بقلم: ناحوم برنياع
قبل سنوات كثيرة أجريت مقابلة مع اليكيم هعتسني، وهو من رؤساء المستوطنين في الخليل. تلك الأيام كانت الأيام الرومانسية بالنسبة لمشروع الاستيطان. ومن بين المستوطنين كان هناك من آمنوا بالاحتلال المتنور – في الضفة الغربية وفي غزة سيعيش بسعادة ابن العربي وابن الناصرة وابني. هو محامي في مهنته، وكان يعرض خدماته القانونية على الفلسطينيين، وكان مغرم بالخليل واسواقها. سألته: ألا يتمنى أحيانا السفر الى مكان بعيد، هاديء، أوروبا الكلاسيكية مثلا. “أقصى حد إسطنبول”، رد بشكل قاطع. أنا فكرت في جوابه في هذا الأسبوع عندما شاهدت أفلام فيديو من المذبحة التي حدثت في أمستردام. إسطنبول ذهبت، وأيضا أوروبا الكلاسيكية لم تعد شيء كبير.
يمكن صياغة المعادلة بشكل بسيط: كلما اطلنا المكوث في غزة وفي جنوب لبنان، وكلما صور المدنيين المهجرين والبيوت المدمرة تملأ الشاشات، كلما ابتعدنا عن باقي العالم. المذبحة في أمستردام هي فقط جزء من حملة آخذة في التوسع، المس بالاقتصاد والعلوم وحرية الحركة وصورة إسرائيل في الغرب والشعور بالأمان لمن يرتدي القبعة أو يضع نجمة داود أو يتكلم اللغة العبرية بحسن نية في الشارع، الامر اصبح صعب وملموس. جزء من الحملة مخطط له ومنظم، وجزء آخر عفوي وجارف. ها هي روسيا تقاطعها حكومات، وها هي إسرائيل يقاطعها نشطاء من اليسار، الذين يجرون حكومات وراءهم. القصة التي سأرويها هنا تعلمنا شيء معين عن طريقة تنظيم الحملات، في مركز سفينة تجارية باسم “كاثرين”.
بداية القصة كانت في ميناء هايفوند في فيتنام في تموز الماضي. على متن السفينة “كاثرين” تم تحميل 8 أطنان من مادة آر.دي.اكس، وهي مادة عضوية تستخدم في صناعة السلاح في إسرائيل لانتاج القنابل. الحكومة الشيوعية في فيتنام، بالذات هي. السفينة التي ابحرت من فيتنام في شهر تموز. الخطة كانت الإبحار حول افريقيا، ربما من اجل تجاوز حصار الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر. جميع المعلومات التي ستظهر هنا تم نشرها بتوسع في الشبكات الاجتماعية وفي الانترنت، ضمن أمور أخرى، في مقال نشره ماديسون بانون، ناشط امريكي في حركة الـ بي.دي.اس، وهو يعيش في جوهانسبرغ.
مجموعة من العمال في ميناء هايفوند قامت بنشر النبأ عن الشحنة في الشبكة. أعضاء في منظمة مقاطعة في جنوب افريقيا تجندوا على الفور للعمل. فقد تابعوا السفينة من خلال تطبيق “مارين ترافيك”، الذي يتعقب حركة السفن في ارجاء العالم.
سفينة “كاثرين” طلبت أن ترسو في فالبس بي في ناميبيا. النشطاء تنظموا في مجموعة واتس اب وتوجهوا الى وجيهة العدل في حكومة ناميبيا ايفون داوساب. التي شاركت في مؤتمر مناهض لإسرائيل في جوهانسبوغ في شهر أيار. هناك التقى معها نشطاء المقاطعة للمرة الأولى. الآن توقعوا منها العمل. هي أرسلت رسالة الى سلطة الموانيء في ناميبيا طلبت فيها حظر دخول السفينة. المبرر: رسو السفينة يمكن أن يعرض ناميبيا لخرق الميثاق ضد الإبادة الجماعية ودعوى في محكمة العدل الدولية في لاهاي. في موازاة ذلك اثار النشطاء عاصفة في الشبكات الاجتماعية. أعضاء هذه المجموعة لم يكتفوا بتعقب السفينة. فقد قاموا بشن حملة ضد بيع الفحم من جنوب افريقيا لإسرائيل. الذريعة هي: الفحم يحرك الحياة اليومية في إسرائيل، ويضيء القواعد العسكرية والمستوطنات في الضفة الغربية، ويغذي الماكنات في مصانع السلاح. بكلمات أخرى: هذه الحملة لا تعمل فقط على منع السلاح عن الجيش الإسرائيلي – مجرد العيش في إسرائيل ليس أمر مشروع بالنسبة لهم.
يجب وقف السفينة
عودة الى سفينة “كاثرين”. لقد تم انشاء هاشتاغ باسم “يجب وقف السفينة”، وقد استجاب له نشطاء في عدد من الدول على طول طريق السفينة. الحملة نجحت في منع السفينة من الرسو في ناميبيا، انغولا، البرتغال، مونتنيغرو، كرواتيا ومالطا. في اعقاب احتجاج المعارضة في البرتغال فقد أمرت الحكومة هناك السفينة بانزال علم البرتغال الذي كان يرفرف عليها. السفينة بقيت بدون علم، وهذا أمر اشكالي جدا في عالم السفن.
مالطا كانت المحطة الثانية. الحكومة في مالطا أعلنت منذ فترة غير بعيدة عن نية الاعتراف بفلسطين كدولة، وحصلت على تنديد شديد من يسرائيل كاتس، الذي كان وزير الخارجية الإسرائيلي حتى الأسبوع الماضي. الحملة ضد رسو كاثرين في هذه الجزيرة حصلت على عناوين رئيسية في وسائل الاعلام في مالطا، وموجة جارفة في الشبكات الاجتماعية. السفينة اضطرت الى أن ترسو خارج المياه الإقليمية، وقد ثار نقاش في الرأي العام: هل مسموح توفير الطعام لطاقم السفينة. في نهاية المطاف رفعت السفينة علم المانيا وغادرت.
حسب ما نشر في الانترنت فان سفينة كاثرين كان يمكن أن تقوم بانزال الحمولة الإسرائيلية في سلوفانيا. شركة المانية باسم “لوبكا مارين” تم استئجارها لانزال الحمولة ونقلها الى ميناء في إسرائيل. عمليا، السفينة ابحرت من مالطا الى البانيا، ربما بسبب أن حكومة سلوفانيا المؤيدة للفلسطينيين أغلقت في وجهها الميناء (هم يريدون سياح من إسرائيل بالذات). هذا حدث قبل نهاية شهر تشرين الأول، بعد أربعة اشهر على ابحار السفينة من فيتنام. التأخير، كتب بتفاخر ناشط المقاطعة، كلفت إسرائيل أموال طائلة وشركات التأمين أيضا.
الهدف الآن، يكتب ويضيف، هو فرض الحصار على كل تجارة إسرائيل البحرية. المانيا هي هدف الهجوم الرئيسي. فدعم الحكومة في المانيا لإسرائيل يتم عرضه كمس بالقانون الدولي الانساني وبحقوق الانسان. كل طرف يستخدم ماضي المانيا لغرضه، والمفارقة تحتفل.
هاكم مفارقة أخرى. المحطة التالية لسفينة كاثرين كانت ميناء الإسكندرية في مصر. ماذا أنزلت هناك أو ماذا حملت من هناك لم يتم التحدث عن ذلك.
في يوم السبت نشرت وسائل الاعلام في مالطا نبأ عن سفينة أخرى باسم “ماريو إي”، التي ابحرت من ميناء الجسرز في اسبانيا نحو حيفا أو اسدود. السفينة بملكية “مارسيك”، وهي شركة ملاحة ضخمة في الدانمارك. حسب النبأ فان السفينة كانت تحمل السلاح الأمريكي الذي تم اعداده للجيش الإسرائيلي. نشطاء المقاطعة يتعقبون السفينة بهدف تعويقها في الطريق وردع الشركة الدانماركية عن ارسال ارساليات أخرى.
أنا أقدر بأنه في المرحلة الحالية يوجد لإسرائيل طرق لضمان استمرار الاستيراد والتصدير الأمني. مع ذلك، الضغط يزداد ويجبي ثمن. أنا توجهت لوزارة الدفاع لدينا وسألت حول هذا الامر. الجواب كان: لا يوجد جواب.