نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقابلة مع عضو مركزية فتح المفصول محمد دحلان، حيث سافر مراسلا الصحيفة آدم راسكون، وباتريك كينغزلي إلى أبو ظبي، للقاء دحلان داخل قصر في أبو ظبي.
وقال المراسلان إن دحلان المستشار الحالي لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، قدم نظرة عما يفكر به القادة العرب في حواراتهم الخاصة بشأن خطط ما بعد نهاية الحرب، من ضمنها أن تقوم “إسرائيل” وحماس بتسليم السلطة لزعيم فلسطيني مستقل يكون قادرا على إعادة إعمار غزة وبحماية قوات حفظ سلام عربية.
وفي الوقت الذي تواجه فيه الخطة تحديات، إلا أن قادة مصر والإمارات والسعودية مستعدون لدعم عملية قد تقود إلى دولة فلسطينية، كما يقول دحلان الذي يقيم أيضا علاقة قوية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فيما يلي نص التقرير:
مع استمرار العدوان على غزة وارتفاع أعداد الشهداء المدنيين، قليل من قادة العرب أعربوا علنًا عن رؤيتهم لمستقبل القطاع المنكوب، خشية أن يُتهموا بدعم أفعال إسرائيل، ولكن عضو مركزية فتح المفصول محمد دحلان وفي مقابلة مع “نيويورك تايمز”، قدم رؤية علنية حول الخطط التي يناقشها قادة عرب بشكل خاص لمرحلة ما بعد الحرب.
محمد دحلان الذي كان عضوا في مركزية فتح، وتولى قيادة جهاز أمني في قطاع غزة مع بداية تأسيس السلطة، يعمل حاليا مستشار لرئيس الإمارات العربية المتحدة، وضح في إحدى السيناريوهات، تخلي “إسرائيل” وحماس عن السلطة لزعيم فلسطيني جديد ومستقل يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية من قوة عربية للحفاظ على السلام.
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه مثل هذه الخطط، إلا أن قادة مصر والسعودية والإمارات مستعدون لدعم العمليات التي تسهم في تحقيق دولة فلسطينية، وفقًا لدحلان الذي يحظى أيضًا بصلات وثيقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
خلال الأسبوع الماضي، اجتمع مسؤولون من ست حكومات عربية في المملكة العربية السعودية لمناقشة مستقبل قطاع غزة وضرورة وقف إطلاق النار، وفقًا لما ذكره مسؤولان فلسطينيان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما.
ووفقًا للخطة التي قدمها دحلان وأيدتها دول عربية بشكل سري، يتولى زعيم فلسطيني جديد المسؤولية عن غزة وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة حاليا التي تديرها السلطة الفلسطينية، على ان يحل مكان الرئيس محمود عباس، الذي سيحتفظ بدور رمزي، وفقًا لما صرح به دحلان.
وقال دحلان، الذي كان طوال السنوات السابقة معزولًا عن الساحة السياسية الفلسطينية وانتقده العديد من اللاعبين النافذين: “لا عباس، ولا حماس”، مشيرًا إلى ضرورة تولي شخصيات جديدة المسؤولية في السلطة الفلسطينية.
يجدر بالذكر أن محمد دحلان كان مستشارًا أمنيا للرئيس عباس عندما استولت حماس على غزة في 2007، وكان يتسم بسمعة بالقسوة جعلته غير محبوبًا بين الفلسطينيين، وقد تدهورت علاقته مع الرئيس عباس بسبب الانطباعات بأنه يحاول خلافته، وتمت محاكمته بالفساد بغيابه عام 2016، اتهم فيها بتهم ينفيها.
في الإمارات، بنى دحلان علاقات وثيقة مع أفراد من العائلة الحاكمة، حيث أعاد في البداية الاتصال مع هزاع بن زايد، الذي كان يتشارك معه في السابق في إدارة الأمن الإماراتي، كما تواصل أيضًا مع شقيقه، محمد بن زايد، الذي تولى رئاسة الدولة في عام 2022، وأصبح دحلان منذ ذلك الحين أحد مستشاريه الرئيسيين.
وقال معين رباني، خبير في الشؤون السياسية الفلسطينية: “إنه الشخص الذي يتصدى بشكل كبير للسياسة الفلسطينية لدى الرئيس الإماراتي”.
مع ذلك، لا يزال دحلان يواجه انتقادات تشير إلى أنه اعتمد تكتيكات قوية في غزة وأن لديه ميل إلى الترويج لنفسه، ومع ذلك، يعتبره محللون قوة هامة في الساحة السياسية الفلسطينية، نتيجة جزئية لدوره في توجيه الأموال الإماراتية نحو غزة.
يشرف دحلان على حزب سياسي كان يُنظر إليه كقوة قادرة على تحديد النتائج في حملة انتخابية في الضفة الغربية وغزة عام 2021، قبل إلغاء الانتخابات.
وقال المحلل جهاد حرب عن دحلان: “إنه سياسي فلسطيني بارز بشبكة واسعة من الدعم في غزة، والملايين التي أُعيد توجيهها من قبل الإمارات إلى غزة من خلاله لم تفعل إلا أن تعزز مكانته هناك”.
من جهة أخرى، أقام دحلان علاقات وثيقة مع مسؤولين بارزين في حركة حماس خلال السنوات الأخيرة، وفقًا لتحليل غيث العمري، الخبير في الشؤون الفلسطينية في معهد واشنطن للشرق الأوسط.
وأكد دحلان البالغ من العمر 62 عامًا خلال حديثه أن إدارة فلسطينية جديدة يمكن أن تدعو الدول العربية الصديقة لإرسال قوات للمساعدة في الحفاظ على النظام في قطاع غزة، لافتا إن دولاً مثل الإمارات والسعودية ستكون مستعدة للمساعدة، وتمويل إعادة الإعمار، في حال وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية.
وقال دحلان: “إذا كان هناك حلاً بحكم الدولتين، فإن الجواب نعم بشكل كبير”.
وأضاف: “الدول العربية الرئيسية حقًا متحمسة لتسوية هذا الصراع، ليس الحرب، بل الصراع بأكمله”.
ورفضت المملكة العربية السعودية ومصر الإدلاء بتعليق حول الخطة التي وصفها دحلان، ولم تتناول البيانات الإماراتية مباشرة الخطة، ولكنها أشارت إلى أن “مساهمتنا في أي جهد لإعادة الإعمار في غزة ستكون مشروطة” بتعهدات تجاه تحقيق “حلاً بنظام الدولتين”.
ومع ذلك، تواجه الخطة تحديات كبيرة، فالسلطة الفلسطينية والرئيس عباس عارضوا التغييرات في النظام السياسي للسلطة.
وتعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالاحتفاظ بـ “السيطرة الأمنية الشاملة” على غزة والضفة الغربية، رافضا فكرة دولة فلسطينية ذات سيادة، في ظل ارتفاع دعوات اليمين إلى إعادة الاستيطان داخل غزة بمجرد انتهاء الحرب.
ويتطلب أي مقترح بشأن غزة التوافق مع حركة حماس، التي لا تزال تسيطر على جزء من جنوب غزة، خاصة في ظل الوضع الصعب في القطاع وبلوغ عدد الشهداء الى أكثر من 28,000 شهيدا، وتدمير أغلب المباني، حيث قال دحلان إن “بعض أفراد عائلته قتلوا في غزة وأن العديد من منازلهم تم تدميرها”.
انضم دحلان إلى حركة فتح، وصعد ليصبح مسؤول الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وكان في رحلة خارج غزة عندما استولت حماس على السلطة في 2007، مما أدى إلى فقدانه لسلطته وهروبه إلى الضفة الغربية، وبعد أربع سنوات لاحقًا، تدهورت علاقة دحلان مع الرئيس عباس، بعد طرده من فتح واقتحام قوات الأمن الفلسطينية منزله في رام الله، ومغادرته رام الله.
في الإمارات التي اتخذها مقرا له، اكتسب دحلان القوة والثروة والتأثير من خلال صداقته الوثيقة مع رئيس الإمارات، الذي يمثله كسفير في جميع أنحاء المنطقة.
علامات راحته في أبو ظبي كانت واضحة خلال المقابلة التي جرت داخل أراضي قصر تمتلكه العائلة الحاكمة الإماراتية. خارج مكتبه كانت تقف سيارة بنتلي لونها “كروم”، وفي غرفة جلوسه كانت هناك على الأقل 12 أريكة كبيرة.
على الرغم من أن “دحلان كان يُعتبر في وقت ما من قبل بعض الإسرائيليين شريكًا محتملًا، فإنه أظهر قليلًا من التعاطف مع قلق “إسرائيل” في المقابلة. ونفى فكرة محاولته إقناع الإسرائيليين بضرورة وجود دولة فلسطينية. قائلاً “ليس وظيفتي أن أقنع الإسرائيليين. دعهم يذهبون إلى الجحيم”.
وأشار دحلان إلى أنه يعمل على إقناع حماس بتسليم السلطة لقيادة فلسطينية جديدة، ملمحًا إلى أنه يمكن إقناع الحركة بالتخلي عن السيطرة كجزء من حزمة أوسع تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
لعقدين من الزمن، كان دحلان يُعتبر على نطاق واسع كخليفة محتمل للرئيس عباس، ولكن في المقابلة، قال إنه غير مهتم بتولي دور قيادي رسمي.
ويبدو دحلان ليس في عجلة من أمره لمغادرة الإمارات بهدف قيادة عملية إعادة الإعمار المعقدة في نظام سياسي متشنج، ومع ذلك، قضى وقتًا ونفقات كبيرة في الحفاظ على شبكات في الضفة الغربية وغزة، مما يشير إلى أن لديه تطلعات سياسية طويلة الأمد، حسب قول السيد عمري.
وقال المحلل عمري: “إنه ليس شخصاً قد انسحب من فلسطين”.
مثل باقي السياسيين الفلسطينيين الكبار، تجنب دحلان الإدانة المباشرة للهجوم الذي قادته حماس، والذي قال المسؤولون الإسرائيليون إن حوالي 1200 شخص قتلوا فيه.
وانتقد دحلان قادة حماس لادعائهم أن الغزيين كانوا على استعداد لدفع ثمن أعمال الحركة، مضيفا: “الاعتماد على معاناة الناس ليس قيادةً. يريد الشعب الفلسطيني أن يعيش”.
المصدر: نيويورك تايمز
ترجمةوكاله وطن للانباء– كتب باتريك كينجسلي وآدم راسجو