افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 29/9/2024
هل ستندم إسرائيل على اغتيالها نصر الله؟
بقلم: عاموس هرئيل
الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قتل بقصف إسرائيلي في بيروت مساء الجمعة الماضي. وهذا بلا شك العملية الأكثر دراماتيكية في الجبهة اللبنانية منذ أن قامر حسن نصر الله بانضمامه للهجمات على إسرائيل في 8 تشرين الأول الماضي بعد يوم على هجوم حماس الإرهابي في غلاف غزة. بأثر رجعي، نقول إنه بقراره قامر على حياته أيضاً.
عملية الاغتيال فاقمت الفوضى في صفوف المنظمة الشيعية، وزادت قلق راعيته إيران التي توقعت منه نتائج مختلفة تماماً. ولكن رغم أن حسن نصر الله هو المسؤول عن موت آلاف المدنيين والجنود، من إسرائيل والدول الغربية، فمن الأفضل تخفيف هتافات النصر. وعندما يكون حزب الله وإيران مصابين بالصدمة، فعلى إسرائيل الاستعداد لتصعيد محتمل في ردودهم، قد يحدث بواسطة إطلاق صواريخ كثيف على شمال البلاد والمركز، وعن طريق تدخل أكبر للحوثيين في اليمن وتدخل المليشيات الشيعية في سوريا والعراق.
صباح أول أمس، بدأ الإطلاق من لبنان الذي وجه نحو الجليل والأغوار والسامرة ومنطقة وادي عارة. أطلقت عشرات القذائف، وقد سقط صاروخ أرض – أرض في منطقة مفتوحة في مركز البلاد. لم يبلغ عن إصابات ولم يسجل بعدُ إطلاق كثيف على تل أبيب الكبرى.
ثمة بؤرة قلق رئيسية أخرى تتعلق بالتجمعات الإسرائيلية في الخارج والجاليات اليهودية هناك. فبعد اغتيال سلف حسن نصر الله، عباس موسوي، في العام 1992، وقفت إيران وحزب الله وراء عمليات تفجيرية ضد سفارات إسرائيل وضد مبنى الجالية اليهودية في الأرجنتين. والحساب أبعد هذه المرة.
عندما استبدل حسن نصر الله بموسوي، سرعان ما تبين أن التصفية الأولى كانت عملية خاطئة. وتبين أن حسن نصر الله كزعيم، حول حزب الله من منظمة محلية إلى رأس حربة لنفوذ إيران في المنطقة كلها؛ لكن ولأن رجاله سفكوا دماء الكثير من السنيين عندما حاربوا إلى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية في سوريا في العقد الماضي، فمن غير المفاجئ أن موته استقبل بفرح في عدة دول سنية وفي أوساط الطوائف الأخرى في لبنان.
قنبلة تلو قنبلة
إسرائيل الآن في منحى تصعيد واضح أمام حزب الله منذ 17 أيلول، وهو اليوم الذي حدث فيه هجوم البيجرات في لبنان (هذه العملية لم يتم تحمل المسؤولية العلنية عنها). الأربعاء الماضي، تبلور قرار في المستوى السياسي، الذهاب إلى الخطوة الأشد، وهي اغتيال الأمين العام. استمرت الترددات حول ذهاب رئيس الحكومة، نتنياهو، لإلقاء خطاب في الجمعية العمومية في نيويورك في تلك الليلة. وزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الموساد دادي برنياع ضغطوا لمواصلة العملية.
كانت لنتنياهو تحفظات، حتى على خلفية الخطاب وإزاء الاقتراح الأمريكي – الفرنسي للإعلان عن وقف إطلاق النار. في نهاية المطاف، قرر العمل في الوقت الذي كان فيه في نيويورك (إن كان قد اضطر إلى تبكير عودته إلى هذا اليوم). حسب ادعاء جهات سياسية، إن ذهابه إلى الجمعية العمومية كان جزءاً من عملية التمويه التي استهدفت تضليل حسن نصر الله، ويمكن أن نتعامل بنفس درجة الجدية أيضاً مع خدع أخرى تناقض ذلك، التي أطلقها مكتب رئيس الحكومة مؤخرا.
حدث الهجوم عندما كان حسن نصر الله في منشأة تحت الأرض تستخدم كقيادة للمنظمة، تحت مبنى متعدد الطوابق في الضاحية، الحي الشيعي في بيروت. كان الانفجار في الضاحية كبيراً جداً إلى درجة أن احتمالية الخروج بسلام من هذا الهجوم، حتى للأشخاص الذين كانوا تحت الأرض، ضئيلة جداً. وأبلغوا شهود عيان عن تدمير ضخم وحفرة عميقة تدل على استخدام محسوب لقنبلة تلو قنبلة لاختراق عمق الأرض. هذه قدرة عرضها سلاح الجو للمرة الأولى في 2016 عندما دمر أنفاقاً في قطاع غزة بقنابل اختراقية. وإيران، التي جزء من منشآتها النووية تحت الأرض، قد يكون لها اهتمام كبير بقدرة إسرائيل الكبيرة التي تم استعراضها. ونشر من بيروت عن مئات العالقين تحت الأنقاض. ربما يصل عدد القتلى والجرحى جراء الانفجار إلى بضع مئات.
عقد حسن نصر الله جلسة تشاور مع شخصيات رفيعة أخرى، على خلفية تفاقم العمليات الهجومية الإسرائيلية. حسب منشورات أجنبية، كان بين القتلى جنرال إيراني، نيلفروشان، الذي حل محل حسن مهداوي في رئاسة “فيلق القدس” التابع لحرس الثورة في سوريا ولبنان. وثمة قتيل آخر هو علي كركي، قائد جبهة الجنوب في حزب الله، الذي نجا من محاولة اغتيال الأسبوع الماضي.
عدد القتلى الكبار في حزب الله مرتفع جداً. المس بسلسلة القيادة أكثر شدة مما كان يمكن تقديره في البداية. جزء من القادة الذين قتلوا هم أصحاب تجربة تصل لعشرات السنين في مناصبهم. من يخلفونهم سيحاولون الدخول إلى أحذيتهم الكبيرة خلال الحرب، حيث حزب الله، جريح وبقايا قيادته في حالة هرب.
يضاف إلى ذلك الآن موت حسن نصر الله. في الخلفية، ثمة شعور بمس شديد بشبكات اتصال حزب الله ومخازن سلاحه. جزء كبير من قدرات حزب الله الصاروخية، بما في ذلك التي للمدى المتوسط، أصيبت بصورة شديدة رغم امتناع الجيش الإسرائيلي ذكر تقديرات بالأرقام، خلافاً لبعض السياسيين. يمكن التدليل عن الفوضى في صفوف حزب الله رده المحدود في ساعات ما بعد عملية الاغتيال، إلى أن استؤنف إطلاق الصواريخ صباح أمس. وحتى الآن لا شك في أن جزءاً من وحدات الإطلاق تواصل العمل وفقاً للسيناريوهات التي تدربت عليها خلال سنين. ويواصل سلاح الجو هجماته في جنوب لبنان والبقاع وبيروت. طلب الجيش الإسرائيلي من سكان الضاحية الجنوبية الإخلاء حول بعض المواقع التي -حسب أقواله- يخفي فيها حزب الله مخازن سلاح.
أظهرت إسرائيل في الفترة الأخيرة أفضلية كبيرة على حزب الله، في جمع المعلومات والتخطيط والتنفيذ، أكثر بكثير مما قدرت بيروت وطهران. هذه نتائج عمل متواصل وجذري، جرى خلال 18 سنة منذ انتهاء حرب لبنان الثانية. هذا هو الفرق بين ساحة رئيسية، التي استثمرت فيها الجهود المطلوبة، وبين الاستخفاف والغطرسة التي تعاملت بها المنظومة مع قطاع غزة كساحة ثانوية حتى كارثة 7 تشرين الأول.
المفاوضات دُفنت
الضربات غير المسبوقة التي تعرض لها حزب الله تثير تخبط طهران. بنيت ترسانة السلاح الضخمة في لبنان بتمويل إيران لردع إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية. فقد بعضها في الفترة الأخيرة، والمتبقي في خطر إذا استمرت الحرب في الشمال. لإيران اعتبارات أخرى، على رأسها علاقتها مع الولايات المتحدة ورغبتها في تطوير المشروع النووي من تحت الرادار، إلى حين الوصول إلى الموعد النهائي الذي سيكون فيه بالإمكان إعادة فرض العقوبات عليها في إطار الاتفاق مع الدول العظمى في 2015، بعد سنة. كما يبدو، هذه هي الأسباب التي أحجمت إيران بسببها، رغم تهديداتها، عن القيام بانتقام مباشر من إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية، الذي هو من كبار قادة حماس، في طهران قبل شهرين تقريباً. في المقابل، يجب أن يأخذ النظام في الحسبان المس بمكانة حزب الله في لبنان وفي كل العالم العربي. من لوح براية المقاومة ضد إسرائيل وشكل نموذجاً أيضاً لمنظمات الإرهاب الفلسطينية هو في أكبر أزمة في تاريخه، ويفقد شعبيته بسرعة، وحتى في أوساط الطائفة الشيعية في لبنان.
الأهم هو الرد الأمريكي على الأحداث الأخيرة. الهجوم في الضاحية دفن حسن نصر الله وكبار قادة حزب الله، بل وجهود وقف إطلاق النار في الصيغة الحالية. على الإدارة الأمريكية طرح خطة جديدة وبسرعة واستخدام الضغط السياسي الذي لم تستخدمه حتى الآن، إذا كانت تنوي التوصل إلى نتائج. ليس للأمريكيين قدرة حقيقية على التنصل من تصفية حسن نصر الله، العدو اللدود والمسؤول خلال أربعين سنة عن موت الكثير من مواطنيهم. ولكنهم أيضاً غير راضين عن خطوات نتنياهو، الذي أمر بالهجوم أثناء عملية المفاوضات حول وقف النار. ولدى الإدارة الأمريكية خوف كبير من أن يحاول رئيس الحكومة جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية لضرب المنشآت النووية في إيران.
يبدو أن تصفية حسن نصر الله تعطي إسرائيل أخيراً الفرصة لإنهاء المناوشات الدموية في الشمال والجنوب. يقول الجيش إن الذراع العسكري لحماس هزمت فعلياً في قطاع غزة، بعد استكمال العملية في رفح، وأن حماس تعمل الآن على صيغة مقلصة جداً تتمثل بحرب العصابات. حسب موقف هيئة الأركان، هذه فرصة للعودة والدفع قدماً بصفقة التبادل. القلق على مصير الـ 101 مخطوف المحتجزين في القطاع ازداد على خلفية الظروف القاسية التي احتجز فيها المخطوفون الستة الذين قتلوا على يد حماس وعثر على جثثهم في رفح.
في المقابل، هناك ضغط على الحكومة من قبل رؤساء مجالس في الجليل وسكان الشمال لعدم وقف الهجوم على حزب الله والسعي إلى عملية برية أيضاً، بهدف خلق وضع أمني أكثر استقراراً على الحدود مع لبنان. رغم الاستعداد للعملية البرية يبدو أن القرار النهائي لم يتخذ بعد. كالعادة، هذا القرار يتعلق باعتبارات نتنياهو السياسية واعتماده المطلق على شركائه في الائتلاف في اليمين المتطرف، الذين يدفعون نحو مواصلة الحرب الأبدية.
——————————————–
معاريف 29/9/2024
اغتيال نصر الله النافذة الأقرب المطلة على هدف إسرائيل الاستراتيجي: النووي الإيراني
بقلم: موشيه بوزايلوف
إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو، عرضت مؤخراً خطوة استراتيجية ذكية ومخططة جيداً، أدت إلى تصفية حسن نصر الله، زعيم حزب الله إلى جانب معظم قيادة المنظمة.
تصفية نصر الله تشكل علامة فارقة في تاريخ الصراع ضد منظمة الإرهاب، وأكثر من ذلك، تؤشر إلى بداية خطوة أوسع، هدفها ضرب المشروع النووي الإيراني وضمان مستقبل الشرق الأوسط.
الخطوة التي أدت إلى تصفيته لم تكن حدثاً وحيداً أو مصادفاً. هذه نتيجة حيلة استراتيجية ذكية، في أثنائها، على الأقل حسب تقارير أجنبية، نجحت إسرائيل في اختراق منظومات اتصال حزب الله الداخلية باستخدام أجهزة البيجر المفخخة.
هذه الحيلة، التي أدت إلى جلبة في أوساط مستويات قادة السرايا وحتى مستوى أصحاب القرار، استهدفت تشويش وإنهاك مدرج القيادة في المنظمة. هذه الحيلة خلقت نقطة ضعف عملياتية خطيرة، استخدمها الجيش في ساعة الذروة، تصفية كل مدرج قيادة حزب الله في هجوم مخطط جيداً على مقر قيادة المنظمة في الضاحية جنوبي بيروت.
التصفية مرحلة واحدة في خطة استراتيجية أوسع. فقد أعدت إسرائيل نفسها مسبقاً لرد محتمل من جانب إيران، التي هي تحت ضغط شديد في ضوء الخسائر الجسيمة التي تكبدها حزب الله.
التوقعات واضحة: إيران سترد، وستضطر لذلك بشكل يحافظ على مكانتها في العالم الشيعي. ليس صدفة أن خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، قبل نحو ساعتين من الهجوم، حذر إيران من أن “أيام تجلّد إسرائيل انتهت”.
مما قاله رئيس الوزراء في الخطاب، أفهم أن إسرائيل تتوقع رداً إيرانياً. أقدر بأنه حسب فهم نتنياهو الاستراتيجي وجهاز الأمن الإسرائيلي، فسيوفر الرد الإيراني الواسع، سواء من خلال هجمة صواريخ أو هجمة وكيل في المنطقة، شرعية لإسرائيل للعمل بشكل أوسع، ثم مهاجمة المشروع النووي الإيراني مباشرة. نتنياهو، بتشجيع من قيادة الأمن، مفعم بالفهم بأن التهديد النووي الإيراني خطر أكبر على إسرائيل والشرق الأوسط كله.
إن تصفية قيادة حزب الله في هذا التوقيت ليست إلا وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر: تصفية البرنامج النووي الإيراني.
الرد المتوقع من جانب إيران لن يخدم إسرائيل فقط من ناحية عملياتية، بل سيسمح لها بتجنيد الأسرة الدولية لعملية شاملة ضدها.
ستعرض إسرائيل نفسها أنها تدافع عن نفسها في وجه تهديد حقيقي وفوري، وهكذا تحظى بدعم إضافي من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين.
إن تصفية نصر الله تشكل نقطة انعطاف في صراع إسرائيل ضد حزب الله وإيران. هذه عملية تستند إلى حيلة استراتيجية لامعة، تستغل نقطة ضعف عملياتية وخلق شروط جديدة في الساحة الإقليمية. لكن فوق كل شيء، هي خطوة خطط لها بعناية انطلاقاً من فهم عميق للدينامية الإقليمية، فيما الهدف الحقيقي تصفية التهديد النووي الإيراني وخلق “محور الخير” الجديد في الشرق الأوسط يمكن لدول المنطقة فيه أن تزدهر وتنمو دون خوف من انتشار النووي الإيراني.
——————————————–
هآرتس 29/9/2024
بعد الإنجازات العسكرية: هل يسيل لعاب المستوى السياسي في إسرائيل لتوسيع الدائرة؟
بقلم: نداف أيال
في حياته المفعمة بالتزمت، خطط حسن نصر الله أو كان مشاركاً في قتل إسرائيليين وأمريكيين ودروز ومسيحيين لبنانيين. لكن المجموعة الدينية – العرقية الأكبر التي قتلها هم السوريون، المسلمون السُنة. تصفيته حدث تاريخي على نطاق إقليمي. ستبقى موجات الصدى تنتشر في المنطقة، وكأن صخرة كبيرة ألقيت في قلب بركة.
صور الفرح الجماهيري في سوريا تمثل المعنى الذي حمله نصر الله، كرسول النظام الإيراني وكل مظالمه على الأرض. قليلة هي عمليات التصفية ذات المعنى الاستراتيجي، بعيدة المدى. هكذا كانت عملية شعبة الاستخبارات وسلاح الجو. وعن قصد كتب هكذا: شعبة الاستخبارات وسلاح الجو. في هذه الصفحات، نشرت آلاف الكلمات عن قصور الاستخبارات قبيل 7 أكتوبر. لكن موجة إنجازات إسرائيل الأخيرة حيال عدوها الأكبر، على حدودها، تنبع من إنجازات استخبارية وتكنولوجية غير مسبوقة.
حتى لحظاته الأخيرة لم يفهم نصر الله شدة اختراق الجيش الإسرائيلي لقدراته. شعبة الاستخبارات إياها التي فشلت على نحو رهيب، وكانت عمياء تماماً هي التي وفرت ولا تزال توفر – إلى جانب سلوك لامع في الموساد – المطلوب. الكثير من العمل كان مطلوباً للوصول إلى اللحظة التي يرتبط فيها رئيس الأركان برئيس الوزراء ووزير الدفاع ويقول لهما إنه يجب العمل الآن عملياتياً؛ لأن نصر الله قد يتحرك في نقطة أقل مثالية للتنفيذ بعد بضع ساعات.
مثلما كتب هنا مرات عديدة في الأشهر الأخيرة، لم يستعد الجيش الإسرائيلي لاجتياح حماس لإسرائيل، لكنه يتدرب منذ 17 سنة على إمكانية حرب لبنان ثالثة. الكثير من إنجازات الأسابيع الأخيرة ترتبط بأعمال قيادة المنطقة الشمالية ولمفهوم جهاز الأمن العنيف الذي صفى بنى تحتية واسعة لحزب الله، وبخاصة إطلاق الصواريخ في أشهر طويلة من الأعمال.
لنجاحات الجيش والموساد معنى إقليمي عميق، فهي تبدأ بتغطية عجز الردع الرهيب الذي أدى إلى الهجمات على إسرائيل في هذه السنة الصعبة، ولا يزال لدى إسرائيل مفاجآت جاهزة. وزير الدفاع ورئيس الأركان اللذان يتعرضان لضربات من آلة السم، هما اللذان يتصدران القرارات العملياتية هنا. إذا لم يفهم حزب الله وإيران الرسالة، فإن عملية برية دقيقة تنتظر على الطاولة.
أمس تحدثت مع لبناني، ليس مسيحياً، أراد إخفاء سعادته وقدم لي تقديره. لبنان على شفا حرب أهلية. كانت قوتها المسلحة هي حزب الله، فقد حاز مفاتيح العنف، قبله كان السوريين. قبل السوريين كانت حرب أهلية ولفترة قصيرة – دولة إسرائيل. وماذا الآن، سأل. أفاد اللبناني بتوتر متصاعد في بيروت. “نعيم قاسم لا شيء”، قال عن نائب نصر الله، “لا قوة له ولا جيوش. كل شيء قد يتغير الآن، إن شاء الله. وقصد تحول لبنان إلى دولة حقيقية: أو إذا تواضعنا، حقيقية أكثر.
لأول مرة منذ بداية الحرب نقول بيقين تام إن المحور الإقليمي الإيراني ضعف بشكل استراتيجي: طوفان الأقصى تحول إلى طوفان هجمات سلاح الجو على الضاحية. ومن يعتقد أن حزب الله يضبط نفسه بعدم إطلاق آلاف صواريخه، فغير صحيح. هو يريد أن يطلق أكثر، لكنه لا ينجح في هذه المرحلة.
بدأت إسرائيل تشخص منحى الحل: نزول جيش لبنان نفسه إلى الحدود، وطرد حزب الله بصفته قوة عسكرية من الجنوب. هذا ليس قريباً، لكنه اقترب جداً في الأسابيع الأخيرة. تحسنت إمكانية الأمن والاستقرار في المنطقة في الأيام الأخيرة، إذا توفر في إسرائيل حكمة سياسية (وهي عملة نادرة لدى قيادتنا) ودبلوماسية قوية أمريكية (عملة نادرة حتى أكثر).
الغرب لا يفهم هذه الدقائق الإقليمية. تصريح الرئيسين بايدن وماكرون، الداعي لوقف النار، مثّل هذا بدقة. طوال سنة تهاجم دولة سيادية اسمها لبنان دولة إسرائيل من خلال منظمة إرهاب معروفة. في اللحظة التي تحول فيها إسرائيل انتباهها من جبهة الجنوب، وتضرب العدو الذي فتح حرباً في 8 أكتوبر، تضج القوى العظمى من التصعيد.
تفويتهم للفرصة واضح ومكشوف: منذ بداية الحرب ولم يفهموا بأن إسرائيل ستصعد وتصعد ردود فعلها حتى واحد من ثلاثة أوضاع: الأول، صفقة في الجنوب تؤدي إلى وقف نار في الشمال، على فرض وجود تسوية دبلوماسية تبعد حزب الله عن الجدار. الثاني، يحسم حزب الله استراتيجياً باتجاه وقف حربه ويقطع الحلف الذي عقده مع حماس، والأخير اشتعال يؤدي إلى حرب شاملة تأمل إسرائيل أن تخرج منها بيد عليا، وإضعاف الوكيل المركزي لطهران.
الأسرة الدولية لا يهمها الأمر، فهم ليسوا وكلاء التغيير في الشرق الأوسط، هم فرسان الهدوء. كما أن فكرة نزول حزب الله عن الشجرة بتسوية حدود ربما يبيعها كإنجاز للجمهور اللبناني كانت أساساً تفكيراً إيجابياً. لم يفتح نصر الله النار بسبب الجدال على الخط الأخضر في رأس الناقورة، وهو ما كان سيوقفها بسبب تحقيق الأهداف الإضافية هذه.
لم يفضل الجيش الإسرائيلي وقيادة الشمال وجهاز الأمن تلك الأفكار المخادعة على أنواعها. رئيس الوزراء نتنياهو الذي لم يرغب بمهاجمة في 11 أكتوبر بضربة مفاجئة، خوفاً من ضربة شديدة يوجهها حزب الله إلى إسرائيل، رفض إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم كهدف للحرب، وذلك رغم دعوات علنية وهادئة من شريكيه في الحكومة في حينه، آيزنكوت وغانتس.
تغير هذا في الأسابيع الأخيرة. في نهاية الأمر، كان نهج وزير الدفاع غالنت ورئيس الأركان هليفي هو الذي قرر النبرة إزاء الساحة اللبنانية، واقتنع نتنياهو. كان قرار تصفية نصر الله إجماعاً بين هؤلاء الأشخاص الثلاثة، ومسائل مثل: التوقيت، والسفر إلى نيويورك، والانتقال من نقاش الكابنت إلى المكالمة الهاتفية يوم الجمعة المرتبطة بحسابات سياسية.
تقرر التقاليد الإقليمية بأن العدو المضروب يتمنى أسلوباً أكثر تطرفاً ويرفض مواجهة الواقع. وهذا كان بعد حرب الأيام الستة ولاءات الخرطوم الثلاثة، وهو ما حصل مع حماس في القطاع التي يتصلب قلبها أمام ضائقة الغزيين، وهذا ما سيحصل مع إيران وحزب الله.
إن مدخل نصر إسرائيل الاستراتيجي موجود هنا: نافذة فرص نادرة لتغيير وجه المنطقة، فيما المحور الإيراني مضروب، والحكام العرب ينظرون بدهشة ورضا لتصفية عدوهم القديم.
ومدخل الفشل موجود هنا أيضاً: الانجرار إلى حرب استنزاف بنمط إيران – العراق، يدفع فيها الإيرانيون ثمناً أدنى مما دفعوه في الحرب إياها، ويواصلون حياتهم كالمعتاد، فيما يوجهون أعمال الحوثيين والميليشيات العراقية وما تبقى من حزب الله، وبالطبع مساعدة حماس.
لن تسمح إسرائيل لنفسها بالسيناريو الثاني، مثلما جسد الأمر تخفيض المستوى الائتماني لها. قبيل هذه الحرب، فشل المستويان السياسي والعسكري فشلاً ذريعاً وصادماً. لكن الجيش يؤدي مهامه بشكل أفضل بكثير ويحقق نتائج. تصعب الإشارة إلى نتيجة سياسية إيجابية منذ بدء الحرب، باستثناء صفقة المخطوفين الأولى. تقدم جهاز الأمن للحكومة بإمكانية لتغيير وضع إسرائيل الاستراتيجي بشكل إيجابي، ومحظور تفويت الفرصة.
——————————————–
هآرتس 29/9/2024
“حلوى في الشوارع”.. للإسرائيليين: أتظنون أن “شريكتكم في الإبادة والحقارة” ستدوم لكم؟
بقلم: جدعون ليفي
تجول مراسل القناة 13 في شوارع تل أبيب الكبرى ووزع الشوكولاتة على المارة. صحافي معروف وله شعبية، لا فكرة لديه عن مهمته، وزع الشوكولاتة على المواطنين المتعبين الذين لا يتذكرون إسرائيل أخرى. لم يوزعوا الشوكولاتة هنا ببث حي ومباشر بسبب عملية تصفية. لم نصل إلى هذا الحضيض ذات يوم.
مراسل آخر، معروف وأكثر شعبية وهو بن كسبيت، ممثل “الوسط المعتدل” المقنع، نشر في شبكة “اكس”: “تم سحق حسن نصر الله ومات كالسحلية، هكذا يجب أن تكون نهايته”، وكأنه هو الذي سحق حصنه بيديه. هذه الوطنية البربرية رفعت رأسها أمس. ارتفعت في إسرائيل أصوات الفرح. كان النازيون قد وصفوا اليهود بالفئران، وها هو حسن نصر الله يوصف بالسحلية. من يعارض ذلك؟ الفاشيون المتطرفون كانوا يتحصنون في الكنس بانتظار النجوم الثلاثة ليصبوا المياه النتنة لسرورهم المرضي، لكن من نفذ المهمة في هذه الأثناء أتباع بن كسبيت، المحترمون والمتنورون.
“عشنا وشفنا”، كتب شخص، وكان يعبر عن رأي كثيرين. لم تتبين بعد أبعاد الموت الذي زرعته الثمانون قنبلة الخاصة التي جاءت من الولايات المتحدة، لكنها لن تفيد بشيء داخل إسرائيل. 100 شخص بريء أو 1000، وحتى 10 آلاف طفل ميت، لم تعد تغير أي شيء في المزاج الإسرائيلي. لماذا لم تكن قنبلة نووية صغيرة؟ في نهاية المطاف، قتلنا هتلر. لا يجب أن تكون محطماً متسلسلاً للفرح لتتساءل علام ولماذا هذا الفرح؟ هل بات وضع إسرائيل هذا الصباح أفضل من صباح أمس؟ ارتفع مزاج معظم الإسرائيليين الآن بعد سنة صعبة، وعادت معه عبادة الجيش (الجميع) والإعجاب بنتنياهو (ليس الجميع). ولكن ما الذي تغير؟ لقد كان حسن نصر الله يستحق الموت لأنه كان عدواً لدوداً لإسرائيل (أيضاً للبنان). فقتله لن يساعد في إنقاذ إسرائيل بشيء.
يجب أن ننظر حولنا في الأسبوع الأول بدون حسن نصر الله. الضفة الغربية على شفا الانفجار. إسرائيل عالقة بلا مخرج في غزة المدمرة، والمخطوفون عالقون أيضاً. شركة تصنيف الائتمان موديس خفضت اقتصادها إلى الحضيض. المذبحة الجماعية التي بدأت في قطاع غزة تنتقل الآن إلى لبنان. نصف مليون شخص هجّروا من بيوتهم، إضافة إلى المليوني غزي الذين يهيمون هنا وهناك بدون شيء. ولكن مرحى، قتلنا هتلر. الأفضل عدم التحدث عن مكانة إسرائيل الدولية. كان يكفي النظر إلى الجمعية العمومية أول أمس أثناء إلقاء نتنياهو لخطابه. والوضع الأمني أسوأ مما يبدو. انتظروا الحرب الإقليمية التي ترفع رأسها. أول أمس، اقتربنا منها بخطى كبيرة. في هذه الأثناء، تعيش الدولة في حالة رعب. عشرات آلاف المخلين من الشمال لم يقتربوا أول أمس من بيوتهم ولو خطوة واحدة. إسرائيل مسرورة من سقوط عدوها.
في السنة الأخيرة، تحدثت إسرائيل بلغة واحدة، لغة الحرب والقوة، بدون كوابح. ما يذهب العقل هو التفكير بأن ملايين الأشخاص فقدوا عالمهم بسبب ذلك. في الوقت الذي كانت فيه الصواريخ تقصف الضاحية على أصوات صرخات الفرح، كان ملايين الأشخاص في غزة والضفة ولبنان يبكون سوء مصيرهم وقتلاهم وفقدان ممتلكاتهم وما بقي من كرامتهم، ولم يبق لهم شيء. هذا ليس وضعاً واعداً لإسرائيل. سواء أكان حسن نصر الله حياً أو ميتاً فسيتفجر البركان ذات يوم. بالاعتماد على الولايات المتحدة – الشريكة الحقيرة في المذابح في غزة والحرب في لبنان، والتي لم تفعل شيئاً لمنعها، باستثناء ضريبة بايدن وبلينكن الكلامية الجوفاء العاجزين أمام نتنياهو – إسرائيل، تعتقد أنه يمكنها الاستمرار في ذلك إلى الأبد. وهي أيضاً لا ترى أي احتمالية أخرى.
لم يكن هذا ليحدث بدون دعم واشنطن. لن تبقى الولايات المتحدة هكذا إلى الأبد، مع الأخذ في الحسبان توجهاتها الانفصالية. ما الذي سيحدث عندها؟ تهنئة حارة على تصفية حسن نصر الله علامة جيدة وحظ جيد، وريثه يسخن الآن على الخطوط، وسيكون أخطر منه، استناداً لتجربة الماضي. ماذا بشأن إسرائيل؟ ستصفيه أيضاً. ستوزع الشوكولاتة على المارة مرة أخرى.
——————————————–
هآرتس 29/9/2024
مجريات الكابنت لتصفية نصر الله: أقرها نتنياهو من نيويورك بضغط من غالانت وعارضها ثلاثة
بقلم: ميخائيل هاوزر طوف
طلب نتنياهو تأجيل اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى حين عودته إلى البلاد من نيويورك، التي كان مخططاً لها يوم الأحد، هذا حسب عدة مصادر شاركت في نقاشات أمنية ضيقة تناولت الموضوع، جرت في الأسبوع الماضي. وقالت المصادر إنه في جلسة الكابنت الأخيرة التي ناقشت الموضوع، عارض الوزير سموتريتش والوزير ياريف لفين والوزير دافيد امسالم عملية الاغتيال، في حين دفع وزير الدفاع غالنت لتنفيذها. لم يظهر نتنياهو موقفاً واضحاً.
في المحادثات التي عقدها قبل سفره إلى الولايات المتحدة، قال نتنياهو بأنه سيقرر إذا كان سينفذ عملية الاغتيال عند عودته إلى إسرائيل. في نهاية المطاف، صادق رئيس الحكومة على العملية عندما كان في الولايات المتحدة لتوفر الفرصة. هذا خلافاً لادعاء جهات في مكتبه بأن سفره كان عملية استهدفت تمويه لحزب الله بأن الأمور كالعادة، وإخفاء نوابا إسرائيل.
في الفترة الأخيرة، أجرى نتنياهو ووزير الدفاع غالنت نقاشات مع جهات رفيعة في جهاز الأمن فيما يتعلق بعملية الاغتيال. مصادر شاركت في النقاشات قالت إن غالنت ضغط للمصادقة على العملية واخراجها إلى حيز التنفيذ، وأن نتنياهو لم يتخذ قراراً نهائياً في الأمر. قبل يوم على الهجوم، في وقت قريب من سفر نتنياهو إلى الولايات المتحدة، جرى نقاش هاتفي بمشاركة أعضاء الكابنت السياسي – الأمني الذي تم فيه تفويض نتنياهو وغالنت لاتخاذ القرار حول تنفيذ عملية الاغتيال. حسب المصادر، ورغم أنه لم يطلب منهم المصادقة على العملية، فإن عضوي الكابنت، سموتريتش ولفين، عارضا ذلك. أما أمسالم الذي ليس عضواً في الكابنت ولكنه يستدعيه نتنياهو بشكل متواتر للمشاركة في النقاشات، فقد عارض العملية أيضاً.
في المقابل، حسب هذه المصادر، قاد غالنت دعم عملية الاغتيال خلال النقاشات. قال نتنياهو إن النقاشات حول العملية ستستمر عند عودته إلى البلاد. السبت، أبلغت مصادر أمنية نتنياهو وغالنت بتوفر فرصة لاغتيال حسن نصر الله. وصادق رئيس الحكومة ووزير الدفاع على العملية.
في تموز الماضي، لم يؤيد سموتريتش ولفين مهاجمة منشآت الحوثيين في غرب اليمن خلال نقاشات الكابنت الذي تقرر فيه تنفيذها. “طلبت عدم المشاركة في التصويت بسبب عدم تقديم تفاصيل تسمح باتخاذ القرار للكابنت، وهذا الموضوع طرح للتصويت بعد الاتفاق عليه كمجرد خاتم مطاطي. قلت بأنني أؤيد قرار رئيس الحكومة”، قال في حينه سموتريتش.
أكد الجيش الإسرائيلي صباح أمس، بأن حسن نصر الله قتل في هجومه على قيادة الحزب في حي الضاحية الجنوبية في بيروت. وحسب الجيش الإسرائيلي، قتل مع حسن نصر الله أيضاً علي كركي، قائد جبهة الجنوب في الحزب، وقادة آخرون. وأضاف الجيش الإسرائيلي بأنه هاجم مقر القيادة في الوقت الذي كانت فيه قيادة حزب الله العليا منشغلة في “تنسيق عمليات إرهابية ضد مواطني دولة إسرائيل”. وقال رئيس الأركان هليفي بعد الإعلان عن موت حسن نصر الله بأن “من يهدد مواطني إسرائيل سنعرف كيف نصل إليه، في الشمال والجنوب وفي أماكن بعيدة”.
حسب التقديرات، قتل نحو 300 في قصف سلاح الجو للمباني. كان بعض المصابين في مبان قريبة. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، قال إن القيادة التي تمت مهاجمتها موجودة تحت مبان سكنية. من المرجح أن جمع معلومات دقيقة عن وجود القادة الكبار في مقر القيادة قد سبق الهجوم الذي شمل ذخيرة بشكل كثيف. حسب مصدر لبناني، هذا الهجوم هو الأوسع منذ بداية الحرب. وقناة “العربية” السعودية نشرت بأنه نتيجة هذا الهجوم، تهدمت ستة مبان بالكامل. وقال وزير الصحة اللبناني إن المباني كانت مليئة بالناس.
——————————————–
إسرائيل اليوم 29/9/2024
التصفية إمكانية كامنة لانعطافة استراتيجية
بقلم: اللواء احتياط غيرشون هكوهن قائد سابق للمنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الاسرائيلي
ما كان يمكن ليد انسان ان تنجح في ان تخطط مسبقا سياقا للاحداث يتزامن فيه خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة والضربة الجوية الناجحة لتصفية نصرالله. التنسيق بين الحدثين خلق لعملية الجيش الإسرائيلي أثرا اسطوريا. لولا الهجوم الناجح في الضاحية في بيروت، لكان صحف بداية الأسبوع ركزت أغلب الظن على تحليل الخطاب في الأمم المتحدة. لكن في هذه الاثناء وقعت انعطافة جريئة في الحرب مع حزب الله لا يزال من الصعب التقدير والقياس لكامل معناها.
لم يكن هذا احباطا مركزيا إضافيا، نفذت مثله إسرائيل المئات في العقود الأخيرة. ما يميز العملية في الضاحية عشية السبت هو السياق الذي وقعت فيه. في داخل حرب متواصلة، بعد نحو سنة اطلق فيها حزب الله النار الى كل منطقة شمال البلاد. فوق كل شيء، كان هذا احباطا مركزا انضم الى سلسلة ضربات بدأت بضربة البيجر التي نسبت لإسرائيل في 17 أيلول، وتواصلت بتصفية إبراهيم عقيل وعصبة قيادة قوة الرضوان يوم الجمعة قبل أسبوع. بخلاف التصفيات في الماضي، بما في ذلك تلك التي نفذت في ذروة الحملات، التصفية يوم الجمعة خلقت ليس فقط إنجازا متراكما لقطع رأس كل القيادة العليا لحزب الله تقريبا. في واقع الامر كان التركيز على نصرالله هو الرسالة التي تفيد بان إسرائيل نفسها اجتازت انعطافة في إدارة الحرب وهي مستعدة أيضا لان تتجاوز خطوط حمراء واضحة.
اللاجئون كرافعة ضغط
في ظل جلبة الهجمات الجوية للجيش الإسرائيلي، نزح من بيوتهم وتحرك شمالا نحو نصف مليون لاجيء شيعي. وهكذا نشأت رافعة ضغط شديدة القوة لحمل ايران وما تبقى من قيادة حزب الله الى اضطرار إعادة التفكير في استمرار الحرب.
النزوج الجماهيري معروف في العالم كجزء من الاثمان الطبيعية لظاهرة الحرب. مرات عديدة تستغله الأطراف المقاتلة كنوع من السلاح الاستراتيجي في إدارة الحرب. هذه الظاهرة كرافعة ضغط بالتأكيد يمكن لإسرائيل أن تستغلها. بالنسبة لحزب الله، كمنظمة طائفية – شعبية، هذه الظاهرة اصعب بكثير، بالهام العقيدة الحربية لماو تسي تونغ التي تعلمها حزب الله جيدا فرضت علاقة واجبة بين نشطاء الإرهاب وبين عائلات الطائفة. واجب هذه العلاقة تلخصت في عقيدة ماو بالقول: “الحرب الثورية هي حرب الجماهير، ولا يجب أن تدار الا بتفعيل الجماهير وبالاستناد اليها…”. هذا المبدأ نجحت هجمة النار الإسرائيلية في ضعضعته. فعندما تبكي عائلات الطائفة مصيرها بعيدا عن بيوتها المدمرة، مع حلول الشتاء اللبناني، فان اللجوء يثير الغضب لدرجة عدم الثقة بغاية الحرب لدى حزب الله.
في سوريا أيضا، بين أناس المعارضة الذين عانوا في الحرب الاهلية من الوحشية القتالية لحزب الله توجد شماتة حتى اكبر من هذه. رجل دين سني، معروف في أوساط دوائر السلفيين من مؤيدي القاعدة، دعا أناس القاعدة في ادلب لاستغلال الفرصة للانتقام من حزب الله.
القيادة في طهران لا بد تنصت للهزة الكبرى في لبنان وتحسب خطاها. القرارات الإيرانية ستكون متعلقة بتقدير عوم التغييرات وينبغي التخمين بانها ستكون منصتة بخاصة لموقف الإدارة الامريكية، بمدى الاسناد والدعم اللذين سيعطيان لإسرائيل على شفا التدهور الى حرب إقليمية.
في هذه المرحلة يجدر بنا أن نبارك الهجمات الإسرائيلية الناجحة. لكن مع حجم الهزة التي تبدو كحراك قارب، من الصعب التوقع لخطوات الحرب التالية، وهي من شأنها أن تتواصل الى السنة الجديدة.
——————————————–
هآرتس 29/9/2024
بالنسبة لخليفة حسن نصر الله، بقاء حزب الله أكثر أهمية من الحرب ضد اسرائيل
بقلم: تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس
في القائمة القصيرة للمرشحين لوراثة حسن نصر الله في منصب الامين العام للحزب، يوجد في هذه الاثناء شخصين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين، ونائب حسن نصر الله نعيم القاسم. صفي الدين (60 سنة) هو ابن عمة حسن نصر الله وصهر قاسم سليماني، قائد “قوة القدس” في حرس الثورة، الذي قتل في هجوم امريكي في العراق في العام 2020 (ابن صفي الدين متزوج من زينب ابنة سليماني).
المجلس التنفيذي لحزب الله هو جسم يشكل نوع من الحكومة التي تنشغل بالادارة اليومية للمنظمة، في المجالات المدنية وادارة الميزانيات وتنسيق منظومات الدعاية والقضاء والرفاه والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية لحزب الله. بهذا الشكل اصبح حزب الله حكومة توازي الحكومة الرسمية في لبنان، التي يترأسها منذ ثلاث سنوات رئيس الحكومة المؤقت نجيب ميقاتي.
مثل حسن نصر الله ايضا صفي الدين عمل تحت رعاية عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله الذي قتل في عملية اغتيال في احدى ضواحي دمشق في شباط 2008، وحسب المختصين في الحزب فقد كان المرشح لرئاسة الامانة العامة بعد اغتيال عباس موسوي على يد اسرائيل في 1992. الى جانبه يذكر ايضا اسم القاسم، نائب حسن نصر الله، لكنه يعتبر شخصية رمزية. القاسم (70 سنة) في الحقيقة هو “تلميذ ذكي” وله مكانة مهمة في مجلس الشورى في الحزب، وهو محسوب على مؤسسيه وواحد من صائغي ايديولوجيا حزب الله، لكن تجربته الادارية والعسكرية محدودة واساس عمله كان في مجال التعليم والثقافة. مع ذلك، هو عمل ايضا كرئيس للمجلس التنفيذي حتى العام 1994، سواء تحت قيادة موسوي وقيادة حسن نصر الله الى حين استبدله صفي الدين.
إن السرعة في عملية انتخاب الوريث، التي هي من صلاحية مجلس الشورى والتي تقرر فعليا في طهران، هي أمر حيوي للاظهار بأن حزب الله يعمل رغم الاضرار الكبير بصفوف قيادته العليا وفقدان زعيمه. هناك حاجة الى اجراء سلسلة تعيينات جديدة لكبار القادة وبلورة صورة وضع تكتيكية وتحديد عنوان لمئات آلاف المواطنين الشيعة الذين عاشوا قبل الحرب وخلالها مرتبطين بايران. اضافة الى ذلك مهمة الزعيم الجديد ستكون اعادة بناء مكانة حزب الله السياسية في لبنان على اعتباره المسؤول ليس فقط عن النضال ضد اسرائيل، بل كمنظمة عليها الحفاظ على الذخر الاستراتيجي والسياسي والايديولوجي الهام جدا لايران في الشرق الاوسط. لأن تحطيم القيادة العسكرية لحزب الله ما زال يبقي في يديه البنية المدنية والتمويلية والقوة السياسية التي يمكن أن تحدد مستقبل لبنان، سواء على المدى القصير أو المدى البعيد.
السلاح الذي سيبقى في يد حزب الله، حتى لو نجحت اسرائيل في تدمير مخازن الصواريخ التي تهددها، سيواصل كونه السوط المهدد للجبهة الداخلية في لبنان طالما أنه لا يوجد للبنان جيش ناجع، مجهز ومدرب يمكنه مواجهة المنظمة. خوف ايران هو من أن هذه الرافعة يمكن الآن أن تفقد القوة امام الضربة القوية التي تعرض لها حزب الله، بصورة يمكن أن تثير عليه غضب الشعب اللبناني الذي يدفع ثمنا باهظا للحرب التي ليست حربه، وذريعتها ليست الدفاع عن الوطن بل مساعدة حماس.
الشعب اللبناني والقوى السياسية المعادية لحزب الله، رغم الانتقاد الشديد الذي ازداد في فترة الحرب ولا سيما في الاسبوعين الاخيرين، لم يخرجوا الى الشوارع ولم يصطدموا مع رجال حزب الله، لكن هذا الشعب سبق واثبت نفسه عدة مرات في تاريخ لبنان القريب. ففي العام 2005 نجح في طرد القوات السورية بعد قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، وفي العام 2008 واجه بشكل عنيف رجال حزب الله في صراع قتل فيه عشرات المدنيين. هذا شعب اسقط حكومات وأدى الى تغيير وزراء؛ بالاساس خلافا لقطاع غزة توجد له دولة تعطيه اطار وطني جماعي، الذي حسب رؤيته تقوضه ايران بواسطة حزب الله.
في الوقت الذي فيه اكثر من مليون لبناني تم تهجيرهم من بيوتهم وخدمات الرفاه والصحة لحزب الله لم تعد قادرة على تقديم رد للمصابين ومن لا يملكون مأوى، واضطر الى الاستعانة بخدمات الدولة التي كان يطمح في أن يحل محلها، فان تحدي ايران الاستراتيجي هو كيف سيتم منع التهديد الذي فيه الدولة والمواطنون يسحبون أو على الاقل يقضمون مكانة حزب الله على اعتبار أنه الجهة التي تحدد صورتها وسياستها. في احدى نشرات الاخبار في قناة “الحدث” السعودية (قناة فرعية لقناة العربية التي اقيمت كمنافسة لقناة “الجزيرة” القطرية)، سألت المذيعة بشكل ساخر وبوضوح الذي تجري معه المقابلة: “هل يتوقع أن يعلن يحيى السنوار عن موافقته على وقف اطلاق النار لانقاذ لبنان وحزب الله؟”. من ناحية ايران فان تبادل الادوار الذي حاولت المذيعة عرضه والذي بحسبه حماس ورئيسها الآن هم في دور “جبهة الدعم” لحزب الله، هو الآن قضية جوهرية لا تتعلق فقط بمكانة حزب الله، بل بمكانة كل وكلائها.
حسن نصر الله كان الموجه والمنسق لـ “غرفة العمليات” المشتركة لـ “جبهة الاسناد”. عمليا، مكانته في الساحة الاقليمية التي فتحت في الحرب في القطاع كانت اكثر اهمية من مكانة وريث سليماني اسماعيل قاءاني. الآن ايران يمكن أن تقف امام التداعيات المحتملة لتقويض سيطرة حزب الله في لبنان، والتداعيات على مكانة المليشيات الشيعية المؤيدة لايران في العراق، وبشكل مشابه على الحوثيين، حتى لو كانوا يعملون حسب اجندة ليست بالضرورة منسقة مع ايران.
ممثلو هذه الامتدادات تعهدوا في الاسبوع الماضي بارسال آلاف المقاتلين الى لبنان اذا بدأت اسرائيل بالعملية البرية، والبدء في ضرب الاهداف الامريكية في سوريا والعراق، لكن مشكوك فيه أن توافق ايران على مثل هذه العملية التي يمكن أن تجر ايضا العراق الى ساحة المعركة، هذه المرة مع الولايات المتحدة. ليس فقط مع العراق يمكن لايران أن تتصادم. فارسال آلاف المقاتلين الى لبنان سيحتاج الى موافقة سوريا على انتقالهم الى لبنان. دمشق، التي حتى الآن لم تشارك في “جبهة الاسناد”، ليس من اجل حماس أو من اجل حزب الله، وتتصرف وكأن الامر يتعلق بمشهد لا يمسها، لم ترغب في أن تصبح لاعب نشيط في المعركة وأن تضع النظام كهدف مباشر لهجمات اسرائيل. توجد لايران عدة اعتبارات استراتيجية تتعلق بمكانتها في المنطقة وطموحاتها السياسية. منذ انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا لايران، وتعيين جواد ظريف كنائب للرئيس وعباس عراكجي وزيرا للخارجية، الاثنان كانا من مهندسي الاتفاق النووي الذي وقع في 2015، بدأت ايران في حملة تسويق دبلوماسية دولية هدفها رفع العقوبات المفروضة عليها.
عندما يعلن الرئيس الايراني في نيويورك بأن ايران ستكون مستعدة لالقاء سلاحها اذا القت اسرائيل سلاحها، ويعلن مرة تلو الاخرى بأن ايران لا تسعى الى حرب شاملة، وأنها شريكة في الدبلوماسية التي تهدف الى التوصل الى وقف اطلاق النار في لبنان، وأنها ستبادر الى هجوم مباشر ضد اسرائيل أو بواسطة وكلائها، فان كل ذلك سيكون مناقضا ليس فقط لاستراتيجية طهران العلنية، بل ايضا هو مناقض لمصالحها الواضحة.
يبدو أن اقوال الزعيم الاعلى الايراني علي خامنئي التي بحسبها “مصير المنطقة سيتم تحديده من قبل قوات المقاومة، وعندما يكون حزب الله في الجبهة وأن على جميع المسلمين الوقوف الى جانب سكان لبنان وحزب الله بكل ما يملكون”، يمكن أن تدل على السياسة التي ستواصل توجيه ايران. “قوات المقاومة”، ليس ايران نفسها، هي التي ستقرر. وعندما يتوجه زعيم مثل خامنئي بنداء الى “جميع المسلمين” ولا يوضح ما الذي ستفعله ايران، على الاقل في هذه الاثناء، فان القصد هو أن ايران ما زالت ليس فقط لم تتخذ قرار بشأن هل ستتدخل أو كيف ستتدخل. أي قائد جديد سيتم تعيينه لقيادة حزب الله يجب عليه أن يشق طريقه داخل مصفوفة قوى واعتبارات جديدة، مختلفة كليا عن التي بناها حسن نصر الله خلال 32 سنة من ولايته، التي فيها قضية بقاء لبنان على قيد الحياة يمكن أن تكون اكثر اهمية بكثير من الحرب ضد اسرائيل.
——————————————–
إسرائيل اليوم 29/9/2024
خطأ بيت العنكبوت لنصرالله
بقلم: عوديد غرانوت
صوت القنابل الثقيلة التي صفت في الضاحية حسن نصرالله مع من تبقى من القيادة العليا لمنظمته، استمر لثوان قليلة فقط. لكن إحساس الارتياح يواصل بهدوء غمر الشرق الأوسط الذي لا يزال يصعب عليه تصديق ما حصل.
باستثناء الجمهورية الشيعية في طهران، التي فقدت احد ذخائرها الأهم وتحسب الان بفزع خطواتها التالية، لم تذرف أي دمعة في الدول السُنية التي تشكل اغلبية العالم الإسلامي. ولا حتى في لبنان متعدد الطوائف الذي اختطفته منظمة الإرهاب.
دعكم من المجاملة والضرائب الكلامية التي ستقال في الجنازة. بقيادة نصرالله الكاريزماتي فان حزب الله يعد في الدول السُنية على مدى السنين كالذراع التنفيذي لإيران، والذي بواسطته تضعضع الحكم فيها. السُنة في لبنان لم ينسوا له كيف صفى رئيس وزرائهم رفيق الحريري. السعوديون يتذكرون المستشارين الذين بعث بهم كي يدرب الحوثيين في اليمن في الحرب ضدهم.
موجات الاعجاب التي رفع عليها الأمين العام بين الجماهير في العالم العربي نشأت أساسا من قدرته الخطابية، واكثر من هذا، من التقدير المغلوط بان إسرائيل ببساطة غير قادرة على تصفيته. كاتب هذه السطور يتذكر نظرة خيبة الامل من عمر سليمان، المستشار المقرب من مبارك من فشل إسرائيل في الانتصار على حزب الله في حرب لبنان الثانية.
لا مفر من الاستنتاج بان نصرالله نجح في أن يقنع نفسه أيضا بانه لا يمكن الانتصار عليه وان إسرائيل ضعيفة كبيت العنكبوت. الثقة بالنفس التي فقدها في 2006، كما اعترف علنا، عادت اليه وعلى الأقل ثلاثة أخطاء ارتكبها في السنة الأخيرة حسمت مصيره.
الأول، كما يعترفون في لبنان – بانه لم يهاجم إسرائيل بالتوازي في 8 أكتوبر، حين كانت لا تزال تحت صدمة هجمة حماس. الثاني – في أنه ربط هجماته في الشمال بوقف النار في غزة ولم يعرف كيف ينزل عن الشجرة رغم الضربات التي تلقاها ونشطائه الذين قتلوا. الخطأ الثالث – انه لم يتمكن من الفهم بان جودة المعلومات الاستخبارية التي توجد لدى إسرائيل وسمحت لها بان تصفي الواحد تلو الاخر كل القادة القريبين منه، في نهاية المطاف ستجعل النار تحرق اطراف عباءته أيضا.
في نظرة الى الوراء، يمكن أن نسأل اذا لم يكن ممكنا الوصول الى تلك التصفيات والى تلك الإنجازات الرائعة التي سجلها الان سلاح الجو في لبنان، قبل سنة، مثلما اقترح في حينه وزير الدفاع (الذي لا يزال مرشحا للتنحية) يوآف غالنت. كان يمكن لهذا ان يوفر الكثير من المعاناة والضائقة لعشرات الاف النازحين من الشمال.
لكن الواضح الان هو أن الواقع الجديد الناشيء، الصدمة لحزب الله والاسناد الصامت من كل العالم السُني وأجزاء واسعة من داخل لبنان – تستوجب من إسرائيل الا تتوقف. ان تواصل الضرب والا تغرى لتسويات وقف النار مع منظمة الإرهاب المضروبة، والتي ستتيح لها فقط أن تنتعش.
لاجل عمل ذلك، من المهم ردع ايران التي في الهجوم في الضاحية فقدت أيضا قائد “فيلق القدس” في لبنان. حتى وقت أخير مضى اكتفى الإيرانيون ببيانات التأييد لحزب الله وبالوعود بان المنظمة “تعرف كيف تدافع عن نفسها وحدها” – لكن في يوم الجمعة حصل شيء ما في الضاحية وطهران لن تتمكن من التسليم بخسارة فرعها العملياتي الأهم لها. رئيس الوزراء نتنياهو وان كان حذر الإيرانيين الا يتدخلوا، لكن الاسناد الأمريكي حيوي أيضا.
شيء آخر: لبنان ليس غزة. توجد فيه حكومة انتقالية. صحيح أنها ضعيفة وتؤدي مهامها بقدر اقل، لكنها لا تزال شرعية. يوجد برلمان، جيش مدعوم من الغرب، وعلى الأقل نصف السكان يعارضون الوجود العسكري لحزب الله. تصفية نصرالله ونقطة الدرك التي توجد فيها المنظمة تستوجبان من الأمريكيين والفرنسيين الحساسين لمصير لبنان ان يعززوا هذه القوى. كميل شمعون، عضو برلمان لبناني مسيحي كان امس اول من كرر علنا مطلب نزع سلاح حزب الله.
كما أنه يمكن الامل في ان ما حصل في الضاحية سيقنع السنوار، او من تبقى في موقع القيادة في غزة بان فقط صفقة لاعادة المخطوفين وليس حربا إقليمية فرصها اقل الان – ستضمن الا يكون مصيره مختلفا عن مصير حسن نصرالله.
——————————————–
هآرتس 29/9/2024
لحظة قبل تحول لبنان الى غزة 2، يجب استعادة قرار الامم المتحدة 687
بقلم: ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس
الحرب الايرانية – الاسرائيلية على الهيمنة في الشرق الاوسط، التي بدأت بهجوم حماس في 7 تشرين الاول الماضي، دخلت الى مرحلة جديدة عندما تم تفجير بيجرات حزب الله في 17 ايلول، وتصعيد اسرائيل لهجماتها في لبنان، التي وصلت الآن الى الذروة باغتيال حسن نصر الله. ولكن حتى بدون الامين العام الذي خلال سنوات تم تضخيمه في الرأي العام في اسرائيل كعدو اسطوري، وحتى بعد الاضرار الشديد بحزب الله، فان تهديد “حلقة النار” لم تتم ازالته بعد. الصواريخ الثقيلة يمكن أن تمس الجبهة الداخلية والبنى التحتية، ومستوطنات الجليل الاعلى المهددة بالصواريخ المضادة للدروع والصواريخ قصيرة المدى ما زالت فارغة.
النجاحات العملية في الشمال جددت ثقة الجمهور بقدرة الجيش الاسرائيلي، التي هزت بشكل كبير بعد الهزيمة الاولى في الجنوب. الدعم الكبير للمجتمع اليهودي لتصعيد الحرب ضد حزب الله، وربما حتى ضد ايران، يقرب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من التيار العام بعد سنتين على التخندق مع اليمين المتطرف والجمهور الحريدي. فجأة نتنياهو والجيش يصبحون اصدقاء، يحتفلون بالنصر الذي اعلن عنه رئيس الحكومة في الامم المتحدة. بعد عدة عناقات كهذه سيقوم “اخوة السلاح” سيطلبون منه القاء خطاب ضد نفسه في المظاهرات. عندما ستنتهي الشمبانيا الوردية ويتلاشى الغبار عن الانقاض في الضاحية، يجب على اسرائيل اتخاذ القرار بشأن الى أين نحن ذاهبون. أحد البدائل سيكون “العملية البرية” في جنوب لبنان – تدمير القرى الشيعية ومنع عودة سكانها وضم المنطقة حتى نهر الليطاني. اسرائيل ستشرح للعالم بأن لبنان تنازل بالفعل عن سيادته في الجنوب، لذلك فانه مسموح نقل الحدود واستبدال السكان. هذا يظهر بشكل جيد في مجموعات الواتس اب لليمين، ولكن تجديد الحزام الامني سيثير المشكلات الاخلاقية صعبة، وسيتعرض الجنود للخطر ولن ينهي التهديد للجبهة الداخلية.
في نفس الوقت تجديد قرار الامم المتحدة 1701، الذي نص على ابعاد حزب الله عن الحدود بعد انتهاء حرب لبنان الثانية، يثير القليل من الحماس بعد الفشل الطويل الذي استمر لسنوات في تطبيقه. بدلا من العودة الى فصل القوات الذي فشل فان اسرائيل يجب عليها أن تطرح عملية جريئة اكثر، نزع سلاح حزب الله بشكل كامل، لا سيما الصواريخ الثقيلة برقابة دولية.
الخطاب في اسرائيل فضل استخدام القوة على الدبلوماسية، وباركت قصف المنشآت النووية في العراق وفي سوريا. ولكن اسرائيل ربحت ليس أقل من ذلك من نزع سلاح التدمير الشامل في العراق وليبيا وسوريا، الذي قامت به الامم المتحدة بدعم الدول العظمى. قرار الامم المتحدة رقم 687 الذي أنهى حرب الخليج قضى على المشروع النووي الذي قام بتطويره صدام حسين بعد المفاعل النووي. وسوريا اضطرت الى التنازل في 2013 عن السلاح الكيميائي، واسرائيل توقفت عن تزويد المواطنين بكمامات الغاز وحقن الاتروفين. ليبيا تنازلت حتى قبل ذلك عن مشروعها النووي خوفا من مهاجمتها.
في السنة الاخيرة اسرائيل اظهرت استعدادها لاستخدام القوة بدون كوابح حتى لو كانوا يصرخون “ابادة جماعية”، ويهددون قادتها بالاعتقال، وخفضوا تصنيفها الائتماني. في غزة اسرائيل جردت بنفسها حماس من قدراتها، نفق تلو نفق، وهي تتقدم في عملية كهذه في الشمال ايضا، بالاساس من الجو. لحظة قبل تحويل لبنان الى غزة 2، يجب عليها أن تطالب المجتمع الدولي بتكرار القرار 687 وانشاء آلية لنزع سلاح حزب الله واعادة سيادة حكومة لبنان في الدولة. بدلا من خلق المزيد من الدمار واللاجئين يجب عليها ارسال الى الميدان مراقبين يرتدون الخوذات الزرقاء من اجل تدمير الصواريخ ومصانع الانتاج. التصعيد سيتوقف، سكان الجليل سيعودون الى بيوتهم، واسرائيل يمكنها تحقيق وقف لاطلاق النار واعادة المخطوفين في الجنوب، بعد أن اظهرت لاعدائها بأنه لا يمكنهم العبث معها.
——————————————–
هارتس 29/9/2024
رحيل (سيد المقاومة ) سيهز اجيال في العالم العربي
بقلم: جاكي حوجي
لقد أصبح حسن نصر الله رمزاً لأنه قدم نفسه على أنه الشخص الذي يقف ضد إسرائيل والولايات المتحدة أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي. إن اغتياله يسبب ضرراً معنوياً يطغى أيضاً على الجوانب العسكرية والسياسية ،يشكل اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حدثاً حاسماً، ولكن على الرغم من النشوة السائدة بين العديد من الإسرائيليين، لا توجد حتى الآن إجابة واضحة على مسألة تعافي المنظمة واستمراريتها – في الذراع السياسية وفي الذراع العسكرية ، لكن اغتيال نصر الله، بعيداً عن الجانب العسكري والجانب السياسي، له تأثير واسع على المستوى الأخلاقي؛ عابر لدول وجماهير في العالم العربي والإسلامي، وليس فقط بين أعضاء حزب الله ومؤسسات المنظمة. الاغتيال يرمز إلى انتهاك خط المقاومة على مدى أجيال.
ورغم أن نصر الله كان رئيسا لمنظمة شيعية لبنانية، وكان يعتبر من أتباع إيران، وكان له عدد غير قليل من المنتقدين والمعارضين في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي ككل، إلا أنه إلى حد كبير يعتبر أيضا رأس الحربة في خط المعارضة لإسرائيل. وأُطلق عليه لقب “سيد المقاومة” دون أي زعيم عربي اخر .
في كل ما يتعلق بالقدرة التي تقدمها منظمته في مواجهة إسرائيل. وقد حظيت كل خطاباته باهتمام إعلامي واسع النطاق في الشبكات العربية وفي إسرائيل. يُنظر إليه على أنه الشخص الذي وقف في وجه إسرائيل والولايات المتحدة أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي، وبالتالي أصبح رمزًا وأيقونة على الرغم من أن موقف نصر الله هذا تصدع بسبب تورط حزب الله بشكل كبير في الحرب الأهلية سوريا ودعمه الكامل لنظام بشار الأسد.
في معظم مراحل الحرب، نجح نصر الله في الحفاظ على معادلة الردع ضد إسرائيل، بما في ذلك في صفوف الجمهور الإسرائيلي. والدليل على ذلك عشرات آلاف الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الشمال، وهو عدد لم نشهده في حربي لبنان الأولى والثانية. وحتى بعد تفجير أجهزة النداء والاغتيالات التي استهدفت رؤساء الفرع العسكري، كان الافتراض في العقل العربي العام هو أن نصر الله لديه المزيد من المفاجآت، والقدرة على التعامل مع الضرر الذي لحق بالتسلسل القيادي. وينطبق الشيء نفسه على خطابه الأخير الأسبوع الماضي، والذي اعترف فيه بعمق الضربة التي تعرض لها، لكنه وعد بالاستمرارية.
بعيداً عن الجانب العسكري والجانب السياسي، يشكل اغتيال نصر الله ضربة معنوية قاسية
وقد تم فضح هذه الأسطورة بإعلان وفاته أمس. لا عجب أن كثيرين ذكروا الليلة الماضية يوم 28 سبتمبر 1970، وهو اليوم الذي توفي فيه زعيم مصر آنذاك جمال عبد الناصر، الذي يعتبر أب الأمة العربية، إثر أزمة قلبية. كان لناصر معارضون كثر في مصر والعالم العربي، خاصة بعد هزيمته في حرب الأيام الستة عام 1967 وجلب الكارثة على شعبه؛ لكن لم يشك أحد في قيادته وشخصيته كبطل قومي عربي. وكذلك نصر الله، بعد 54 عاماً. ويدرك المؤيدون والمعارضون أن الضرر الأشد بعد اغتياله ووفاته هو ضرر أخلاقي، حتى أكثر منه عسكرياً وسياسياً.
——————انتهت النشرة——————