ما يهمّنا في هذا الرأي ليس الإسهاب في تعداد ووصف جرائم الاحتلال، فالأراضي الفلسطينية المحتلة كلها في حرب وعدوان يشنه الاحتلال الإسرائيلي بشراكة أمريكية وبعض غربية لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، وحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي على قطاع غزة دخلت شهرها الرابع ، ارتقى خلالها حتى كتابة هذا المقال أكثر من 22 ألفا من الشهداء ثلثيهم من الأطفال والنساء ، وتم تدمير حوالي 80% من المساكن في قطاع غزة وغالبية مستشفيات القطاع تم تدميرها وإخراجها من الخدمة ،عوضا عن حرب التجويع الممارسة ضد شعبنا الفلسطيني في القطاع، وفي الضفة الغربية ومنذ طوفان الأقصى تم إفلات قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين من عقالها التي تشن حربا أخرى على شعبنا في الضفة ، وليس أقلها مئات الشهداء الذين ارتقوا وعدد المعتقلين الذي بلغ أكثر من خمسة آلاف معتقل منذ طوفان الأقصى ، وتصاعد عمليات الاقتحام للمخيمات والقرى والمدن وتخريب البني التحتية ومصادرة الأراضي لصالح الاستيطان وسرقة الأرض الفلسطينية وهدم المنازل والحواجز وإغلاق الطرق وتقطيع أوصال الضفة .
ولكن الأمر الغريب والمريب حقا ، هو أن حالة الحرب العدوانية التي تشن على الشعب الفلسطيني، يتم مقابلتها من قبل القيادة السياسية للسلطة إما بالصمت كما هي الحالة في الأسابيع الأولى من العدوان، وكأن ما يجري من عدوان إنما هو عدوان على شعب آخر ومن كوكب آخر، أو بدعوة بعض أقطابها إلى محاسبة المقاومة الفلسطينية ( التي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد والاهتمامات الدولية بعد انحسارها إلى حد كبير ) ، أو من خلال تصريحات بعض قياداتها التي أبدت الاستعداد لتولي زمام السلطة في غزة ( طبعا بعد هزيمة المقاومة العصية على الانكسار ) ، وكل هذه المواقف لقيادة السلطة السياسية أظهرت عجزها أكثر من أي وقت مضى حتى في أعين جزء كبير من أنصارها ومؤيديها السابقين ، وكشفت حالة التخاذل التي تعيشها وغربتها عن المشهد الفلسطيني أكثر من أي وقت سابق.
أليس من المعيب أن تكون مواقف بعض الدول – إضافة إلى الشعوب التي تخرج يوميا في معظم ساحات العالم للتضامن مع فلسطين وضد العدوان– ، أن تكون مواقفها متقدمة على القيادة الفلسطينية التي لم تبادر حتى الآن حتى للاتصال مع قيادة المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي تتكرر فيه لقاءاتها مع المبعوثين الأمريكان والغربيين الشركاء في العدوان عسكريا ويغطون دولة الاحتلال ويدعمونها سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا ، وتتجاهل في نفس الوقت إرادة الشارع والشعب الفلسطيني ومؤسساته وأحزابه وقواه الحية ، والذي يطالبها( أي القيادة السياسية للسلطة) بالدعوة إلى المبادرة بالدعوة إلى حوار وطني تشارك فيه كل فصائل وأحزاب الشعب الفلسطيني بما فيها الفصائل المقاومة التي تتصدى للعدوان على شعبنا البطل في غزة، وتشكيل مركز قيادي فلسطيني موحّد يتسلّح بإستراتيجية كفاحية وطنية بديلة تتصدى للعدوان، وتمكّن شعبنا من خوض معركة الاستقلال الوطني والتصدي لمؤامرات تصفية القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة.
ومع تقدير شعبنا لشجاعة وموقف عدد من دول العالم كجنوب إفريقيا التي أغلقت سفارة دولة الاحتلال ، وعلّقت كافة الصلات معها لحين انتهاء عدوانها ، وتتحرك في المحافل الدولية كمحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية من أجل محاكمة الاحتلال على جريمة حرب الإبادة والتطهير العرقي ، ولبوليفيا التي قطعت علاقاتها مع دولة الاحتلال منذ بدايات هذا العدوان ، ولغيرهما من ككولومبيا وإسبانيا وبلجيكا التي أدانت مبكرا عدوان الاحتلال ، أليس من الغريب والمستهجن أن تكون مواقف هذه الدول أكثر صلابة وشجاعة في الدفاع عن شعبنا من القيادة السياسية للسلطة الرافضة لتطبيق قرارات الشرعية الفلسطينية المتصلة بدولة الاحتلال ، والتي أخذتها مؤسسات منظمة التحرير منذ المجلس المركزي 2015 وحتى المجلس المركزي 2022 مرورا بالمجلس الوطني عام 2018.
أم أن هذه القيادة قد أصبحت جزءا من النظام الرسمي العربي الذي يرتهن بالإملاءات الأمريكية ويدور في فلكها؟؟؟