بالفيديو والصور عام صعب على الأسرى الفلسطينيين.. أرقام وفظائع تُوثق فصولًا من المعاناة

إنهم الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، الذين يعيشون منذ السابع من أكتوبر الماضي حياةً كالجحيم بعيدًا على الأضواء؛ بفعل كثافة التعذيب والتنكيل والإجراءات الانتقامية التي فُرضت عليهم، ومست مصير الآلاف منهم.

ومع اقتراب حرب الإبادة من عامها الأول تستعرض  في هذه المادة معطياتٍ رقمية رسمية عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وأبرز أشكال التعذيب التي يتعرضون لها وأخذت شكلًا انتقامًا متصاعدًا على مدار الأشهر الماضية

الأسرى في أرقام..

يبقع حاليًا في سجون الاحتلال أكثر من 9900 أسير، منهم 98 أسيرة، و250 طفلًا بالإضافة لـ 3323 معتقلًا إداريًا، حتى مطلع أيلول/ سبتمبر المنصرم، وفق المعطيات التي نشرتها هيئة الأسرى والمحررين، ونادي الأسير ومؤسسة الضمير، يوم الأحد الماضي (29 أيلول).

ومن بين الأسيرات الفلسطينيات يوجد سيدة حامل، و3 أسيرات من غزة معلومة هوياتهن، و27 أسيرة يخضعن لحكم الاعتقال الإداري.

وأفادت المعطيات المنشورة بوجود 1612 معتقلًا من قطاع غزة اعترفت إدارة السجون بوجودهم لديها وصنفتهم بـ “مقاتلين غير شرعيين”، علمًا أنّ هذا العدد لا يشمل كافة معتقلي غزة خاصة من هم في معسكرات جيش الاحتلال.

معطيات ما بعد السابع من أكتوبر..

منذ بداية الحرب صعّدت قوات الاحتلال من حملات المداهمة والاعتقالات اليومية في الضفة الغربية ومدينة القدس، رافقها عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح إلى جانب عمليات تخريب وتدمير واسعة في منازل المواطنين.

وثق التقرير اعتقال أكثر من 11 ألف إنسان في الضفة والقدس، بما لا يشمل كافة معتقلي قطاع غزة، الذين يتعرضون لجريمة الإخفاء القسري.

وبلغت حصيلة حالات الاعتقال في صفوف النساء بعد السابع من أكتوبر نحو 420 بما يشمل النساء اللواتي اعتقلن من الداخل الفلسطيني المحتل، وحالات الاعتقال في صفوف نساء من غزة جرى اعتقالهن في الضفة الغربية، ولا يشمل أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة ويقدر عددهن بالعشرات.

فيما بلغ عد أوامر الاعتقال الإداري منذ بداية الحرب أكثر من 8 آلاف و872 أمر ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، طال بعضها نساء وأطفال، كما اعتقل الاحتلال خلال الفترة ذاتها 740 طفلًا من الضفة والقدس.

فيما بلغ عدد الصحفيين الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر 108، تبقى منهم 59 صحفيًا رهن الاعتقال بينهم 7 صحفيات، و22 صحفيًا من غزة على الأقل تم التأكد من هوياتهم، وأفاد التقرير بوجود 14 صحفيًا رهن الاعتقال الإداري.

أما فيما يخص معتقلي غزة، ذكر التقرير أنّ الاحتلال اعترف باعتقال 4500 مواطن أفرج لاحقًا عن المئات منهم وكانوا بحالة صعبة جراء عمليات التعذيب والتنكيل التي تعرضوا لها خلال فترة احتجازهم.

الأسرى الشهداء بعد السابع من أكتوبر..

استُشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر ما لا يقل عن 25 أسيرًا ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، بالإضافة للعشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في المعتقلات والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، عدا عن تعرض آخرين لعمليات إعدام ميداني.

واستنادًا للمعطيات الرسمية الفلسطينية، فإنّ 23 أسيرًا ممن استُشهدوا وأُعلن عنهم منذ بداية الحرب محتجزة جثامينهم، وهم من بين 34 أسيرًا من الشهداء يواصل الاحتلال احتجازهم ممن تم الإعلان عن هوياتهم.

بدوره قال مدير نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري، إنّ الاحتلال اعتقل آلاف الغزيين من منازلهم أو من داخل مراكز الإيواء، وأجبرهم على خلع ملابسهم والاصطفاف في طوابير والجلوس في الشوارع وهم شبه عراة في وضعٍ مذل فضلاً عن تعريضهم للتعذيب والتنكيل، قبل اقتيادهم وهم مكدسين فوق بعضهم في شاحنات لأماكن مجهولة أو سجون سرية.

وأفاد الزغاري  أنّه لا يوجد معلومات دقيقة تتعلق بعدد المعتقلين من قطاع غزة؛ لأن الاحتلال يرفض الإفصاح عن ذلك، وهو ما يُعرف بجريمة الإخفاء القسري لكن بعد زيارات بعض المحامين للسجون تبيّن وجود 1200 أسير موزعين على 8 أقسام داخل سجن النقب، بالإضافة لوجود عدد آخر في سجن عوفر.

وعُرض المئات من أسرى غزة على محاكمات دون وجود محامين أو استشارة قانونية، رافقها إصدار بعض الأوامر العسكرية المتعلقة بالتعامل معهم منذ بداية العدوان، واعتبر الزغاري ذلك “مخالفة لكل القوانين الإنسانية والحقوقية الدولية”.

ولفت أنّ الاحتلال يحتجز أسرى القطاع في معسكرات تابعة لجيش الاحتلال في غلاف غزة، وهي عبارة عن أقفاص حديدية تفتقر لأدنى المقومات الإنسانية، موضحًا أنّه إلى جانب السجون المركزية، استحدث الاحتلال معسكرات خاصة أبرزها “سديه تيمان” في صحراء النقب، سيء السمعة الذي عاش فيه الآلاف في ظروف مهينة.

301430-1468x710.jpg

23-1722337845.webp

أساليب انتقامية غير مسبوقة..

لا يتمتع الأسرى بحقوقهم التي يكفلها القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، فعلى مدار عقود تعرضوا لأساليب ممنهجة من التنكيل والتعذيب والحرمان؛ في محاولة لكسر إرادتهم، والضغط عليهم أثناء التحقيق، لكنّ التحوّل الأكبر كان بعد السابع من أكتوبر.

إذ شنّت إدارة السجون منذ قرابة العام بأمرٍ من الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، حرب إبادة من نوعٍ آخر في المعتقلات والزنازين ارتكبوا فيها اعتداءات جسدية ونفسية وجنسية تفوق الوصف من فظاعتها، فضلًا عن حرمانهم الطعام والماء والدواء الملابس والأغطية، وعزلهم عن العالم الخارجي.

هذا دفع حقوقيون ومؤسسات الأسرى للقول أنّ “معتقلي غوانتنامو لم يعيشوا الظروف التي يمر بها أسرانا في سجون الاحتلال الإسرائيلي اليوم”، مشيرين إلى أنّ هذه الجرائم تُرتكب بتفاخر من جنود الاحتلال عبر تصوير وحشيتهم ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، وسط صمت دولي وإنساني مريب.

ومن أبرز الأساليب التي يتبعها الاحتلال لتعذيب الأسرى الفلسطينيين، تغطية الوجه والرأس، والشبح، وهو وقوف أو جلوس المعتقل في أوضاع مؤلمة لفترة زمنية طويلة، والحرمان من النوم، والضرب المبرح، وحبس أكبر عدد من الأسرى في غرف ضيقة لا تكفي لـ 5 أشخاص بالوضع الطبيعي.

محمد قنديل (44 عامًا) فلسطيني جرى اعتقاله من منزله في خانيونس جنوب قطاع غزة في ديسمبر/ كانون أول الماضي، وصف ظروف الاعتقال بـ “المذلة” حيث أُجبر على خلع ملابسه أثناء اعتقاله في أجواء باردة جدًا، وسط ضرب مستمر وإهانة لفظية لا تتوقف من جنود الاحتلال.

وقال قنديل في شهادته لـ “وكالة سند للأنباء” إنّ “السجانين والمحققين يتعمدون إهانة كرامة الأسرى بشتى الأساليب، على سبيل المثال لا ينادون علينا بأسمائنا، بل يمنحون كل واحد منّا رقمًا وعليه يتم التعامل معنا”.

وأضاف أن أسرى قطاع غزة على وجه التحديد يُحرمون من الاستحمام وتبديل ملابسهم لأسابيع متواصلة، أو ممارسة حقهم في العبادة كالصلاة وقراءة القرآن، كما أنهم يُمنعون من دخول الحمامات لأوقاتٍ طويلة.

ومن المواقف التي لا ينساها قنديل، حين طلب من أحد الجنود السماح له بدخول المرحاض لقضاء حاجته، لكن الجندي رفض ثم قام بالتبول عليه لاستفزازه وإهانته، وهنا لا يحق للأسير الاعتراض أو التعبير عن غضبه، وإلا سيتم إنزال أشد العقوبات ضده.

وأشار إلى أنهم اتبّعوا سياسة التجويع ضد الأسرى، حيث كانوا يوفرون نوعية رديئة وقليلة من الطعام، أدت إلى مشاكل صحية لدى الأسرى ونزول أوزانهم بشكل كبير، موضحًا أنّ الوجبات لا تتجاوز: “قطعة جبنة صغيرة، والقليل من المربى وقطعة توست”.

ويُرغم الأسير أيضًا على القيام بأمور من شأنها الحط من كرامته، مثل إجباره على تقبيل حذاء المحقق، وتعريته تعرية كاملة، ومطالبته بالنباح قبل إعطائه وجبات الطعام، أو الإرغام على ترديد أغان تمجد الاحتلال، كما يتم تعريضهم لصعقات كهربائية، والحرق أحيانًا بمياه مغليّة.

171327167.jpg

أسرى-غزة-اخفاء.jpeg

إلى جانب ذلك، أكد المحامي خالد زبارقة في اتصالٍ مع “وكالة سند للأنباء“، أنّ شهادات وإفادات عدد من الأسرى تشير لتعرضهم لاعتداءات جنسية خطيرة، منها الضرب على أماكن حساسة في الجسد، ومحاولات وتهديدات بالاغتصاب.

وضرب زبارقة، مثالًا عن التعذيب اللاأخلاقي الذي يتبّعه الاحتلال، حيث كان يستخدم المحققون أدوات وحيوانات للمساس بأماكن حساسة في أجساد الأسرى، والتفتيش العاري المذل، إضافة إلى شهادات من أسيرات حول تعرضهنّ لتهديدات بالاغتصاب، وتحرشات، بما فيها تحرشات لفظية.

وأوضح أنّ تكبيل الأسرى وتعصيب أعينهم يبدأ من لحظة اعتقالهم الأولى، ويستمر لفترات متواصلة امتدت لـ 70 يومًا، وهو بحد ذاته إجراء غير قانوني ويعد انتهاكًا صارخًا لحق الإنسان في كرامته وإنسانيته وبشريته.