: عندما تولى دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية للمرة الأولى، تبنى في الشرق الأوسط توجها جريئا، كان مثيرا للجدل.
وذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز أن ترامب قام حين ذاك بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل آبيب إلى القدس، وعقد اتفاقات بارزة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وألغى الاتفاق النووي الدولي مع إيران.
وفرض ترامب إرادته باستخدام أسلوب دبلوماسية قائم على أساس المعاملات وعضلات القوة الأمريكية، حتى عندما كان يعني ذلك تحدي الاجماع الدولي وتجاهل المخاوف الفلسطينية.
ولكن الخبراء يقولون إن هذه الاستراتيجية الفظة ربما لا تجدى نفعا هذه المرة، خاصة في ظل إعادة تركيز الاهتمام الدولي على معاناة الفلسطينيين وتصاعد الانتقادات لإسرائيل.
ويبدو أن الشرق الأوسط أصبح مكانا مختلفا بصورة كبيرة منذ أن غادر ترامب البيت الأبيض خلال عام .2021 فالحروب تستعر الآن في غزة ولبنان، في الوقت الذي تكثف فيه إسرائيل محاولتها لتدمير حماس وحزب الله. وتهدد هذه الصراعات بتوسيع نطاق الحرب، مما قد يضع الولايات والمتحدة وإسرائيل في مواجهة ضد إيران وحلفائها. فقد تبادلت إسرائيل وإيران إطلاق الصواريخ خلال الأشهر الأخيرة في ظل تكثيف لتواجد القوات الأمريكية في المنطقة.
وقد أثبتت هذه الأزمات المتعددة أنها شائكة للغاية بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن لذلك لم يتمكن من حلها. ودفعت عدم كفاءته الدبلوماسية بعض الدول بالشرق الأوسط للشعور ببعض العزاء في تولى ترامب لفترة رئاسة ثانية.
وقال الباحث السياسي عبد الخالق عبد الله من الإمارات العربية المتحدة “بالنسبة للخليج، الجميع يقولون مرحبا بعودة ترامب، لقد كنا ننتظرك خلال الأربعة أعوام الماضية”. وأضاف أن عدم قدرة بايدن على احتواء الحرب في غزة ووقفها، ولبنان الآن، دفع حكومات دول الخليج للنظر إليه على أنه شخصية ضعيفة.
وأضاف “هذه الدول تريد رئيسا قويا في واشنطن، يمكنهم الثقة به، ويمكنه تحقيق نتائج”. وأوضح قائلا: “الشعور السائد هنا هو نحن نعرف من هو ترامب، ونعرف كيفية التعامل معه. وهو يعرفنا”.
وعندما كان ترامب رئيسا خلال الفترة الأولى، وجد قضية مشتركة مع الكثير من قادة الشرق الأوسط. فقد عمق هو وأفراد أسرته العلاقات التجارية مع دول الخليج، في بعض الأحيان من خلال الاتفاقات المتعلقة بالعقارات.
وذكرت الصحيفة أن العامل الأساسي وراء إنجازات السياسة الخارجية لترامب في الشرق الأوسط كان اتفاقيات أبراهام، الاتفاق التاريخي الذي توسط ترامب للتوصل إليه خلال عام 2020، لإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان- دون أن تكون مشروطة بإقامة دولة فلسطينية أو تقديم تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين.
وكان ترامب قد قال إنه يعتزم توسيع نطاق هذه الاتفاقيات، والجائزة الكبرى ستكون المملكة العربية السعودية، التي بدت في وقت من الأوقات منفتحة على التوصل لاتفاق مع إسرائيل، من شأنه أن يتضمن اتفاقا دفاعيا مع الولايات المتحدة وتقديم الدعم للمملكة لبناء مفاعل نووي للاستخدام المدني.
ولكن بعد ذلك في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هاجم أفراد حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” مستوطنات جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وبدء غزو إسرائيل لقطاع غزة، حيث تقول التقارير الرسمية إنه أسفر عن استشهاد نحو 44 ألف شخص. وجعلت الحرب احتمالية التوصل لاتفاق أكثر صعوبة.
وقال المعلق السياسي السعودي علي الشهابي “الفظائع التي تحدث في غزة ولبنان أدت لتأجيج الرأي العام، وجعلت أي تطبيع للعلاقات أكثر صعوبة بدرجة كبيرة”.
وتصر السعودية الآن على أن أي اتفاق سيكون مشروطا “بمسار لا رجعة فيه” نحو إقامة دولة فلسطينية.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد قال في خطاب في سبتمبر/ أيلول الماضي “المملكة لن تتوقف عن جهودها الحثيثة نحو إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ونحن نؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون تحقق ذلك”.
وفي خطاب خلال قمة للدول العربية والإسلامية هذا الشهر في الرياض، أدلى بن سلمان بتصريحات تعد الأكثر قوة بشأن حرب غزة، منتقدا إسرائيل لما وصفه بارتكابها “لأعمال إبادة جماعية” ضد “الشعب الفلسطيني الشقيق”.
وفي نفس الوقت، ربما تبدو إسرائيل أقل استعدادا للمساومة، خاصة في ظل وجود ترامب بالبيت الأبيض، إذا كانت فترته الأولى مؤشرا على ذلك. وعلاوة على نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتملة، دفع ترامب لتطبيق ما يطلق عليه “اتفاق القرن”، الذي يعد بمثابة خطة سلام من شأنها جعل الفلسطينيين بدون دولة، كما يتيح لإسرائيل ضم مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية المحتلة. كما تبنى توجها أكثر عدوانية مع إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي عام 2015، وفرض عقوبات واسعة النطاق، بالإضافة إلى اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي كان قائدا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وأبدى القادة الإسرائيليون سعادة بالغة لدى فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية.
ويبدو الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي رفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، يستعد لترسيخ سيطرته على الأراضي الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، اختار ترامب شخصيات متشددة موالية لإسرائيل لشغل مناصب دبلوماسية بارزة، تتعلق بالتعامل مع الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، اختياره لحاكم اركانساس سابقا مايك هاكابي، الذي يرفض مطالبة الفلسطينيين بالأرض والسيادة، لمنصب سفير أمريكا في إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الفلسطينيين ربما تكون لديهم نافذة أمل مع ترامب مقارنة ببايدن، حسبما قال معين رباني، المحلل والزميل بمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني. بالدوحة، وأشار إلى أن بايدن لم يتراجع عن أي من سياسات ترامب تجاه إسرائيل أو تمكن من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار دائم، موضحا إن ترامب ربما يحاول استخدام نفوذه مع نتنياهو بطريقة أكثر قوة لإنهاء الصراع.