ريما كتانة نزال : بطاقة حمراء ضد السيطرة على الحوار الوطني بطاقة حمراء ضد السيطرة على الحوار الوطني

خيبة الأمل، هي العنوان الأنسب الذي يمكن إطلاقه على اجتماع الإطار القيادي الخاص بالأمناء العامّين أو مَن ينوب عنهم، وهو الإطار الذي اجتمع سابقاً في كانون الأول 2021 وحمل نتائج إيجابية باعتباره إطاراً مقرراً؛ نظراً لطبيعة الشخوص المشاركين، لكن اللقاء الأخير حصد الخيبة السافرة مثْبتاً أن حالة التراجع عامة وشاملة، وتعود للمجتمعين المسؤولية عن هذه النتائج التي خلقت مزيداً من الإحباط، وأدّت إلى تراجع البيئة الشعبية الفلسطينية، لتشكل وعياً لدى المجتمع يقود بالضرورة وبالدليل القاطع لاتخاذ حكم مفاده أن هذا النوع من الاجتماعات لا يسمن ولا يغني من جوع، على المستوى السياسي والمستويَين الاجتماعي والحقوقي.
فشل الاجتماع يعود بالضرورة إلى غياب الإرادة السياسية لتحقيق ما يصبو له الشعب، وما تتطلبه المرحلة من تدابير لمواجهة المخاطر والتحديات التي لا داعي لتكرارها؛ لكثرة ما أشبعت عرضاً وتحليلاً، لكن السبب الأكبر الذي يمنع التقدم في مسار المصالحة يكمن في استمرار استبعاد مكونات المجتمع المدني وقطاعَي الشباب والنساء، والسيطرة على مقدماتها وخواتيمها من الفصائل السياسية ومصالحها: الفصيلَين المنقسمَين أولاً وأخيراً، وبقية الفصائل – للأسف – تلعب دور الكومبارس.
المثير للاستفزاز في اجتماع الأمناء العامّين، استبعاد الأحزاب من وفودها العضوات واقتصار المشاركة على قيادية واحدة من فصيل يساري واحد، بعد أن حققت الحركة النسائية كسر التحفظ على مشاركة النساء وإدماج بعض الفصائل المهمة للنساء في عضوية وفودها، وشهدنا وجود عضوات في الاجتماعات من حركة «فتح» والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحزب الشعب، وحزب فدا، وكنا نأمل أن تقتدي الفصائل الأخرى بهم وتحذو حذوهم.
من المؤكد أن الفصائل والأحزاب السياسة تتحمل المسؤولية عن الانتهاك أو الخلل المرتكب، ولكن لا شك أن العضوات في الأحزاب يتحملن مسؤولية مساوية أو أكثر قليلاً، لصمتهن عن ممارسة التمييز في انتقاء الوفود وتشكيلها، ونتيجة الاستبعاد المزري المبني على علاقات القوة والنفوذ في الحزب السياسي، ولتقصيرهن في إرساء مبادئ المساواة في الهياكل التنظيمية والتمكينية ومتابعتها لتصبح إستراتيجية، خاصة عضوات الأحزاب اللواتي شاركن سابقاً وحرمن من المشاركة لاحقاً،  انطلاقاً من أن المشاركة حق شامل للأعضاء ينبغي صوْنه واحترامه، عليهن المطالبة به وجعله التزاماً وليس خياراً مزاجياً أو رغائبياً، يُستخدم كيفياً وتتحكم به النوازع أو عملية التدافع القيادي التي تجيء على حساب العضوات والتضحية بهن.
أسوق ما سبق على الرغم من أن الاجتماع لم يحظَ بتفاعل واهتمام المجتمع الفلسطيني، وتواضع الآمال المعقودة عليه بسبب فقدانه المصداقية على خلفية التجربة الطويلة من جلسات حوار واتفاقيات تم إبرامها ولم يتم تطبيقها، ولم تفضِ بالحدود الدنيا إلى تخفيف الاحتقان الداخلي ووقف التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات حتى خلال انعقاد الاجتماع وبعد انتهائه.
كان على القيادات النسائية في الأحزاب الانتباه إلى أن الهزات العديدة التي شنتها القوى الظلامية والرجعية كان لها تأثيرها العميق على حقوق المرأة ومشاركتها، حتى تلك الحقوق التي تكرست وتطورت واعتبرت في حكم المنتهية، كالمشاركة في بُنى وهياكل الدولة الفلسطينية المحميّة بقرار من المجلس الوطني بواقع 30%، لأن الأداء النسوي في مواجهة الحملة الشعبوية كان مرتبكاً ومتهافتاً ومتراجعاً، للدرجة التي أفقدت المطالب الحقوقية وجاهتها ومصداقيتها، وأظهر التراجع كما لو أن المطالب شكلانية وسطحية ومُشَكَّك بجدواها، وأعطت الحملة ضد المرأة وحقوقها المشروعة ومؤسساتها المصداقية والصوابية في المنع والتحريم والتشويه.
ندرك أن تحقيق المصالحة يفوق في أهميته المشاركة في تحقيقها، لكن الاستعصاء بسبب تنامي المصالح الفئوية جعل تحقيقها مرهوناً بتوسيع نطاق المشاركة في الحوار، ونزعها من أيادي المتحكمين في مآلاتها ونتائجها، ليس أقل ولا أكثر.
مشاركة مكونات المجتمع الوازنة في الحوار الوطني، بعد مضي ستة عشر عاماً على الانقسام الآخذ في التمأسس والترسخ، عامل مفصلي وشرطي لتحقيقها. مشاركة الجميع إضافة نوعية وعامل إغناء وليست مسألة شكلية، بل إسهام في تلافي الاستقطاب الفئوي الضار، وللتعبير عن مصالح المجتمع وتطلعاته كونها أقرب للقاعدة الجماهيرية.
بات مطلوباً وبشكل فوري رفع البطاقة الحمراء في وجه إقصاء الفاعلين والفاعلات في الحوار الوطني، رفع البطاقة الحمراء في وجه منتهكي قرار المجلس الوطني حول الحد الأدنى لمشاركة المرأة، وإنشاء تحالف يتسع للجميع يقوم بمهام الضغط لكسر استبعاد وإقصاء المكونات التي ستصنع الفرق المنشود.

كافة المقالات تعبر عن رأي أصحابها وليس رأي المسار الاخباري