مسيرة الأعلام الإسرائيلية: أقسى أيام العدوان على “الأقصى” منذ احتلاله عام 1967

بين تصريحات متناقضة صادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، خلص باحث مقدسي إلى أن المشهد في مدينة القدس، غداة مسيرة الأعلام الاستيطانية، يمكن تلخيصه بأنه أحد أقسى أيام العدوان على المسجد الأقصى منذ الاحتلال عام 1967.

وقال الباحث المقدسي زياد ابحيص أنه “بالمحصلة يمكن القول إن “الأقصى” شهد اليوم أكبر استعراض للأعلام الصهيونية، وللنشيد القومي الصهيوني في ساحاته، وأكبر أداء جماعي لطقس “السجود الملحمي”، وأكبر عدد من المقتحمين في الذكرى العبرية لاحتلال القدس، وإدخال أداة دينية مركزية في الطقوس التوراتية هي “لفائف التيفلين” السوداء، وهي كلها أمور تسجل سوابق في “الأقصى” منذ الاحتلال، وكل ذلك برعاية شرطة الاحتلال وحمايتها، وبرعاية وزراء ونواب كنيست سابقين وحاليين؛ وأمام ذلك فليس من المبالغة القول إن “الأقصى” شهد أحد أسوأ مشاهد العدوان عليه منذ احتلاله”.

سفير ألمانيا لدى إسرائيل وَصَف مسيرة الأعلام وسلوك المستوطنين بالـ”كراهية عمياء”

وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قد أعلن، خلال مسيرة الأعلام التهويدية في باب العمود بالبلدة القديمة في القدس، أن اليهود “أدوا الصلاة في المسجد الأقصى المبارك”.

ويتناقض هذا مع الوضع الراهن، الذي يسمح لليهود بدخول المسجد الأقصى، ولكنه يمنعهم من أداء الصلاة في هذه المنطقة.

وقال بن غفير، في تصريح لوسائل الإعلام، عند باب العمود: “لقد انتهيت للتو من تقييم الوضع في مقر الشرطة في المسكوبية، وقد عدت إلى هنا لشيء واحد، وهو إيصال رسالة إلى “حماس”، وإلى كل بيت في غزة وفي الشمال، من هنا في القدس نقول لهم المسجد الأقصى لنا، وصلّى اليهود اليوم فيه”.

وأوضح بن غفير: “اليوم، وفقًا لسياستي، دخل اليهود إلى البلدة القديمة بحرية، وفي المسجد الأقصى صلى اليهود بحرية. نقول ببساطة المسجد الأقصى لنا”.

وفي المقابل؛ نشر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً صحافياً نفى فيه تصريحات بن غفير، وقال: “الوضع القائم في القدس لم يتغير، ولن يتغير”.

ويحتفي المستوطنون بمسيرة الأعلام في كل عام باقتحام واسع للمسجد الأقصى صباحاً، وبمسيرة الأعلام مساء، التي تنطلق من غرب القدس، وتخترق البلدة القديمة عبر باب العمود، وصولاً إلى ساحة البراق.

وجاءت الذكرى هذا العام في ظل حرب غزة، التي أطلقتها عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما عزّز الاندفاع النفسي للنظر إلى فرض الاقتحام ومسيرة الأعلام، بوصفها وسيلة صهيونية لتعزيز الذات، ومحاولة تأكيد السيادة المهتزة على القدس، ومحاولة تأكيد القدرة على فرض الاعتداءات في القدس، رغم الردع المتصاعد الذي تفرضه مبادرات المقاومة المتتالية للاشتباك من بوابة القدس، بحسب الباحث المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى ابحيص.

وشهد الاقتحام، يوم أمس، مشاركة 1,600 مستوطن، ما يجعله أكبر اقتحام في هذه الذكرى منذ احتلال الأقصى، كما شارك فيه أربعة وزراء حاليين وسابقين.

وبحسب متابعة الباحث ابحيص، فإن الاقتحام شهد رفع الأعلام الصهيونية في “الأقصى” بالعشرات، وأداء النشيد القومي الصهيوني في مختلف أرجائه بصوت عالٍ ومتكرر دون أدنى محاولة من شرطة الاحتلال لمقاطعة ذلك أو منعه، بخلاف السنوات الماضية.

إلى جانب قيام المستوطنين بأكبر أداء جماعي لطقس “السجود الملحمي” بالانبطاح الكامل على ثرى المسجد الأقصى المبارك، وهذا الانبطاح الجماعي لم يبدأ في الأقصى إلا في عام 2022؛ ما يجعله حقيقة جديدة تجري محاولة تكريسها في “الأقصى”.

ويرى ابحيص أن كل ما جرى في “الأقصى”، يوم أمس، يأتي في إطار خطة الاحتلال الإستراتيجية للإحلال الديني في “الأقصى”، وتبديل هويته من مسجد إلى “هيكل”، تعمل جماعات الهيكل بشكل محموم على نقل وإحياء كافة الطقوس التوراتية فيه، لعلها بذلك تؤسس الهيكل المزعوم معنوياً، تمهيداً لتأسيسه المادي، فتعمل على نقل الصلوات والطقوس، وعلى إدخال الأدوات الدينية إلى “الأقصى”.

وتابع: “في طريقها لإدخال الأدوات الدينية إلى الأقصى؛ سبق لجماعات الهيكل المتطرفة أن أدخلت “القرابين النباتية”، بدءاً من عام 2018، خفية، وفي عامي 2022 و2023 علناً، وسبق لها النفخ بالبوق في الأقصى بدءاً من عام 2021، وهو ما تم التقاطه بالكاميرا لأول مرة في شهر 9-2023، قبيل انطلاق معركة طوفان الأقصى بثلاثة أسابيع”.

شهدت المسيرة اعتداءات بحق الصحافيين خلال تغطيتهم، ورفع لافتات وإشارات نابية

وشدد على أنه في الذكرى العبرية لاحتلال القدس، يوم أمس، جرى تعزيز هذا المسار بإدخال لفائف الصلاة “التيفلين” إلى المسجد الأقصى على يد الحاخام ميخائيل فواه من جماعة “عائدون إلى جبل الهيكل”، التي سبق لها أن أعلنت عن جوائز لمن يدخل القربان الحيواني إلى “الأقصى” في عيد الفصح على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وباتت تعتبر محاولة إدخال الأدوات الدينية إلى الأقصى هدفها المركزي حالياً.

ويرى الباحث المقدسي أنه، إلى جانب ذلك، واصلت جماعات الهيكل المتطرفة سياسة “السيطرة الصوتية” على الأقصى بأداء الطقوس التوراتية بصوت عالٍ على عدد من أبوابه وبداخله في وقت واحد، حتى لا يسمع فيه خلال ساعات الاقتحام إلا صوت الطقوس العبرية، كما واصلت شرطة الاحتلال تقييد دخول المصلين حتى صلاة العصر، وهما سياستان بدأتا في موسم العدوان الذي سبق 7 أكتوبر 2023، وما تزال شرطة الاحتلال وجماعات الهيكل تكرسهما في كل مواسم الأعياد اللاحقة.

يذكر أنه في عام 2021 تقاطعت هذه الذكرى مع يوم 28 رمضان، بعد شهرٍ حافل بالتصعيد في الشيخ جراح وباب العمود، وهو ما حولها إلى نقطة انطلاق معركة “سيـف القدس”، حيث تمكّن المرابطون من منع الاقتحام صباحاً، وتمكنت المقاومة في غزة من تفريق مسيرة الأعلام مساء، على وقع صافرات الإنذار التي دوت في محيط المسيرة بفعل صواريخها.

وكانت محافظة القدس قد علقت، في بيان صحافي، مقتضب على تصريحات الوزير المتطرف بن غفير، يوم أمس، بأنها دليل جديد على إصرار حكومة نتنياهو تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس.

وأضافت: إن السماح لليهود المتطرفين برفع أعلام الكيان، وإدخال أدوات الصلاة التلمودية، وأدائهم للصلوات والطقوس الدينية في الحرم القدسي الشريف تحت حراسة شرطة الاحتلال ورجال الأمن الإسرائيليين، اعتداء سافر على الوصاية الهاشمية، ودليل على كذب نتنياهو بادّعائه الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى.”

ووصفت ما جرى بأنه “تطور خطير ينذر بنيّة جادة لحكومة الاحتلال وضع يدها على المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزيف ومحاولات إلغاء الوصاية الأردنية عليه”.

وطالبت القوى الوطنية والإسلامية في مدينة القدس المملكةَ الأردنية والرئاسة الفلسطينية ومنظمة المؤتمر الإسلامي اتخاذ مواقف جادة، بعد تبجح المتطرف بن غفير في التعدي على الوضع القائم، وسماح قوات الاحتلال لأول مرة للمستوطنين بالصلاة، ورفع علم دولة الاحتلال، وأداء الرقصات التلمودية بحرية في المسجد الأقصى.

كان من بين المقتحمين الإسرائيليين 4 شخصيات سياسية، هي: ما يسمى بوزير النقب والجليل في حكومة الاحتلال يتسحاق فاسرلوف، وعضو كنيست الاحتلال عن حزب (عوتسما يهوديت) يتسحاق كروزر، وعضو كنيست الاحتلال الأسبق موشيه فيجلن، وما يسمى بوزير الزراعة الأسبق أوري أرئيلي.

وبالتزامن مع استباحة الأقصى من المستوطنين فرضت قوات الاحتلال قيودًا على دخول المسلمين إلى الأقصى من حجز لبطاقات الهويات، وتفتيش لكبار السن، كما منعت قوات الاحتلال الشبان والنساء من الدخول، وطالبتهم بالعودة بعد انتهاء الاقتحامات. كما منع الاحتلال المصلين من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الظهر.

واقتحم آلاف المستعمِرين حائط البراق لإحياء ذكرى احتلال كامل مدينة القدس، حيث شهدت المسيرة اعتداءات بحق الصحفيين خلال تغطيتهم للمسيرة، من خلال استفزاز الصحفيين برفع أيديهم أمام كاميراتهم، ورفع لافتات وحركات نابية وعرقلة تغطيتهم الصحفية.

واعتدت قطعان المستوطنين على الصحفي المقدسي سيف القواسمي، بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة، إلى جانب صحافية أجنبية في محيط باب العامود بالقدس المحتلة.

ووثّقت جهات حقوقية وصحافية اعتداءات أخرى بحق الصحفيين، ومنهم: أحمد جرادات، وسعيد خير الدين، ونير حسون، وديالى جويحان، وليالي عيد، وغسّان أبو عيد، وملاك عروق.

يذكر أن سفير ألمانيا لدى إسرائيل ستيفن سيبرت كان قد أصدر تصريحات صحافية وَصَف فيها المسيرة وسلوك المستوطنين بأنه “كراهية عمياء”.

وقال: “إن مشاهد مسيرة الأعلام ليوم القدس، اليوم، عبر البلدة القديمة في القدس تتحدث عن الكراهية العمياء، التي تم تعليمها للمشاركين المتدينين الوطنيين الشباب”.

وتابع: “مشاهد كهذه من القدس، اليوم، لا تتحدث عن الارتباط الروحي العميق بالمدينة الذي شعر به اليهود منذ آلاف السنين. إنهم يتحدثون عن الكراهية العمياء التي تعلمها هؤلاء الأطفال”.