المسار الاخباري: تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة تكثيف قصف المنازل والمباني السكنية المأهولة والمكتظة بالسكان في محافظة شمال غزة، في الوقت الذي تعطلّت فيه قسرًا أعمال فرق الإنقاذ والدفاع المدني، فضلًا عن تشديد الحصار على المنظومة الصحية وإخراجها عن الخدمة؛ في واحدة من أبشع أساليب الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.
فمنذ 40 يومًا تتعرض مناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمال قطاع غزة لعملية إبادة وتطهير عرقي، وتعتمد على غارات جوية وقصف مدفعي واستخدام واسع للطائرات المُسيّرة، ويرتكب فيها الاحتلال مجازر وحصارًا وتجويعًا للغزيين في سياسة إسرائيلية لتهجير السكان باتت تُعرف بـ “خطة الجنرالات”.
وخلف العدوان نحو ألفي شهيد، فضلاً عن إصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، معظمهم لم تجر لهم تدخلات طبية، ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وفق معطيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
وقال مدير العلاقات العامة والإعلام في جهاز الدفاع المدني الفلسطيني محمد الميدنة، إنّ الاحتلال يستهدف منذ 40 يومًا المنازل المأهولة في شمال القطاع ونسفها على رؤوس ساكنيها، ما يؤدي إلى وقوع عشرات الضحايا بين شهيد وجريح ومفقود.
وأضاف الميدنة في تصريحٍ صحفي أنّ ارتكاب المجازر البشعة بحق المدنيين يتزامن مع تعطيل عمل “الدفاع المدني” قسرًا في كافة مناطق شمال قطاع غزة بفعل الاستهداف والعدوان الإسرائيلي المستمر، حيث بات الآلاف هناك دون رعاية إنسانية وطبية.
وأوضح أنّ طواقمه “تستقبل يوميًا نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل وصفحات الإعلاميين؛ لانتشال الشهداء وإنقاذ المصابين والبحث عن المفقودين تحت ركام الأماكن المستهدفة، لكننا لا نستطيع فعل شيء، وهذا يعني ترك عشرات الأحياء تحت الأنقاض، وتحلل جثامين الشهداء، فيما ينزف المصابون حتى الموت”.
وأشار إلى أنّ جيش الاحتلال عمد طوال أشهر الحرب على استهداف وتدمير البنية التحتية للمنظومة الصحية من مرافق طبية ومستشفيات ومركبات وملاحقة العاملين فيها؛ بهدف منع أي عمليات إنقاذ للمصابين ما يعني تركهم للموت.
وأفاد الميدنة أنّ الاحتلال “في شمال قطاع غزة لاحق فرق الإنقاذ وسيطر على مركبات الدفاع المدني وشرد معظم عناصره إلى وسط وجنوب القطاع”، فضلًا عن اعتقال 10 أشخاص.
ليس هذا فحسب، بل إنّ جيش الاحتلال يمنع أي محاولات تطوعية من الأهالي أو ممن تبقى من رجال الإسعاف والدفاع المدني في الشمال من التوجه لإسعاف المصابين عبر إطلاق الرصاص عليهم من الطائرات المسيرة.
وعلى ضوء ذلك شدد الميدنة أنّ ما يحدث في شمال غزة يفوق وصف الإبادة؛ “فهناك عملية تطهير عرقي ينفذها الاحتلال على مرأى ومسمع العالم دون تحرك جدي لوقفها وإنقاذ المدنيين المحاصرين الذين رفضوا الانصياع لأوامر الإخلاء”.
ووسط مشاهد المجازر التي باتت شبه يومية، دعا المكتب الإعلامي الحكومي، المجتمع الدولي إلى ضرورة تدخله الفوري من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية التي تمارس بحق الفلسطينيين في القطاع وخاصة الشمال، محملا مسؤولية ما يجري للولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الشريكة في سياسة التجويع والإبادة الجماعية.
وشدد في إفادة إعلامية ،أن “إسرائيل” تواصل سياسة منع دخول المساعدات الإنسانية وفي مقدمتها المواد الغذائية والأدوية إلى قطاع غزة، موضحًا أن إغلاق معبر رفح الذي كان ممرا أساسيا للمساعدات منذ نحو 190 يوما تسبب بـ “نقص حاد في المواد الأساسية وارتفاع عدد الوفيات نتيجة الجوع خاصة في شمال القطاع”.
ونوّه إلى أن نحو 600 ألف طن من المساعدات والمواد الغذائية عالقة على الجانب الآخر من معبر رفح جنوب القطاع، وما زالت “إسرائيل” ترفض إدخالها، بما يؤجج الأزمة الإنسانية في القطاع بشكل غير مسبوق.
هذا ما ذهبت إليه أيضًا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، حيث اعتبرت أن وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة غير كاف في مواجهة الوضع “الكارثي” في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وأوضحت أن المساعدات وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر، “وبلغ المتوسط لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 37 شاحنة يوميا عبر قطاع غزة بأكمله، وهذا ليس كافيا البتة لسكان يبلغ عددهم 2,2 مليون نسمة يحتاجون إلى كل شيء”.
وذكرت أنه لم يُسمح بدخول أي طعام لمدة شهر كامل إلى المنطقة المحاصرة في شمال غزة، وقد رُفضت جميع الطلبات التي قدمتها الأمم المتحدة للوصول إلى هذه المنطقة، وسط تحذيرات من احتمال وشيك وكبير لحدوث مجاعة حقيقية هناك.