نتنياهو نقل الحرب إلى الجبهة الشمالية لإنقاذ الائتلاف الحكومي

تايمز أوف إسرائيل 22/9/2024

بقلم: أمير بار- شالوم

على مدار أسبوع كامل، تقريباً، جرت مناقشات محمومة في المجلس الأمني ​​بشأن العملية البرية للجيش الإسرائيلي.

وفقاً لعدة مصادر شاركت فيها، طالب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالمزيد من التفاصيل حول العملية: فكرة العملية، واتجاهات التسلل، ووضع الجبهة الداخلية، ونطاق إطلاق الصواريخ من “حماس”، وأكثر من ذلك.

وعندما انتقل المشاركون للحديث عن عدد القتلى والمصابين في الجانب الإسرائيلي قال رئيس الوزراء، الذي كان لا يزال في حالة صدمة من 7 تشرين الأول: “سيكون هناك آلاف القتلى”، فأجابه وزير الدفاع: “لهذا السبب الجيش موجود، لن يكون هناك آلاف القتلى”.

لم يجرِ هذا النقاش، مؤخراً، في ما يتعلق بلبنان، بل جرى قبل 11 شهراً، عشية الدخول البري إلى قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من قرار مجلس الوزراء عدم الموافقة على المخطط الذي اقترحه وزير الدفاع للشمال، الذي وصفه الوزير يوآف غالانت بأنه “فرصة عملية نادرة لتغيير وجه الحملة”.

استدعى رئيس الوزراء أرييه درعي وبيني غانتس وغادي آيزنكوت، الذين انضموا إلى الحكومة على عجل، وتم تأجيل العملية المخطط لها في الشمال.

اليوم يمكن القول إن الطيارين كانوا في الجو بالفعل، وتم تحديد الأهداف للصواريخ والقنابل، وما تبقى هو إصدار الأمر بإطلاق النار. أمرهم وزير الدفاع بالإقلاع والانتظار في مكان ما لأنه لا يريد أن تضيع هذه الفرصة العملياتية بسبب تجنب رئيس الوزراء لاتصالاته.

ولم يتراجع هذا التوتر بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع منذ ذلك الحين.

في الحقيقة ـ التوترات بين الاثنين قائمة منذ آذار 2023، عندما أقيل غالانت في خضم الانقلاب القضائي. واشتعلت الشوارع بعد ذلك، واضطر نتنياهو إلى التراجع عن الإقالة.

لكن السابع من تشرين الأول كشف مرة أخرى عن الحساسيات بينهما.

لم يكن إلغاء الهجوم في لبنان سوى المقدمة. فمنذ بداية الحرب يصطف غالانت مع رئيس الأركان ورئيس “الشاباك”، وهو صوتهما للتعبير عن الأمور التي لا يمكنهما قولها بحكم واجباتهما الرسمية.

ولهذا السبب، ومن أجل دفع المفاوضات العالقة قدماً، قرر وزير الدفاع في أيار الماضي وضع إحدى أهم أوراق إسرائيل على الطاولة في غزة، إخلاء محور “نتساريم” الذي يقسم القطاع إلى قسمين ويسمح لإسرائيل بمنع عودة السكان الفلسطينيين إلى الشمال.

غالانت أدرى بتداعيات الانسحاب من المحور، لكنه كان مستعداً للانسحاب منه من أجل الدفع بصفقة مع “حماس” خوفاً على حياة الرهائن.

اعترض رئيس الوزراء على ذلك خوفاً من انهيار الائتلاف، ولكن الاقتراح أصبح حقيقة في المفاوضات بعد نشره، ولذلك تم إنشاء بند لا يمكن لإسرائيل التراجع عنه.

محاولات نتنياهو المتكررة لاستخدام بند “محور نتساريم” لإحباط الصفقة لم تنجح، وحتى الأميركيون أدركوا أن الصفقة مغلقة، ولم يتطرقوا إلى بند نتساريم في إدارة الأزمة الأخيرة مع “حماس”.

الأزمة التالية كانت محور فيلادلفيا. اصطف غالانت مرة أخرى مع الجيش الإسرائيلي و”الشاباك”، وأعلن أنه من الممكن الانسحاب منه وإبقاؤه مغلقاً من بعيد.

وهنا أيضاً أعلن نتنياهو معارضته، بخطاب وعرض باللغتين. وتم فصل مراسل “جويش كرونيكل” في أعقاب مزاعم غامضة بأن يحيى السنوار كان يعتزم الفرار إلى سيناء مع الرهائن عبر نفق تحت المحور.

وتبين أن الاقتباس غير صحيح، وأثار العديد من الأسئلة حول التوقيت، وقربه بالصدفة من مؤتمر رئيس الوزراء الصحافي بشأن محور فيلادلفيا. لكن هذا لم يكن الضرر الوحيد لذلك المؤتمر الصحافي. فتسببت العروض بشأن فيلادلفيا في أزمة سياسية مع القاهرة.

الإشارة إلى مصر في الخرائط والتلميحات بأنها لا تسيطر على الحدود رسم علامات استفهام حول العلاقات مع حكومة السيسي، التي سارعت إلى إرسال رئيس الأركان المصري إلى الحدود المشتركة مع إسرائيل وقطاع غزة لإثبات السيادة المصرية في المنطقة، وعلاوة على ذلك للتلميح بأن أي تفكير بوجود إسرائيلي على معبر رفح سيواجه مقاومة مصرية شديدة.

وبالذات فيما يتعلق بمسألة التعامل مع “حزب الله” في الشمال، كان نتنياهو وغالانت متفقين لزمن طويل.

وحتى تموز الماضي اعتبر كلاهما الجبهة الشمالية ثانوية. وذلك إلى جانب محاولة من وراء الكواليس للتوصل إلى اتفاق مع لبنان عبر المبعوث عاموس هوكستين.

وكان رئيس الوزراء حذراً جداً في ذكر المسار الدبلوماسي، ربما لأنه كان يخشى إثارة غضب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. فهو لم يذكر صراحة “اتفاقاً مع حزب الله”، لكنه كان يلمح له دائماً في التصريحات ويتابع الأفعال.

وزار في حزيران الماضي مقر اللواء 769 بعد تعرضه لصاروخ ثقيل من “حزب الله”، وهناك قال: “بطريقة أو بأخرى سنعيد الأمن إلى الشمال”. كل شخص فسر هذه الجملة كما يشاء.

في الشهر الماضي أدرك غالانت أن إسرائيل أمام الفرضة الأخيرة للتوصل إلى صفقة رهائن، ولذلك صاغ عبارة “المفترق الاستراتيجي”، ما أثار استياء رئيس الوزراء، الذي اعتبرها بمثابة تقويض له.

لقد فعل غالانت في الواقع ما فعله نتنياهو: خلق خيارين، كما يحب نتنياهو أن يفعل. لكن لم تكن خيارات غالانت “نحن أو هم” – الخيار الثنائي الذي ميز سيرة نتنياهو المهنية، بل خياران سيئان ولكنهما ضروريان في مجال السياسة الأمنية.

الأول: صفقة تعيد الرهائن ولكن تطلق سراح مئات الأسرى الأمنيين وتخلق وضعاً غامضاً بشأن مستقبل “حماس” والقطاع نفسه. والثاني، البديل: استمرار القتال في غزة كساحة ثانوية ونقل مركز الثقل للحرب مع “حزب الله”، على الرغم من كل التداعيات الاستراتيجية لهذه الخطوة.

نتنياهو، الذي يحب التقاعس في اتخاذ القرارات المصيرية، اتهم “حماس” بعرقلة الصفقة (ادعاء صحيح جزئياً لأن السنوار شدد بالفعل بعض الشروط، ولكن هذا حدث بعد أن شدد نتنياهو الشروط هو نفسه).

لقد فهم غالانت أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق، ولذلك تحدث خلال الأسبوعين الماضيين عن التركيز على الشمال.

وأمضى الأيام الأخيرة في قيادة المنطقة الشمالية للمصادقة على الخطط ولقاء القوات التي تدربت على القتال ضد “حزب الله” في مرتفعات الجولان.

الدوافع السياسية وحدها يمكن أن تفسر التحول الحاد في موقف نتنياهو بشأن قضية لبنان. وقد بدأ يتحدث بشكل مختلف، الأسبوع الماضي. ففي أيار الماضي قال في اجتماع لمجلس الوزراء بخصوص السكان الذين تم إجلاؤهم في الشمال: “ماذا سيحدث إذا عادوا بعد أشهر قليلة من الأول من أيلول؟”

في المقابل، قال، أول من أمس – في خضم الأزمة السياسية – للمبعوث الخاص هوكستين: “لا يمكن إعادة السكان إلى الشمال دون حدوث تغيير جوهري في الوضع الأمني”.

يمكن تفسير “التغيير الجذري” بعدة طرق، ويمكن لكل طرف أن يفسرها كما يريد.

يمكن لبن غفير وسموترتش تفسيرها كعزم، وسكان الشمال كبشرى، وغالانت كتهديد لمستقبله.

يبدو أن تأكيد عضو الكنيست، موشيه سعدة، على هذه العبارة عدة مرات، أول من أمس، في القناة 12 لم يكن صدفة، ولم يكن الوحيد.

ولم نذكر بعد كلمة واحدة عن المهر الذي من المفترض أن يحضره جدعون ساعر معه إلى وزارة الدفاع، ربما في شكل الموافقة على قانون التجنيد الجديد، الذي يرضي اليهود الحريديم.

وألمح مراسل موقع “كيكار هشبات”، يشاي كوهين، إلى ذلك، أول من أمس، وسط موجة الشائعات عن إقالة غالانت واستبداله بساعر.

ولكن في هذه الحالة يبدو أن نتنياهو، بكل حكمته السياسية، لا يقيّم بشكل صحيح الغضب بين جنود الاحتياط الذين سيتعين عليهم أن يتحملوا عبء جبهتي قتال عند اندلاع الحرب في لبنان. ومعظم الغضب، بالمناسبة، هو بين القوميين الدينيين الذين يخدمون في الجيش، فقد تصاعد الخلاف بينهم وبين اليهود الحريديم منذ بداية الحرب.

في الوقت الحالي، الإحباط محصور في مجموعات الواتساب وفي المحادثات الشخصية، ولكن إذا تم إقرار قانون تجنيد يعطي الأولوية للبقاء السياسي، فسوف ينفجر هذا الغضب. تنتظر منظمات جنود الاحتياط ما سيأتي به اليوم السياسي، لكنها بدأت تنظم صفوفها لساحة معركة أخرى، ليس في غزة، وليس في لبنان، بل في إسرائيل.