صفقة الأسرى مجددا.. لماذا الآن وما الذي تغيّر؟ وحماس مفاوض شرس

داوود سليمان

بعد أيام من عودة الحديث عن صفقة لتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية بقيادة “حماس” وحكومة بنيامين نتنياهو، بدا أن فرص إحراز تقدم حاليا في تلك الصفقة ما زالت تراوح مكانها، بعد كشف هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر مطلع أن إسرائيل لم تقدم للوسطاء حتى الآن وثيقة تتضمن مقترحها.

ولم يسفر لقاء باريس 2، السبت الماضي، عن شيء يُذكر، حيث اجتمع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني مع رئيس المخابرات الأميركية (سي آي إيه) وليم بيرنز، ومدير الموساد ديفيد بيرنيع.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن بيرنيع عرض أمام وزراء مجلس الحرب ملخص اجتماعه مع الوسطاء.

التحركات الإسرائيلية الأخيرة بخصوص إعادة الحياة لمفاوضات الأسرى فاجأت الإدارة الأميركية الداعم الأقوى لإسرائيل، وفق ما نقل موقع “أكسيوس” الإخباري.

إسرائيل المراوغة والتملص

تزامنت التحركات الإسرائيلية لمحاولة إحياء صفقة التبادل مع سلسة من الأحداث شهدتها الساحة الإسرائيلية، إذ عقد الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس مؤتمرا صحفيا هدد فيه بترك الحكومة، وبالتالي رفع غطاء الشرعية التي منحها لنتنياهو بالدخول معه في ائتلاف بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبدوره، عقد وزير الدفاع يوآف غالانت مؤتمرا صحفيا طالب من خلاله نتنياهو بعرض خطة ما بعد الحرب، إضافة إلى بث فيديو المجندات اللاتي اعتقلتهن حماس في عملية طوفان الأقصى.

تتبع مسار التفاوض، الذي بدأ قبل أشهر، يظهر أن نتنياهو اتبع إستراتيجية المماطلة خلال كافة مراحل التفاوض، ومحاولة الضغط على حركة حماس والمقاومة، للقبول بما يعرض عليها بعيدا عما يجري على الأرض من فشل رافق جيش الاحتلال منذ بدء عدوانه على قطاع غزة.

خلال مسيرة التفاوض المتعثر سعت إسرائيل للتخلص من أي التزامات من خلال اتهام الوسطاء بعدم العمل بجدية للتوصل لصفقة، حيث اتهمت قطر بأنها لا تبذل الجهد الكافي في الضغط على حماس، وأنها أقرب إلى مواقف حماس والمقاومة في محاولة للتشكيك بالموقف القطري، الذي سعى للحياد بين الطرفين، كما يفترض بالوسيط.

كما اتهمت مصر لاحقا بتغيير بنود الاتفاق، بعد أن تفاجأ نتنياهو بأن حماس قبلت المقترح الأخير الذي قُدم لها خلال مفاوضات القاهرة الأخيرة.

ورقة إسرائيل الأخيرة كانت رفح، التي هاجمها جيش الاحتلال ليدرك عندها نتنياهو أن مسار الحرب بعدها وصل إلى طريق تجب عنده مواجهة الواقع الجديد، الذي تشكّل في أعقاب معركة طوفان الأقصى، والذهاب إلى طاولة المفاوضات للوصول لليوم الثاني من وقف الحرب.

حماس… المفاوض الشرس

كل ما جرى من جولات التفاوض وتعمّد قتل المدنيين خلال أكثر من 7 أشهر على الحرب جاء محاولة من إسرائيل وداعميها، خاصة الولايات المتحدة، للضغط على حماس للقبول بما يُعرض عليها.

المتتبع لمسار المفاوضات يدرك أن حماس لن تقدم أي تنازل في شروطها الرئيسة، وهي وقف الحرب، والانسحاب من القطاع، ورفع الحصار.

فوفقا لعضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق، فإن “المطلوب بشكل واضح هو وقف العدوان بشكل دائم وكامل في كل قطاع غزة، وليس في رفح وحدها، وهذا ما ينتظره شعبنا وهو المرتكز ونقطة البداية لأي شيء”.

تدرك حماس، وفق مراقبين، أن تطورات ما بعد رفح جعلت سقف المقاومة يرتفع أكثر من ذي قبل، فيما سقف إسرائيل ينخفض، وتتزايد عليها الضغوط من عدة جوانب، مما يدلل على أن المقاومة لن تغير موقفها.

كما تدرك أن تقديم تنازلات في مفاوضات لا توفر لأهل القطاع الأمن من خلال وقف الحرب والانسحاب من القطاع، ورفع الحاصر، يعني خسارتها الكثير من رصيدها وسندها الشعبي.

من ناحية أخرى، فحماس ترى أنها حققت إنجازا كبيرا، سواء يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أو خلال الحرب، وفرض معادلتها على مسار الحرب البرية يمكّنها من فرض شروطها على إسرائيل وعدم تقديم تنازلات كبرى لها.

وتبقى حماس حتى الساعة في وضع مريح أكثر من إسرائيل، التي تعاني ميدانيا واجتماعيا ودوليا.

أميركا وأوروبا… محاولة إنقاذ

على الجانب الآخر، وبعد أكثر من 7 أشهر على الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، ترى الإدارة الأميركية أن إسرائيل في مأزق، خاصة بعد حكم محكمة العدل الدولية بوقف عملية رفح وقرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، لذا تسعى إدارة بايدن لمساعدة الاحتلال بالتخلص من هذا الوضع من خلال إقناع المصريين بفتح معبر رفح، والسماح بإدخال المساعدات للقطاع، مما قد يُسقط تهمة التسبب بإحداث مجاعة في القطاع.

وسارعت أوروبا أيضا لطمأنة إسرائيل من خلال الحديث عن مراقبين أوروبيين للمشاركة في إدارة معبر رفح، الذي انسحب منه الأوروبيون بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.

التحركات الأميركية والأوروبية تهدف لإقناع نتنياهو وطمأنته للعودة للمفاوضات، والقبول ببعض شروط المقاومة، والتعامل مع ملف المقاومة وتهديدها لإسرائيل لاحقا.

فالولايات المتحدة لا تريد لحماس أن تنتصر في الحرب، لكنها تريد اتباع أساليب لا تثير حفيظة الشارع الأميركي والأوروبي، الذي بات البعض منه يتهم حكوماته بالتواطؤ مع إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني.

في الوقت ذاته، يعاني بايدن تراجعا مستمرا في شعبيته متأثرا بالحراك الطلابي، كما يتعرض لـ”مزايدة من الجمهوريين تزعم أن إدارة بايدن تتخلى عن إسرائيل، بهدف رفع حظوظها بالانتخابات المقبلة، والحصول على أغلبية الكونغرس“، كما يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني.

أيا كان مسار المفاوضات الجاري الآن وما قد يعرض على المقاومة ومحاولات الضغط عليها عسكريا وسياسيا، تبقى الكلمة الأخيرة للمقاومة لقبول ورفض وتغير المعادلات التي قام عليها العديد من سياسات المنطقة.

المصدر : الجزيرة نت