المسار الاخباري: انتقدت منظمات أممية وحقوقيون تصدّر العراق دول العالم في نسب الإفلات من العقاب لجرائم استهداف الصحافيين، وفيما أكدوا مقتل أكثر من 500 صحافي وعامل في مجال الإعلام منذ عام 2003، دعوا الحكومة إلى فتح التحقيقات المتعلقة بتلك الجرائم وعدم التهاون في محاسبة مرتكبيها.
واحتفى العالم هذه الأيام بالذكرى السنوية لليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، وهو تاريخ اختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة تخليداً لذكرى الصحافيين الفرنسيين كلود فيرلون وجيزلين دوبون، اللذين اغتيلا في مالي عام 2012 أثناء تغطيتهما لصالح إذاعة فرنسا الدولية.
المرصد العراقي لحقوق الإنسان، ذكر في تقرير أصدره بالمناسبة، إن الحكومات العراقية المتعاقبة تتحمل المسؤولية الرئيسية عن عدم إجراء تحقيقات جدية في حوادث قتل الصحافيين على مدى السنوات الماضية، وحثّ حكومة محمد شياع السوداني على “إعادة فتح التحقيقات المتعلقة بالجرائم التي استهدفت الصحافيين العراقيين، وعدم التهاون في محاسبة المتورطين بتلك الجرائم”.
ونقل المرصد الحقوقي العراقي عن صحافي يعمل في وكالة أجنبية لم تسمح له مؤسسته الإدلاء بشهادته بشكل علني، قوله: “في (20 تموز/ يوليو 2023) وصلنا إلى منطقة الصالحية بالقرب من السفارة السويدية، حيث كانت الأجواء مشحونة بالتوتر. بعد فترة قصيرة من وصولنا، خرجت قوات حفظ القانون من السفارة وبدأت بالاعتداء على المتظاهرين، وأثناء ذلك، كنت حاملاً كاميرتي، محاولاً توثيق الأحداث. لكن أحد العناصر اعتدى عليّ وركلني من ظهري، فصرخت: أنا صحافي، لا تضربني! ، ولكن صراخي لم يكن له أي تأثير”.
قال أيضاً في شهادته للمرصد: “في خضم الفوضى، تَحَمَّل عدد من المتظاهرين مسؤولية الدفاع عني وأخرجوني من ذلك الموقف إلى الجهة الأخرى، حيث قضيت نحو نصف ساعة لدى الشرطة الاتحادية، محاولاً استجماع قواي. بعد أن تفرق المتظاهرون، اتصلت بزميلي الذي كان مختبئاً في أحد الفروع القريبة، حيث كان خائفاً من الاعتقال. وعدته أن الأمور ستكون على ما يرام بناءً على ما سمعته من ضباط الجيش”.
وزاد: “فجأة، مر قائد عمليات بغداد الفريق أحمد سليم من جانبنا. وبعد فترة قصيرة، جاء ضابط وأخبرنا أن القائد يريد لقاءنا. اعتقدنا في البداية أنه يرغب في الحديث معنا، لكن الأمور سرعان ما انقلبت. قاموا بتجريدنا من كل شيء باستثناء هوياتنا وبعض النقود في جيوبنا. شعرت بضربة من عميد كان حاضراً، سألنا بغضب: ‘لماذا تصورون؟’ وطلب مني فتح اللابتوب (الحاسوب المحمول) الخاص بي. عندما اكتشف الصور التي توثق التظاهرات، تلقّيت ضربة أخرى”.
ووفق الصحافي الأجنبي فإن القوات الأمنية “كانوا يعتزمون أخذنا إلى الاستخبارات للاعتداء علينا، لكن أحد الضباط تدخل وطلب منهم التعامل معنا باحترام. نقلونا إلى السفارة السويدية، حيث تم إخراجنا من الباب الخلفي، وبعد ذلك صعدنا إلى سيارة بيك آب وتوجهنا إلى مركز شرطة كرادة مريم. عند وصولنا، قال أحد عناصر الشرطة: أنا مستغرب لماذا أنتم هنا، أنا هنا فقط أستلمكم وليست لدي صلاحية إطلاق سراحكم”.
وقال أيضاً: “أدخلونا في زنزانة مع المتظاهرين، وأوقفونا كما لو كنا مجرمين، وطلبوا منا كتابة أسماء أمهاتنا وتواريخ ميلادنا. بعد فترة من الانتظار، تم نقلنا إلى غرفة أكثر احتراماً، وذلك بعد اتصال من مكتب رئيس الوزراء محمد السوداني. استغرقت العملية من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر”.
ونقل المرصد أيضاً شهادة لأحد الصحافيين العراقيين المستقلين، حسن نبيل، قال إنه تعرض في (20 تموز/ يوليو 2023) للاعتداء وإطلاق النار أثناء احتجازه في مصرف الطيف في منطقة الكرادة. حيث أطلقت حماية المصرف النار عليه، مما أسفر عن إصابة شقيقه برصاصة في ذراعه الأيمن. على الرغم من تقديمه شكوى”، إلا أن نبيل واجه عقبات كبيرة بسبب تعاون الضابط في مركز الشرطة مع المصرف، مما دفعه إلى تقديم شكوى ضد الضابط بعد عام وثلاثة أشهر.
ومع ذلك، عانى في محكمة تحقيق الكرادة من معاملة غير عادلة، حيث لم يحصل على الفرصة المناسبة لتكييف المادة القانونية.
وفي (19 آب/ أغسطس 2023) تعرض أمير الخفاجي الذي يعمل مراسلاً لصالح قناة “السومرية” العراقية، لانتهاكات خلال تغطيته تظاهرات المهن الطبية والصحية، حيث مُنع من التصوير وتم سحله واعتقاله لمدة ثلاث ساعات، مروراً بثلاثة مراكز شرطة. ورغم منعه من تقديم شكوى، رُفعت دعوى كيدية ضده من قبل شرطة الرصافة بناءً على أوامر قائدها. ومع ذلك، تواصل أمير مع مكتب رئيس الوزراء، مما أدى إلى تشكيل لجنة أمنية للتحقيق في الحادث، لكنه اختار عدم تقديم شكوى قانونية في المحاكم العراقية بسبب انشغاله بالعمل وعبء تكاليف المحامين، واكتفى بمطالبة الجهات المسؤولة بإنهاء الاعتداءات وتقديم اعتذار رسمي.
ويرى المرصد في تقريره أن حرية الصحافة في العراق تستمر “بمواجهة تحديات كبيرة، حيث يعيش الصحافيون في حالة من الخوف والقلق”، مشيراً إلى إنه “رغم التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، فإن الإفلات من العقاب لا يزال سائداً، مما يجعل العمل الصحافي محفوفاً بالمخاطر، وبالتالي، يتعين على الحكومة الحالية اتخاذ إجراءات حقيقية لتحسين الأوضاع، بما في ذلك فتح ملفات الاعتداءات على الصحافيين وتعزيز آليات المساءلة لضمان تحقيق العدالة”.
وأوضح أن “على مدى نحو عقدين، يُعاني العراق من ظاهرة الإفلات من العقاب، حيث تتزايد الاعتداءات ضد الصحافيين في بيئة مليئة بالتوتر والتهديدات”.
إضافةً إلى ذلك، يواجه الصحافيون صعوبات في توثيق الاعتداءات بسبب غياب آليات فعالة للتحقيق وملاحقة الجناة، حسب تقرير المرصد الذي أكد “تردّد الكثير منهم في الإبلاغ عن الاعتداءات خوفًا من الانتقام أو عدم حصولهم على العدالة”.
واعتبر أن الحفاظ على حرية الصحافة وتوفير بيئة آمنة للصحافيين، يتطلب “تضافر جهود الحكومة ومنظمات المجتمع المدني”، مبيناً أن “ضمان الحماية للصحافيين وحقوقهم يعد جزءاً أساسياً من بناء عراق ديمقراطي يعزز حرية التعبير وحقوق الإنسان”.
وأضاف: “يُعتبر وضع الصحافة في العراق تحدياً حقيقياً، فرغم أنها ركيزة أساسية في أي مجتمع ديمقراطي، إلا أن البيئة التي يعمل فيها الصحافيون تتسم بالتهديدات المستمرة والمخاطر الجسيمة”، منوهاً أن الظروف الراهنة تعكس “عدم القدرة على ملاحقة ومعاقبة الجناة، حيث أصبح الإفلات من العقاب نمطاً شائعاً. هذه الحالة تؤدي إلى تفشي ثقافة الخوف بين الصحافيين، مما يجعلهم أكثر حذراً في تناول المواضيع الحساسة”.
وزاد: “تتعدد التحديات التي تواجه الصحافيين في العراق، من بينها غياب الآليات الفعالة للتحقيق والملاحقة القضائية للجرائم المرتكبة ضدهم. على الرغم من تشكيل لجان تحقيقية، فإن معظمها لم يتمكن من تحقيق نتائج ملموسة”، مشيراً إلى أن “العديد من الصحافيين يترددون في الإبلاغ عن الاعتداءات التي يتعرضون لها، خوفاً من الانتقام أو عدم حصولهم على العدالة”.
“يؤدي غياب المحاسبة إلى تشجيع المزيد من الاعتداءات، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها الصحافيون”، حسب التقرير الذي رأى أن “استمرار الإفلات من العقاب يقوض حقوق الإنسان الأساسية ويعزز من الانتهاكات”.
ودعا حكومة محمد شياع السوداني إلى “الالتزام بحماية حقوق الإنسان وإعادة فتح التحقيقات في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. يجب أن تكون هناك فرصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم وتوفير الحماية اللازمة للصحافيين”، فضلاً عن لفته إلى أهمية “تطوير آليات فعالة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، مما يضمن محاسبة مرتكبيها، وذلك عبر إنشاء آليات تحقق تستند إلى الشفافية والمساءلة. كما يجب على الحكومة توفير الحماية اللازمة لهم من خلال برامج حماية متكاملة تشمل دعماً قانونياً ونفسياً، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير أمنية فعالة تضمن سلامتهم في أداء مهامهم”.
وعلى المستوى ذاته، أعلنت منظمة “اليونسكو” التابعة للأمم المتحدة، أن العراق يتصدّر دول العالم في نسب الإفلات من العقاب لقتلة الصحافيين، داعيةً الحكومة العراقية إلى تفعيل التحقيق بشأن الجرائم التي تطال الصحافيين وضمان حمايتهم.
وذكرت المنظمة في بيان، أن “النسبة العالية للإفلات من العقاب على جرائم قتل الصحافيين في العراق تعد من القضايا البالغة الخطورة التي تتطلب اهتماماً دولياً ومحلياً، إذ تتجاوز 98% مع بقاء أكثر من 500 صحافي قُتلوا منذ عام 2003 دون محاسبة القتلة، ولم يتم حل سوى 9 قضايا فقط”.
ودعت المنظمة الحكومة العراقية إلى “تحمل مسؤوليتها في فتح تحقيقات شاملة وشفافة في جميع الجرائم التي طالت الصحافيين، وتقديم معلومات عن التحقيقات للمجتمع الدولي ولمجلس حقوق الإنسان”.
وأكدت أن “العراق يتصدّر قائمة الدول التي يعاني فيها الصحافيون من الإفلات شبه التام من العقاب، ويواجهون تهديدات واقعية وإلكترونية متزايدة، إلى جانب ارتفاع الدعاوى القضائية التي تهدف إلى تخويف الصحافيين وتكميم أصواتهم”.
وكشفت أنه “في عام 2023 وحده، رفعت أكثر من 600 دعوى قضائية ضد الصحافيين، وقد أسقط القضاء حوالي 64% من هذه القضايا، بينما لا تزال العديد منها غير محسومة”، مبينة أن “نسبة الدعاوى في إقليم كردستان بلغت أكثر من 37%، مع صدور أحكام قاسية في محافظات أربيل، دهوك، والسليمانية”.
كما دعت “اليونسكو” السلطات العراقية إلى “مراجعة سياساتها بشأن حرية التعبير وسلامة الصحافيين”، حاثة وزارة الداخلية على “إعادة تفعيل دور الوحدة التحقيقية المتخصصة بجرائم الصحافيين، التي توقفت مؤخراً لأسباب غير معروفة”.
وأردفت أن “القضاء العراقي يبقى جهة محورية في حماية الصحافيين عبر محاكم النشر والإعلام وعبر مجلس قضاة حرية التعبير”.
إلى ذلك، طالبت لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية الجهات المعنية بـ”إيقاف الاعتداءات” التي تطال الصحافيين، داعية الحكومة إلى “محاسبة مرتكبي تلك الاعتداءات”.
رئيس (السن) للجنة والأعضاء، أكدوا في بيان بمناسبة الذكرى السنوية لليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، ضرورة “تطبيق القوانين على مرتكبي الاعتداءات والجرائم بحق الصحافيين”، عملاً بمواد الدستور العراقي الذي أتاح الحريات وأسس مبادئ عامة للديمقراطية في العراق بعد عام 2003.
وطالبت اللجنة بـ”وضع حد للانتهاكات التي تطال العاملين في المجال الصحافي والإعلامي”، خصوصاً وأنهم يواجهون “المتاعب والتحديات القاسية أثناء ممارستهم أعمالهم الميدانية في الشارع العراقي”.