الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 28/8/2024

الشرطة الإسرائيلية لا تملك أدوات لمـواجـهـة بـن غـفـيـر

بقلم: أريئيل لفنا

في أيار 2021، في ذروة الفترة الأكثر رقمية في تاريخ البشرية، تم إرسال بيانات للتحريض على العنف في الشبكات الاجتماعية، وحتى الآن لم تتم معرفة من قام بنشرها.

وهاكم مثالاً نموذجياً، “سلام لكل مواطني دولة إسرائيل اليهود. النبي يدعوكم للمشاركة في القتل الجماعي للعرب الذي سيكون في الساعة الثامنة مساء في ساحة الشعب في عكا (في بيانات أخرى تم الحديث عن متنزه بات يم أو ميدان هبيما وغيرهما).

من فضلكم تعالوا مع المعدات المناسبة مثل قفازات الملاكمة والسيوف والسكاكين وقطع من الخشب والصخور والمسدسات والسيارات المحمية من الخنازير، كل شيء. اليوم سنعيد كرامة اليهود إلى البيت”.

المفتش العام للشرطة في حينه، يعقوب شبتاي، قام بإبلاغ رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي عن ذلك في 14/5/2021، وقال إن عضو الكنيست إيتمار بن غفير، رجل الصهيونية الدينية (قبل أن يصبح وزيراً)، مشتبه فيه بـ “إشعال التوتر في أرجاء البلاد وإشعال المنطقة، وهو المسؤول عن هذه الانتفاضة. بدأ هذا بتظاهرة جمعية “لاهافاه” في باب العامود، واستمر بالاستفزاز في الشيخ جراح، والآن يتجول مع نشطاء هذه الجمعية في المدن. أول من أمس نجحنا في تهدئة عكا، حيث وصل إلى هناك مع نشطاء في حافلة وتسبب في الإشعال. لا يوجد لدى الشرطة أدوات لمواجهته”، قال المفتش العام للشرطة ذلك، ولكن لا أحد حاول حقاً فحص ما الذي حدث هناك.

قواتنا، من بينها القضاة المبجلون، اكتفوا بعقاب قاسٍ جداً للعرب الذين تم التحقيق معهم، وعقاب خفيف، إذا حدث، لثلة اليهود الذين يبدو أنه تم التحقيق معهم (مثلاً حول قتل موسى حسونة في اللد الذي أطلقت النار عليه وقتل في عملية “حارس الأسوار”).

الاحتجاجات على ذلك وجهت للسلطات والشرطة والمستشار القانوني للحكومة، ولكن لم يتم الرد عليها. بعد ذلك توقف المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، عن القلق على افتراءات بن غفير وزمرته.

في 26 شباط 2023 حدثت أعمال الشغب في حوارة، التي شارك فيها مئات اليهود.

قلائل تم اعتقالهم، اثنان، أحدهما قاصر، تم إرسالهما إلى الاعتقال الإداري.

ربما هناك أحد يعرف من الذي بادر إلى أعمال الشغب هذه وكيف عرف مئات المشاركين متى يجب قدومهم إلى المكان وما الذي سيفعلونه هناك. ولكن لم ينشر أي شيء حول ذلك. هكذا تفاجأت قواتنا دائماً من جديد بافتراءات “الأعشاب الضارة”، التي يُعتبر المجال ضيقاً لتفسيرها. وتصرف العالم كالعادة.

لكن يبدو أن كل أعمال الشغب والمذابح ضد الفلسطينيين كانت المقدمة، نوع من التدرب على الشيء الحقيقي: أحداث سديه تيمان وبيت ليد في نهاية تموز الماضي، بعد ذلك أعمال الشغب في جيت في 15 الشهر الحالي. من لا يلاحظ حتى الآن أو يصعب عليه الفهم بأن “الحرس الوطني”، الذي أقامه الوزير بن غفير أصبح موجوداً ويضرب كل من لا يتساوق مع القومية المتطرفة و”القوة” اليهودية؟ بهدوء وصمت ومن تحت الرادار، في الوقت الذي يتناقش فيه الجميع حول أسماء المرشحين الذين سيقفون على رأس الحرس الوطني وحول الميزانيات فقد ثارت الشرنقة على خالقها.

الآن، لا يعتبر هذا دعوة لـ “القتل الجماعي للعرب”، وهو لم يعد أعمال شغب في “المناطق”. خلال ثلاث سنوات وصلنا بسرعة إلى الأمر الحقيقي. إلى أين اعتقدنا أن كل هذا العنف سيصل؟ ما هو الفرق بين المفاجأة في 7 تشرين الأول وبين ما حدث في سديه تيمان وبيت ليد وجيت؟ ما كان في السابق بقي على حاله. العنوان مكتوب على الحائط وبحروف بيضاء مقدسة. صحيح أنه في سديه تيمان وبيت ليد وجيت لم يقتل أي مدني إسرائيلي، ولكن من يمكنه أن يقول لنا ما الذي سيحدث في الحادثة القادمة أو التي تعقبها؟ قرب سديه تيمان كانت هناك قوات للشرطة. ولكنها دخلت إلى القاعدة من أجل المساعدة في اعتقال المتظاهرين فقط بعد ساعة على الاقتحام، عندما كان المحتجون قد خرجوا من هناك.

وإلى جانب مثيري الشغب في جيت وجد جنود احتياط لم يفعلوا أي شيء لوقف الذين هاجموا القرية.

يدور الحديث عن أحداث بحجم فظائع. ولكن على صعيد المبدأ هذا يشبه بالضبط ما نشر في الشبكات الاجتماعية في تشرين الأول 2023 وتم التأكيد عليه في التحقيق الذي أجراه الجيش حول كيبوتس بئيري في 7 تشرين الأول.

يجب فحص من الذي بادر إلى هذه الأحداث المذكورة أعلاه، وإذا ما كانت علاقة بينها.

إذا لم يتم فعل ذلك حتى الآن أو أنهم فحصوا ولم يترجموا نتائج الفحص إلى تحقيق جنائي أو أمني، فإن هذا خلل خطير يعني تشجيع المشاغبين ودعمهم.

في العصر الرقمي الحالي يدور الحديث عن فحص بسيط. ولكن يجب على شخص أن يقوم بإجرائه.

في السياق ذاته من الجدير التذكير بأن قضية التنظيم السري اليهودي لم تقلق أبداً المنظومة، إلى أن تبين أن الأمر يتعلق بخطر جوهري بسبب خطة تفجير قبة الصخرة.

خلافاً لعمل مؤيدي ترامب في كانون الأول 2021، هنا لا توجد حاجة إلى الانقضاض على “تلة الكابتول”، فقد سقط هذا الحصن، بصورة ديمقراطية ودون معركة، منذ فترة طويلة. وبخصوص أحداث سديه تيمان وبيت ليد نشر أن لجنة الخارجية والأمن قامت بإجراء نقاش سري حول الموضوع، “اعتقال الجنود، وسلوك المدعية العسكرية الرئيسة والشرطة العسكرية”.

في السياق يذكر أنه في آذار 2020، في آخر ولاية رئيس اللجنة وكرئيس للكنيست، فإن عضو الكنيست يولي إدلشتاين وضع خطاً على قرار المحكمة العليا. لذلك يجب عدم الدهشة من سلوكه الحالي.

كلما ازدادت هذه العمليات يزداد الشعور، للأسف الشديد، بأننا نحن أيضاً، المواطنين اليهود وليس العرب فقط، “غائبون – حاضرون”.

فهل سنستيقظ عندما يقوم الحرس الوطني الشعبي الجديد باقتحام السجن لتحرير يغئال عمير أو عميرام بن أولئيل؟ أو عندما يقرر الوزير أنه بعد أو قبل بناء الكنيس في الحرم قد حان الوقت لإقامة نصب تذكاري على سطح الحرم الإبراهيمي لتخليد ما فعله باروخ غولدشتاين؟

——————————————–

إسرائيل اليوم 28/8/2024

إسرائيل بشأن “الأقصى”: سنعيد مقدسات الشعب اليهودي ونحفظها من “عبث المسلمين”

بقلم: نداف شرغاي

إن فكرة إقامة كنيس في جبل البيت (الحرم) ليست جديدة ولا هي فكرة بن غفير، بل لها أساس وتطلعات، وإن كان بن غفير هو الذي رفع (مرة أخرى) العلم، بطريقته المحددة وبتوقيته غير الناجح.

لولا هذا لاخترنا بحث الفكرة بشكل موضوعي، زمانياً ومكانياً، وليس بشكل ذاتي متعلق ببن غفير، الذي جعل نفسه علماً أحمر على الملأ في تصريحاته المتعلقة بالجبل. إن امكانية إقامة كنيس في المكان الأكثر قدسية للشعب اليهودي، طرحها أناس وحاخامات بعيدون عن بن غفير وآرائه، بعد المشرق عن المغرب.

فقد طرحها الجانب اليهودي في أواخر مؤتمر كامب ديفيد 2000، وأُدرجت في خطة “دار السلام” لزعيم “مبام” الراحل يعقوب حزان، وذكرها محرر جبل البيت موتي غور من قادة حزب العمل، في أحاديث أجراها أواخر أيامه. وحتى الحاخام يهودا عميطال، زعيم “ميماد”، الحزب الديني المعتدل، عُني بذلك، وكذا الحاخامان الرئيسيان شلومو غورين ومردخاي إلياهو، والحاخام الرئيس لـحيفا شآر يشوف كوهين.

وهم الوضع الراهن

يجدر بالذكر مرة أخرى أن الوضع الراهن المقدس في الجبل، الذي يزعم أنه تأذى الآن، يعد وهماً؛ فالمسلمون نفذوا فيه سلسلة من العمليات المضادة وتغييرات جوهرية، تناولناها هنا غير مرة: بناء ثلاثة مساجد إضافية، وتغيير في أزمنة ومناطق الزيارة لليهود هناك، وغيرها. بعد خمسين سنة فقط، جاء التغيير من الجانب اليهودي. والمسلمون، وإن لم يوافقوا عليه، سلموا به: صلوات صامتة، مرتين في اليوم شرقي الجبل، بإشراف وبإذن الشرطة.

غير أن الخطاب المشوه في موضوع إقامة الكنيست في الجبل لا يرتبط فقط ببن غفير، الذي يجدر به أن يحفظ مشورة كهيلت عن ظهر قلب “لكل زمن ووقت، لكل شيء تحت السماء”، بل والحقيقة الأساس أيضاً التي تخفيها إسرائيل منذ سنوات طويلة: في 1967 قدمت دولة اليهود في جبل البيت تنازلاً هائلاً، عظيماً ولا يصدق. أخذت المكان الأكثر قدسية لليهود وأودعته في أيدي دين منافس، الإسلام، الذي بالنسبة له هو المكان الثابت في قدسيته، وذلك في ظل مس شديد بحقوق اليهود هناك. هذا الحدث، الذي -وهو الأمر المفهوم أكثر من أي شيء آخر- تحول ليكون لسبب ما مفهوماً من تلقاء ذاته. لا شيء يشبه من حيث العلاقات بين الأديان في العالم تنازلاً من هذا النوع أو بمثل هذا الحجم. ومن هنا ينشأ دائماً خطاب حول الجبل، الذي دار فقط وحصرياً حول قدسية المكان للمسلمين.

كان في مركزه سؤال واحد ووحيد: بأي قدر تراعي فيه إسرائيل وتحترم هذه القدسية؟ لذا اختفت على نحو شبه تام تقريباً قدسية المكان للدين وللشعب اليهودي، وسلسلة تغييرات جوهرية نفذها المسلمون، وليس اليهود، على الوضع الراهن، وكلها في صالح الجانب اليهودي، مثل فرية الدم الكاذبة القائلة “الأقصى في خطر” ونتائجها – العمليات الإرهابية.

إن البحث في “هل كنيس في الجبل أو لا كنيس في الجبل؟”، ومتى وكيف، كان يمكن له أن يوازن قليلاً من الخطاب حول الجبل. لكن حقيقة أن بن غفير يتصدره، لا تجديه نفعاً ولا تدفعه قدماً.

——————————————–

هآرتس 28/8/2024

ليفين بسطوه على القضاة ورفضه “قانون الأقدمية”.. وزير عدل أم هدم؟

بقلم: أسرة التحرير

في آب 2023 قام قاضي المحكمة العليا يوسف الرون بفعل غير مسبوق، حين رشح نفسه لرئاسة المحكمة العليا. كانت الخطوة تحدياً للمرة الأولى في أوساط قضاة العليا، على عرف الأقدمية الذي يقضي بتعيين القاضي الأقدم رئيساً. وفقاً للعرف، كان يفترض بالقاضي إسحق عميت أن يرث المنصب مع اعتزال إستر حايوت في 16 كانون الأول 2023.

جاء إعلان الرون مناسباً تقريباً كقفاز يد لأجندة وزير العدل يريف ليفين، الذي كان أحد المداميك المركزية في خطة الانقلاب النظامي الذي يروج له، وهو إلغاء الأقدمية المتبعة في إسرائيل منذ بداية أيام الدولة. فاستخدام الأقدمية يمنع تسييس إجراءات انتخاب الرئيس، وتعلق القضاة المعنيين بالوصول إلى رئاسة المحكمة بالمستوى السياسي. أما لفين فيريد العكس؛ فبحكم أنه من الأقلية فهو يمتنع عن عقدها، والمحكمة تدار اليوم، لأول مرة في تاريخها، من قبل قائم بالأعمال القاضي عوزي فوغلمان.

قبل لحظة من اضطرار محكمة العدل العليا التدخل وإصدار الأمر لليفين بعقد اللجنة لتعيين رئيس، أبلغ ليفين القضاة رسمياً أول أمس برغبته في تعيين الرون رئيساً لمدة سنة، إلى أن يخرج هذا إلى التقاعد في سن 70. ووصف ليفين الاقتراح بـ “حل وسط”، لكن على الجمهور أن يعرف بأن غايته كلها هي زق إصبع في عيون قضاة “العليا” (ممن ليسوا الرون)، لإلغاء الأقدمية، ومواصلة الترويج للانقلاب النظامي.

ولكن إذا ما صحا ليفين في الأيام القريبة القادمة، فسينشر القضاة: ياعيل فلنر وعوفر غروسكوف واليكس شتاين، في بداية أيلول، قرارهم في الالتماسات التي تطالبهم بأمر ليفين بعقد اللجنة وانتخاب رئيس للعليا أخيراً. في القرار الذي نشره الثلاثة أمس، اختاروا التعاطي مع ليفين بقفازات من حرير، وهنأوه بما سموه “رؤياه المباركة” لتعيين قضاة بتوافق واسع. نأمل بأن يكون قرارهم قاطعاً أكثر. فامتناع ليفين عن انتخاب رئيس وقضاة للعليا، يمس بجهاز القضاء وبالجمهور الإسرائيلي. لقد تجاوز الحدود منذ زمن بعيد، و”العليا” ملزمة بتوضيح الأمور دون لبس.

إن امتناع ليفين عن انتخاب رئيس دائم وقضاة جدد نابع من انعدام النية الطيبة ومن اعتبارات غريبة. بدلاً من أن يكون وزير عدل، فهو يؤدي دور وزير هدم القضاء في إسرائيل. إن الإخفاق المتواصل يمس بمبدأ فصل السلطات، وبمكانة وأداء جهاز القضاء. حان الوقت ليجلس القاضي عميت على كرسي “العليا” ويزول التهديد عن نهج الأقدمية.

——————————————–

هآرتس 28/8/2024

لماذا تسكت إسرائيل كلها عن جرائم بن غفير في حق الدولة؟

بقلم: تسفي برئيل

ما الذي يجب على رئيس “الشاباك” أن يفعله عندما توضع أمامه دلائل على أن وزير في حكومة إسرائيل يزرع قنبلة في الحرم؟ ما الذي يجب أن تفعله الشرطة إذا وجدت أن وزيراً في الحكومة يعمل يضر بعلاقات إسرائيل الخارجية بشكل يمس أمن الدولة؟

هذه أسئلة نظرية بالطبع، لأنه لا وجود لمثل هذا الوزير في حكومة إسرائيل. ولو وجد فهو أمر غير محتمل، فمن الواضح أنه كان سيجد نفسه في غرفة التحقيق، ويعتقل حتى انتهاء الإجراءات، وبعد ذلك تقديمه للمحاكمة والحكم عليه بالسجن. لو جرت عملية كهذه ضد الوزير نفسه، لتفجرت قنوات التلفاز بصراخ الوزير بن غفير ضد “الإنفاذ الانتقائي للقانون”، الذي تتبعه المستشارة القانونية للحكومة و”الشاباك” وشرطة إسرائيل. وخطابه المؤثر سيبدو كالآتي: “كيف يدينونني، أنا بن غفير، بتنفيذ ثماني جرائم، اثنتان بسبب حيازة مواد دعاية من قبل تنظيم إرهابي، وأخريان بسبب دعم تنظيم إرهابي، في حين وزير الأمن الوطني الذي يعمل على رؤوس الأشهاد وبتصميم ضد أمن دولة إسرائيل؛ ويعلن عن دعم الإرهابيين اليهود ويزود الدلائل على جرائمه بنفسه دون حاجة لإجراء تحقيق – كيف لا يتم فعل شيء بشأنه ويواصل التجول بحرية بيننا؟”.

بن غفير الوزير ليس عضواً في تنظيم سري يهودي جديد، يقتضي متابعة طويلة وزرع عملاء وتنصت سري وجمع مضن للدلائل، ولكنه أيضاً ليس “الذراع العسكري لحركة كهانا”، كما اعتبره روغل الفر (“هآرتس”، 27/8). في الحقيقة، إن موافقة حكومة إسرائيل على أن يكون أحد أعضائها، فإنها تحول نفسها إلى تنظيم إرهابي وتحول بن غفير إلى الذراع العسكري. ومثلما لا فرق في حماس بين ذراعها السياسية وذراعها العسكرية وحماس “الخارج” التي لا تسيطر على ما يحدث على الأرض ولا يمكنها إملاء سلوك السنوار، فهكذا هو نتنياهو أيضاً، “رئيس الذراع السياسي”، لا يمكنه ولا يريد إحباط التهديد الذي يفرضه بن غفير على دولة إسرائيل. وأصبح هو نفسه وكل أعضاء الحكومة شركاء في أفعاله.

إذا كان بن غفير تهديداً إرهابياً فمثله أيضاً من قام بتعيينه ويعتبره شريكاً شرعياً، بالأساس لأنه لا يفعل أي شيء من أجل إحباط العمليات (كما يبدو)، التي ينفذها بن غفير والتي يخطط لتنفيذها. بخصوص هذا الأمر، ينص قانون العقوبات على أن “من عرف بأن شخصاً ما يتآمر على ارتكاب جريمة ولم يبذل ما في وسعه لمنعه أو إيقافه فإن حكمه السجن لسنتين”. هذا البند استخدم في العام 2001 لإدانة مرغلبيت هار شيفي، التي لم تبلغ الشرطة عن نية يغئال عمير قتل إسحق رابين. قبل 15 سنة من إدانتها، أدين ضابطان في الحكم العسكري، النقيب اهارون غيلا والرائد شلومو لفيتان، بتهمة عدم منع جريمة، لأنهما لم يمنعا عمليات التنظيم السري اليهودي ضد رؤساء البلديات الفلسطينيين رغم أنهم عرفوا بأن هناك نية لتنفيذها.

أما هذه المرة، فثمة من يحذرون على الباب. لم يكن أكثر وضوحاً من الوزير موشيه أربيل (شاس) الذي أدرك على الفور وانزعج وحذر من نتائج خطيرة لأفعال بن غفير. قال أربيل إن “الأقوال غير المسؤولة تمتحن تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع دول إسلامية، التي تشكل تحالف النضال ضد محور الشر الإيراني. وعدم الحكمة لديه قد يكلف سفك الدماء”. ولكن حتى أربيل الذي دعا رئيس الحكومة لوضع حد لبن غفير، يستمر في كونه عضواً في تنظيم يعتبر بن غفير وتداً رئيسياً في الخيمة. لا حاجة لحبس الأنفاس، فلا أحد من أعضاء التنظيم الذي يسمى حكومة إسرائيل، يمكن أن يقدم للمحاكمة بسبب عدم منع جريمة. فالتنظيم يحافظ على أعضائه بشكل جيد.

——————————————–

 

 

هآرتس 28/8/2024

صراع على “العليا”: القضاة “هي حصننا الأخير”.. والانقلابيون “سيلاحقوننا بـ 7 أكتوبر”

بقلم: سامي بيرتس

كانت صدمة فشل 7 تشرين الأول ستجعل الحكومة تركز على معالجة الحرب وتقليص الأضرار التي تسببت بها هي نفسها منذ إقامتها، بالأساس منذ اللحظة التي بادر فيها وزير العدل إلى الانقلاب النظامي. ولكن الحجم الكبير للفشل أدى إلى نتيجة معاكسة. فدافع نتنياهو وليفين لمواصلة الانقلاب هو الغالب؛ فالآن لا يكفيهما الإمساك بزمام السلطة، بل ويريدان السيطرة على رواية ما حدث في ذلك السبت اللعين – من تجاهل علامات التحذير، ومن غفا في نوبة الحراسة، ومن هو المذنب.

الرواية التي يرغب بها نتنياهو واضحة؛ أن الجيش و”الشاباك” مذنبان، وأن الحكومة ورئيسها أفضل الناس. للتحكم بهذه الرواية، بات مطلوباً عدة إجراءات، على رأسها السيطرة على تعيين رئيس وأعضاء لجنة التحقيق الرسمية التي ستحقق في الفشل. إذا كان لنتنياهو وليفين قبل 7 أكتوبر أسباب لضعضعة ثقة الجمهور بالمحكمة العليا وتغيير تشكيلتها، فقد أصبح لهما سبب آخر مهم جداً.

اقتراح “الحل الوسط” الذي طرحه ليفين بتعيين القاضي يوسف الرون رئيساً للمحكمة العليا حتى موعد تقاعده بعد سنة، ثم يخلفه الشخص الذي يكرهه، القاضي إسحق عميت، رئيساً للمحكمة، هو مناورة نتنة. حسب أسلوب الأقدمية، فإن عميت هو الذي يجب انتخابه رئيساً. ولكن، هل سيوافق ليفين (وهو الذي يعارض ذلك بكل حزم) على حدوث ذلك بعد سنة؟ شاهدنا الدمار الذي حدث في تسعة أشهر بسبب ثمل القوة منذ لحظة انطلاق الانقلاب النظامي وحتى 7 أكتوبر. يمكن تخيل حجم الضرر الذي سيتسبب به ليفين إذا حصل على رئيس للمحكمة العليا كما يريد لمدة سنة. هو أيضاً يريد تعيين قاض آخر من قبله، أحد مهندسي الانقلاب، الدكتور افيعاد بكشي أو الدكتور رافي بيتون.

يدور الحديث عن تغييرات تضمن السيطرة على تعيين لجنة التحقيق الرسمية، وتعيينات شخصية مشوبة بتضارب المصالح لقضاة في المحكمة العليا، وتسييس المعقل الأخير للديمقراطية الإسرائيلية المتعثرة.

قضية ليفين ليست حلاً وسطاً أبداً، بل وصفة لتدمير المحكمة العليا، وتدمير المؤسسة الأخيرة التي للجمهور في الدفاع أمام سلسلة من الوزراء الضارين والأفكار التدميرية. الحكومة ورئيسها يتجاهلون مواقف مهنية تتخذها المستشارة القانونية، بدءاً بتعيينات مشكوك فيها وانتهاء بقرارات يتخذها نتنياهو في مواضيع أمنية حساسة من ربما تؤدي إلى حرب دون التشاور مع الكابنيت السياسي الأمني، ومن خلال الاعتماد على رأي سكرتير الحكومة يوسي فوكس، الذي أصبح مستشاراً قانونياً بديلاً. في الوقت الذي يدير فيه الوزراء ورئيس الحكومة معركة استنزاف ضد غالي بهراف ميارا، ولا يبقون للجمهور إلا المحكمة العليا كمخرج أخير، فهذا ليفين يعمل من ساحته على إضعاف هذا المخرج الأخير. يسمون ذلك انقلاباً نظامياً، هم يريدون لأنفسهم المزيد من القوة أكثر مما أعطاهم إياه الناخب، ويتجاهلون الأضرار والدمار الذي يلحقونه في الطريق. والآن، يريدون التأكد من أنهم هم الذين سيروون كيف ولماذا كان هذا الدمار.

هذا يلقي على قضاة المحكمة العليا مسؤولية ثقيلة وتاريخية لصد هذه العملية بكل الطرق. القضاة: ياعيل فلنر وعوفر غروسكوفيف واليكس شتاين، حذروا ليفين بأنهم سينتهجون سياسة الإجبار إذا لم يعقد لجنة تعيين القضاة لتعيين رئيس واثنين من القضاة ضمن التشكيلة القائمة. هذا التحذير يدل على أن قضاة يعتبرون محافظين (فلنر وشتاين) باتوا يعرفون خطورة وزير العدل. مرت أربع سنوات ونصف منذ قالت رئيسة المحكمة العليا السابقة استر حيوت، بأنه “لن يسقط أي حصن”. طريق ليفين المتعرجة والمغلقة والكوارث التي حدثت منذ ذلك الحين، تلزم القضاة بوقف أكثر الحكومات الإسرائيلية خطورة وفشلاً من أجل عدم سقوط الحصن.

——————————————–

معاريف 28/8/2024

ولو بزوجها… إسرائيل وفرصة التقرب إلى هاريس والديمقراطيين

بقلم: ليلاخ سيغان

لا شك أن أشهر صيف 2024 توقيت شائق لزيارة أمريكا: مؤتمر ديمقراطي، وترقب مواجهات، وذروة انتخابات عاصفة مع كثير من الحراكات والتقلبات، ومن المبكر المراهنة كيف ستنتهي كلها.

كما أنه توقيت شائق لسماع يهود أمريكيين. الزاوية التي ننظر فيها إلى الانتخابات من إسرائيل ضيقة للغاية، لكن حين نصل إلى الولايات المتحدة نكتشف منظوراً مغايراً.

تحدثت مع بضعة يهود ليبراليين من محبي إسرائيل، أعربوا لنا عن كثير من التأييد في السنة الأخيرة؛ بعضهم يتبرعون وينتمون إلى منظمات مؤيدة لإسرائيل، وبعضهم زاروها وعبروا عن تضامنهم مع بلدات الغلاف، وكلهم يخافون مما يحصل هنا منذ 7 أكتوبر. وما زال ترامب هو العلم الأحمر بالنسبة لهم.

هم ليسوا تقدميين في آرائهم بأي حال، يمقتون الموضة السائدة في تأييد الفلسطينيين، بل ولا يتأثرون على نحو خاص بهاريس أو بنائبها. ومع ذلك، يخافون ترامب أكثر مما يخافون هاريس. في الخيار السيئ بينها وبين ترامب –سيذهب صوتهم إلى كمالا. رغم ميله المؤيد لإسرائيل، فإنهم يؤمنون بأنهم إذا ما انتخبوه للرئاسة، فإن موقفه من إسرائيل لن يكون ذا صلة. فإذا ما اتخذ خطوات مناهضة للديمقراطية تغير وجه الولايات المتحدة، كما يقولون، فسيؤثر هذا سلباً على حياة اليهود الأمريكيين وعلى دولة إسرائيل أيضاً.

اليهود الذين كانوا جمهوريين منذ البداية، تبدو المعضلة عندهم أقل قلقاً، لكن معظم يهود الولايات المتحدة ديمقراطيون. يشعر بعضهم أن الحزب الديمقراطي يخون اليهود، في قسم منه على الأقل. مع ذلك، سيبقى معظم اليهود الديمقراطيين مع الحزب.

أولئك الذين تحدثت معهم سمعوا التزام هاريس بدعم إسرائيل في الخطاب الذي ألقته، وهذا أرضاهم، كما أنهم يستندون جداً إلى حقيقة زواج هاريس من داغ امهوف، يهودي فخور يعرّف نفسه كمقاتل مصمم ضد اللاسامية.

أمريكا مشغولة بنفسها جداً، واليهود الأمريكيون رغم صلتهم بإسرائيل، هم أيضاً مشغولون جداً بأنفسهم أكثر من انشغالهم بنا. نفهمهم؛ فبعد كل شيء نحن الإسرائيليين مشغولون أكثر بكثير بأنفسنا مما بيهود الشتات.

معظم اليهود في الولايات المتحدة يفهمون الوضع جيداً، يعرفون بأن إسرائيل تقاتل ضد جهاديين متخلفين، وقد صدموا بمذبحة 7 أكتوبر بقدر لا يقل عنا، لكنهم يرون المراوحة التي علقنا فيها، ويقولون إن على إسرائيل أن ترتبط بالواقع لتواصل السير إلى الأمام. من ناحيتهم، لا يمكن مواصلة القتال إلى الأبد والادعاء بأننا سننتصر على التو، بينما إسرائيل تخسر الحرب الإعلامية وتأطير الحرب بكل وضوح، والحكومة ببساطة لا تريد أن تعترف بذلك.

كما أنه كان بودهم أن يروا في إسرائيل قيادة تعرف كيف توحد حولها القسم الأكبر من الشعب اليهودي في العالم. واجب جداً عمل هذا في ضوء تصاعد اللاسامية وأزمة الكثير من اليهود في أرجاء المعمورة. لشدة الأسف، هذه ساحة أخرى لا تتمكن الحكومة الحالية من التصدي لها، ومشكوك بأنها تحاول ذلك.

خرجت من هذه المحادثات مع فهم واضح لترشيح هاريس والسبيل الذي تقدم فيه إسرائيل. نحن حساسون جداً لكل نبرة مناهضة لإسرائيل. وعليه، نحن لا نفسر ما يحصل على نحو صائب بالضرورة. صحيح أن هاريس بعيدة عن أن تكون مؤيدة لإسرائيل أو صهيونية متحمسة، لكن بدلاً من أن نقرر بأنها ضدنا ونطور العداء تجاهها، فمن الصواب التقرب منها (ومن زوجها أيضاً).

إن حملة هاريس تخاف أن تثير غضب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الفترة الحساسة ما قبل الانتخابات. لكن قسماً كبيراً من الجمهور مل حقاً الفوضى المؤيدة للفلسطينيين، إن لم نقل المؤيدة لحماس، وهذه العصابة نجحت مؤخراً في التورط مع السود في الولايات المتحدة. وعليه، على إسرائيل استغلال الفرصة وتغيير الواقع لصالحها. علينا اتخاذ نهج أكثر ذكاء لنعيد بناء الجسور مع الحزب الديمقراطي، بدلاً من دفعه إلى أذرع الإخوان المسلمين.

——————————————–

 

 

هآرتس 27/8/2024

الضغط الإسرائيلي لن يدفع مواطني لبنان للتمرد على حزب الله، فهم منهكون

بقلم: تسفي برئيل

“الله حفظ لنا هذه العزة بالصواريخ التي قدمتها ايران لكي يتم اطلاقها من لبنان، من اجل أن يدفع مواطنيه الثمن وليس مواطني ايران، وحتى تبقى كرامة الشيخ في الجحر الذي يعيش فيه خشية أن تقوم المسيرات الاسرائيلية بتصفيته. الله حفظ لنا هذا المجد في الوقت الذي فيه سكان الضاحية في بيروت وجنوب لبنان ينتشرون في كل مكان وهم يبحثون عن ملجأ خوفا من هجمات اسرائيل. هم بالتأكيد فرحين من هذا الرعب لأنه يعطيهم هذا المجد”، هذا ما كتبه أمس بشكل هزلي هشام حمدان، سفير لبنان السابق في المكسيك، في موقع “الجنوبية”. هو ليس وحده الذي استمع بلهفة الى خطاب حسن نصر الله.

كاتب المقالات اللبناني حازم الامين، الذي نشر مقال له في موقع “درج” اللبناني، كان له وصف اكثر دقة ومسموم. “يبدو أن حاجة نتنياهو كي يبيع الاسرائيليين الاوهام هو الذي أملى للقيادة في تل ابيب نشر عدد كبير من الاكاذيب”، قال واضاف. “قصة آلاف الصواريخ التي تم تدميرها، حسب المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، ليست اكثر من حاجة اسرائيل الى انتصار يساوي الانتصار الذي نحن ابناء المجتمعات “المنتصرة والمفلسة” نعاني منه”. ولكن الامين لم يوجه سهامه فقط لرئيس حزب الله، بل هو موجه ايضا لخصوم حزب الله غير القادرين على اصدار بيان يشق الظلام الذي فرضته هيمنة ايران على بلادهم.

مقارنة “خطاب النصر” لبنيامين نتنياهو وحكومة اسرائيل مع خطاب حسن نصر الله والمخلصين له فقط يؤكد على التشابه بين الدولتين، اللتان فيهما فقدت المعارضة الطريق وهي غير قادرة على خلق بديل لنفس “الظلام المهيمن” الذي فرضه الزعماء على دولهم. الفرق هو أن حسن نصر الله وعد في يوم السبت الـ 100 الف من سكان جنوب لبنان الذين تركوا بيوتهم بأنه يمكنهم العودة بسلام الى بيوتهم، وهو الوعد الذي لا يستطيع حتى الآن نتنياهو اعطاءه لعشرات آلاف الاسرائيليين الذين هم مثل جيرانهم اللبنانيين تشتتوا في كل الارجاء.

لكن احتجاج الامين على خصوم حزب الله والشعب اللبناني بشكل عام بأنهم لا يخرجون ضد تحكم حزب الله المطلق بمصيرهم، غير منصف لهم. فاللبنانيون، اكثر بكثير من الاسرائيليين، خرجوا الى الشوارع واحتجوا وتظاهروا ضد الحكومة، وحتى دفعوا الثمن بحياتهم مع التشاجر مع رجال حزب الله، وفي احدى لحظات الذروة التاريخية نجحوا في طرد من بلادهم القوات السورية. في العام 2005 في اعقاب اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري خرج مئات الآلاف الى الشوارع وتسببوا بانسحاب سوريا من لبنان. بعد بضع سنوات اظهر الجمهور اللبناني قوته عندما نجح في اسقاط الحكومات التي فشلت في ادارة الدولة. ولكن لبنان الآن هو دولة منهكة، معظم مواطنيها الستة ملايين لا يعرفون كيفية انهاء الشهر ومن أين سيدفعون رسوم تعليم اولادهم، الذين مقابل فحص طبي يجب عليهم دفع راتب شهر. الليل يقضونه في افضل الحالات على مصابيح الغاز، وفي حالة معقولة على ضوء الشموع، اذا لم يتمكنوا من دفع فاتورة الكهرباء التي يجبيها صاحب مولد الكهرباء في الحي، حيث أن الكهرباء “الحكومية” هي منتج نفد.

قبل عشرة ايام اعلن فراس الابيض، وزير الصحة في الحكومة التي منذ ثلاث سنوات هي “انتقالية”، بأنه يوجد في لبنان مخزون ادوية يكفي لاربعة اشهر. وحتى أنه نشر بأن وزارته قامت بتدشين “خط ساخن” رقمه 1787 موجود تحت تصرف السكان الذين يحتاجون الى المساعدة. الوزير طلب ايضا اظهار استعداد الدولة في حالة اندلاع حرب شاملة تقصف فيها اسرائيل البنى التحتية. لبنان هو دولة مر بكوارث، قال الابيض، وتعرف كيفية التكيف. والدليل على ذلك هو أن المستشفيات في بيروت نجحت في استيعاب 6 آلاف مصاب في 12 ساعة بعد الانفجار الكبير في ميناء بيروت قبل اربع سنوات.

الوزير نسي فقط القول بأنه في هذا الشهر حصل لبنان على 32 طن من المساعدات الطبية من منظمة الصحة العالمية، التي تم توجيهها للمستشفيات في وسط الدولة، لكن معظمها ذهب الى قرى جنوب لبنان. وهو ايضا لم يقل بأن قوة اليونفيل للامم المتحدة التي مهمتها مراقبة تنفيذ القرار 1701، تدعم وتساعد العيادات في جنوب لبنان، وأن الاطباء في القوة يعالجون المرضى اللبنانيين النازحين الذين لا يجدون عيادات حكومية. في تقارير لوزارة الصحة في لبنان جاء أن 30 في المئة تقريبا من الطواقم الطبية الحكومية غادرت الدولة أو تركت المهنة لأن الرواتب لا يمكن أن تعيل عائلاتهم. الخريجون الجدد من كليات الطب يبذلون ما في استطاعتهم للعثور على اماكن عمل خارج الدولة.

متوسط راتب طبيب في الخدمة الحكومية هو 26 مليون ليرة لبنانية، وهو مبلغ مؤثر مع اصفار كثيرة، ولكن عندما يكون سعر الدولار هو 100 ألف ليرة فان هذا المبلغ يصبح 260 دولار. حتى الآن الحديث يدور عن مبلغ جيد نسبيا مقارنة مع راتب المعلم أو الموظف الذي يتراوح بين 50 – 100 دولار. قبل الازمة الكبيرة التي دمرت الاقتصاد اللبناني في 2019، عندما كان سعر الدولار الرسمي 1500 ليرة، فان هذا الراتب اعتبر راتب محترم ووفر حياة جيدة للعائلة. بعد ذلك تدهور سعر الليرة اللبنانية ووصل الى الحضيض، وبنفس النسبة ارتفعت الاسعار. على سبيل المثال، سعر الفحص الطبي بالدولار لم يتغير، وهو 50 دولار. قبل الازمة الـ 50 دولار كانت تساوي 75 ليرة لبنانية، لكن الآن هي تساوي 5 ملايين ليرة لبنانية، وهذا مبلغ خيالي لمعظم مواطني الدولة.

في الاسبوع الماضي صعدت الى العناوين ازمة الكهرباء في لبنان التي أدت الى الظلام شبه الكامل في الدولة. ولكن هذه ليست ازمة جديدة. فشركة الكهرباء في لبنان التي سحبت خلال ثلاثة عقود حوالي 40 مليار دولار من خزينة الدولة، هي المسؤولة الاولى المسؤولة عن الدين الوطني للبنان. خلال السنين لم يتم بعد العثور على طريقة لتنفيذ اصلاحات في الشركة وايصالها الى حالة الربح، وهي الخطوة التي تشكل شرط اساسي لاستعداد صندوق النقد الدولي لاعطاء لبنان قرض. يوجد الكثير من الاشخاص الذين يربحون من الشركة. وهناك الكثير من الاشخاص الذين يربحون من أنها غير ناجعة. قبل سنة تقريبا اقترحت قطر على لبنان انشاء ثلاث محطات للكهرباء، عند استكمالها يتوقع أن توفر ربع استهلاك الكهرباء في الدولة. قطر لم تحصل على رد على هذا العرض. سبب ذلك هو أنه في لبنان يعمل آلاف اصحاب المولدات الذين يكسبون من عدم تزويد شركة الكهرباء للكهرباء.

مثلما في مرات سابقة ايضا في هذه المرة سبب وقف عمل محطة الكهرباء في الزهراني، الوحيدة التي وفرت الكهرباء، هو نقص الاموال لشراء الوقود. قبل سنة وقع العراق على اتفاق مريح وسخي لتزويد الوقود لمحطات توليد الكهرباء، لكن الحكومة لم تسدد الدفعات. قبل ثلاث سنوات لبنان نجح في أن يدفع لتركيا ايضا سعر الكهرباء التي زودته بها. خطة نقل الغاز من مصر والكهرباء من الاردن، نوع من مشروع اقليمي دعمته الولايات المتحدة، لم تتحقق لأن خطوط الكهرباء وانابيب الغاز ستمر في سوريا، التي طلبت عمولة مقابل استخدام الاراضي السورية وخطوط الكهرباء فيها. سوريا توجد تحت عقوبات امريكية، والولايات المتحدة لم تعط الاعفاء المطلوب من هذه العقوبات. الآن يتوقع أن يحصل لبنان على مساعدة من الجزائر، والسفينة الاولى التي تحمل حوالي 30 ألف طن من الوقود يمكن أن تصل في الفترة الحالية. ما الذي سيحدث بعد هذه الارسالية؟ لا أحد في لبنان يوجد لديه جواب.

على هذه الخلفية فان تهديد اسرائيل باعادة لبنان الى العصر الحجري لا يمكن أن يؤثر على مواطني لبنان الذين يشعرون بأنهم يعيشون في فترة ما قبل التاريخ. اذا كان الهدف هو تشجيعهم على التمرد على الحكومة فهم ليسوا بحاجة الى تشجيع من اسرائيل. المشكلة هي أنه لا يوجد في لبنان حكومة يمكن استبدالها، لأنه لا يوجد اتفاق على طريقة استبدالها. اذا كان التوق هو أن الهجمات في لبنان ستجعل المواطنين هناك يقومون بعصيان مدني ضد حزب الله فمن الافضل أن يتم في البداية فحص أي سلاح بالضبط يمكن للمدنيين في لبنان ادارة الحرب من خلاله ضد حزب الله الاكثر تسليحا في الدولة.

——————————————–

هآرتس 27/8/2024

اليسار هو القلق على المخطوفين، اليمين هو البركة المرممة

بقلم: ب. ميخائيل

القلب وبحق منكسر بسبب معاناة عائلة نتنياهو الفظيعة. فهي عالقة بين قرني معضلة فظيعة. الى أين تذهب؟ أي قرن من قرني المعضلة ملح أكثر ومشتعل اكثر وحيوي أكثر؟ ترددها مفهوم. يوجد في نهاية المطاف مبررات للامرين. تقرير أي واحد منهما يتم علاجه أولا، هل تحرير المخطوفين أم ترميم البركة؟ هذا قرار صعب، أنا لا أحسدهم.

من المرجح الافتراض بأن الشخص الذي جهاز تنظيم نبضات قلبه، الطبيعي أو الصناعي، مزود ايضا بمولد الرحمة والمسؤولية. في مثل هذه الحالة كان سيلجأ الى شريكته والقول لها بلطف: يا رفقة (رشيل أو ليئا)، زوجتي العزيزة، هل مهم لك لو أننا قمنا بتأجيل الترميم الغبي للبركة الى حين انتهاء الحرب؟ هل أنت موافقة على ذلك؟ هل هذا ممكن؟ هل ربما نقوم بتركيب حمام في المكان؟. هو يقول ذلك ووجه شاحب قليلا.

في المقابل، الشخص الذي جهاز تنظيم نبضات قلبه مصنوع من التفلون أو من مادة اخرى، ولكونه متحرر كليا من الاعراض الجانبية المزعجة للرحمة والمسؤولية، كان سيترك لزوجته مواصلة نهب خزينة الدولة طالما أنهما يستطيعان ذلك.

لكن بغض النظر عن العرض الغريب للانغلاق والجشع والانانية للزوجين الحاكمين، هناك ايضا تجسيد ممتع للفرق بين اليسار واليمين. هما مختلفان عن بعضهما وبحق حول المبدأ الاساسي، مركز الهدف وجوهر الوجود. في مركز وجود اليسار يوجد الانسان وحياته ورفاهه وحقوقه وسلامته. الانسان، أي انسان، هو الهدف.

في مركز وجود اليمين من جهة اخرى، توجد كل الانواع: العلم، الكرامة، الارض، العرق، الجنس، الدين، الخالق، المعبد، المسيح ومجموعة مختارة من الطواطم المقدسة الاخرى. وفي احيان كثيرة ايضا تمجيد ثروة اصحاب رؤوس الاموال.

بالنسبة لليمين فان الانسان لا يعتبر الهدف، بل الوسيلة فقط. هو الأداة التي مهمتها خدمة بخضوع كل القائمة المذكورة اعلاه. يعززها بعرق جبينه ويمولها بعمله ويدافع عنها بدمائه. باختصار، اليسار هو القلق على المخطوفين، واليمين هو البركة المرممة، هذه هي كل القصة. وكل ما عدا ذلك هو اضاعة للوقت.

من المهم التأكيد على أنه يمكن للانسان تعريف نفسه كما يشاء، يمين أو يسار أو وسط أو فوق أو تحت أو كل شيء. هويته تحددها افعاله، افعاله فقط. الرمز الذي يضعه على ياقته أو العلم لا توجد له أي اهمية. للاسف الشديد، حسب معرفتي بالعالم الروحاني والعملي للزوجين أنا مستعد للرهان بأن البركة سيتم ترميمها قبل عودة المخطوفين الى بيوتهم.

مؤخرا تجري نقاشات صاخبة في اوساط الجمهور حول “المسؤولية”. من هو المسؤول عن الهاوية التي نذهب نحوها بسرعة. هل هو بيبي؟ الجيش؟ الاستخبارات؟ الحكومة السابقة؟ الاحتباس الحراري؟ الضحايا؟. فوضى.

رغم أنني لست رئيس الدولة إلا أنني ارغب في اقتراح حل وسط، الجميع سيتفقون على أن المسؤولين الاوائل عن كارثة المذبحة هم كل الاغبياء أو الاشرار الذين صوتوا لطرف في الائتلاف. هذه الاحزاب ملأت الكنيست بـ 64 خرقة بالية وخاضعة، التي لم تكتف فقط بانزال الشرير علينا الذي يجرنا الى الهاوية ، بل ايضا هي تحافظ على بقائه. وهي بدون ادنى شك المسؤولة مع أل التعريف.

يوجد لدي أمل غبي، أنه في الانتخابات القادمة (اذا كانت انتخابات) سيتدفق الناخبون الى صناديق الاقتراع ولكنهم في هذه المرة سيصوتون لاحزاب الانسان وليس لاحزاب البركة المرممة.

خيبة الامل مضمونة.

——————————————–

هآرتس 28/8/2024

جسر غولان يصل فقط الى منتصف النهر

بقلم: ران شوشان

جميعنا نأمل انتهاء الحرب وعودة المخطوفين بسرعة الى البيت. ولكن من اجل تحقق هذا الامل هناك شرطان. اولا، اجراء الانتخابات للكنيست. ثانيا، فوز المعارضة وتشكيل حكومة جديدة. ولكن للاسف المفتاح لاغلبية برلمانية وتبكير موعد الانتخابات ليس في جيبنا، بل في جيب اعضاء كنيست مجهولين في الليكود. اذا قام خمسة منهم بالانشقاق عن الائتلاف وانضموا للمعارضة فان الحكومة ستسقط.

في مقال له بعنوان “أين كنتم، يا رؤساء الليكود؟” (“هآرتس”، 26/7) تساءل اودي فريدمان وزراء الليكود. “ماذا ترون في الصباح في المرأة؟ كيف لا تخجلون من التعاون مع الذي يقوم بتدمير دولة اسرائيل؟”. لا يوجد لدولة اسرائيل إلا أن تأمل في أن يكون في الليكود اعضاء كنيست يخافون على أمنها ووجودها. مع ذلك، يجب التذكر بأن المسيرة السياسية لاعضاء الكنيست هؤلاء هي القوت اليومي، وبطبيعة الحال هم يخشون على مورد الرزق وليس فقط على مصير الدولة. لذلك، اضافة الى التوجه للمنطق والضمير يجب أن نعرض عليهم مقعد في الكنيست من قبل المعارضة. أين؟.

لذلك، يجب خلق المعارضة من جديد وارتكازها على قدمين بدلا من خمسة. القدم الاولى حزب الوسط – يسار للمصوتين الديمقراطيين وحزب يوجد مستقبل. وقدم اخرى من حزوب وسط – يمين لمصوتي المعسكر الرسمي واسرائيل بيتنا وامل جديد والذين انسحبوا من الليكود. القدم الاولى، اتحاد حزب الوسط – يسار مع حزب العمل – ميرتس، والاتحاد مع حزب يوجد مستقبل سيستكمل ذلك. القدم الثانية تحتاج الى بذل جهد اكبر بسبب التحديق الخالد لبني غانتس للحريديين. كل من له عقل في رأسه يعرف أن الحريديين لن يتنازلوا عن التحالف مع نتنياهو. واذا تركوه فان الحديث ما زال يدور عن قنبلة ديمغرافية موقوتة ستنفجر في أي لحظة. ربما أن غانتس هو السياسي الوحيد الذي يمكنه انقاذ الدولة من الخنق لحكومة نتنياهو، لأن اسمه ما زال يسير امامه بصفته زعيم رفيع في معسكر الوسط، ولأن حزب كبير ما زال يسير وراءه. مستقبل الدولة يوجد في يده. فاذا قام بتشكيل حزب وسط – يمين مع افيغدور ليبرمان وجدعون ساعر فان التاريخ سيعتبره المخلص لدولة اسرائيل؛ لكن اذا ادار الظهر لهم واستمر في مغازلة الحريديين فسيتم تسجيل اسمه بالسوء على صفحاته وسيتم تذكر شراكته مع نتنياهو في التسبب بانهيار الدولة.

توحيد احزاب المعارضة وتقسيمها الى قسمين لن يأتي من تلقاء نفسه. فاذا لم يتم تشكيل طاقم من اجل دعوة وعقد لقاء لرؤساء الاحزاب وباشراك مهنيين وخبراء في ادارة الازمات فانه لن يحدث أي شيء. من سيكون اعضاء الطاقم؟. أنا فكرت ببعض كتاب المقالات في هذه الصحيفة مثل رئيس الحكومة السابق اهود اولمرت، الجنرال احتياط اسحق بريك، البروفيسورة انيتا شبيرا، البروفيسور دان بن دافيد – الذين جميعهم حذروا من الخطر الذي يحدق بالدولة بسبب نتنياهو. وأنا آمل أن يقوموا بخلع القفازات.

المعارضة لا يمكنها الرهان على احزاب صغيرة لا تكاد تلامس نسبة الحسم. من يفضل خمسة احزاب صغيرة وضعيفة بدلا من حزبين كبيرين وقويين، فانه لم يتعلم أي شيء من فشل ميرتس التي لم تتجاوز نسبة الحسم، وسلمت مقاعدها للصهيونية الدينية. بفضل هذه المقاعد حول المستوطنون وشبيبة التلال حياة الفلسطينيين الى جهنم والاحتلال الى أمر لم يعد بالامكان تحمله. معارضة قوية لحزبين كبيرين هي البديل الافضل امام حكومة الجحيم لنتنياهو، التي تعني حرب بلا نهاية وجلوس دائم على كرسي المتهمين في المحكمة الدولية في لاهاي، ومقاطعة دولية آخذة في التصاعد وافلاس اقتصادي، نتيجته الجوع والحرب الاهلية والدمار، مثل الدمار الذي يوثقه يوسف بن متتياهو في كتابه “حروب اليهود”.

الديمقراطية يتم فعلها في الكنيست وليس في الميدان. وبسبب خيبة الامل من المعارضة نحن تنازلنا عن النشاط البرلماني وقمنا باستثمار جهودنا في المظاهرات. وقد نسينا أن المظاهرات هي أداة تساعد في الدفاع عن الديمقراطية، لكنها لا تحل مكانها. لو أننا كنا نتظاهر اقل بقليل ونطلب من اعضاء الكنيست الذين هم من جماعنا توحيد الاحزاب بشكل اكبر، لكانت المعارضة لم تتدهور الى الحضيض الذي وصلنا اليه.

المظاهرات لن تنهي الحرب. من اجل انهاء الحرب واعادة المخطوفين نحن بحاجة الى حكومة جديدة. 18 سنة كنا غارقين حتى العنق في لبنان، ولولا حكومة اهود باراك لكنا حتى الآن غارقين هناك. ايضا في نتساريم كنا سنكون مثل الأوز في حقل الرماية لولا حكومة اريك شارون. اذا لم نقم بتوحيد الاحزاب فلن يتم تشكيل حكومة جديدة، واذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة فنحن سنكون عالقين الى الابد في لبنان وفي نتساريم.

توحيد ميرتس وحزب العمل برئاسة يئير غولان هو خطوة كبيرة في طريق تشكيل حكومة عقلانية تقوم بانهاء الحرب، لكنها لا تصل، مثل الجسر المشهور لافينيون، إلا الى منتصف النهر فقط. في مرحلة معينة في المستقبل القريب سيضطر حزب اسرائيل بيتنا وحزب أمل جديد الى التوحد مع احزاب اخرى من اجل البقاء سياسيا. اذا كان الامر هكذا فلماذا لا يتحدون مع المعسكر الرسمي الآن؟ أليس من الافضل الانتهاء من بناء الجسر في اسرع وقت والوصول الى الضفة الثانية للنهر وعرض حزب على اعضاء الكنيست من الليكود  يكون من الجدير الانضمام اليه؟.

——————————————–

يديعوت احرونوت 28/8/2024

الحرب في غزة والاستنزاف في الشمال تتطلب تخفيض مستوى المسيحانية

بقلم: ناحوم برنياع

أعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن تنحية عدي آندريت، نقيبة في الاحتياط، ضابطة امن لواء الكسندروني. نحاها عن حق: فتصريحاتها الأخيرة في الشبكة لم تنسجم مع البزة التي ترتديها ومع منصبها في الجيش. لكن تنحيتها لا يمكنها أن تخفي الحقيقة المقلقة التي كانت في بعض من اقوالها: محظور على الجيش ان يسلم بخرق الانضباط، لكن هذا لا يعفيه من الاستماع.

بداية العاصفة في تصريحات ليلي درعي، التي ثكلت ابنها سعاديا درعي في القتال في غزة. روغل الفر، المراقب التلفزيوني في “هآرتس” قرأ باقوالها تأثرا بموت ابنها. مراسل آخر، من القناة 11 نشر تغريدة مضادة، وضابطة الامن شعرت بالحاجة لان تغرد ردا من جانبها. اقتبست في ردها رسالة بعثها لمقاتلي اللواء القائد الجديد، العقيد موشيه بيست. فقد أنهى الرسالة بأمر لمقاتلي اللواء ممن استدعوا للخدمة في حدود لبنان: “قرى لبنان ستكون قفراء وطرقها بلا مخرج”، كتبت ضابطة الامن بسخرية لاذعة: الى اللواء دخل قائد جديد شيء أول يتمنى للمقاتلين ان ينفذوه هو إبادة جماعية. رائع.

عن الام الثكلى كتبت: “هي فخورة بالموت. هذا امر رهيب، وهذه هي الصهيونية الدينية – طائفة من أكلة الموت”.

لنبدأ من النهاية: الصهيونية الدينية ليست طائقة. هي إطار يضم في داخله جملة واسعة من الآراء، الأعراف والمعتقدات. الحزب الذي يحمل هذا الاسم سرقه: معظم الإسرائيليين الذين يعرفون انفسهم كصهاينة وكمدينيين لم يصوتوا له. قيادة هذا الحزب هي، بالفعل، طائفة مسيحانية تفعل كل ما في وسعها كي تروج لخراب البيت الثالث.

يصعب علي أن افهم تعبير “اكلة موت”. افترض ان المقصود هو بهجة الحرب، عبادة الدم والموت. مؤشرات على ذلك يمكن أن نجدها في خطابات الوزيرين سموتريتش وستروك ونظرائهما منذ 7 أكتوبر. سيء جدا ان سياسيين من هذا النوع يصلون الى طاولة الحكومة؛ سيء جدا أنهم يملون عليها رؤيا وجدول اعمال، بل وفي فترة قرارات مصيرية. لكن ليس صحيحا ان يعاقب بخطيئتهم الوسط كله.

تصريح قائد اللواء هو موضوع منفرد. يمكن ان يقال دفاعا عنه ان اقوالا تصفوية من هذا النوع ظهرت في رسائل وخطابات قادة عسكريين منذ حرب الاستقلال. كتبها وقالها أيضا رجال أحزاب اليسار مثل الشاعر آبا كوفنر من لواء جفعاتي وبيني مهرشك من البلماخ. تعلموا الأسلوب والكلمات من “أناس بنفلوف” الكتاب الالزامي الروسي لكل مقاتل في الحرب العالمية الثانية. يوجد ضباط مقتنعون بان جملا كهذه يشجع الجنود على الخروج الى المعركة.

هكذا يتحدث أيضا مدربو كرة السلة، حين يتجمع اللاعبون حولهم في اثناء مهلة التوقف. وهذه الخطابات أكثر مما تؤثر على نتاج اللاعبين تؤثر على الشعور الطيب لدى المدرب.

لكن مع ذلك يوجد فارق، الفارق هو في أن قيادة الجيش تفضل دحر لجان اغرانات، ضابطة الامن المنحاة، التي وضعت اصبعها في طريقها. الضابطية القتالية في الجيش الاسرائيلي بمستوى قادة الكتائب والالوية تتأثر اليوم بالضباط الذين لم تعد هذه الاقوال بالنسبة لهم مجرد خطاب – هي تعريف للمهمة. الرسالة التي اخذتها على عاتقها كلية اعداد الضباط في عالي هي وفروعها لتأهيل نخبة جديدة للجيش الاسرائيلي وصلت مع الحرب الى لحظة النضج. لكل قائد فرقة ولواء خريج هذه المؤسسات توجد بالطبع آراء خاصة به وسلم قيم خاص به، لكن الرياح تهب ومن الصعب الخطأ في فهمها. اتجاه الرياح هام على نحو خاص في الحرب الحالية التي بدأت بمذبحة جماعية، صادمة، تترافق وافكار كل مقاتل دخل الى غزة أو طيار يقلع للقصف. حين يكون القلب مشحونا يكون من الافضل الحذر في الكلام. لشدة الاسف، سيطرة هيئة الاركان على القادة وعلى الهوامش حتى بالافعال في الميدان بعيدة عن أن تكون كاملة.

النتيجة هي موت زائد، للمخطوفين، لقواتنا ولغير المشاركين في جانب العدو؛ النتيجة هي تحقيقات ضد اسرائيل وزعمائها في لاهاي واضرار دبلوماسية واقتصادية ستثقل على اسرائيل في السنوات القادمة؛ وبالاساس، تشوش قيمي.

إن الحرب تخرج افضل ما في الانسان: الشجاعة، الرفاقية، التضحية، النباهة؛ كما أنها تخرج منه اسوأ ما لديه: سكرة القوة، الوحشية. احيانا يتورط المقاتلون الاكثر شجاعة في المعركة بالافعال الاكثر اثارة للخجل بعد المعركة: الشجاعة والحكمة هما ميزتان لا تأتيان دوما معا.

بعد 11 شهر من المناوشات في غزة والاستنزاف المتبادل في الشمال من الافضل تخفيض مستوى المسيحانية. الحرب الحالية ليست فرصة اعطيت لنا من السماء لابادة الشر وانقاذ العالم؛ هي مهمة مضنية، ناكرة للجميل، يصعب علينا انهاؤها.

——————انتهت النشرة