس ذلك برامج القناة 14. حتى في اللقاء الأخير مع رؤساء المجالس المحلية وممثلي سكان بلدات الغلاف قبل أسبوع، تعرض هليفي إلى هجوم مسموم من أحد المشاركين، الذي كان بعيداً جداً عن الادعاءات المبررة للمشاركين الآخرين، تم أخذ النصوص كلمة كلمة من بث القناة.
في نهاية احتفال تبادل المنصب مع إيال زامير في معسكر هيئة الأركان في تل أبيب، شوهد هليفي للمرة الأخيرة مرتدياً الزي العسكري وهو يخرج من المخرج الشمالي لمقر وزارة الدفاع، بوابة شاؤول. قطع الشارع وفعل ما أراد فعله منذ سنة: توجه إلى ميدان المخطوفين. استقبله أبناء العائلات باحترام رغم الغضب. هم يعرفون أن قلبه معهم، ومثله بار أيضاً، والذين يقولون بأنه وضع في مكتبه لوحاً يسهل عليه المحو، وعليه رقمان فقط، عدد المخطوفين المحتجزين في القطاع.
القضية السابقة
مثلما أشار يئير شاركي في “أخبار 12″، من صيغة البيانات العنيفة، يظهر شيء ما شخصي. لن يكون مفاجئاً إذا تبين أن من شارك في صياغتها هو نفسه الآن هدف لتحقيقات “الشاباك”. هذه هي قضية قطر، التي تتناول العلاقات بين ثلاثة من مستشاري نتنياهو والمتحدثين باسمه والإمارة الخليجية. حتى الآن، رئيس الحكومة غير متهم بشيء في هذه القضية، ومشكوك فيه إذا كان يعرف عن العلاقات الاقتصادية بين رجاله والقطريين الذين كشفوا في “هآرتس” في البداية ثم في “أخبار 12”. تولد انطباع لدى “الشاباك” والشرطة بأن الموضوع كله نتن تماماً. لكنهم لم يقتنعوا بعد بأن هناك أساساً لملف جنائي. ووجود التحقيق قد يصعب على نتنياهو إقالة بار الآن. في المقابل، إذا تم تعيين شخص يروق لنتنياهو بدلا منه، فقد لا يتم استكمال التحقيق كما هو مطلوب.
وثمة بعد آخر للعلاقات مع قطر ذكرته تحقيقات “الشاباك”، وأثار أيضاً نتنياهو والحكومة القطرية، الذين ردوا بنفي تام. ليس رئيس الجهاز السابق، نداف ارغمان، كان هو الشخص الرفيع الوحيد في المستوى المهني (إلى جانب وزير الدفاع في حينه افيغدور ليبرمان) الذي حذر من الترتيب القطري، بل تبين أن “الشاباك” قدم إثباتاً على أن جزءاً من المساعدات الشهرية التي أرسلت إلى القطاع بمبلغ 30 مليون دولار، تتسرب من الاستخدام المدني المخصص إلى استخدام الذراع العسكري.
القضية القطرية الأقدم -قال أشخاص كانوا في حينه مشاركين في قلب القرارات- هي أحد أسباب المعارضة الصارمة لرئيس الحكومة للقيام بتحقيق ذاتي ونزيه في الإخفاقات التي أدت إلى الحرب. المساعدة القطرية للقطاع بدأت بعد أن أوقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 2017 دفع الرواتب لموظفي السلطة في القطاع، بعد عشر سنوات من سيطرة حماس على الحكم في القطاع. وقعت حماس في أزمة اقتصادية داخلية حقيقية. تزويد الكهرباء انخفض إلى ساعتين في اليوم، وحدث نقص في المواد الغذائية. “المشكلة لن تبقى عندي”، هدد السنوار الذي قرر أن يتخلص من الأزمة بواسطة “مسيرات العودة”، وتصعيد المسيرات والمظاهرات العنيفة على طول الحدود مع إسرائيل، التي قتل فيها مئات الفلسطينيين بنار الجيش الإسرائيلي.
في حينه، طبخ رئيس الموساد يوسي كوهين، الصفقة القطرية بمصادقة نتنياهو. تم إرسال الأموال لتسلم للموظفين الذين تخلت عنهم السلطة وكمساعدة للعائلات المحتاجة. وجر كوهين معه هليفي، الذي كان في حينه قائد المنطقة الجنوبية، إلى زيارة في الدوحة. نتنياهو وكوهين لم ينفعلا من احتجاج ارغمان أو شكوك رجال شعبة الاستخبارات العسكرية. “أنتم تكرهون القطريين، من اليوم الأول وحتى اليوم الـ 25″، تعود كوهين على القول لمنتقديه. “بعد ذلك، تعشقونهم مجدداً لخمسة أيام، مع نقل الدفعات التي تضمن الهدوء”.
بنفس السياسة، واصلت حكومة التغيير برئاسة بينيت – لبيد إدخال العمال من غزة للعمل في بلدات الغلاف. وزاد نتنياهو على ذلك، وناقش زيادة عدد العمال عندما أشعلت حماس منطقة الجدار عشية المذبحة بشكل متعمد. وبأثر رجعي، تبين أن هذا كان جزءاً من عملية خداع مؤثرة وقاتلة حاكها السنوار.
بخصوص صفقة المخطوفين نفسها، التقى الرئيس الأمريكي ترامب أخيراً مساء الأربعاء مع بعثة المخطوفين الذين أطلق سراحهم من الأسر والذين سافروا إلى واشنطن للتملق له، مع معرفتهم بأن مقابلته مباشرة قد تنقذ أصدقاءهم الذين بقوا خلفهم في الأنفاق. كان مشهداً هوليوودياً مثل كل شيء يفعله الرئيس. توجه ترامب لحماس بواسطة الكاميرات، حيث الضيوف الإسرائيليون خلفه، وطلب منها إعادة جميع المخطوفين الآن، وإلا فستكون هناك جهنم. وأوصى قيادة حماس بمغادرة غزة مع اتساع الوقت، ووعد بإعطاء إسرائيل كل ما تحتاجه لهزيمة حماس إذا لم تستسلم. من المفاجئ أنه لم يلوح بالمسدس للتأكيد على أقواله.
قبل بضع ساعات، كشف براك ربيد في موقع “أكسيوس” عن قناة مفاوضات مباشرة سرية، ناقشت فيها الولايات المتحدة وحماس مؤخراً إطلاق سراح مخطوفين (يحملون الجنسية الأمريكية)، مبدئياً، هذه عملية تعكس انعطافة في العلاقات بين واشنطن وهذه المنظمة الإرهابية، وكانت لتشكل نوعاً من الاعتراف الفعلي في ظروف عادية. ولكن لا أهمية لدى ترامب لقواعد الاحتفال، بل ربما العكس. يبدو أنه ما زال يعمل على تحرير جميع المخطوفين بكل طريقة ممكنة. ومن المرجح أن الاتفاق هو ما يرغب فيه، أو ضغط عسكري إسرائيلي ثم اتفاق. ولكن لأن الأمر يتعلق بترامب، كيف يمكن أن نعرف وبحق.
——————————————-
هآرتس 7/3/2025
إسرائيل تخرق الاتفاق
بقلم: كارولينا ليندسمان
هذه المرة لا يوجد أي مظهر من مظاهر النقاش الفعلي حول مسألة من هو المسؤول عن تخريب الاتفاق. هذه المرة اصبح من الواضح للجميع أن الأمر لا يتعلق بحماس. حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو خرقت بشكل مكشوف الاتفاق مع حماس. حسب الاتفاق إسرائيل تعهدت بالبدء في المفاوضات من اجل المرحلة الثانية في اليوم الـ 16 للصفقة. هي لم تفعل ذلك، أيضا حتى بعد انتهاء الـ 42 يوما للمرحلة الأولى.
حسب الاتفاق الذي تمت المصادقة عليه من قبل الحكومة الإسرائيلية كان يمكنها الانسحاب من محور فيلادلفيا، مثلما تم الاتفاق والمصادقة عليه في حينه. إسرائيل خرقت علنا أيضا هذا البند. ولأن هذا الأمر واضح جدا فانه تقريبا لا يوجد أي نقاش عام حوله. هل يحتمل أنه من كثرة الانشغال في حل لغز نوايا نتنياهو الخفية نفقد الدافع لمناقشة خطواته المكشوفة جدا؟.
الحكومة الإسرائيلية خرقت الاتفاق الذي يمكنه إعادة جميع المخطوفين الى البيت. يوجد 22 – 24 مخطوفا على قيد الحياة وهم محتجزون في انفاق حماس ويمكن إعادتهم أحياء. وهناك 35 – 37 جثمانا يمكن احضارها للدفن في إسرائيل، وقطعة ورق تنظم إعادتها. ولكن إسرائيل تراجعت عن تعهدها. هي تخرق الاتفاق الذي يمكنه اعادتهم. جهود الوساطة أصبحت وراءنا. بعد أشهر من المفاوضات المتعبة للأعصاب والتي في نهايتها تم التوصل الى تفاهمات بوساطة الولايات المتحدة وقطر ومصر. يوجد اتفاق والمرحلة الأولى فيه ستطبق من قبل حماس. إسرائيل تسلمت المخطوفين الأحياء والأموات في المرحلة الأولى طبقا للاتفاق. بعد ذلك، هي وليس حماس، تراجعت عن الاتفاق وقامت بخرقه.
هذا ليس فقط أمرا مكشوفا، بل هو أيضا أمر متوقع. وهو أيضا السبب في أن بتسلئيل سموتريتش، خلافا لايتمار بن غفير، بقي في الحكومة. فهو عرف من نتنياهو بأنه لن تكون مرحلة ثانية. وأن الاتفاق من البداية تم إعداده للتطبيق جزئيا. في جلسة الكابنت التي تمت فيها المصادقة على الاتفاق، ادخل فيها بند حسب طلب من سموتريتش يقول بأنه لن تبدأ المفاوضات على المرحلة الثانية بدون مصادقة الكابنت. ولأن الجميع يعرفون أن سموتريتش يعارض المرحلة الثانية لأنه يعارض الانسحاب من القطاع وإنهاء الحرب، فانه كانت من الواضح أن النية من البداية كانت تطبيق المرحلة الأولى في الاتفاق. لذلك، كل القصة مع “اتفاق ويتكوف” هي تراجع كبير. هذه فقط الطريقة التي يمكن بواسطتها لإسرائيل تخريب الاتفاق. هدف خطة المبعوث الأميركي الخاص لترامب هو إطالة لمرحلة الأولى، أي الحصول على المزيد من المخطوفين بدون وقف الحرب والانسحاب من غزة. ماذا يعني أصلا ممر بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية؟.
لا توجد للحكومة أي مشكلة مع اتفاق ويتكوف لأن اليمين سلم بتحرير السجناء الأمنيين مقابل المخطوفين. بالنسبة له هذا ثمن مؤلم، لكنه ليس باهظا جدا مقابل مواصلة الحرب والبقاء في قطاع غزة.
الطريقة الوحيدة لإعادة جميع المخطوفين هي إنهاء الحرب والانسحاب من غزة. إسرائيل تخرق الآن الاتفاق، وربما ستنجح بمساعدة قوة ترامب على المساومة في فرض على حماس تحرير عدد آخر من المخطوفين (أميركيين) مقابل إطلاق سراح سجناء أمنيين ومساعدات إنسانية. ولكن لا يجب أن تكون صانع صفقات مثل ترامب كي تدرك أن حماس لن تطلق سراح جميع الرهائن إذا لم توقف إسرائيل الحرب وتسحب قواتها من غزة حسب الاتفاق.
من المهم القول وبصوت مرتفع أن إسرائيل خرقت الاتفاق. محظور الموافقة على موقف الرقابة الداخلية الذي يقول بأن إسرائيل خرقت الاتفاق يعني تكرار موقف حماس. في نهاية المطاف هذا ما تصرخ به عائلات المخطوفين. هل هي أيضا تكرر مواقف حماس؟ كل من يهتم بانقاذ المخطوفين يجب عليه أن يطالب علنا بالالتزام بالاتفاق. لأن هناك أمرا واحدا يحظر فيه الكذب على أنفسنا، وهو أن استئناف الحرب، بالتأكيد بالقوة التي يتم التحدث عنها، يعني تطبيق اجراء “هنيبعل” على المخطوفين الباقين.
——————————————-
سياسة ترامب الخارجية التصادمية تقوض أجندته “أميركا أولا”
بقلم: آلون بن مئير 14/2/2025
في أقل من ثلاثة أسابيع من توليه منصبه، أصدر ترامب عشرات الأوامر التنفيذية المتهورة التي من شأنها أن تقوض بشكل خطير أجندته “أميركا أولًا” والزعامة العالمية لأميركا بدلاً من تعزيزها.
***
توقع ملايين الأميركيين أن يتصرف ترامب بشكل شاذ بمجرد عودته إلى الرئاسة. لكن عددًا أقل بكثير توقع منه أن يصدر عشرات الأوامر التنفيذية المتهورة والمدمرة بهذه السرعة. كان سحب الولايات المتحدة من العديد من وكالات الأمم المتحدة إحدى أكثر الخطط فظاعة، التي من شأنها أن تقوض بشدة أجندته “أميركا أولا” بدلاً من خدمة مصالحها على المستويين العالمي والمحلي. ومن الصعب أن نتخيل ما سيحدث لأميركا في غضون عام أو عامين إذا لم يستيقظ الجمهوريون في الكونغرس ويمنعوه من متابعة هذه الأجندة الخطيرة. إنهم لن يستطيعوا وضع أميركا في الموضع الأول إلا من خلال الحفاظ على المشاركة العالمية، وممارسة القيادة وإبداء الرأي على الطاولة بدلاً من التخلي عن دورها ومسؤوليتها لروسيا والصين اللتين ستستغلان كل فرصة لتقويض المصلحة الوطنية الأميركية.
لكن ما يفشل ترامب في إدراكه هو أن الأمم المتحدة، على الرغم من بيروقراطيتها المتضخمة وفشل بعض وكالاتها في التكيف مع الظروف العالمية المتغيرة، ما تزال تلعب دورا حاسما في الشؤون الدولية، حيث تولت الولايات المتحدة زمام المبادرة واستفادت منها بشكل مباشر. يجتمع رؤساء الدول في الأمم المتحدة مرة واحدة في السنة ويتبادلون وجهات النظر، وهو ما يؤدي غالبا إلى تقليل التوتر بين مختلف البلدان. وعلاوة على ذلك، يبدو أن ترامب ومستشاريه الجاهلين يتجاهلون أهمية الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الدولية الوحيدة التي تسعى، من بين أمور أخرى، إلى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون الدولي وتوفير المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها.
تظل الأمم المتحدة مؤسسة لا غنى عنها على الرغم من أوجه القصور التي تعاني منها في مجالات مختلفة. ويتعين على ترامب، “المُصلح”، أن يساعد في إصلاح أوجه القصور التي تعاني منها الوكالات المختلفة -ليس من خلال وقف تمويل عملها الأساسي، بل من خلال تولي زمام المبادرة والعمل مع بلدان أخرى لجعل هذه الوكالات كفؤة وفعالة. وسيكون هذا بالتأكيد في مصلحة الولايات المتحدة ويكمل أجندته، “أميركا أولا”.
أصبحت العديد من وكالات الأمم المتحدة مستهدفة بسحب التمويل لأن ترامب يتهمها على نطاق واسع بالفساد وإهدار الموارد. مرة أخرى، من غير الممكن تفسير كيف يتم استهداف هذه الوكالات، بغض النظر عن أوجه القصور فيها، بسحب التمويل عندما تقدم خدمات أساسية يحتاجها المجتمع الدولي.
تعمل منظمة الصحة العالمية (WHO) التي تأسست في العام 1948 على حماية الصحة العالمية. ومن بين العديد من وظائفها بالغة الأهمية، تتوقع منظمة الصحة العالمية وتستجيب لحالات الطوارئ الصحية العالمية، بما في ذلك الأوبئة العالمية، مثل كورونا. كما تعمل للقضاء على الأمراض المعدية بعد القضاء على الجدري في العام 1980. وعلاوة على ذلك، تضع المنظمة المعايير الصحية الدولية وتراقب اتجاهات الصحة العالمية من خلال البحث وجمع البيانات لتوجيه السياسة الصحية القائمة على الأدلة.
كيف يمكن، بحق الله، أن يخدم سحب التمويل منها فكرة “أميركا أولاً” إذا لم يكن للولايات المتحدة أي رأي في تشغيلها؟ إن الأمراض لا تبقى محصورة بأناقة داخل الحدود، وستجعل مغادرة أكبر هيئة صحية عامة تعاونية في العالم الولايات المتحدة آخر من يعرف متى تنتشر الأوبئة القاتلة.
كما أن “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة هو هيئة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان العالمية. وقد انسحبت الولايات المتحدة منه في حزيران (يونيو) 2018 في عهد ترامب، لكنها أعلنت عن إعادة مشاركتها في العام 2021 في عهد بايدن. وكانت للولايات المتحدة علاقة معقدة مع هذه الهيئة في عهد رؤساء مختلفين، في ما يعود أساسًا إلى اتهامات الولايات المتحدة للهيئة بأنها معادية لإسرائيل. إضافة إلى أن بعض الدول الأعضاء فيها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان في بلدانها، مما يقوض مصداقيتها كوصي على حقوق الإنسان. مرة أخرى، إن حقوق الإنسان مقدسة؛ وأي مساهمة في حمايتها مطلوبة. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة، التي دافعت عن حقوق الإنسان، أن تكون دائمًا في المقدمة وأن تعالج ما هو خطأ في هذه الوكالة المهمة بدلاً من وقف تمويلها والسماح للصين وروسيا بالتأثير على تركيزها واتجاهها.
يريد ترامب أن يعاقب أيضًا “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة” (اليونسكو). وتسعى هذه الوكالة التي لا غنى عنها إلى إحلال السلام من خلال التعاون الدولي في التعليم والعلوم والثقافة وحماية التراث المادي وغير المادي للعالم. هنا مرة أخرى، انسحبت الولايات المتحدة من (اليونسكو) في عهد ترامب في العام 2019، مشيرة في المقام الأول إلى تحيز المنظمة المزعوم ضد إسرائيل -ولكن أيضًا بسبب المتأخرات المتزايدة والحاجة إلى إصلاحات جوهرية.
أعادت الولايات المتحدة الانضمام إلى (اليونسكو) في العام 2023 في عهد بايدن لأنه أدرك أهميتها، الأمر الذي عوض عن أوجه القصور فيها. ولا يخدم انسحاب ترامب من هذه الوكالة أجندته “أميركا أولاً”، خاصة عندما يتم تجاهل مخاوف ومصالح الولايات المتحدة، ولم يعد يتم البحث عن مساهمتها.
تقدم “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى”، (الأونروا)، المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين المسجلين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد خفض ترامب تمويل الوكالة في العام 2018 قبل أن يعيد بايدن العمل مع الوكالة في العام 2021، لكن الكونغرس أقر حظرا لمدة عام واحد على تمويل (الأونروا) حتى 25 آذار (مارس) 2025. ولا شك في أن هذه المنظمة التي يبلغ عمرها ثمانية عقود تقريبًا تعاني من البيروقراطية وتفتقر إلى الكفاءة، وقد أدين عدد قليل من العاملين فيها في غزة بمساعدة “حماس” في هجومها على إسرائيل. ومع ذلك، ما تزال الوكالة تقدم خدمات أساسية أصبحت في الوقت الحاضر أكثر أهمية وتمس الحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.
صحيح أن إعادة تنظيم وتبسيط عملياتها أمر ضروري للغاية، ولكن لا يمكن إصلاح شيء من دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة. ومن خلال التخلي عن (الأونروا)، تتخلى الولايات المتحدة عن دورها القيادي في إيجاد حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وقد أعلن العديد من المشاركين في العملية، صراحة، أن الزعامة الأميركية مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، بخاصة بعد استمرار الحرب في غزة، حيث أصبح اللاجئون الفلسطينيون في وضع مزر.
يهدف “اتفاق باريس”، الذي تم تبنيه في كانون الأول (ديسمبر) 2015، إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية. ويطلب من البلدان المتقدمة تقديم المساعدة المالية للدول الأقل نموّاً لتحقيق أهداف المناخ. وقد انسحب ترامب من “اتفاق باريس” في ولايته الأولى، وهو يفعل ذلك مرة أخرى. والاعتقاد السائد لدى أغلب الجمهوريين بأن تغير المناخ غير موجود، على الرغم من الأدلة الساحقة، وهو موقف سخيف تمامًا.
ولكن، دع الأمر للجاهلين بالتعريف لتجاهل العواصف غير المسبوقة والأعاصير والحرائق وارتفاع مستويات سطح البحر ودرجات الحرارة، لأنهم يرفضون رؤية الواقع. لكن من المؤسف أن الانسحاب من “اتفاق باريس” مرتبط أيضًا برغبة ترامب في توسيع إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، وهو ما يخلف تأثيراً بيئياً سلبياً كبيراً على الولايات المتحدة بقدر ما يخلف على البلدان الأخرى -إن لم يكن أكثر.
من المؤسف أنه مع دخول إدارة ترامب الجديدة ولاية ثانية، لا ترى الأمم المتحدة أن البيت الأبيض معادٍ لها بشكل استثنائي فحسب، بل إن العديد من أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة يشعرون بالحيرة والقلق الشديد بشأن ما قد يفعله بعد ذلك. إنهم يخشون ألا يأتي أي خير من إدارة ترامب هذه، ويستعدون للأسوأ.
يتعين على ترامب أن يتذكر أن فكرة “أميركا أولاً” لا يمكن أن تعمل إلا عندما تحظى أميركا بالاحترام، وليس الخوف. ويجب أن تكون أميركا نشطة على الساحة الدولية من أجل أن يكون لها دور لائق بدلاً من تهميشها والسماح لدول أخرى، مثل روسيا والصين، بسد الفجوة. سيكون من شأن هذا أن يجعلها “أميركا آخرًا” وليس “أولاً”.
—————–انتهت النشرة—————–