هآرتس .. التفوق اليهودي: عندما تنهار الثقافة وتصبح بربرية

بقلم: نمرود الوني

هذا ما حدث للمسيحية مع فظائع محاكم التفتيش. وهذا ما حدث للالمان مع النازية. وهذا ما حدث للاسلام مع الاصولية القاتلة للقاعدة وداعش. والآن هذا ما يحدث لليهودية مع الكهانية، البيبية والتفوق اليهودي – ثقافة تنهار وتصبح بربرية. هذا تفكك للاعراف وما تبقى من الثقافة الانسانية والحكمة وسيادة القانون، لصالح تحقيق رغبة بدائية تتمثل في تعظيم الذات وكراهية الآخر. واندفاع جماعي نحو اعمال القمع والقضاء على الآخرين على انواعهم، بواسطة عمليات الفتك العشوائية.

البربرية ليست ميزة عرقية أو ايديولوجية أو حتى شخصية، بل هي فقدان صورة الانسانية التي تظهر في السلوكيات التي يمكن أن يهبط اليها كل شخص. ما يفرق السلوك الثقافي عن السلوك البربري ليس الدافع لاشباع الانانية والجنسية والهمجية والعرقية والجغرافية، بل القدرة على تمريرها في منظومة معقدة من القانون والحسابات الداخلية، الاحاسيس، القيم والادراك، التي تحكم عليها بأنها غير شرعية، معيبة أو مرفوضة (من ناحية اخلاقية، دينية، سياسية وكمالية)، وتجد الطريقة لكبحها وتخفيفها وتوجيهها الى سلوكيات غير معادية للمجتمع، أو تدوس على المعايير الانسانية الاساسية لكرامة الانسان.

في التراث اليهودي توجد مميزات كثيرة للحفاظ على الصورة الانسانية والتمسك بسلوك ثقافي. هذه انماط سلوك تظهر في تأكيد الذات كي لا تنجر الى النزاعات الانسانية والغريزية والاستقواء والقبلية. من اجل التصرف باستقامة واحترام وعدالة مع الآخرين، والامتناع عن السلوكيات التي تضر عواقبها بالمصالح العامة ورفاه الآخرين. فكرة الاخلاق مشتقة من الجذر خلق، الذي يعلمنا بأنه من اجل أن تكون مخلوق انساني وجدير ومحترم فانه مطلوب التشدد مع الذات، الطلب من الضمير الامتثال لمعايير عالية من الاستقامة والعدالة والولاء واحترام الآخر. حتى عندما تدفع الغريزة أو المصلحة الشخصية في اتجاه مختلف. هناك اربع افكار رئيسية في التراث اليهودي تتعلق ايضا بالسلوك المتزن والحكيم، التي تمنع الاندفاع والسلوك العنصري واعمال الفتك. الفكرة الاولى هي التعامل بعدالة مع الاجنبي (الآخر)، لأن اليهود انفسهم عاشوا وجربوا بشكل مباشر اساءة حكم الاغلبية العنصرية، بسبب الاعتراف بأن الاجنبي (الآخر) ايضا خلق على صورة الله وأن انسانيته غير معيبة أو ناقصة.

الفكرة الثانية هي أن صهيون يتم فداءها في المحاكمة، باجراء عادل وشفاف، وليس باستقواء أزعر. الفكرة الثالثة هي تفوق المفكرين مثل يشعياهو ويرمياهو وعاموس ونتان هنفيه، الذين يدعون الى التمسك بالاخلاق والاستقامة السياسية، وبشكل عام المسألة الروحية كمقدمة للعمل العام. الفكرة الرابعة وربما الاكثر اساسية، هي السلوك الثقافي والنهج السليم والاسلوب اللطيف ونهج السلام.

هذه الافكار الاساسية الرائعة لليهودية لا تظهر في روح الكهانية والتفوق الديني، التي تنبض لدى المتعصبين، الحريديين القوميين والبيبيين الاسرائيليين الآن. هويتهم تشمل عنصرية وطنية متطرفة يتم تجسيدها في ترسيخ نظام الابرتهايد؛ تنفيذ مذابح ضد الفلسطينيين في المناطق؛ العنف السياسي تجاه اليساريين ومن ينتقدون النظام؛ مهاجمة وسائل الاعلام المستقلة والنيابة العامة وجهاز القضاء؛ التنكيل بالمعتقلين والاعتداء على نشطاء حقوق الانسان ومعاداة اللاجئين ومهاجري العمل؛ عبادة الزعيم كقيصر مرفوع فوق الشعب والقانون.

نحن لم نخترع العجلة. مؤسسات دينية، قومية وايديولوجية، في اماكن كثيرة على مدى التاريخ تدهورت من مكانة ثقافة فاخرة الى حضيض الهمجية. بروحية وصف الفيلسوف جان بول سارتر عنصرية اللاسامية فان وحشيتها تتمثل بالانغلاق تجاه كل ما يمكن أن يعلم أن الآخر وأن الامور التي نراها من هنا لا نراها من هناك. وتفكير آخر يقول بأنه ربما ليس كل الحقيقة والعدل لديك؛ وحقائق جديدة ومبررات عقلانية يمكن أن تقوض افكار مسبقة ومعتقدات ثابتة؛ ترسيخ التعددية والتسامح والابتعاد عن الموضوعية اثناء بلورة مواقف ومحاكمة الواقع.

هذه همجية الذين لا يفترضون في أي يوم بأن كل ما يميزهم هو حقيقي وعادل، وأن كل محاولة لتحقيق الانسانية والعالمية واللياقة والمنطق هي خيانة. هذه هي الهمجية التي تخلق وتدين الشر والفظائع التي ترتكبها اليهودية البيبية والكهانية. وهي تأخذ كل اسرائيل معها نحو الهاوية والكارثة التي لم نتخيل أننا سنواجهها حتى في اسوأ الكوابيس.