وسام زغبر … إلى متى سيبقى قتلة الصحفيين الفلسطينيين طلقاء دون عقاب؟!

*مدير مكتب مجلة الحرية في قطاع غزة
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين

كتب الراحل جيرسون كنيسبل «في الحرب أول من يُقتل هي الحقيقة»…
لقد اعتادت دولة الاحتلال الإسرائيلي على قتل الحقيقة واخفاء مدلولاتها وتوثيقاتها، من خلال الاستهداف
الممنهج للصحفيين أثناء عملهم في الميدان، غير ٱبهة بالقانون الدولي والإنساني ولا بقوانين حقوق الإنسان ولا
الحريات العامة والحق في الرأي وحرية التعبير.
إن إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال ماضية في عدوانها وحربها المفتوحة على الصحفيين الفلسطينيين الذين
يمثلون عين الحقيقة في توثيق جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين وخاصة في قطاع غزة الذي يشهد جرائم
حرب يومية بحق الشعب الفلسطيني راح ضحيتها أكثر من 120 ألف فلسطيني ما بين شهيد ومفقود وجريح
وتدمير أكثر من 70% من ممتلكات المواطنين وإصابة بنية القطاع الصحي بالشلل التام.
هؤلاء الصحفيون كباقي أبناء الشعب الفلسطيني أصبحوا هدفاً للاحتلال الإسرائيلي وخاصة أنهم يوثقون جرائم
الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث بلغ عدد الشهداء الصحفيين 134 شهيداً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على
قطاع غزة وحتى الثالث من أيار «مايو» الجاري الذي يصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة كما وثقتهم نقابة
الصحفيين الفلسطينيين.
من المؤكد أن استمرار افلات دولة الاحتلال الإسرائيلي من العقاب يدفعها قدماً نحو ارتكاب مزيد من جرائم
الإبادة بحق الصحفيين، ومن الواضح أيضاً أن تأخر المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان من فتح
تحقيق مستقل بجرائم الاحتلال وخاصة بعد اكتشاف عشرات المقابر الجماعية في قطاع غزة، أو إصدار
مذكرات اعتقال بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين وبوجه خاص رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وقادة
حربه، يدفع تلك الحكومة للتمادي في عدوانها وحربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني وخاصة الصحفيين.
ومن شبيه الصدف، أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة دولة الاحتلال في العدوان على الشعب الفلسطيني
وتمويل ودعم جرائم الإبادة الجماعية، تشهد في هذه الأيام انتفاضة شعبية انطلقت شرارتها من أعرق الجامعات
الأميركية، تعمل على قمع الاحتجاجات الطلابية وتكبيل الحريات وحقوق الإنسان ولا سيما الحق في الرأي
وحرية التعبير، وتعمد على تغييب الحقيقة وقتلها بمطاردة الصحفيين ومنعهم من توثيق انتفاضة الجامعات
الأميركية وانتهاك حقوق الإنسان والحريات.
لم تكتف دولة الاحتلال الإسرائيلي في استهداف الصحفيين الفلسطينيين أثناء عملهم الميداني رغم اتباع غالبيتهم
أدوات السلامة المهنية بارتدائهم دروعهم وخوذهم التي تدلل على هويتهم، بل طاولتهم في منازلهم مع ذويهم،
حيث أفادت تقارير وإحصائيات صادرة عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن 77 منزلاً يعود لصحفيين دُمر وقتل
أكثر من 30 مدنياً من عوائل الصحفيين وأصيب آخرون، في محاولة بائسة لإسكات ومطاردة صوت الحقيقة
والنيل من دور الصحفيين البطولي في توثيق جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
إن استهداف الصحفيين ومنازلهم وأماكن عملهم أصبح ممنهجاً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث دمرت
نحو 86 مكتباً ومؤسسة اعلامية في قطاع غزة حتى كتابة المقال، فيما تتواصل جرائم الإبادة الجماعية يومياً

دون توقف، فيما طاردت طائراته بشتى أنواعها ولا سيما المُسيرات «الدرون» عشرات الصحفيين لتقتل
بعضهم وتصيب آخرين.
رغم المخاطر والمتاعب والاستهداف الممنهج للصحفيين الفلسطينيين وعوائلهم في محاولة لإسكاتهم والنيل منهم
ومن دورهم المهني، سيواصل الصحفيون دورهم في الكتابة بالدم لأجل فلسطين وتضحيات شعبها ومستقبل
أبنائها، وفي توثيق وكشف الحقيقة وفضح ممارسات وجرائم دولة الإبادة الجماعية دون دأب أو كلل،
وسيواصلون تجسيد مقولة زميلتهم الصحفية شيرين أبو عاقلة «ليس سهلاً أن أغير الواقع، لكنني على الأقل
كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم» التي ما زال قاتلوها طلقاء دون عقاب.
وختاماً، إن وقف جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ووقف استهداف الصحفيين الفلسطينيين مهمة إنسانية
ملقاة على عاتق المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية وأحرار العالم، وإن مطاردة ومحاكمة مجرمي الحرب
الإسرائيليين وضمان عدم افلاتهم من العقاب على الجرائم التي اقترفوها بحق الصحفيين وعوائلهم، ستبقى مهمة
ملقاة أيضاً على عاتق المنظمات الدولية ولا سيما التي تعنى بحقوق الإنسان وحرية العمل الصحفي حتى يلقى
القتلة المجرمون مصيرهم في الملاحقة والاعتقال حتى المحاكمة.