دولي

“الدين والسياسة: كيف ساهمت الهستيريا المسيحية الإنجيلية في فوز ترامب؟”

المسار الاخباري :نشر موقع “كاونتربانتش” مقالا بعنوان: “خارج الحدود.. ولكننا بحاجة للحديث عن ذلك” لبوب توبر، أكد فيه أن الانتقادات الموجهة للديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية الأخيرة مستحقة، ولكن عوامل أخرى أثرت على نتيجة هذه الانتخابات.

وأشار إلى أن من أبرز هذه العوامل الصحافة التي طبّعت مع سلوك المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ومؤسسات الأخبار المتحيزة، وخاصة “فوكس نيوز” التي اعترفت بالكذب على المشاهدين، ووسائل الإعلام الرقمية غير المنظمة التي تلاعبت ونشرت جبالا من المعلومات المضللة.

غير أن أحد العوامل الحاسمة التي غالبا ما تفلت من الملاحظة، حسب الكاتب، هو الدور الذي يلعبه الدين في السياسة الحديثة، وهو دور لا يمكن تجاهله، ويحتاج تقدير تأثيره للنظر إلى الانقسام السياسي في الولايات المتحدة باعتباره صراعا بين الفكر الوضعي والمعتقد المسيحي الواسع الانتشار.

لا يمكن فهم الاستقطاب الحالي في المجتمع الأمريكي دون معرفة عملية بسردية “نهاية العالم” التي تتنبأ بالمجيء الثاني للمسيح

ويذكّر الكاتب بتعليق المؤلف ويليام بيرنشتاين في كتابه “أوهام الحشود”، قائلا إنه لا يمكن فهم الاستقطاب الحالي في المجتمع الأمريكي دون معرفة عملية بسردية “نهاية العالم” التي تتنبأ بالمجيء الثاني للمسيح، خاصة أن 39% من البالغين الأمريكيين يعتقدون أن البشرية تعيش في “نهاية العالم”، حسب مسح أجراه مركز بيو للأبحاث.

هستيريا جماعية

وفق الكاتب، قد يكون من الأفضل لفهم نتيجة هذه الانتخابات، النظر إليها كحالة من الهستيريا الجماعية. إذ لا توجد طريقة لمعرفة مدى تأثير نظرية التدبير الإلهي على هذه الانتخابات، لكن الهستيريا التي تحركها مخاوف “نهاية العالم” تجيب عن السؤال الأكثر إيلاما، وهو لماذا انتخب الشعب الأمريكي رئيسا له بكل الأوصاف التي يكيلها له خصومه؟

وحسب الكاتب، يرى الأصوليون الأمريكيون العالم كمعركة بين الخير والشر، بين الله والشيطان، بين بر الإيمان المسيحي وشرور الليبرالية العقلانية. ولذلك، لعبت خطابات حملة ترامب على المخاوف التي تصف الديمقراطيين بالشيطان والشر في الداخل، حيث تتضاءل العيوب في شخصية ترامب إلى حد التفاهة في هذه الدراما، لأن الرجل أداة في يد الرب، حسب رؤيتهم.

سيطرة الأصوليين

يقول الموقع إنه في 1994، أبدى الجمهوري المحافظ باري غولدووتر قلقه من استيلاء الأصوليين المسيحيين على حزبه، قائلا: “صدقوني، إذا سيطر هؤلاء الوعاظ على الحزب الجمهوري، وهم يحاولون ذلك بكل تأكيد، سوف تكون هذه مشكلة رهيبة للغاية. بصراحة هؤلاء الناس يخيفونني. تتطلب السياسة والحكم التسويات. لكن هؤلاء المسيحيين يعتقدون أنهم يتصرفون باسم الله، لذا فهم لا يستطيعون ولن يتنازلوا. أعلم ذلك، لقد حاولت التعامل معهم”.

وقبل 25 عاما، أصبح الوعاظ الإنجيليون نشطين في الحزب الجمهوري، وهاجموا الإجهاض والعلاقات المثلية، غير أن الجمهوريين التقليديين لم يتبنوا خطاب الإنجيليين ولكنهم رحبوا بدعمهم. واليوم طغى اليمين المسيحي على الحزب، فلم تعد القيم المحافظة التي تبناها غولدووتر، والقيم الأمريكية الأساسية المتمثلة في الحرية والمساواة والديمقراطية، تشكل أهمية بالنسبة لهوية الحزب ورسالته.

ويرى الكاتب أن مخاوف غولدووتر تحققت بالكامل، وأصبح حزبه حزبا مسيحيا ثيوقراطيا متنكرا في هيئة الحزب الجمهوري.

يرى الأصوليون الأمريكيون العالم كمعركة بين الخير والشر، بين الله والشيطان، بين بر الإيمان المسيحي وشرور الليبرالية العقلانية

الفصل بين الكنيسة والدولة

يضيف تقرير “كاونتربانش” أن احترام الفصل بين الكنيسة والدولة واحترام الخصوصيات أمر واقع، لكن انتقاد المعتقدات الدينية أصبح أمرا محظورا.

والآن وبعد أن تحول أحد الفصائل الدينية إلى حزب سياسي، لم يعد من المقبول التكيّف مع هذا الأمر، وخاصة عندما تتعارض معتقداته مع القيم الأساسية، الحرية والمساواة والديمقراطية، كما يوضح الموقع.

وذكر الكاتب أن كل أمريكي ملزم بحماية الدستور والدفاع عنه وعن القيم التي يضمنها، وعندما يهاجم دينٌ ما قلب المبادئ التأسيسية للأمة، فلا يجوز أن يكون الانتقاد محظورا. وكما يرفض الأمريكيون “الشريعة”، فعليهم أن يرفضوا أي نسخة دينية أخرى تحل محل النظام القانوني، وعندما تجعل المعتقدات الدينية الديمقراطية التمثيلية عاجزة عن الحكم، فلا بد من المقاومة.

ويخلص الكاتب للقول: “مع أنه لا يمكن الاستخفاف بنحو 39% من المواطنين الأمريكيين الذين يعتقدون أننا نعيش في نهاية العالم، فعليهم أن يدركوا أن نهاية العالم هذه أسطورة قد يحترمها المسيحيون الصالحون، ولكن يجب عليهم أن يقبلوا أنها خيال، تماما كما تقبّلوا حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس”.