الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
إسرائيل اليوم 12/11/2024
إعلان كاتس “النصر” سابق لاوانه
بقلم: العميد تسفيكا حايموفيتش
بعد أقل من 72 ساعة من تسلمه مهام منصبه أعلن وزير الدفاع الجديد إسرائيل كاتس اننا “هزمنا حزب الله”. وفي المناسبة إياها أيضا أضاف باننا “هزمنا حماس تنظيميا وعسكريا”، لكن هذا يحتاج الى بحث آخر.
في اعقاب الإعلان إياه في ظهر يوم الاحد، شهدنا أمس احد الأيام الأشد في الضربات التي تلقتها الجبهة الداخلية في منطقة حيفا، الكريوت والشمال مع نحو 200 مقذوفة، وبعض الإصابات في الممتلكات والجرحى.
يثبت حزب الله في الأسابيع الأخيرة بانه رغم الإصابات القاسية التي تعرض لها والقضم الهائل في قدراته الصاروخية، الى جانب المناورة العسكرية المحدودة، لا يزال بمقدوره تحدي الجبهة الداخلية المدنية وقدرات الدفاع لدى الجيش الإسرائيلي.
صحيح أن حجوم إطلاق الصواريخ لا تزال صغيرة بالنسبة للتقدير الذي كان قبل الحرب وقدرات منظمة الإرهاب قبل 7 أكتوبر 2023، لكن لا يزال بمقدورها ان تطلق عشرات عديدة من الصواريخ الى المدى القصير والمتوسط، وتحدي الجبهة المدنية الداخلية.
الحرب متعددة الساحات لا تنتهي في لبنان
يجدر بنا ان نتذكر بل وان نستوعب بان مقياس إطلاق الصواريخ لم يكن ولن يكون ابدا المقياس للنصر في الحرب او لنجاح الحرب وذلك لانه في معظم الحالات ستبقى للطرف الاخر قدرة ما على اطلاق الصواريخ او المقذوفات الصاروخية. وكلما تقدمت الاتصالات للمفاوضات واقتربنا من تسوية سياسية سنجد أن حجم إطلاق الصواريخ سيرتفع، مثابة “الرشقة الأخيرة” او “الكلمة الأخيرة”. في هذه الأيام بالذات، والتي يرغب فيها كل طرف في تحسين إنجازاته العسكرية في الطريق الى طاولة المفاوضات، يتعين علينا ان نتوقع هجوما مشابها بل وأكبر من ذلك، والتأكد من أن المنظومات المدنية ومنظومات الدفاع في حالة تأهب قصوى، منضبطة وجاهزة لكل سيناريو مهما كان.
حذار أن ننسى أنه في الحرب متعددة الساحات التي نوجد فيها، ستبقى تتحدانا الصواريخ بعيدة المدى من اليمن، المُسيرات من الميليشيات الإيرانية في العراق ولم أذكر بعد الرد الإيراني الذي لم يشطب بعد عن جدول الاعمال.
——————————————–
يديعوت احرونوت 12/11/2024
كلما اطلنا المكوث في غزة وفي لبنان، كلما ابتعدنا عن باقي العالم
بقلم: ناحوم برنياع
قبل سنوات كثيرة أجريت مقابلة مع اليكيم هعتسني، وهو من رؤساء المستوطنين في الخليل. تلك الأيام كانت الأيام الرومانسية بالنسبة لمشروع الاستيطان. ومن بين المستوطنين كان هناك من آمنوا بالاحتلال المتنور – في الضفة الغربية وفي غزة سيعيش بسعادة ابن العربي وابن الناصرة وابني. هو محامي في مهنته، وكان يعرض خدماته القانونية على الفلسطينيين، وكان مغرم بالخليل واسواقها. سألته: ألا يتمنى أحيانا السفر الى مكان بعيد، هاديء، أوروبا الكلاسيكية مثلا. “أقصى حد إسطنبول”، رد بشكل قاطع. أنا فكرت في جوابه في هذا الأسبوع عندما شاهدت أفلام فيديو من المذبحة التي حدثت في أمستردام. إسطنبول ذهبت، وأيضا أوروبا الكلاسيكية لم تعد شيء كبير.
يمكن صياغة المعادلة بشكل بسيط: كلما اطلنا المكوث في غزة وفي جنوب لبنان، وكلما صور المدنيين المهجرين والبيوت المدمرة تملأ الشاشات، كلما ابتعدنا عن باقي العالم. المذبحة في أمستردام هي فقط جزء من حملة آخذة في التوسع، المس بالاقتصاد والعلوم وحرية الحركة وصورة إسرائيل في الغرب والشعور بالأمان لمن يرتدي القبعة أو يضع نجمة داود أو يتكلم اللغة العبرية بحسن نية في الشارع، الامر اصبح صعب وملموس. جزء من الحملة مخطط له ومنظم، وجزء آخر عفوي وجارف. ها هي روسيا تقاطعها حكومات، وها هي إسرائيل يقاطعها نشطاء من اليسار، الذين يجرون حكومات وراءهم. القصة التي سأرويها هنا تعلمنا شيء معين عن طريقة تنظيم الحملات، في مركز سفينة تجارية باسم “كاثرين”.
بداية القصة كانت في ميناء هايفوند في فيتنام في تموز الماضي. على متن السفينة “كاثرين” تم تحميل 8 أطنان من مادة آر.دي.اكس، وهي مادة عضوية تستخدم في صناعة السلاح في إسرائيل لانتاج القنابل. الحكومة الشيوعية في فيتنام، بالذات هي. السفينة التي ابحرت من فيتنام في شهر تموز. الخطة كانت الإبحار حول افريقيا، ربما من اجل تجاوز حصار الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر. جميع المعلومات التي ستظهر هنا تم نشرها بتوسع في الشبكات الاجتماعية وفي الانترنت، ضمن أمور أخرى، في مقال نشره ماديسون بانون، ناشط امريكي في حركة الـ بي.دي.اس، وهو يعيش في جوهانسبرغ.
مجموعة من العمال في ميناء هايفوند قامت بنشر النبأ عن الشحنة في الشبكة. أعضاء في منظمة مقاطعة في جنوب افريقيا تجندوا على الفور للعمل. فقد تابعوا السفينة من خلال تطبيق “مارين ترافيك”، الذي يتعقب حركة السفن في ارجاء العالم.
سفينة “كاثرين” طلبت أن ترسو في فالبس بي في ناميبيا. النشطاء تنظموا في مجموعة واتس اب وتوجهوا الى وجيهة العدل في حكومة ناميبيا ايفون داوساب. التي شاركت في مؤتمر مناهض لإسرائيل في جوهانسبوغ في شهر أيار. هناك التقى معها نشطاء المقاطعة للمرة الأولى. الآن توقعوا منها العمل. هي أرسلت رسالة الى سلطة الموانيء في ناميبيا طلبت فيها حظر دخول السفينة. المبرر: رسو السفينة يمكن أن يعرض ناميبيا لخرق الميثاق ضد الإبادة الجماعية ودعوى في محكمة العدل الدولية في لاهاي. في موازاة ذلك اثار النشطاء عاصفة في الشبكات الاجتماعية. أعضاء هذه المجموعة لم يكتفوا بتعقب السفينة. فقد قاموا بشن حملة ضد بيع الفحم من جنوب افريقيا لإسرائيل. الذريعة هي: الفحم يحرك الحياة اليومية في إسرائيل، ويضيء القواعد العسكرية والمستوطنات في الضفة الغربية، ويغذي الماكنات في مصانع السلاح. بكلمات أخرى: هذه الحملة لا تعمل فقط على منع السلاح عن الجيش الإسرائيلي – مجرد العيش في إسرائيل ليس أمر مشروع بالنسبة لهم.
يجب وقف السفينة
عودة الى سفينة “كاثرين”. لقد تم انشاء هاشتاغ باسم “يجب وقف السفينة”، وقد استجاب له نشطاء في عدد من الدول على طول طريق السفينة. الحملة نجحت في منع السفينة من الرسو في ناميبيا، انغولا، البرتغال، مونتنيغرو، كرواتيا ومالطا. في اعقاب احتجاج المعارضة في البرتغال فقد أمرت الحكومة هناك السفينة بانزال علم البرتغال الذي كان يرفرف عليها. السفينة بقيت بدون علم، وهذا أمر اشكالي جدا في عالم السفن.
مالطا كانت المحطة الثانية. الحكومة في مالطا أعلنت منذ فترة غير بعيدة عن نية الاعتراف بفلسطين كدولة، وحصلت على تنديد شديد من يسرائيل كاتس، الذي كان وزير الخارجية الإسرائيلي حتى الأسبوع الماضي. الحملة ضد رسو كاثرين في هذه الجزيرة حصلت على عناوين رئيسية في وسائل الاعلام في مالطا، وموجة جارفة في الشبكات الاجتماعية. السفينة اضطرت الى أن ترسو خارج المياه الإقليمية، وقد ثار نقاش في الرأي العام: هل مسموح توفير الطعام لطاقم السفينة. في نهاية المطاف رفعت السفينة علم المانيا وغادرت.
حسب ما نشر في الانترنت فان سفينة كاثرين كان يمكن أن تقوم بانزال الحمولة الإسرائيلية في سلوفانيا. شركة المانية باسم “لوبكا مارين” تم استئجارها لانزال الحمولة ونقلها الى ميناء في إسرائيل. عمليا، السفينة ابحرت من مالطا الى البانيا، ربما بسبب أن حكومة سلوفانيا المؤيدة للفلسطينيين أغلقت في وجهها الميناء (هم يريدون سياح من إسرائيل بالذات). هذا حدث قبل نهاية شهر تشرين الأول، بعد أربعة اشهر على ابحار السفينة من فيتنام. التأخير، كتب بتفاخر ناشط المقاطعة، كلفت إسرائيل أموال طائلة وشركات التأمين أيضا.
الهدف الآن، يكتب ويضيف، هو فرض الحصار على كل تجارة إسرائيل البحرية. المانيا هي هدف الهجوم الرئيسي. فدعم الحكومة في المانيا لإسرائيل يتم عرضه كمس بالقانون الدولي الانساني وبحقوق الانسان. كل طرف يستخدم ماضي المانيا لغرضه، والمفارقة تحتفل.
هاكم مفارقة أخرى. المحطة التالية لسفينة كاثرين كانت ميناء الإسكندرية في مصر. ماذا أنزلت هناك أو ماذا حملت من هناك لم يتم التحدث عن ذلك.
في يوم السبت نشرت وسائل الاعلام في مالطا نبأ عن سفينة أخرى باسم “ماريو إي”، التي ابحرت من ميناء الجسرز في اسبانيا نحو حيفا أو اسدود. السفينة بملكية “مارسيك”، وهي شركة ملاحة ضخمة في الدانمارك. حسب النبأ فان السفينة كانت تحمل السلاح الأمريكي الذي تم اعداده للجيش الإسرائيلي. نشطاء المقاطعة يتعقبون السفينة بهدف تعويقها في الطريق وردع الشركة الدانماركية عن ارسال ارساليات أخرى.
أنا أقدر بأنه في المرحلة الحالية يوجد لإسرائيل طرق لضمان استمرار الاستيراد والتصدير الأمني. مع ذلك، الضغط يزداد ويجبي ثمن. أنا توجهت لوزارة الدفاع لدينا وسألت حول هذا الامر. الجواب كان: لا يوجد جواب.
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
حادثة أمستردام: لا تطلقوا مصطلح «العداء للسامية» جزافاً
بقلم: موشيه زيمارمان وشمعون شتاين
يجب أن نضيف أمراً إلى الوصايا العشر: “لا تطلقوا اسم العداء للسامية والمحرقة جزافاً”، لأن إسرائيل الرسمية تستخدم هذين المصطلحين بصورة مضخمة ومسيئة، وتقوّض النضال الحقيقي ضد العداء للسامية وإنكار المحرقة.
تشكل حادثة أمستردام تجسيداً للحاجة إلى مثل هذا الكلام: فور توارُد الأنباء بشأن الكمين الذي نصبه مؤيدون للفلسطينيين لمشجعي فريق “مكابي تل أبيب” لكرة القدم، جرى فوراً استخدام مصطلح “المذبحة”، حتى إنه جرى ذِكر “ليلة الكريستال” وآن فرانك. وان المقصود ليس فقط “مذبحة” معادية للسامية، بل أيضاً حادثة أشبه بالمحرقة. وكان الرد الرسمي الإسرائيلي التالي: في صباح يوم الجمعة، تنافس الناطقون باسم الحكومة وبأسمائهم الشخصية فيما بينهم على اعتبار الحادثة تجربة محرقة وتحدياً وجودياً إسرائيلياً – صهيونياً. ووصل مسؤولان إسرائيليان رفيعا المستوى إلى هولندا من أجل ابتزاز السلطات الهولندية السياسية، بقدر استطاعتهما، من خلال الكلام عن “العداء للسامية”؛ أمّا الجيش الإسرائيلي، الذي كان من المفترض به إنقاذ المخطوفين من أنفاق غزة منذ أكثر من عام، فقد أرسل وفداً “إنقاذياً” إلى أمستردام. حتى إن الحريديم قرروا السماح لمشجعي فريق كرة القدم بالسفر خلال يوم السبت المقدس.
السلوك العنيف لمشجعي كرة القدم من الضواحي معروف، وحقيقة وصول ما بين 5 و10 من ضحايا حادثة العنف إلى المستشفى لا تجعل ما حدث “مذبحة” على مستوى يتطلب تعبئة كثيفة لدولة إسرائيل كي تقف موقفاً صارماً، كأنها في مواجهة تحدٍّ من نوع 7 تشرين الأول الذي شهد “مذبحة” حقيقية على أرضها، وليس على أرض غريبة. من المعروف أن هولندا دولة ذات سيادة، وقادرة على معالجة العنف على أراضيها من دون مساعدة جيش أجنبي، ومن دون تدخّل دولة أجنبية، وهذا يتعدى الأطر المقبولة. والحساسون إزاء أسس الديمقراطية الليبرالية ليسوا في عجلة من أمرهم للتواصل مع خيرت فيلدرز اليميني المتطرف (عضو في مجلس النواب الهولندي وزعيم حزب “من أجل الحرية”) لنقل رسالة سياسية.
لكن في أساس الأمر ما قمنا به نحن، والحافز على الهجوم على مشجعي “مكابي تل أبيب” هو حافز سياسي: منذ أكثر من سنة، يتفاعل الناس في كل العالم مع الأخبار والصور الواردة من قطاع غزة، ومن المناطق المحتلة. يردّ الفلسطينيون ومؤيدوهم بصورة منظمة، وأحياناً كثيرة بعنف. وهذا لا يقتصر على هولندا فقط. في إسرائيل، لا يذكرون غير 7 تشرين الأول، ويتفاجؤون عندما يكتبون عمّا جرى منذ ذلك الحين.
الحجة الإسرائيلية “هم الذين بدؤوا” تفقد قوتها كلما طالت الحرب في غزة، وكلما أدرك العالم أن إسرائيل هي التي تساهم في إطالة أمدها. لقد ازدادت المواجهة حدةً على خلفية الموضوع الفلسطيني خلال الحرب، والأذى الذي لحِق بمشجعي فريق كرة القدم الإسرائيلي عبارة عن “أضرار جانبية” لهذه المواجهة. إن المارة الذين يرون إسرائيلياً يمزق علم فلسطين، أو مشجعي كرة قدم ينشدون أناشيد نازية ضد العرب في شوارع أمستردام، لا يعرفون فقط ما يجري، بل يعرفون أيضاً كيف يمكن أن يتطور. فبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها مشجّعو كرة القدم كثيراً، من السهل إعداد كمين. وما جرى هو انزلاق للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى خارج الشرق الأوسط. وفي هذا الانزلاق، يشكل استخدام الفلسطينيين والمسلمين، أو المؤيدين لهم، العنف ضد المضطهدين جزءاً منه.
ومن أجل الخروج من هذا الوضع، وبدلاً من التخفيف من حدة النزاع، يستخدم السلوك الآلي الإسرائيلي كلمتين سحريتين: العداء للسامية والمحرقة. وهذا ما نفعله هذه المرة أيضاً. والقرب من تاريخ 9 تشرين الثاني (ليلة الكريستال) يشكل أداة تكتيكية ممتازة من أجل إحياء عذاب الضمير لدى الأوروبيين عموماً، ولدى الهولنديين خصوصاً. وفي مثل هذا الوضع، لا يُطرح السؤال الأساسي: كيف يمكن أن تتحول الانتقادات الموجهة إلى السياسة الإسرائيلية إلى تقويض لشرعية قيام دولة إسرائيل، أو أن تصبح عداءً للسامية؟ تبذل إسرائيل الرسمية جهدها لكي تضع كل سلوك انتقادي حيالها (لا ننسى أن لاهاي موجودة في هولندا) ضمن إطار العداء للسامية، ومنع أيّ نقاش موضوعي في الأحداث وأسبابها.
مَن يهتم بموضوع العداء للسامية يعرف أن هذا الأساس موجود في الموقف السلبي حيال إسرائيل. الأحكام المسبقة التي تصنَّف على أنها معادية للسامية تؤدي دوراً في الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، وتزداد كلما وقعت حادثة عنف بين الطرفين، إسرائيل والفلسطينيين. وكذلك سمحت الحرب خلال سنة بعودة ظهور المواقف المعادية للسامية. ولهذا السبب تحديداً، في كل حادثة وكل نزاع عنيف، من الضروري إعادة فحص الحدود بين ما هو معادٍ للسامية، وما هو غير معادٍ لها. ويجب أن نعلم أن الاستخدام المبالغ فيه لمصطلحَي “العداء للسامية” و”المحرقة” يؤدي إلى تآكل تأثيرهما.
يجب الاهتمام أيضاً بمصطلح آخر في الرد التاريخي الذي جرى التعبير عنه في يوم الجمعة الماضية: تقدم إسرائيل نفسها بصفتها دولة يهودية تمثل الشأن اليهودي حصرياً، وبذلك هي تسمح لمن يتوجه إليها، أو يرد عليها باستخدام مصطلح “اليهود”، بدلاً من الإسرائيليين. إن مجرد هذه الحصرية تسمح للطرف الثاني، ليس فقط باستخدام مصطلح “يهودي”، بل تتيح له أيضاً التعامل معها بكلمات وأحكام مسبقة مستقاة من المخزون التاريخي المعادي للسامية.
وهنا ذروة العبث. إسرائيل، التي تدّعي أنها تمثل اليهود كلهم، تجعل اليهود في العالم أكثر عرضةً للأذى، ولا تحميهم بسبب وجود دولة إسرائيل والمستوطنات. لقد لاحظ اليهود في العالم ذلك، وأصبحوا رهائن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. هناك ما هو أكثر من ذلك، إن دولة إسرائيل التي لم تنجح في منع “مذبحة” طالت أكثر من ألف إسرائيلي على أراضيها، هم في أغلبيتهم من اليهود، هل يمكنها أن تضمن إنقاذ اليهود خارج أراضيها؟ أو أن تكون مرساة خلاص ليهود الشتات؟
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
متفاخرين مسرورين.. مشجعو الفريق الإسرائيلي من أمستردام: قتلناهم وأطفالهم وهجرنا الباقين
بقلم: روغل الفر
مهاجمة مشجعي مكابي تل أبيب في أمستردام خدمت البيبية (هي دمج تكافلي بين النظام والشعب ووسائل الإعلام) بغرس رسائلها الأيديولوجية. إسرائيل تنفذ تطهيراً عرقياً في شمال القطاع. في السنة الأخيرة، قتلت عشرات آلاف المدنيين الأبرياء وغير المشاركين، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين. المجتمع في معظمه رد بالموافقة، التي تراوحت بين لامبالاة وتأييد متحمس وحتى خيبة أمل من عدم تنفيذ ما يكفي من القتل.
قسم من المشجعين عبروا في نشاطات في شوارع أمستردام قبل المباراة عن سرورهم من التطهير العرقي والقتل الجماعي في قطاع غزة، ومباركة جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. وقد تمت مهاجمتهم بعنف وبصورة منظمة على يد المسلمين الذين يؤيدون نضال الفلسطينيين من أجل الحرية. ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية ناضلوا من أجل تحررهم من الاحتلال والأبرتهايد والمستوطنين العنيفين المدعومين من قبل الجيش الإسرائيلي. تمت تصفية حماس عسكرياً في القطاع، ولم يعد للجيش الإسرائيلي عمل هناك سوى قتل الأبرياء. بدلاً من وقف الحرب والانسحاب من القطاع وإعادة المخطوفين، يخلي الجيش الإسرائيلي شمال القطاع من سكانه لتمهيد الأرض للضم وإقامة المستوطنات. ليس لهذا أي صلة بالدفاع عن اليهود في إسرائيل.
كل العالم يعرف هذا إلا الإسرائيليين؛ لأنهم لا يريدون أن يعرفوا. وسائل الإعلام الرئيسية لا تريد إبلاغهم. هم يكذبون على أنفسهم ويقولون بأن الاعتداء العنيف الذي جرى في أمستردام كان “مذبحة”، وربما حتى “ليلة الكريستال 2”. اندفاع لاسامي قاتل على شاكلة الكارثة. هذه هي الرواية التي ينشرها النظام، وهي الرواية التي تبثها كل قنوات البث الإسرائيلية التلفزيونية، سواء الأبواق المخلصة مثل القناة 14 أو التي ما زالت تسمع الانتقادات مثل القنوات 11 و12 و13. ومثلها أيضاً محطات الإذاعة الرئيسية بقيادة قناة “صوت الجيش” والقناة الحكومية (العامة ظاهرياً).
النازية وحماس حولوا الحركة إلى شعب، وحتى تكافل تام مع الجمهور والأجهزة الرسمية. وهذا يسري أيضاً على البيبية؛ فهي ليست حركة سياسية أو فكرة فقط، بل شعب. هناك تكافل تام بين النظام ووسائل الإعلام حول تشكيل ونشر الرواية، التي تقول إن وجود إسرائيل لم يغير الشيء الكثير في مصير اليهود في العالم. يواصلون كونهم ضحايا لعنف قاتل نازي، الذي دوافعه لاسامية، ويحركها لاساميون، والتي تطمح إلى القضاء على اليهود لأسباب عنصرية، لكونهم يهوداً. ومعارضة أفعال إسرائيل منذ العام 1948 ككيان سياسي وعسكري مبررة. اللاسامية القاتلة تنقض على اليهود في “بئيري” وفي أمستردام بنفس الأيديولوجيا، فقط لكونهم يهوداً.
الرواية الكاذبة تشكل وعياً منغلقاً ومدافعاً وعدائياً: العالم كمكان خطير لليهود فقط لكونهم يهوداً، بدلاً من عالم معاد للإسرائيليين بسبب أفعالهم. عملياً، لا يهم ما يفعله اليهود – العالم دائماً سيكون مليئاً باللاساميين النازيين الذين يريدون قتلهم، بسبب “اسمع، يا إسرائيل” وبسبب القبعة المنسوجة وغطاء الصلاة اليهودي. اللاسامية مطروحة وكأنها تدفع كل الإسرائيليين إلى تبني هوية لها خصائص دينية. لأنهم في نهاية المطاف، بسبب إلههم، فإن الخطر الذي يهدد حياة اليهود ينتظرهم في شوارع منهاتن وبرلين.
القضايا الجنائية التي يتم التحقيق فيها مع مكتب نتنياهو تشمل هندسة الوعي لخدمة هذه الرواية. من الواضح أن النظام يبذل جهوداً كبيرة لخلق التكافل مع الجمهور، الذي يسمى “معاً”. الهدف هو إيمان الإسرائيليين بأن اللاسامية سمة من سمات الكون، وأن أي شيء لن يغير ذلك إلى الأبد، وأن نتنياهو سيدافع عنهم.
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
الحاخام ليئور مصنّفاً الأمم وفق “سلم الحقارة”: لن نغفر للعرب ما فعله بنا الألمان
بقلم: كوبي نيف
بذنب مني مثل الكثيرين، رأيت مقالاً للعلاقات العامة السياحية المدفوعة (تعرفون بالطبع أن شركة طيران وفنادق تمول رحلات ومكوث الكاتب)، في صحيفة “يسرائيل اليوم” التي تمدح وتمجد المدينة البولندية كراكوف. وزدت ذنبي وقرأت المقال القصير، ربما لأنني تعرضت بدون وعي إلى موجة “حنين إلى الماضي”، لأنني كنت قبل بضع سنوات في هذه المدينة، التي هي وبحق مدينة جميلة.
قرأت المقال الذي كان عنوانه الثاني “في كراكوف بلدة قديمة رائعة في جمالها، وفيها حي مثير لليهود، وثقافة غنية والكثير من الطعام الشهي”. ولكن عندما انتهيت من القراءة خطر ببالي سؤال مقلق، وهو “لحظة، أين أوشفيتس؟” لأن أوشفيتس، لمن لا يعرف ذلك، على بعد ساعة ونصف سفر من كراكوف. وأن ينشر في صحيفة إسرائيلية – يهودية، صحيفة تتفاخر كما يبدو بهويتها اليهودية – الإسرائيلية، مقال عن عجائب مدينة كراكوف بدون أن تذكر وجود أوشفيتس القريبة على الإطلاق، وبدون اقتراح (فقط لمن يريد وليس بشكل إلزامي) جملة صغيرة أو جملتين في هذه المناسبة الاحتفالية، وزيارة ممتعة لما كان قبل أقل من ثمانين سنة معسكر الإبادة النازي الأكبر لليهود في أوروبا، والذي قتل فيه في سنوات عمله أكثر من مليون يهودي، فإن هذا فيه القليل من النفي أو نسيان الكارثة، أليس كذلك؟
في حينه، قرأت عدة مرات كي لا يكون قد غطى بخار لاسامي على النظارات، لكن لا. أوشفيتس غير موجودة. أيعقل أن المراسل شمعون يعيش لا يعرف أن أوشفيتس قريبة جداً، أو أن من يمولون الرحلة و/أو المحررين في صحيفته طلبوا منه عدم ذكر (ربما حتى هذا كان الشرط لتمويل الرحلة والفندق) أوشفيتس كي لا يمس بأعمالهم التجارية؟ تساءلت.
يمكن تخمين الإجابة، لكن ثمة إشارة سميكة جداً على ذلك فيما كتبه “يعيش” عن الحي اليهودي في كراكوف: “رغم أن الجالية اليهودية في المدينة تقلصت بشكل كبير، فإن الثقافة اليهودية حاضرة”. ما الذي حدث للجالية اليهودية في المدينة؟ “تقلصت”. أيضاً “بشكل كبير”؟ كيف؟ ماذا؟ مثلما تقلصت الجالية اليهودية في غلاف غزة مؤخراً؟
لكن يجب عدم القلق، يواصل يعيش ويُجمل الواقع: “تم الحفاظ على الكنس وأصبحت مواقع للزيارة”. صحيح، يوجد خمسة كنس، كما أعتقد، من بين الـ 100 كنيس التي كانت هناك عشية الحرب العالمية الثانية. ومن يبحث عن طعام حلال يجده. الأساس: يمكن رؤية لافتات كبيرة في الحي اليهودي، تدعو إلى إعادة المخطوفين وأعلام إسرائيل. المجد لله!
بعد بضعة أيام، صادفت مقطع فيديو قصيراً جداً داخل درس للحاخام دوف ليئور، من الحاخامات المعروفين والمهمين للصهيونية الدينية. أي شعب أكثر حقارة في العالم، كما تعتقدون؟ سأل الحاخام طلابه هذا السؤال الغريب جداً. يفكر ثم يجيب: “بحسن نية، اعتقدتُ أنهم السود، في البداية.
هنا أعترف بأنني عندما شاهدت هذا للمرة الأولى انفجرت ضحكاً. وكلما أشاهد موعظة الحاخام ليئور هذه، أضحك. لأنها أفضل حلقة تهجئة أو محاكاة ساخرة رأيتها طوال حياتي، 77 سنة، عن رجل دين عنصري وعن العنصريين بشكل عام. حقاً، هذه حلقة جميلة جداً. ولكن الحاخام لم ينه إجابته على السؤال المهم: ما أكثر الأمم حقارة في العالم. هنا وصل إلى حيث هدف منذ البداية: “حاخام نيتساح يسرائيل يقول: العرب. يجلب ذلك من سيرة الحاخامات الميتين ويثبت أقواله من الغمارا – حيث يقول: هم الأكثر حقارة”.
لكن لماذا ينشغل شخص هو حاخام في إسرائيل، بسؤال “أي الأمم الأكثر حقارة في العالم؟”، ولماذا يبدو الأمر مهماً؟ هل يوجد للحاخام أو للتوراة أو للغمارا تصنيف للدول الحقيرة في العالم؟ في أي مكان، مثلاً، يوجد الصينيون أو اليابانيون، أم أنهم عند الحاخام يعتبرون أمة واحدة من ذوي العيون المائلة، هل هم في قائمة الدول العشر الأولى أم في المكان الـ 27؟
كيف بدا أن “السود”، أي كل من جلده أسود، هم عند الحاخام الحقير والعنصري الذي يقوم بتجذير هذا الأمر، يراهم أمة حقيرة؟ اليهود الإثيوبيون والكونغوليون في وطنهم إفريقيا، والسود في الولايات المتحدة، هل هم من أبناء نفس الأمة؟ ولماذا، بغض النظر عن عنصريته – لا أعرف إذا كان هو الأسوأ في العالم، لكنه بالتأكيد مرشح جدير – هل السود مرشحون ليكونوا الأمة الأكثر حقارة في العالم؟ ما الخطأ الذي ارتكبوه كأمة؟ والعكس صحيح. ربما يكون السود الأمة الأكثر اضطهاداً وضرباً وذبحاً من بين كل دول العالم، وبالتأكيد أكثر بكثير من اليهود. وإذا كان المقياس أي أمة هي الأدنى من اليهود، لأن هذا موضوعنا، فما هو الخطأ الذي ارتكبه “السود” بحق اليهود ذات يوم؟
لكن الأمر الأكثر هستيرية في منافسة “الأمة الأكثر حقارة في العالم” بالنسبة للحاخام ليئور، وبذلك أربط عنصريته هذه الحقيرة بمقال العلاقات العامة عن كراكوف التي غابت عنها أوشفيتس – أن الحاخام ليئور حتى لا يخطر بباله أن يوصل الأمة الألمانية إلى نهائي بطولة الأمم في الحقارة، الأمة النازية، أو الأمة الأوروبية – المسيحية بمجملها التي ذبحت وقتلت شعوباً أصلية كاملة في كل العالم، وقتلت في فترة ليست بعيدة، 6 ملايين يهودي.
الأكثر هستيرية من ذلك هو أن الحاخام ليئور نفسه هو من الناجين من الكارثة. والده ووالدته وأولادهم، هو أصغرهم، هربوا عند غزو الألمان لبولندا، كما جاء في صفحة ويكيبيديا الخاصة به. “إلى أعمال الأرض الروسية – السوفييتية، ومن بين أماكن أخرى، مكثوا في سيبيريا وكازاخستان وعانوا من الجوع والأمراض التي ماتوا بسببها”. وتنقل هو وشقيقه مردخاي حتى وصلا في 1944 إلى دار أيتام للأطفال البولنديين. ومن هناك، بطرق ملتوية، في وصل إلى أرض إسرائيل نهاية المطاف. هذا الشخص لا يشمل النازيين والألمان، فقد نسي ما جرى لوالديه وله ولشعبه، ثم يضع العرب والسود على رأس سلم الأمم الحقيرة. يا الله! وها هي الأمور تتضح: غفرنا ونسينا أوشفيتس وما فعله بنا لألمان، لكننا لم ننس 7 أكتوبر. أو كما قال أحد ما: لن نغفر للعرب إلى الأبد ما فعله الألمان بنا.
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
للإسرائيليين: لا تسمحوا لنتنياهو بقتل “المخطوفين” لتحقيق مآربه الحزبية
بقلم: أسرة التحرير
يقفز الاهتمام الجماهيري هذه الأيام من “حدث” إلى “حدث”: من قضية أمنية إلى إقالة وزير الدفاع، إلى انتصار ترامب في السباق الأمريكي، ومن هناك إلى هجمة جموع مؤيدة للفلسطينيين على مشجعين إسرائيليين في أمستردام، وهكذا دواليك.
في خلفية كل هذه الأحداث، تتواصل الحرب في كل الجبهات: الصافرات، الاعتراضات، السقوطات، التأهب لهجوم إيراني، فيما تنضم عائلة جديدة إلى جحيم الثكل كل بضعة أيام.
وفي خلفية “الخلفية” 101 مخطوف أصبحوا زينة دائمة للواقع، مدفونين أحياء في أنفاق حماس وفي أقبية الاهتمام الجماهيري.
أقوال غالانت في حديثه مع عائلات المخطوفين عقب إقالته كان ينبغي أن تهز الأركان. غيل ديغمان، ابن عم كرميل غات، الذي حضر اللقاء، قال إن العائلات سمعت “بصوت عال وجلي وواضح… بأنه لم يعد هناك سبب لمواصلة الحرب في غزة”. وأوضح غالانت في الحديث بأن الجيش الإسرائيلي حقق كل أهدافه في قطاع غزة، وليس هناك ما يدعو إلى عدم التوصل إلى صفقة مخطوفين. أقواله تستوي مع قرار إقالته واستبداله بإسرائيل كاتس.
وأكد غالانت تخوف العائلات من أن اعتبارات نتنياهو بشأن صفقة المخطوفين ليست عسكرية ولا سياسية. بكلمات أخرى: 101 مخطوف متروكون للتعذيب والموت بسبب اعتبارات نتنياهو الحزبية. هذا بالطبع لا يمنعه من التجول واضعاً الدبوس الأصفر على طية لباسه. غالانت نحي لأنه أصر على الحديث عن المخطوفين ورفض التعاون مع خلطة التملص، أو توفير معاذير أمنية لقرارات حزبية. ويصطف في الطابور آخرون، ولاؤهم مكرس للدولة: رئيس الأركان هاليفي، ورئيس “الشاباك” رونين وبار، والمستشارة القانونية غالي بهرب ميارا. ومع أن نتنياهو ينفي هذا، لكن تجربة الماضي تثبت بأنه ليس هناك ما يدعو لتصديق نفيه أكثر من الأقوال الأخرى التي يتفوه بها.
بالتوازي مع التسيب الداخلي، أعلنت قطر تجميد دورها في المفاوضات على صفقة المخطوفين ما لم تبد “الأطراف” استعداداً للمساومة. بدون جهة وسيطة بين إسرائيل وحماس، ومع حكومة مستعدة للتنازل عن المخطوفين في صالح بقائها، فأمل المخطوفين وعائلاتهم الوحيد هو التجنيد الجماهيري.
إذا لم يطالب الجمهور بتحريرهم فسيموت المخطوفون في أسر حماس وستضيع آثارهم. يجب مطالبة الحكومة بصوت عال بالسعي إلى صفقة ووقف الحرب. صرخة بقوة تهدد حكم نتنياهو تدفعه للعمل من أجل تحريرهم. لشدة الرعب، هذا الأمر الوحيد الذي يوجهه.
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
ماذا سيحدث للتضخم في الفترة التي ستعقب الحرب؟
بقلم: جدعون بن نون
كما هو معروف، فإن الاقتصاد وسياسة الجغرافيا يسيران معا. وحرب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أحدثت ضرر كبيرا ومتواصلا لاقتصاد إسرائيل. خلافا للاقتصاد العالمي، الذي يوجد في عملية إيجابية، فإن الاقتصاد الإسرائيلي يوجد في الوقت الحالي في حالة تراجع. عبء تكلفة الدفاع ثقيل، ويبدو أنه سيكون لفترة طويلة.
بعد انتهاء “كورونا” نشأ وضع متطرف. الوباء وقيوده عطلت الطلب وخفضت العرض، وبعد سنتين تقريبا، تم تحرير الصمام والنتيجة كانت تضخما للقفز ووصل إلى 10 %، في بعض الاقتصادات.
في اعقاب حرب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، التضخم في إسرائيل ارتفع خلافا لمنحى الهبوط في العالم. التضخم المرتفع قريب من 4 %، ويبدو أنه نشأت ظروف ستسمح له بمواصلة الارتفاع إلى مستوى 4 %. سبب ذلك هو أن منافسة الاقتصاد الأمني على الموارد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق المدنية. توفر الرغبة في الاستهلاك وكمية من يعرضون والعرض في الخدمات وفي سلع معينة، كل ذلك يوجد في حالة انخفاض، وفي موازاة ذلك، عوامل مثل الضرائب، الأجور، أسعار منتجات الاستيراد وأسعار الخدمات الضرورية، توجد في حالة ارتفاع. نتيجة ذلك هو ارتفاع الأسعار في الاقتصاد.
الجميع يأملون ويعتقدون أن الحرب ستنتهي بانتصار مطلق لإسرائيل على أعدائها. ولكن هل نهاية الحرب ستجلب معها ظاهرة اندفاع أو ارتفاع معين في التضخم، شبيها بما كان بعد “كورونا”. حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء، فإن مؤشرات الشراء في بطاقات الائتمان تشير إلى نشاط معتدل مقارنة مع السنة الماضية في فروع كثيرة من الاقتصاد، حتى في نشاطات الاستهلاك الخاص والشراء “الصناعي”، أي في نشاطات الشركات.
الحرب تثقل على الطلب لأسباب واضحة، الأمر الذي يجعل العرض يتلاءم ويخفض وفقا لذلك، لكن هذا الوضع يخلق احتمالية الضغط والنقص في اليوم الذي “سيتحرر” فيه الطلب، ويعود إلى مستواه الطبيعي.
العلامات الأولية التي يتم الحصول عليها من سوق الشقق وأخذ قروض السكن، تشير إلى أن هناك فروعا يوجد فيها طلب ينتظر المزيد من اليقين كي يتحرر. الحرب أوقفت قرارات الشراء والاستثمار بأحجام كبيرة، التي مع أو قبل انتهاء الحرب، ستخرج إلى حيز التنفيذ، الطلب سيرتفع ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
أمام هذا الاستيقاظ، ربما حتى اندفاع الطلب في نهاية الحرب يتوقع أن يكون هناك عرض مقلص. هذا الأمر يبرز في فرع السكن مع القليل من بدايات البناء، لكنه يوجد في فروع أخرى، التي تم فيها تعطيل النشاطات أو تقليصها أثناء الحرب. التقليص يتم الشعور به الآن في عرض منتجات على الرفوف، لأن الاستيراد أصبح يتم بحذر وبشكل مقلص في السنة الأخيرة، في أعقاب عدم الوضوح بخصوص وضع الاستهلاك الشخصي.
إضافة إلى ذلك، في الفترة الحالية الكثير من المصالح التجارية تغلق نشاطاتها بسبب عدم الجدوى، هكذا فإنه في اليوم التالي للحرب يتوقع أن يكون هناك نقصا كبيرا جدا في مقدمي الخدمات. يمكن توقع مواصلة وربما تفاقم عرض العمال في سوق العمل، بالضبط كما كان الأمر بعد وباء “كورونا”، في حينه ترك الكثير من الأشخاص دائرة العمل بعد الصدمة، ببساطة كي يعيشوا حياتهم. هذا الوضع من الطلب المندفع إزاء عرض محدود حدث بعد “كورونا”، وهو وصفة واضحة لاندفاع كبير في التضخم، بالضبط كما كان الأمر في نهاية الوباء.
في العام 2020 بعد وباء “كورونا”، تم نشر تحليل مهم للبنك الفيدرالي في سان فرنسيسكو، الذي قارن بين تأثير الأوبئة والحروب على الاقتصاد في مجال الفائدة الحقيقية والأجور وما شابه. الفرق الأساسي هو الضرر في البنى التحتية الموجود في الحرب، الحاجة إلى تجنيد رؤوس الأموال وسياسة الفائدة الناتجة عنه. وتشير دراسات إضافية من العام نفسه، إلى الارتباط بين العجز الناتج في زمن الحرب والتضخم، وتتم تسميته بأنه “ضريبة التضخم”، التي تنشأ عن احتياجات المصادر.
لذلك، إذا أضفنا إلى سلوك العرض والطلب في الاقتصاد الحاجة التي ستكون في إسرائيل لترميم الاقتصاد والسوق، وبناء بنى تحتية ودعم فروع معينة، فسنحصل على نوع من التوابل الذي سيزيد من حدة العملية على مستوى الاقتصاد الجزئي في اليوم التالي للحرب. خلافا للاوبئة، فإن الحروب تخلق أضرارا في الممتلكات والبنى التحتية والمباني وخطوط المواصلات والسيارات. إضافة إلى ذلك، في أعقاب تغيير الوضع الأمني في الفترة التي ستعقب الحرب، ستنشأ احتياجات أمنية كثيرة. نفقات الحكومة يمكن أن تشجع النشاطات في القطاع الخاص، لكنها أيضا تتصارع معها على الموارد، بما في ذلك موارد العمل والأجور، التي سيرتفع سعرها.
كل ذلك يؤدي إلى فائدة حقيقية مرتفعة. في السنة الماضية تم تقدير نفقات الحرب المباشرة وغير المباشرة بمئات مليارات الشواكل، ولن نصاب بالدهشة إذا زاد المبلغ عن نصف تريليون. حتى لو حاولت الحكومة تأجيل قرارات دراماتيكية ومواجهة الوضع، فإن هذه الحاجة سيتم الشعور بها في فروع كثيرة في الاقتصاد المدني في السنوات القريبة المقبلة. هناك معرفة كبيرة فيما يتعلق بتأثير الحروب على الفائدة والتضخم، ويمكن الافتراض أنه هنا أيضا، في إسرائيل، النقص في الموارد سيتم الشعور به جيدا وسيؤدي إلى فائدة حقيقية مرتفعة، التي تتكون من فائدة اسمية وتضخم مرتفع. من الواضح أن الأمر سيؤثر على سعر التبادل، ويمكن أن يعزز الشيكل بصورة تخفف قوة الظاهرة، لكنها لن تلغيها.
هنا يعود سؤال رئيسي يتعلق بسياسة الاستثمارات: هل المستثمرون من الخارج سيقدرون نسبة المخاطرة في الاقتصاد بصورة تكون مبالغ فيها بالنسبة للمستثمرين المحليين، وعلى رأسهم المؤسسات؟ يبدو أن هذا يحدث وبحق، والآن الـ سي.دي.اس (مقايضة العجز الائتماني) في إسرائيل يعكس علاوة مخاطرة عالية، في حين أن المستثمرين في إسرائيل هادئون ومتفائلون أكثر – لذلك، فإن العائدات هنا لا ترتفع بشكل حاد. حسب التحليلات المكتوبة وحسب مبنى منحنى العائدات يبدو أن المستثمرين في إسرائيل يدركون أن الشروط تدفع، وهناك حاجة إلى رفع الفائدة، لكن إضافة إلى ذلك، هم يقدرون أن بنك إسرائيل سيمتنع عن ذلك. هنا يطرح سؤال هل يمكنه أن يبقي الفائدة على حالها.
في السنوات الأخيرة، شاهدنا أن التنبؤات تعكس أمنيات المحللين فيما يتعلق بسياسة البنك المركزي، لكن الواقع يأتي ويفعل فعله. يبدو أنه أيضا في هذه المرة لن يكون لبنك إسرائيل أي خيار عدا رفع سعر الفائدة، حيث نحصل على فائدة مرتفعة حتى بمفاهيم اسمية وواقعية.
——————————————–
هآرتس 12/11/2024
ايران والسعودية تتهيآن لرئاسة ترامب
بقلم: تسفي برئيل
رغم عدد المشاركين المبهر في قمة الدول العربية والإسلامية في السعودية أمس، اثبتت مرة أخرى بأن القمم العربية والإسلامية الدولية ليست حبل نجاة لنزاعات إقليمية دامية. هذا المؤتمر الذي انعقد في دورته الأولى قبل سنة بمبادرة من السعودية، بات يشبه قمم الهذر للجامعة العربية التي لم تنجح في أن توفر حلولا واقعية للنزاعات في السودان، اليمن ولبنان، أو بين إسرائيل والفلسطينيين – وحتى الخطاب المتشدد والقاء كامل المسؤولية عن الحرب في غزة وفي لبنان على إسرائيل لا يحقق النتيجة.
صحيح أنه كانت في الماضي قمم هامة في محافل مشابهة مثل القمة التي انعقدت في بيروت في 2002 وأقرت المبادرة العربية، التي نالت اعترافا دوليا واندرجت في كل خطة سياسية لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. لكن منذئذ لم تنجح هذه المحافل التي تضم دولا تحوز احتياطات النفط والغاز الأكبر في العالم وتشكل الزبائن الأكبر للسلاح في العالم في أن تنتج خطوات سياسية مشابهة تترجم قوتها الاقتصادية والسياسية الى نتائج سياسية مستدامة.
لكن أهمية القمة العربية – الإسلامية، لا سيما تلك التي انعقدت أمس، تكمن في مكان آخر. قبل ست سنوات، بعد قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي كانت مكانة السعودية في العالم في اسفل الدرك. حاكمها الفعلي، ولي العهد محمد بن سلمان، وضع في زاوية الشخصية غير المرغوب فيها في واشنطن والعواصم الأوروبية.
إن فشله المدوي في الحاق الهزيمة بالثوار الحوثيين في حرب اليمن التي تتواصل منذ تسع سنوات، رغم الفجوة العسكرية الهائلة والسلاح الأمريكي المتطور؛ والهزة التي رافقت جهوده لاحداث تغيير في النظام في لبنان والصراع الداخلي الوحشي الذي اداره ضد خصومه الداخليين، كل هذا جعله زعيما منفلت العقال وعديم الكفاءات السياسية والعسكرية مما وضع مملكته على مسار الصدام مع الولايات المتحدة.
لكن الظروف العالمية بالذات، وليس الإقليمية، هي التي رفعت مكانة ابن سلمان وجعلت السعودية الدولة الزعيمة في الشرق الأوسط. هكذا مثلا الحرب في أوكرانيا أحدثت ازمة طاقة أجبرت الرئيس بايدن على تجميل وجه ابن سلمان ومصافحته، والحرب في غزة اعادت الشرق الأوسط الى قلب الوعي العالمي. هذه الحرب هي التي ولدت الفكرة الاصيلة في عقد مؤتمر القمة العربية – الإسلامية واعطت ابن سلمان وزنا سياسيا عظيم القوة كمن يقود ليس فقط دائرة الدول العربية، بل والعالم الإسلامي برمته. غير أن هذه المكانة تستوجب من السعودية أن تكون “زعيمة الجميع”، وبهذه الصفة عليها أن تسير على الخط وأن تُدور الزوايا حتى مع دول لا تنسجم مع سياستها الإقليمية المؤيدة لامريكا.
ولدت هذه الاستراتيجية استئناف العلاقات بينها وبين تركيا، التي كانت تعتبر دولة معادية، والتي قبل بضع سنوات فقط اعتبرت “تهديدا اخطر من ايران”؛ دفعتها لأن ترمم منظومة العلاقات مع العراق، الذي حتى بعد سقوط صدام حسين كان يعتبر ليس اقل من “دولة مشبوهة”، دفعتها لأن تتبنى من جديد سوريا، التي طردت من الجامعة العربية في اعقاب المذبحة التي ارتكبها الأسد بحق مواطنيه في الحرب الاهلية، الى حضن العالم العربي؛ وأخيرا دفعتها أيضا الى أن تستأنف في السنة الماضية العلاقات الدبلوماسية مع ايران. عشية دخول ترامب الى البيت الأبيض باتت السعودية جاهزة مع رزمة شركاء استراتيجيين ثقيلة الوزن اكثر بكثير من تلك التي كانت لها في بداية الولاية الأولى للرئيس الأمريكي.
لا يدور الحديث فقط عن تصريحات احتفالية وتبادل زيارات للزعماء. فقد استثمرت السعودية وتستثمر المليارات في تركيا – التي بدورها تبيعها مسيرات قتالية من انتاجها – وتقيم مصنعا لانتاجها في المملكة. مع العراق وقعت في الأسبوع الماضي على مذكرة تفاهم للتعاون الامن، وهذا الأسبوع، لأول مرة، زار ايران رئيس اركان الجيش السعودي، فياض بن حامد الرويلي، والتقى هناك بقائد الجيش الإيراني محمد باقري، للبحث في سلب التعاون العسكري. وتنضم الزيارة الى سلسلة مناورات عسكرية مشتركة سبق أن أجرتها الدولتان (الى جانب دول أخرى في المنطقة).
منذ القمة العربية – الإسلامية السابقة، التي شارك فيها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، اصبح وزيرا الخارجية الايرانيان، حسين امير عبد اللهيان ومن حل محله، عباس عراقجي، ومسؤولون إيرانيون آخرون – “أبناء بيت” في السعودية. صحيح أنه من الصعب تقدير مدى التأثير الذي للسعودية على سياسة ايران، لكن عندما تكون الاستراتيجية السياسية لإيران تقوم على أساس ترميم العلاقات مع دول المنطقة العربية، فانه لا يمكنها تجاهل المصالح الأمنية لجارتها.
صحيح أنه لا يوجد حلف أخوة، ومذكرة التفاهم العسكري التي وقعتها السعودية مع العراق لا تنزل بسلاسة في حلق طهران؛ ايران سارعت الى أن تدعو مستشار الامن القومي العراقي للبحث في تعاون عسكري بين الدولتين ردا على هذا التوقيع. لكن لهذه العلاقات توجد منذ الان نتائج عملية، وهي تجد تعبيرها ضمن أمور أخرى في شطب السعودية من قائمة اهداف المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران العاملة في العراق. وحتى قبل هذا توقف الحوثيون، بتعليمات من ايران، عن مهاجمة السعودية.
التحفز للهجوم الإيراني المضاد للرد على إسرائيل هو الآخر خلق ساحة تنسيق بين السعودية وايران، وذلك على خلفية الخوف من أن مثل هذا الرد من شأنه أن يدهور المنطقة الى حرب إقليمية قد تتضرر فيها دول الخليج أيضا. والعراق هو الآخر انتزع من ايران تعهدا، على الورق على الأقل، ألا تستخدم مجاله الجوي لهجوم على إسرائيل. في المحادثات التي جرت في هذا الأسبوع في طهران طرح رئيس وزراء العراق، محمد السوداني، مطلب أن تكف المليشيات الشيعية أيضا عن مهاجمة اهداف إسرائيلية وامريكية كي لا يصبح العراق جبهة ساخنة.
فوق كل هذا، الاعتبارات الإيرانية تجاه السعودية تستند الى أساس استراتيجي واسع، على خلفية التقارير بشأن تقدم المحادثات عن إمكانية إقامة حلف دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية مع حلول نهاية السنة، حتى قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن. حين تكون السعودية وايران (الى جانب كل المنطقة والعالم) تعيشان في انعدام يقين تام حول سياسة ترامب المرتقبة، سترغب السعودية في تسريع قيام حلف الدفاع. أما ايران من جهتها فتتطلع الى أن تضمن ألا يجعل مثل هذا الحلف الذي كل غايته إقامة “سور دفاع” ضد ايران، السعودية مربضا لانطلاق الهجمات ضدها.
لهذه الاعتبارات الإيرانية، التي تصبح اكثر الحاحا كلما اقترب دخول ترامب الى البيت الأبيض، كفيل أن يكون لها تأثير أيضا على ساحة لبنان. في لبنان تعمل، دون نجاح كبير، مجموعة الدول الخمسة، التي تضم الى جانب السعودية مصر، قطر، الولايات المتحدة وفرنسا، بهدف حل الازمة السياسية والدفع قدما بانتخاب رئيس في بيروت. الآن بالذات، السعودية، قطر ومصر، كفيلة بأن تلعب دورا هاما يمكن أن يقنع ايران في أن توجه حزب الله لتخفيف حدة مواقفه فتمنحها بذلك “نقطة استحقاق” – سواء في المنطقة أم حيال ترامب الذي وعد مؤيديه العرب باحلال السلام في لبنان.
كما أن تطلعات السعودية لتطوير برنامج نووي وتخصيب اليورانيوم في أراضيها لا تغيب عن عيون ايران. صحيح أن البرنامج محدد لـ “اهداف سلمية”، لكن من يعرف اكثر من ايران بأن لتعبير “اهداف سلمية” توجد تفسيرات متنوعة. بالحذر الواجب، للتطلع النووي السعودي كفيل بأن يكون تأثير على نتائج زيارة امين عام اللجنة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، الى طهران غدا. غروسي يصل الى هناك كي يبحث في ترميم منظومة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية في ايران، إعادة المراقبين الذين طردتهم ايران وفحص إمكانية تخفيض مستوى تخصيب اليورانيوم. لا توجد ضرورة لأن نحبس الانفاس قبيل الزيارة. لكن نتائجها كفيلة بأن تؤشر الى المسار الذي ستتبناه ايران مع حلول الولاية الثانية لترمب.
——————انتهت النشرة——————