حقوقية إسرائيلية: تحرش الجنود بالفلسطينيات ليس مفاجئاً لكونه نتيجة للاحتلال.. هذه مسؤوليتنا جميعاً

تقول الباحثة والمحاضرة الإسرائيلية المختصة بالقضاء والدراسات النسوية أوريت كامير إن التحرش الجنسي بالفلسطينيات من جنود جيش الاحتلال على الحواجز لا يجب أن يكون أمراً مفاجئاً: بحسب عدد كبير من الشهادات، استخدمت أجهزة الأمن التحرش والتهديدات والابتزاز الجنسي دائماً خلال التحقيق مع الفلسطينيين.

في مقال تنشره صحيفة “هآرتس”، توضح كامير أنه، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن الضرر الجنسي بات نوعاً من “العقاب” والانتقام مما قامت به “حماس” من أفعال “إجرامية”، وأصبح شائعاً، وأكثر من ذلك؛ فهناك استخدام إجرامي للأدوات الجنسية بهدف إزعاج الفلسطينيين واستعادة الكرامة القومية، يحظى بشرعية ودعم المخالفين الذين طالبوا بعدم محاكمة المتهمين بعمليات اعتداءات جنسية، وتم تطبيع ذلك على يد ممثلي الجمهور الإسرائيلي والناطقين الرسميين باسم آلة السم التابعة لرئيس الحكومة نتنياهو”.

الباحثة: لم يقف أيّ مسؤول من القيادة الإسرائيلية أمام الجمهور ليقرّ بصورة واضحة بأن التعذيب الجنسي ممنوعٌ دائماً

يشار إلى أن تقريراً نشرته صحيفة “هآرتس” قبل أيام تضمنَ شهادات لنساء من الخليل عن تعرّضهن لتحرش جنسي من جنود الجيش الذين يسيطرون على الحواجز في الطرقات التي يتوجب عليهن المرور فيها. وتقول إحدى الشهادات إن الجندي خلع ملابسه أمامها، وأُخرى قالت إن جندياً أرغم فتاة على سماع محادثة هاتفية مليئة بالألفاظ النابية، وأُخرى عن جندي أغلق أبواب الحاجز وأرغم الفتاة على الذهاب والإياب أمامه كي ينظر إليها.

صمت أو إدانة خجولة

عن ذلك تقول كامير، محمّلةً مجمل الإسرائيليين المسؤولية: “لم يقف أيّ مسؤول من القيادة الإسرائيلية أمام الجمهور ليقرّ بصورة واضحة بأن التعذيب الجنسي ممنوعٌ دائماً، منعاً باتاً، ولا يهم مَن هم الأطراف، وماهية الظروف. لم يضع أحدٌ منهم خطاً أحمر وقال بوضوح إن اختراقه ممنوع. سمعنا إدانات خجولة، في الأساس عن اختراق القاعدة العسكرية والتهجّم على النيابة العسكرية”.

وتتساءل؛ إذاً ما المستغرب هنا عندما يتحرش الجنود على الحواجز، بحسب ادعاءات الفلسطينيات اللواتي يعبرنها. مؤكدة أنه يمكن توقّع سقوط قضايا التحرّش الجنسي بين الجهات المختلفة، من دون أن يتعامل أحد معها: مَن يتعامل مع قضايا التحرش والاعتداءات الجنسية يفضّل اعتبارها قضايا عسكرية، أو سياسية، تخضع لمجال الاحتلال، أو الحرب، وليس الجندر. ومَن يتعامل مع الاحتلال وسلوك الجيش والحرب سيعتبرها قضايا هامشية.

فما معنى التحرش من دون اغتصاب أمام ممارسة أفعال شائنة وعنيفة ضد أسرى مكبلين وعيونهم مغطاة؟ ما معنى إرسال قبلة، أمام تهجير مجتمعات من أراضيها، وحرق مركبات، وتدمير حقول، وضرر بالمواشي؟

فساد مضاعف

كامير، التي تغرّد خارج السرب الإسرائيلي، تقول أيضاً إن الشهادات بشأن التحرّشات الجنسية على الحواجز تدمج ما بين التحرّش الجنسي واستغلال السلطة للإساءة. وترى أنه من المفروض أن يكون الإسرائيليون قد تعلّموا كمجتمع أن هذا المزيج يضاعف الضرر؛ عندما يكون الإنسان صاحب قوة اقتصادية، أو مؤسساتية، أو مكانة مرتفعة، ويفرض نفسه جنسياً على مَن هم أقل منه شأناً، فإن هذا المزيج يزيد في خطورة الضرر.

كامير: أُقرّ في إسرائيل بأن مكانة رئيس الدولة موشيه كتساف، أو الوزير الكبير يتسحاق مردخاي، سمحت لهما بإلحاق الضرر الجنسي بعدد كبير من النساء، وأن فائض القوة لديهما حوّلهما إلى مفترسَين

وتقول إنه قبل حملة “مي تو” ضد الاعتداءات الجنسية في العالم بوقت طويل، أُقرّ في إسرائيل بأن مكانة رئيس الدولة موشيه كتساف، أو الوزير الكبير يتسحاق مردخاي، سمحت لهما بإلحاق الضرر الجنسي بعدد كبير من النساء، وأن فائض القوة لديهما حوّلهما إلى مفترسَين،

واعتداءاتهما صعبة. وتضيف، معلقة على كون سلطة الاحتلال مفسدة اجتماعية أيضاً: “فهمنا أيضاً أن القوة الجماهيرية الكبيرة جداً للحاخامات، مثل إسرائيل تاو، أو موتي ألون، جعلت الضرر الجنسي أخطر.

وتمضي في تشخيص ملامح الفساد الإسرائيلي، محذّرة من الصمت والتأييد الواسعين له: “ما يمنعنا من الاستمرار في طريقنا، ويصعّب علينا رؤية مضاعفة القوة هذه هو الانتماء إلى الجماعة. فالذين تعاطفوا مع موشيه كتساف، كان سبب تعاطُفهم أنه شرقي، ورفضوا رؤية خطورة الضرر الذي ألحقه. والذين تضامنوا مع الحاخامات، رفضوا النظر إليهم على أنهم معتدون جنسياً.

من الواضح أن التضامن مع جنود الجيش الإسرائيليين اليهود، الذين يقومون بمهماتهم الخطِرة في مناطق عدائية، سيصعّب على كثيرين من الإسرائيليين والإسرائيليات تصديق الشهادات، وخطورتها. سيكون من السهل أكثر التشكيك والتجاهل، أو حتى احتضان الجنود المعتدين، مثلما تم احتضان الإسرائيليين الذين اغتصبوا فتاة بريطانية في قبرص”.

إزالة الاحتلال

وتؤكد أن التحرش هو تحرش، واستغلال ميزان القوى يزيد في خطورته، وأن المرأة الفلسطينية التي تعبر الحاجز تكون في علاقة قوة مختلة لمصلحة الجندي المُسيطِر، إنها “تتعلق” كلياً بهذا الجندي، وتحتاج إليه، وتتخوف منه بشكل لا يقل، بل يمكن أن يزيد عمّن كانت تتخوف مَن كانت تحت سلطة المنتج هارفي واينستين في هوليوود.

وتقول إن استغلال القوة التي تضعها الدولة الإسرائيلية في يد الجندي للتحرش والإذلال والسرقة والتخويف وزعزعة الشعور بالأمان تجاه نساء غير محميات هو أمر عدواني وجبان ومخجل بشكل لا يقل عن أفعال واينستين. هذا ممنوع، ويجب محاكمتهم.

وتقول إن سيطرة رأس المال هي التي منحت واينستين القوة الكبيرة، وكذلك النيوليبرالية التي سمحت له بمراكمة قوة كبيرة غير محدودة تقريباً. أمّا ما يمنح الجنود الإسرائيليين القوة على الحواجز بهدف الإخافة والتحرش، فهي دولة إسرائيل: إذا كان هناك مَن يحتاج إلى إثبات أن الاحتلال فاسد، فها هو. لا يوجد ما يمكن أن يغلق الفجوة الكبيرة جداً بين قوات أسياد الحواجز والنساء اللواتي يعبرنها سوى إزالة هذه الحواجز، مع إزالة الاحتلال.

كامير: سيكون من السهل التشكيك والتجاهل، أو حتى احتضان الجنود المعتدين، مثلما تم احتضان الإسرائيليين الذين اغتصبوا فتاة بريطانية في قبرص

وما دامت إسرائيل ترفض إنهاء الاحتلال، وتريد أن تكون دولة محتلة أخلاقية، فعليها التعامل بجدية مع هذه الشهادات التي يحتاج الإدلاء بها إلى شجاعة كبيرة، وأن تحاكم الجنود.

وتختتم الباحثة الإسرائيلية كامير، وهي رئيسة المركز الإسرائيلي لكرامة الإنسان، بالقول: “قبل عام، في صيف 2023، بادر نواب حزبَي “قوة يهودية” و”إسرائيل بيتنا” إلى تغيير القوانين التي تعتبر أن التحرش الجنسي، على خلفية قومية (المقصود في القانون اعتداءات رجال غير يهود على يهوديات)، هو أخطر من التحرش الجنسي الآخر، كالتحرش من طرف رئيس، أو وزير كبير، أو معالج نفسي، أو حاخام. ومنذ ذلك التعديل، يتم التعامل مع التحرش على أساس قومي، وأنه أكثر خطورةً، وبسببه، يمكن الحصول على تعويض مضاعَف للمتضررة. يبدو أن تحرش جنود الجيش في الحواجز وابتزازهم الجنسي للمارّات الفلسطينيات، دوافعهما قومية. وتعديل القانون يسمح بمحاكمتهم والحصول على تعويض مضاعَف”.