الآن هل نحن قد وصلنا الى مرحلة إغلاق الدائرة في الحرب على غزة.
في البداية أفاقت «إسرائيل» من عيدها على صدمة نفسية وجودية هدّدت كيانها وحطمت عدداً كبيراً من مسلّماتها وأساطيرها ذات صباح…
مع الاستفاقة رويداً رويداً، امتطت حكومة نتنياهو المعدّلة صهوة الانفعالات الطاغية، وذهبت إلى أعلى سقف في التصريحات المنفلتة العنصرية التي تجرّد الفلسطينيين من آدميتهم وتدعو لإبادتهم وترحيلهم إلخ… بلا مبالاة بأية محاذير أو معايير أخلاقية أو قانونية أو دبلوماسية.
وخلال أيام أفلتت اللجام لآلتها العسكرية الضخمة لتبطش بأهل غزة بلا تمييز وبلا كوابح مدعومة من «العالم الحر» المنافق الذي «يحقّ» له ولدلوعته ما لا يحق لسواه…!
في البدايه ساد الاعتقاد لدى قيادة «إسرائيل» وأميركا الحاضنة والغرب المساند أنّ حماس البدائية ستسقط خلال أيام، وبالكاد أسابيع، وستقع في قبضة الجنود «الإسرائيليين» العصريين المدجّجين والنوعيين… لكن، مضت الأيام والأسابيع ووصلنا عتبة الشهر الأول كمحطة افتراضية… أميركا سألت نتنياهو عن الإنجازات؟ فلم يكن لديه شيء سوى جرائم الحرب التي بدأت تقرع الضمير الإنساني كله وفي عقر العواصم الغربيه ذاتها .
طلب نتنياهو التمديد، وقال لبايدن: أريد شهراً آخر وتقدّم في عمق القطاع… فأخذ الشهر الثاني ووصل غزة ومن ثم الى جنوب غزة ومن ثم إلى خان يونس كمحطة فاصلة افتراضية، وساد اعتقاد غذته «إسرائيل» بأنها وكر السيطرة والقيادة ومخبأ الرهائن، وها نحن نتجاوز الشهر الرابع ومع ذلك لم تحسم لا خان يونس ولا شمال غزة ولا حتى وسطها!
«إسرائيل» المحبطة الدين كيشوتية تبدو كأنها تقاتل طائر العنقاء وتحارب أشباحاً تخرج من باطن الأرض ورمالها المتحركة. أسطورة المقاومة تتحقق على أرض المعركه وأسطورة «إسرائيل» تتحطم وتستبدل بالأكاذيب والمبالغات والفبركات .
وعلى أعتاب الشهر الخامس ها نحن قد وصلنا الى حافة الهاوية السحيقة: معركة رفح الفاصلة.
معركة رفح هي الحلقه والمحطة الأخيره من فيلم «لعنة غزة» الذي يعيشه نتنياهو المسرحجي البهلواني أينما ذهب داخلياً وخارجياً.
ولكن رفح تأتي الآن ولا تزال خان يونس صامدة والشمال الغزاوي حيّ يرزق ويقاوم، والشمال الفلسطيني يشهد هجمات حزب الله المتصاعدة العنيدة المقلقة والضاغطة الدامية حتى وإنْ لم يعترف نتنياهو بخسائرها المكلفة وقرّر التستر عليها بسبب جبنة من مصارحة شعبه وخوفه من الحرب النفسية التي يخسرها بكلّ وضوح.
رفح ليست كأيّ مدينة غزاوية، فالناس هناك مكتظون ومكدّسون بلا مأوى وعلاج وطعام وماء وملابس. هم منكوبون لأنهم جرّدوا من كلّ ما يملكون من مقومات، ومجروحون وتائهون ومكلومون وفاقدون لأعزائهم. وفي ظلّ هذه المأساة والنكبة الفظيعة يأتيك المأفون نتنياهو ليهدّد بالبطش بهم غير مبال بمحكمة لاهاي وسيرورتها ولا بتحذيرات غوتيرش ولا قادة العالم الذي ضاق ذرعاً بانفلات «إسرائيل» المحرج.
معركة رفح هي معركة حافة الهاوية، الأراجوز نتنياهو يقول للعالم إما أن تعطوني رأس حماس وإما انني سأواصل «لعبة الحرب» وألقي بالغزاويين في الهاوية…
دخول رفح سيعني وصول الإبادة الجماعية الى ذروة البطش والفتك الذي تتحمّل مسؤوليته «إسرائيل» وأميركا والغرب الذي يدعمها من البداية ويتعامل معها بتفهّم ودلال ويضعها فوق القانون الدولي والإنساني.
تحرك جنوب أفريقيا والجزائر والآن نيكاراغوا ودول لاتينية أخرى يمثل الخط المعاكس للخط الغربي. هؤلاء الأحرار يعكفون على تفعيل المسار القضائي العالمي ضدّ ربيبة الغرب الهائجة وهذه انعطافه ستؤسّس لتغيّر التوجهات الدولية مستقبلاً. يُضاف الى ذلك تنامي الحراك والصحوة الشعبية خاصة في الغرب وتبلوره كقوه ثالثة حية صاعدة وازنة. هذه كلها تغيّرات استراتيجية الأبعاد .
عملية رفح الوشيكة هي حالياً مجرد ورقة ضغط ولها معارضون كثر داخلياً وخارجياً، لكنها في الوقت ذاته وسيلة نتنياهو وغلاة اليمين الفاشي الجنونية المقامرة للبرهنة عن جرأتهم وأداة الأراجوز للتخلص من تهمة «اللصوصية» وأنه ما زال «ملك إسرائيل» المخلص الذي لا يخشى أحداً، فيما هو بين هاويتين سحيقتين: هاوية يوم الحساب وليل السكاكين حيث سينكشف مستور المعارك وعدد القتلى في جيشه، وهاوية واقعة رفح…
معركة رفح واردة جداً وستكون إنْ حصلت مجزرة دموية عبثية لتحقيق أحلام اليمين الفاشي الإسرائيلي وأحلام العرب الخونة الذين ألقوا بيوسف في الجبّ وذهبوا لشعوبهم يتباكون…
*باحث اقتصادي وسياسي ـ القدس
جميع المقالات تعبر عن رأي أصحابها وليس رأي المسار الاخباري