مسؤول دائرة اللاجئين ووكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية / إقليم الضفة
أعلنت سلطة الأراضي في دولة الاحتلال ، مصادرة قطعة الأرض المقامة عليها مقرات الأونروا في حي الشبخ جراح في القدس الشرقية ، وقرنت القرار بنيتها انشاء ١٤٤٠ وحدة سكنية ، ما يعني أنها تنوي تحقيق هدف جانبي ، وهو استكمال المشروع الاستيطاني التهويدي في حي الشيخ جراح ، الذي بدأ في تشرين ثاني عام ٢٠٢١ ، بمصادرة ٤٧٠٠ متر مربع ، بحجة إقامة حديقة عامة ، واخلاء ثلاثة بيوت من الأسر الفلسطينية التي تسكنها بالقوة ومن ثم مصادرتها . لكن الهدف الجوهري من هذا الإجراء يكمن في إنهاء الوجود المكاني والإداري للأونروا في مدينة القدس ، والذي يضم مقر المفوض العام ، ومكاتب مدير العمليات وادارات الخدمات في الإقليم .
ان هذا القرار المزدوج الأغراض، من شأنه أن يستتبع إجراءات وتداعيات خطيرة ، أولها إنهاء وجود الاونروا إداريا وخدماتيا في مخيم شعفاط ، المخيم الوحيد الداخل في محيط القدس المحتلة ، وكذلك أرض مركز قلنديا للتدريب المهني المستهدف أصلا بالإزالة وضم أرضه إلى الأحياء الاستيطانية الشمالية للقدس . هذا إضافة إلى حالة الارباك واعاقة تقديم الخدمات التي سوف تنشأ تبعا لهذه الإجراءات ، بل سوف تشكل خطرا على تحرك العاملين ومواقع عملهم على امتداد الضفة ، ويتركهم أهدافا مكشوفه لجيش الاحتلال ومستوطنيه ،ناهيك عن الضرر الذي سوف يلحق بالخدمات ، كما ونوعا ، التي تقدمها الأونروا لأكثر من مليوني لاجىء في الضفة والقطاع ، في التعليم والصحة وأعمال الإغاثة الإنسانية.
يأتي هذا في إطار الحملة الممنهجة والمحمومة ، والتي تهدف إلى إنهاء وجود الاونروا قانونيا وعملياتيا في الأرض الفلسطينية ، تحت ساتر غبار الحرب العدوانية التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية منذ اكثر من عام ، كون وجودها و قرار تأسيسها وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٣٠٢ عام ١٩٤٩ ، يقترن بالقرار الأممي رقم ١٩٤ ، الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، والذي يشكل النقيض القانوني والتاريخي للرواية الصهيونية في قيام دولة اسرائيل . جرى ذلك عبر سلسلة من الادعاءات بالصاق تهمة المشاركة في العمل العسكري بعدد من العاملين ، ثبت للعالم اجمع عدم صدقيتها من خلال تحقيق دولي مستقل ، ومن خلال إجراءات على الأرض أنهت الوجود الفعلي للخدمات الاغاثية للمنظمة الدولية في شمال غزة .
ثم جاء هذا الاستهداف عبر المنحى القانوني الأحادي ، بإصدار قرارات حكومية او من خلال استصدار قوانين وتشريعات برلمانية ، بدأت في شهر أيار الماضي بصياغة مشروعي قرار ، أحدهما يتهم المؤسسة الدولية بالارهاب، وينزع الحصانه الدولية عنها وعن العاملين فيها ، ويجردها من كافة الامتيازات الممنوحة لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في المجال الاغاثي . والثاني يقضي باخلاء مقارها وترحيلها من مدينة القدس . هذان المشروعان اللذان جرى المصادقة عليهما بالقراءة الأولى في ٢ تموز الماضي ، في انتظار تمريرهما بالقراءة الثانية والثالثة . ثم تلا ذلك قرار سلطة اراضي الدولة بمصادرة قطعة الأرض المقامة عليها المقرات .
ان هذه الأرض والبالغة مساحتها ٣٦ دونما ، والواقعة في أقصى الطرف الغربي من حي الشيخ جراح ، ذلك الحي الذي ينتصب على الكتف الشمالي الشرقي للبلدة القديمة، ويعود تاريخ انشائه إلى أكثر من ٩٠٠ عام ، كانت مملوكة لعائلة الجاعوني المقدسية ، صادرتها سلطات الانتداب البريطاني لأغراضها ، ثم آلت الولاية عليها للدولة الاردنية بعد ضم الضفة الفلسطينية إليها، وهي مسجلة في خزينتها العامة ، حيث وقعت عام ١٩٥٠ مع الأمم المتحدة ، وثيقة تأجير للأرض من أجل انشاء مقراتها عليها . وبعد الاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٦٧ تعهدت سلطات الاحتلال بتوفير الحماية وضمان التسهيلات للأونروا والعاملين فيها ، فيما يعرف باتفاقية ( كوماي ، مكليمور ١٩٦٧) . ما يعني ان دولة الاحتلال بقراراتها الأخيرة ، تضرب بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية واتفاقاتها ، وتستعلي بقراراتها الأحادية على كافة التفاهمات والالتزامات الدولية . إذ ذكر منسق سلطة اراضي الدولة في سياق الإعداد لمشروعات القرارات في أيار الماضي ، انه كان يبحث عن ثغرة قانونية من أجل طرد الأونروا ، فوجدها في قرار بالمصادرة صدر عام ٢٠٠٦ من سلطات الاحتلال .
ان هذا السلوك المنفلت لدولة الاحتلال ، ينطوي على خطر حقيقي ليس على القضية الفلسطينية فحسب ، بل على الإقليم برمته وعلى الأمن والسلم الدوليين ، طالما استطاعت هذه الدولة الافلات من الحساب ومطمئنة للحماية الأمريكية وإلى تقاعس الدول العربية . كما يشجع حالات التجرؤ على القانون الدولي ، ويهز أركان وأسس المنظومة الدولية وشرعية تفاهماتها.
إن أقل ما يمكن أن تذهب اليه المنظومة الدولية هو طرد دولة اسرائيل من الأمم المتحدة ، ما دامت هذه الدولة لا تقيم وزنا لقرارات الشرعية الدولية ولا تحترم رموزها، خاصة بعد أن قام جيشها بقصف القوات الدولية في جنوب لبنان ، وبعد أن أصدرت خارجيتها قرارها باعتبار الأمين العام للأمم المتحدة ، السيد أنطونيو غوتيريش شخصيا غير مرغوب فيه .