على مدار عام من الإبادة.. أطفال غزة هدف رئيسي لآلة القتل الإسرائيلية

المسار الاخباري: عام من الطفولة المسلوبة، والاستهداف الإسرائيلي الممنهج لأكثر الفئات هشاشة، وهم الأطفال، عام شعاره اغتيال الطفولة بالقتل والجرح، والتشريد، والتجويع، والفقد، والحرمان، وتفاصيل أكثر لا تُنسى بل جُلها لا تُستوعب لحقت بأطفال قطاع غزة خلال الإبادة الجماعية، في الذكرى السنوية الأولى لها.

وفي إطار  مرور عام على العدوان، ترصد في هذا التقرير واقع الطفولة في قطاع غزة بالأرقام، وتلتقي مع حالات تعايش معها ألمها النازف؛ لتقريب الصورة أكثر حول ما شهده الأطفال وما يزالون خلال عام من الإبادة.

بالأرقام.. الأطفال الشهداء والمصابون والمواليد

بالحديث عن إحصائية الأطفال الشهداء خلال عام من حرب الإبادة الجماعية بقطاع عزة، يصرح مدير وحدة نظم المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية، زاهر الوحيدي، لـ “وكالة سند للأنباء”، أن عدد الأطفال الشهداء بلغ قرابة 16 ألف شهيد، بما نسبته 33.1% من إجمالي الشهداء.

وفي تفاصيل أرقام الشهداء الأطفال، يفيد “الوحيدي” أن 782 طفلا تقريبا من إجمالي الشهداء الأطفال استشهدوا قبل أن يبلغوا العام من أعمارهم، بالإضافة إلى 180 طفلاً رضيعاً وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية.

ويشير “الوحيدي” بأن حالات الأطفال الذين ولدوا بالحرب وتم تسجيلهم ضمن “المواليد دون الوزن الطبيعي”، أي أقل من 2500 غرام، يمثلون 800 طفل، من أصل قرابة 36 ألف حالة ولادة خلال عام من الحرب، لافتا إلى أن هذا ما رصدته مشافي وزارة الصحة، وأن هناك العديد من الذين ولدوا في ظروف مأساوية داخل المخيمات ومآوي النزوح، والبيوت، وما يتم رصده والتعرف عليه يكون من خلال المراجعات بمشافي وزارة الصحة.

ويضعنا في صورة تفاقم الوضع الصحي للأطفال المواليد خلال عام من الإبادة، ما يؤدي بهم لنهاية حياتهم، فيذكر “الوحيدي” أن نسبة الوفيات من الأطفال المواليد الذين كانوا يدخلون الحضانات قبل الحرب كانت تمثل 4.5 لكل مئة حالة، لترتفع إلى الضعف تقريبا خلال عام من الحرب، وتصل لـ 7.5% من المواليد يفارقون الحياة ممن يدخلون الحضانات، بسبب تردي الظروف الصحية نتيجة العدوان المتواصل.

وحول إصابات الأطفال بقطاع غزة خلال عام من الإبادة، فيشير “الوحيدي” أن عدد الأطفال المصابين بلغوا أكثر من 32 ألف جريح، بنسبة 33%، من إجمالي المصابين في الحرب، والذين بلغ عددهم أكثر من 97 ألف مصاب.

وبحسب مدير وحدة نظم المعلومات الصحية بوزارة الصحة، تشير التقديرات إلى أن قرابة 4 آلاف طفل تعرضوا لعمليات البتر، وفقدوا أحد أطرافهم على الأقل، من أصل 10 آلاف فلسطيني تعرضوا لبتر الأطراف، خلال عام من الحرب على غزة.

سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي..

وفي ظل سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية، ما يزال الأطفال في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، فيلفت رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، بأن المرصد وثق 49 حالة وفاة بين الأطفال في قطاع غزة بفعل الجوع وانعدام الأمن الغذائي.

“فيما يواجه 3,500 طفل خطر الموت؛ بسبب سوء التغذية، ونقص المكملات الغذائية والتطعيمات، وتنتشر ظاهرة إصابتهم بالهزال، والضعف الحاد والأوبئة، وباتوا يعانون بشدة من أجساد نحيلة ووجوه شاحبة وباهتة وعيون بارزة”، بحسب “عبده”.

ويضيف رئيس المرصد الحقوقي أنه “بحسب مكتبِ تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تم تشخيصُ 18,239 طفلاً في قطاع غزة بسوء التغذية الحاد، بما في ذلك 145 يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد مع مضاعفاتٍ طبيةٍ خطيرة”.

نزوحٌ وأمراض وواقع مأساوي..

وفي واقع النزوح ومأساته المتصاعدة على الأطفال، يلفت مدير المكتب الإعلامي بقطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، خلال حديثه  رصد قرابة 600 ألف طفل نازح من الأطفال في قطاع غزة نتيجة حرب الإبادة الجماعية.

ويعاني الأطفال من الإصابة بالأمراض والأوبئة المعدية، وسط انتشارها بمراكز الإيواء وخيام النازحين بشكل كبير؛ نتيجة انعدام سبل النظافة وتلوث المياه، والتكدس الكبير للنازحين في مناطق مركزة ومحدودة المساحة، وغيرها من الظروف، ويوضح مدير “الإعلامي الحكومي” أن أكثر من 800,000 طفل مصاب بأمراض معدية بسبب النزوح، بالإضافة إلى أكثر من 22,000 طفل مصاب بعدوى التهابات الكبد الوبائي.

ولم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عند استهداف الأطفال فحسب، بل امتدت لتصل إلى آبائهم وأمهاتهم بطبيعة الحال، ما أسفر عن 25,973 طفلاً يتيما، يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، وفقا لـ “الثوابتة”.

وبالرغم مما يواجهه الطفل بقطاع غزة من القتل الإسرائيلي الممنهج، ونيران الاستهداف والجراح، ومأساة المرض ومعاناته، لاحقته الحرب حتى في أبسط حقوقه الأخرى كالتعليم، فيشير “الثوابتة” إلى حرمان الاحتلال 600,000 طفل حرمه الاحتلال من التعليم بالقطاع بسبب الحرب

جراحٌ لا تندمل..

وعن ألم ممزوج بوجع مقهور، الذي قارب على مرور عام، يحدثنا الطفل مصطفى أحمد نصر (12 عاما)، الذي أصيب بأول أيام الحرب في أكتوبر/ تشرين أول المنصرم 2023، وقد تعرض لبتر ساقيه على إثر هذه الإصابة، وبلغة بسيطة، وبكلمات قليلة يعبر الطفل عن حلمه الآن، وهو “تركيب أطراف صناعية؛ ليتمكن من المشي مجددا كالأطفال جميعا، ليس أكثر من ذلك”.

ويتشابه الألم مع الطفل محمد أبو سمور، الذي فقد أطرافه نتيجة انفجار إحدى مخلفات الاحتلال في خانيونس جنوب قطاع غزة، فكان محمد يلهو ويلعب أمام المنزل بعد عودته من جولة نزوح صعبة إثر توغل إسرائيلي بمنطقة تواجده، فما لبث لهو “أبو سمور” إلا أن تحول لحادثة غيرت ملامح حياته، وبُترت على إثرها ساقاه و إحدى يديه.

وفي الحديث عن حال الطفل “أبو سمور” بعد بتر أطرافه، وما آلت إليه نفسيته من تغيير، يقول والده لـ “وكالة سند للأنباء”: “كان محمد مليئا بالحياة، الجري واللعب والضحك، والآن أصبح حبيسا، بعض الأحيان آخذه معي بكرسيه المتحرك للخارج فقط لأمنحه فرصة لتغيير الصدمة التي هو حبيسها”.

وبشأن تسليط الضوء على الآثار النفسية الكبيرة التي تخلفها عمليات البتر على أصحابها، يفيد رئيس قسم الصحة النفسية بمستشفى شهداء الأقصى، الطبيب عرفات أبو مشايخ ” بأن “فقدان أحد الأطراف، وتغير مظهر الجسم، وعدم القدرة على أداء الأنشطة اليومية يسبب ضائقة نفسية هائلة”.

وحول مراحل هذه الصدمة النفسية التي تتشكل إثر عملية البتر، يقول الطبيب “أبو مشايخ”: “إنها رحلة تبدأ بالإنكار وتنتهي فقط بالقبول، والعديد من الناس لا يصلون إلى هذه النقطة بشكل كامل”، مستدركا القول: “غالبًا ما أواجه نفس السؤال المحزن من الأطفال: هل ستنمو ساقي مرة أخرى؟ ولا أستطيع الإجابة عليهم لأنهم لا يفهمون بعد حقيقة وضعهم”.

ويختم الطبيب “أبو مشايخ” حديثه بالأسف على الواقع المأساوي الحالي بقطاع غزة على البُعد النفسي، في ظل عدم وجود مراكز للأطراف الاصطناعية أو مرافق كافية للصحة العقلية في غزة، لافتا إلى “الحاجة إلى المزيد من المتخصصين في الصحة العقلية لمساعدة مبتوري الأطراف، وخاصة الأطفال منهم على التكيف”.

اليُتم.. الألم النازف

“بقوا ورحل الجميع”.. هذا ما حدث للأطفال الأيام الـ 4 من عائلة كساب، وهم: زكريا (10 سنوات) ورعد (8 سنوات)، ومعتز (4 سنوات)، وجوان (3 سنوات) وهم آخر الناجين من استهداف عمارة عائلتهم في شمال قطاع غزة، في أول أيام الحرب، وقد فقدوا والديهم، ومعظم أعمامهم وعماتهم، وعددا من أفراد عائلة أبيهم الكبيرة، ويعيشون الآن منذ قرابة عام تفاصيل معاناة اليُتم في فقد الأم والأب، وظروف النزوح المتكررة والقاسية مع جدتهم لأمهم وأخوالهم.

وبغصة قلب، تحكي جدة الأطفال  عن ألمها عندما يسألها الأطفال عن أبويهم حال اشتياقهم لهما وتعجز عن الإجابة، وتقول “جوان بنت الـ 3 سنوات، صغيرة صح بس بتفهم يعني بتصحى أحيانا بالليل، وبتصير تسأل عن أمها، وبدها تشوفها، وبتحكي ماما ماما.. بدي ماما، بصير أعيّط وقتها وبحاول أخفي دمعتي، وبتذكر بنتي _تعني أم الطفلة_ وبعدها بأسكت وبتتفتح علينا الجراح”.

وهذا الطفل زكريا، بعين دامعة لامعة، وبروح بريئة يستذكر أيامه العادية مع أبويه، وفقدانه تفاصيل اللعب معهما، وأخذه المصروف منهما ليشتري ما يشتهي ويد أبيه تمسك بيديه بالطريق إلى السوق..، ويروي  بعفوية طفولية عن بعض ما كان يفعله عندما يشتاق لأمه وأبيه، “وزعت على روح أمي وأبويا في العيد الكعك والتمر، حوَّشت مصاري عشان أعمل هيك، وكل فترة رح أحوّش ليكونوا مبسوطين مني وهما بالجنة يا رب”.

أما أخوه الأصغر منه بعامين رعد، فيحكي عن أمنياته البسيطة، فببعض حروف يقول: “أنا نفسي تخلص الحرب، وأرجع على غزة، ونخلص من النزوح، ونكون بأمان، مع أنه خلص ما في أمان لما بابا وماما استشهدوا، بس بتمنى الأمان، ويا رب يكون قريب”، ليلخلص بذللك حكاية معظم أطفال غزة بهذه الكلمات