المسار: لندن- قال ريتشارد سبنسر، في مقال نشرته صحيفة “التايمز”، إن “حيل الموساد لن تضيء طريق إسرائيل”، فربما أدّت الهجمات لمنع غزو إسرائيلي للجنوب اللبناني، إلا أن الخلاف حول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عميقٌ جداً.
وقال إن مواطني الدول القائمة على الجزر، أو تلك التي يحيط بها حلفاء فقط، قد يندهشون من قرب العدو عندما يصعدون إلى أبراج المراقبة في الدول التي تخوض حرباً. ففي كوريا، يمنح الجانب الجنوبي من المنطقة منزوعة السلاح رؤية سهلة للعمال الفقراء في الجزء الشمالي وهم يعملون في حقولهم على بعد أميال.
وفي الجبال الخضراء الشاسعة، حيث تلتقي إسرائيل ولبنان، لا يفصل بين الجانبين سوى مسافة قريبة مثل مصافحة اليد.
ويقول سبنسر إن الصحافيين الأجانب هم من بين قلائل وقفوا على الجانبين بدون أي عائق، ووقف سبنسر نفسه في الجانب الإسرائيلي على منصة خرسانية، قبل عدة أشهر، حيث أخبره الجنود أنهم جاهزون “لإنهاء ما بدأوه” في الوادي الواقع تحتهم.
وكانوا يشيرون للمحاولات المتعددة من الجيش الإسرائيلي غزو لبنان و”القضاء على الإرهاب” هناك.
ويضيف أن التباهي أمر، ولكن في الظروف المناسبة يجب التعامل معه بجدية. وكانت هذه هي الظروف المناسبة. وفي وقت سابق، قال له أحد الضباط البارزين الذين كانوا يرافقون الجنود، حيث لم يسمح للكاتب هنا الكشف عن هويته، ولكنه كان في وضع يسمح له بمعرفة ذلك، إن القوات الإسرائيلية أكملت خططها لغزو جنوب لبنان، وعرضتها على نتنياهو. وكل ما كان مطلوباً هو موافقة حكومة الحرب عليها.
ومع أنه لم تتم الموافقة على الخطة، على ما يبدو، إلا أن تفجير أجهزة النداء/بيجر، في الأيام الماضية، إشارة عن بداية للغزو الشامل.
وتريد إسرائيل إخراج “حزب الله” من الشريط الحدودي في جنوب لبنان، وهي المنطقة التي احتلتها عام 1982- 2000 ، بهدف تخفيف التهديد على السكان في البلدات الشمالية في إسرائيل، والذين أجبروا على النزوح بعد المواجهات مع “حزب الله” التي بدأت بعد هجمات “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إن “مركز الجذب يتحرك نحو الشمال”.
وفي الظاهر، يبدو أن غزو لبنان أقل صعوبة من تدمير “حماس” التي يختبئ مقاتلوها في أنفاق غزة. وهي محاولة قادت لتدمير كامل القطاع، وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ومئات الجنود الإسرائيليين. ولدى “حزب الله” أنفاقه، لكن المنطقة ليست ذات كثافة سكانية عالية، وقد غادرها معظم السكان لمناطق أكثر أمناً في الشمال اللبناني.
وقال إن إسرائيل قد تنتهي، وبلا شك، بقصف البنى التحتية في لبنان، وحتى الأحياء السكنية في بيروت، لو اندلعت الحرب الشاملة، إلا أن عمليتها لا تحتاج لما شاهدناه في غزة، والتنديد العالمي الذي أعقب هذا. وتدرك إسرائيل هذه الصعوبات، والتي كانت سبباً في عدم شن عملية عسكرية في لبنان.
ويقول سبنسر إن ما ذكره الجنود المتفاخرون الذين لقيهم على المنصة الخرسانية لم يكن نجاحات كاملة لإسرائيل. ويظل اجتياح لبنان عام 1982 مثالاً على ضرورة الحذر وما تتمنى تحقيقه.
فقد نجح الغزو بطرد “منظمة التحرير” من لبنان، لكنه نفّر حلفاء إسرائيل، بمن فيهم رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، وخَلَقَ الغزو أعداء أبديين، حتى مع الفصائل اللبنانية في الحرب الأهلية، والتي كان يؤمل أنها قد تقيم سلاماً مع إسرائيل.
وبالضرورة، لم يحل الغزو مشكلة التهديد الإرهابي. فقد حَلَّ “حزب الله” محَلَّ “منظمة التحرير الفلسطينية”، إلى جانب عدد من الجماعات الأكثر تشدداً.
وكانت المحاولة الثانية في عام 2006 لاحتواء تهديد “حزب الله” أسوأ من الغزو الأول، بل واعتبرها القادة العسكريون الإسرائيليون فشلاً ذريعاً.
وتساءل الكاتب عما سيحدث في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، وأنه سيظل نقاشاً مفتوحاً.
ويقال إن نتنياهو مترددٌ بفتح جبهة جديدة: فهو تاريخياً يتجنّب المخاطرة. أما غالانت، فعندما كان الكاتب في إسرائيل، كان متحمساً نوعاً ما للعملية.
وهناك ملاحظة جانبية مثيرة للاهتمام، فبعدما نشر تقريره، اتصل به ضابطٌ من الإعلام العسكري، وأخبره بقلق أن الأشخاص الذين أجرى معهم المقابلات عند المنصة الخرسانية، تجاوزوا حدودهم، وقلّل من فرص الحرب.
كان ذلك في الماضي، وهذا هو الحال الآن، ولكن من الواضح أن الانقسامات عميقة في الإستراتيجية الأوسع لإسرائيل، داخل كل من المؤسستين السياسية والعسكرية. وقال إن هذا الانقسام أمرٌ يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، وسواء كانت عملية تفجير البيجر في لبنان مثيرة للإعجاب أو السخط، أو كليهما، فالتفسير القوي لتوقيت هذه العملية أنها كانت تهدف إلى أن تكون بديلاً للغزو، وليس تمهيداً له.
وبما أن “حزب الله” لا يمكن تدميره بالفعل، نظراً لقاعدة الدعم له في المجتمع الشيعي الأوسع في لبنان، ولأنه يحظى بدعم إيران، فمن الأفضل له أن يتراجع عن خططه، ويأمل في التوصل لاتفاق لاحق بشأن المناطق الحدودية بدلاً من المخاطرة ومواجهة الدبابات التي قد تنتظره في حال اجتياح إسرائيل للبنان.
وهذا تفكير جيد وبالتأكيد أفضل، فقد حقق الموساد نجاحات كبيرة في الفترة الأخيرة، من قتل القائد العسكري للحزب فؤاد شكر، إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، وقبل ذلك قتل عالم الذرة الإيراني محسن فخري زادة، في عام 2020. ولكن عمليات الاغتيالات هذه ليست حلولاً بل مَراهم، فهؤلاء يمكن استبدالهم.
وبما أن إسرائيل لا تزال في حرب غزة يبدو أنها غير قادرة على إنهائها، فهي لا تملك أي وسيلة للتوفيق بين نفسها وبعض جيرانها، وخاصة لبنان وسوريا، في حين أن دولاً أخرى، مثل الأردن، الشريك السابق، غاضبة من إسرائيل. ويستمر البرنامج النووي الإيراني. وتتخبط حكومة نتنياهو المنقسمة وجيشه المنقسم، ولكن دون أي قدر من الإقناع، وهو الرجل نفسه الذي يكرهه أغلب من يعملون معه. ويتساءل العديد من الإسرائيليين إلى أين يتجهون، ولا تستطيع حيل الموساد أن تقدم لهم الإجابة.
المصدر: القدس العربي