المسار الاخباري – تقديم: بعد ظهور برودة في علاقة حزب العمال في بريطانيا مع الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، وإثر تقاعس واشنطن، قبل ذلك، عن منح بريطانيا اتفاقا تجاريا كان ترامب قد وعد به لتحفيزها على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يرتفع مستوى القلق من “انعزالية” ترامبية، قد تسبّب خسائر لاقتصاد المملكة المتحدة وتدفع بها إلى العودة عن البريكست.
نقرأ الجدل في لندن من خلال عرض للخلفيات والمعطيات التالية:
– منذ عودة حزب العمال إلى الحكم في بريطانيا في يوليو 2024، يسعى رئيس الوزراء، كير ستارمر، إلى ترتيب علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي من دون المساس بواقع خروج بريطانيا من الاتحاد.
– ما زالت مسألة العودة إلى الاتحاد الأوروبي قضية تناقشها التقارير المتخصصة، لكن لا تعترف بها الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد، على الرغم من أن مكتب مسؤولية الميزانية في البلاد حذر من أن أرقام التجارة الضعيفة التي تعيق النمو تعكس “التأثير المستمر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
– كانت بريطانيا في عهد حزب المحافظين تعوّل على عقد اتفاقات تجارية مع دول العالم تعوّض خسارتها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست). فالتعويل أساسا كان على اتفاق استراتيجي واسع مع الولايات المتحدة، وخصوصا في مرحلة وجود المحافظ بوريس جونسون، رئيسا للوزراء وصديقا لدونالد ترامب، الذي كان يشغل ولايته الأولى في البيت الأبيض آنذاك.
– كان ترامب عراب البريكست ومشجعا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصديقا لأكثر عتاة الداعين للانفصال عن الاتحاد، السياسي الشعبوي نايجل فاراج. لكن موقف ترامب من الاتحاد الأوروبي لجهة رفع التعرفات الجمركية على وارادته انسحب على بريطانيا وحال دون إبرام اتفاق خاص بين واشنطن ولندن.
– ربطت بريطانيا بالولايات المتحدة تاريخيا “علاقات خاصة” إلى درجة أن انتقادات من داخل بريطانيا باتت تعتبر البلاد تابعة لواشنطن. وكان الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، رفض دخول بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي واعتبرها “حاملة طائرات أميركية” في قلب القارة. ولم تدخل بريطانيا الاتحاد إلا بعد خروج ديغول من عالم السياسة.
– تخلّفت دول حليفة خلال العقود المنصرمة عن المشاركة في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، غير أن بريطانيا بقيت شريكا مخلصا في تلك الحروب. حتى أن الولايات المتحدة لم تجد إلا بريطانيا فقط لتكون شريكا لها في الضربات التي توجهها إلى جماعة الحوثي في اليمن من بين الدول المنضوية بتحالف “حارس الازدهار” في البحر الأحمر.
– في 8 نوفمبر 2024، وصف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تصريحاته السابقة عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والتي قال فيها بأنه “سيكوباتي وكاره للأجانب ونرجسي ومتعاطف مع النازيين الجدد ومضلل وغير شريف” باعتبارها “أخباراً قديمة”.
– أنجيلا راينر، نائبة رئيس الوزراء حاليا، وصفت في السابق ترامب بأنه “مهرج” بسبب تعامله مع أزمة جائحة كوفيد. وقالت “ليس له مكان في البيت الأبيض، إنه مصدر إحراج ويجب أن يخجل من نفسه، خاصة عندما مات الآلاف من الأميركيين”. وبعد خسارته للانتخابات في عام 2020، قالت إنها “سعيدة للغاية برحيله”.
– لم تسلم بريطانيا من انتقادات جي دي فانس الذي اختاره ترامب ليكون نائبا له، إذ اعتبر في كلمة له امام مؤتمر حزب المحافظين “أن انتخاب حكومة عمالية مؤخراً جعل بريطانيا أول دولة إسلامية حقيقية تحصل على سلاح نووي”. وفيما قوبلت هذه التصريحات باستهجان بريطاني، عمالي ومحافظ، غير أن الأمر عبّر عن نظرة حزبية أيديولوجية ضيقة في مقاربة “الترامبية” للعلاقة مع بريطانيا.
– إضافة إلى قلق بريطانيا من خطط ترامب حيال الحرب في أوكرانيا وعلاقة إدارته مع حلف شمال الأطلسي، فإن عددا من منابر السياسة والبحث أبدت توجسا من السياسة “الانعزالية” (وفق وصف ريتشارد فورد، النائب عن الحزب الديمقراطي الليبرالي) التي وعد بها ترامب ناخبيه بما يبعد أي احتمال لاتفاق تجاري مع بريطانيا.
– حسب خبراء الاقتصاد في مركز سياسة التجارة الشاملة بجامعة ساسكس فإن خطة ترامب لفرض رسوم جمركية شاملة تتراوح بين 10 إلى 20 بالمئة قد تجعل الأمور أسوأ وتكلف المملكة المتحدة 22 مليار جنيه إسترليني سنويا في الصادرات.
– نقلت صحيفة الغارديان عن كبير خبراء الاقتصاد السابق في بنك انكلترا، آندي هالدين، أنه “يتعين علينا أن نسعى بقوة إلى التوصل إلى اتفاق أفضل مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن ذلك لن يكون سهلاً. لقد التزمت الحكومة الجديدة بذلك وينبغي لها أن تستمر في الالتزام به”.
– نقل موقع “بوليتيكو” عن نيك هارفي، وزير القوات المسلحة السابق في حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية، إن المملكة المتحدة ستدفع الثمن إذا لم تبدأ في التطلع نحو بروكسل. وأضاف: “لا يمكننا أن نكون الولاية رقم 51 في أميركا (…) إذا ارتبطنا بشكل مثير للشفقة بأذيال معاطفهم، بدلاً من أن نكون لاعباً رئيسياً في دفاع أوروبا، فسوف ندفع ثمن هذه الحماقة”.
خلاصة:
**تتعرض “العلاقات الخاصة” بين بريطانيا والولايات المتحدة إلى برودة بسبب امتناع ترامب في الولاية الأولى، وبعده ولاية جو بايدن، عن منح بريطانيا تسهيلات خاصة أو حتى اتفاق تجاري شامل عوّلت عليه بعد البريكست. وتوتّرت هذه العلاقات بعد وصول حزب العمال إلى الحكم في لندن.
**تعتبر أوساط في لندن أن السياسة “الانعزالية” لترامب وخططه لرفع الجدران الجمركية أمام الصادرات الأوروبية، ومنها البريطانية، سيسبب خسائر كبرى لاقتصاد البلاد قد تصل الى 22 مليار جنيه استرليني، وسيدفع لمراجعة البريكست والبحث عن شدّ أواصر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي
**ترتفع مستويات القلق في لندن من خطط ترامب الغامضة بشأن أوروبا والعلاقة مع حلف الناتو وخططه لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
**عبرت مواقف منتقدة لترامب قبل الانتخابات من قيادات عمالية أصبحوا في حكومة كير ستارمر عن حدّة التوتر لا سيما بعد وصف نائب ترامب، حي دي فانس، بريطانيا بأنها دولة نووية إسلامية.
**قد يكون التعبير عن هذه الهواجس والعودة للحنين إلى الاتحاد الأوروبي، رسائل ضاغطة من قبل لندن تُحذّره من مغبة تنفيذ وعوده الانتخابية بشأن بريطانيا وأوروبا والمنظومة الغربية.
**لا تتبنى الأحزاب السياسية الكبرى مسألة العودة إلى الاتحاد الأوروبي لكن “اليأس” من الترامبية وصدور تقارير اقتصادية تربط خسائر بريطانيا بمفاعيل البريكست، قد يدفع صوب التوجه إلى أوروبا مجددا.