أهم الاخبارإسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 22/11/2024

ليس فقط مذكرات اعتقال: قرار المحكمة في لاهاي له تداعيات اخرى

بقلم: عاموس هرئيلِ

حتى في أسبوع كثيف للاخبار بشكل خاص، جاء العنوان الأكثر دراماتيكية فقط قبل نهايته، ظهر أمس. محكمة الجنايات الدولية في لاهاي أصدرت مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالنت، بسبب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. عملية مشابهة تم فحصها ضد كبار قادة حماس، مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية، تم وقفها بسبب موتهما في الأشهر التي مرت منذ تقديم الطلب للمحكمة. في المقابل، صدرت مذكرة اعتقال ضد محمد الضيف بعد أن ابلغ المدعي العام للمحكمة القضاة بأنه لم يتم التحقق من موته. 

الدكتور عيران شمير بورير، الذي هو مدير مركز الامن القومي والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وخدم في الجيش الإسرائيلي في النيابة العسكرية، وفي منصبه الأخير كرئيس لقسم القضاء الدولي برتبة عقيد، قال للصحيفة بأن “قرار المحكمة هو فضيحة بمعان كثيرة، لكن سلوك الدولة صعب على جهود منع هذا القرار”. عندما تم تقديم طلب المدعي العام لاصدار المذكرات في شهر أيار الماضي كانت هناك إمكانية بأن تحقيق ذاتي وجدي في إسرائيل في الاتهامات سيخفف اللهب في لاهاي. ولكن كما يقول شمير بورير فان “الدولة لم تفعل أي شيء في هذا الامر. وقد دفنت الرأس في الرمل”. وحسب قوله فان المذكرات تتطرق في الواقع لاحداث كانت حتى وقت تقديم الطلب للاعتقال. ولكن التحقيق في المحكمة ما زال قائما ويمكن الافتراض بأنه يتناول أيضا احداث حدثت منذ ذلك الحين وستحدث في المستقبل. مذكرات الاعتقال الحالية يمكن أن تكون فقط رصاصة البداية. يجب عدم تجاهل تأثير استمرار الحرب، وبالاساس الاحداث الأخيرة في شمال القطاع. “القضاة أشاروا بصراحة الى أن الجرائم التي توجد في مركز المذكرات تستمر حتى الآن، وربما هم اعتقدوا أنه بهذا القرار فانهم يساعدون على وقف كارثة إنسانية أخرى”.

المحكمة نشرت فقط ملخص قصير لمذكرات الاعتقال، لذلك فانه لا يمكن معرفة أي احداث توجد في مركز الفحص، لكن الملخص يتطرق بشكل عام الى مهاجمة مستشفى ومنع المساعدات الإنسانية، ويتطرق الى هجومين متعمدين على مدنيين فلسطينيين. هذه التحقيقات يمكن أن توصل الى مشبوهين ومتهمين آخرين في الجيش الإسرائيلي وفي المستوى السياسي. بخصوص رئيس الحكومة فان شمير بورير لا يعتقد أنه سيخاطر بزيارة أي دولة من بين الـ 120 دولة التي وقعت على ميثاق روما خوفا من الاعتقال. الولايات المتحدة لم توقع على هذا الميثاق، وإدارة ترامب يتوقع أن تكون معادية للمحكمة في لاهاي، لكن الخبير في القضاء الدولي، بورير، لا يوصي بالاعتماد فقط على دعم أمريكا. قرار محكمة الجنايات الدولية يمكن أن يكون المدخل لاعلان حظر بيع السكان من دول غربية أخرى، التي حتى الآن اكتفت بخطوات معتدلة اكثر ضد إسرائيل، وأيضا تقديم الدعم لشكاوى وتحقيقات جنائية كثيرة ضد جنود وقادة في الجيش الإسرائيلي، التي تجري في عدد كبير في دول العالم. وهو أيضا يذكر بأن موضوع آخر للتحقيق الجنائي في لاهاي يجري حول الضفة الغربية، مع التأكيد على المستوطنات ونشاطات أخرى. 

تصريح للتسلل

البشرى من لاهاي وصلت أمس قبل بضع دقائق على تطور قانوني آخر. فقد تم تقديم في المحكمة المركزية في تل ابيب لائحة اتهام ضد ايلي فيلدشتاين، احد المتحدثين بلسان نتنياهو، تشمل بند خطير وهو إعطاء معلومة سرية بنية المس بأمن الدولة. رجل الاحتياط في “امان”، الذي حصل منه على هذه المادة، تم اتهامه باعطاء معلومة سرية. اعتقال فيلدشتاين في الشهر الماضي اثار تشويش كبير حول نتنياهو، ولكن بسرعة استيقظ المكتب وهب الى هجوم مضاد. المتحدث اصبح شهيد وضحية أخرى لتحقيق سياسي ضد الرئيس. 

الحماسة الجديدة صبت الزيت على عجلات الانقلاب النظامي والأب الشرعي له، وزير العدل ياريف لفين، الذي اعلن عن العودة الى النشاط الكامل. في غضون ذلك انخرط مكتب رئيس الحكومة في محاولات أخرى يائسة لتأجيل تقديم نتنياهو لشهادته في المحكمة التي تقررت في 2 كانون الأول القادم. وقد كان للائتلاف أيضا امور هامة لينشغل بها، في الأسبوع الذي يتم فيه إحصاء القتلى في غزة وفي لبنان كل يوم: تشريع يمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية واجازة قانون يضع في متناول رئيس الحكومة اسم رقابة استخبارية خاصة به (يضمن له الوصول الى أي معلومة) وافشال مشروع قانون لعضو الكنيست غادي ايزنكوت (المعسكر الرسمي)، الذي أراد أن يضمن منحة تعليم لكل جندي مسرح. ولا ننسى أن غباء نشطاء الاحتجاج، الذين استخدموا الألعاب النارية قرب منزل نتنياهو في قيصاريا، مكن الأخير من تضخيم فرية محاولة خطيرة لاغتياله.

من الجدير الانتباه الى الخط الذي يربط كل هذه النقاط. من يؤيدون نتنياهو يستكملون بلورة وترسيخ الرواية التي تقول بأنه بريء من إخفاقات 7 أكتوبر. في المقابل، هو المسؤول الحصري عن الإنجازات العملياتية في الحرب. هناك جزء كبير من الجمهور الاسرائيلي يصدق ذلك. هكذا، تندمج الخطوات العلنية والسرية ضد المستشارة القانونية للحكومة ورئيس الشباك ورئيس الأركان. في الفترة الأخيرة يتم نشر شائعات في اليمين حول نية نتنياهو اقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي، ربما بعد التوصل الى اتفاق مع لبنان. في هذه الاثناء مدير عام وزارة الدفاع، الجنرال احتياط ايال زمير، تراجع عن تقديم استقالته وقرر البقاء في منصبه.

في الأسبوع القادم الجيش الإسرائيلي يمكن أن ينشر جزء من التحقيقات في الحرب. وفي هذا الأسبوع تم التوصل بشكل متأخر الى تفاهمات بين الجيش ومراقب الدولة حول القضايا التي سيركز عليها المراقب. البطء في التحقيقات وحقيقة أن عدد قليل من بين القادة قدموا استقالتهم حتى الآن، تصعب على استنفاد التحقيقات وتحقيق العدالة في احداث أخرى، في الوقت الذي توجد فيه كمية كبيرة من الزبدة على رؤوسهم فانهم لا يتخذون خطوات تجاه مرؤوسيهم.

——————————————–

يديعوت احرونوت 22/11/2024

كيف ينحي الآخرين امر الاعتقال بلا أساس وكذا الرد عليه

بقلم: ناحوم برنياع

بعد يومين من بدء الحرب استدعى نتنياهو وزير الدفاع غالنت ورئيس الأركان هليفي الى لقاء سري ثلاثي. صدمة الإخفاق كانت في ذروتها. الشارع كان يريد أن ينحي الجميع، من رئيس الوزراء فدونه. “انا كنت في هذه الأوضاع”، قال نتنياهو. “تذكروا: نحن ملزمون بان نبقى موحدين”. 

في الغداة بدأت آلة السم البيبية تهاجم غالنت وهليفي. مر يوم آخر، ونتنياهو اقترح إقامة كابنت طواريء، مع اللواء المتقاعد اسحق بريك وغابي اشكنازي. بريك كان في حينه حبيب نتنياهو: فقد وفر له مبررات ضد توسيع الحرب وضد قيادة الجيش. 

لعل القصة ستجد مكانها في كتب السيرة الذاتية التالية لنتنياهو كدليل على قدرته على ان يركز على ما هو هام له حقا، قدرته على ان يخدع الناس، ان يفعل الشيء ونقيضه حتى عندما يكون حسب كل الشهادات غارقا في الصدمة ولم يؤدي مهامه. التحقيق في القرارات التي اتخذها منذ 7 أكتوبر مشوقة بقدر لا يقل وربما اكثر من التحقيق في القرارات حتى 7 أكتوبر. لا تقلقوا: لا هذه ولا تلك سيحقق فيها، ليس في عهد الحكم الحالي. 

نتنياهو تلقى امس الى جانب غالنت امر اعتقال دولي من المحكمة في لاهاي. الامر سطحيا بلا أساس، لكن هكذا أيضا بيان الضحية الذي نشره نتنياهو، وشبه فيه نفسه بدرايفوس. يخيل لي انه كان سيكون اكثر دقة لو أنه شبه نفسه بميكافيلي. 

الكل يريد اتفاقا

    تدعي محافل تشارك في المفاوضات على انهاء الحرب في لبنان بان حزب الله ناضج لاتفاق شهر على الأقل. نتنياهو رفض. وتعليله الأساس للرفض كان الانتخابات في الولايات المتحدة. فقد عول على انتصار ترامب.

الحسم في الانتخابات في أمريكا جلب لحظة نادرة، قد تكون لمرة واحدة، رتبت فيها كل النجوم: ترامب وبايدن معنيان بتسوية الان؛ ايران وحزب الله أيضا معنيان بتسوية الان. الخوف في ايران مما سيفعله ترامب او مما سيسمح لإسرائيل بأن تفعله في مسألة النووي هو الان في ذروته؛ في اللحظة التي يدخل فيها الى البيت الأبيض، سيكون استقرار والخوف سيزول. هذه هي الفرصة. 

ترتيبات أخيرة في واشنطن؛ ترتيبات أخيرة في بيروت؛ ترتيبات أخيرة أيضا في منطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. محفل تعرف الاتصالات عن كثب تدعي بان التسوية متعلقة في هذه اللحظة بشخص واحد – نتنياهو. 

وسع الجيش الإسرائيلي مؤخرا الهجمات الجوية في الضاحية وحرص على أن يقوم بها في وضح النهار كي يفهم كل لبناني الرسالة. تطهير القرى في جنوب لبنان اتسع الى قرى أخرى. ليس لاجل تشديد الضغط كما تؤكد محافل في الجيش بل لاجل تعميق الإنجاز. مثلما في صورة مرآة، حزب الله أيضا وسع اطلاق الصواريخ اليومي. يتبين أن حزب الله أيضا يسعى لنقل رسالة. 

غالنت املى المطالب الإسرائيلية للتسوية في المداولات مع المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين قبل بضعة اشهر. نتنياهو، ديرمر والجيش تبنوا المطالب. وهي تتوزع على ثلاثة بنود:

حزب الله ينسحب الى ما وراء الليطاني. الى مسافة 10 كيلو مترات عن حدود إسرائيل.

قوة انفاذ دولية، مع لجنة اشراف برئاسة القيادة الوسطى الامريكية وتفاهم مع الولايات المتحدة في أن تكون إسرائيل حرة بالرد بقوة على كل خرق.

لن يكون تهريب سلاح الى لبنان. الجيش اللبناني وقوة دولية يشرفان على المعابر. 

اذا كانت تجربة الماضي تدل على شيء، فان البند الثالث هو اول ما سيخرق. غالنت أوضح في المحادثات بانه اذا كان خرق، ستسقط إسرائيل على الفور ثلاثة مبان في الضاحية. بخلاف الاتفاق الذي انهى حرب لبنان الثانية في 2006، حزب الله لن يتمكن من ان يهدد برشقة صواريخ مكثفة على إسرائيل. هو سيواصل العمل في لبنان لكن قوته تضاءلت. 11 عضو كانوا في مجلس الجهات في حزب الله. عشرة صفوا؛ من اصل 7 قادة ألوية صفي 6. والاساس، نصرالله، الايقونة التي سارت اسمها امامها في العالم الإسلامي، لم يعد. 

ايران بعثت مؤخرا بجنود ميليشيات من سوريا لمساعدة حزب الله. هذه قوات صغيرة نسبيا. كان منهم من فر وهرب. 

على فرض أنه سيتحقق اتفاق، الخطة هي إعادة سكان الشمال بالتدريج الى بيوتهم. الخط الثاني يعود في كانون الأول؛ الخط الأول في نيسان. التوازن العسكري سيكون واضحا لكنه اقل من الانتشار اليوم. فليس للجيش الإسرائيلي ما يكفي من القوات. 

قبل بضعة أسابيع أمر قائد المنطقة الشمالية اوري غوردن باسقاط الاسوار الاسمنتية التي نصبت في مفترقين بارزين في اصبع الجليل. والرسالة ليست فقط لسكان الشمال بل وأيضا لمقاتلي الاحتياط في بيلدا، القرية اللبنانية غربي منيرا. إزالة هذه الحواجز استهدفت الإشارة الى بداية النهاية. 

صورة النصر الثالثة

صورتا نصر نوعا ما قدمتهما لنا الحرب: صورة الحفرة التي أخرجت منها جثة حسن نصرالله، وصورة الغرفة التي قتل فيها يحيى السنوار. القتال في لبنان وفي غزة لن يصدر لنا على ما يبدو صورة نصر أخرى. لا يوجد من ننتصر عليه. صورة النصر الثالثة ستكون اللحظة التي تعانق فيها ميراف ليشم غونين ابنتها المخطوفة روني غونين. هناك احتمال في أن يكون نصف الـ 101 مخطوفا على قيد الحياة. احتمال وليس يقين. كل يوم آخر من المفاوضات الملفقة يقلص الاحتمال. 

الجيش حرث وعاد يحرث البلدات في القطاع. بعد أن حرث مجددا جباليا، بيت لاهيا وبيت حانون، بثمن باهظ لقواتنا بقي تجمع سكاني واحد فقط يوجد فيه تجمع كبير من الحماسيين: مركز غزة. مخطوفون أيضا يوجدون هناك. دخول قوات مشاة سيكلف حياة مخطوفين، بنار حماس او بالخطأ بنار الجيش. احتلال متجدد لمركز غزة طرح على البحث وشطب. 

لقد ترك غالنت لإسرائيل كاتس هدفين في غزة: الأول إعادة كل المخطوفين وهذا لا يمكن عمله الا بصفقة والثاني استبدال حكم حماس. تحقيق هذين الهدفين يؤدي بالضرورة الى الصدام مع ذاك الجناح في الحكومة الذي يطلب إقامة حكم عسكري في غزة وإقامة مستوطنات فيها، ومع نتنياهو الذي يريد ان يحافظ على وحدة حكومته بكل ثمن. فقدان المخطوفين، الغرق في رمال غزة والنقص الحرج في الجنوب – هذه هي الإمكانيات. سيتعين على كاتس ان يقرر لماذا هو مخلص اكثر، للمنصب ام للكرسي. 

——————————————–

هآرتس 22/11/2024 

في غزة ما ينبغي أن تعرفوه

بقلم: مقاتل احتياط

الامر المفاجيء وبحق هو السرعة التي اصبح فيها كل شيء طبيعي ومنطقي. بعد بضع ساعات تجد نفسك تحاول رغم ارادتك التأثر بأبعاد الدمار والقول لنفسك اقوال مثل “ما هذا الجنون”. ولكن الحقيقة هي أننا نتعود بسرعة كبيرة على ذلك. هذا اصبح أمر تافه. موجة أخرى من الحجارة. هاكم، هذا كما يبدو مبنى لمؤسسة رسمية، هذه كانت مبان سكنية، هذه المنطقة كانت حي. في كل اتجاه تنظر اليه، اكوام من الجديد والرمال والباطون والطوب. زجاجات مياه معدنية فارغة لـ “عيدن” و”فودرا”، حتى الأفق وحتى البحر. العين تنظر الى مبنى معين ما زال قائما. “لماذا بالذات هذا المبنى لم يتم هدمه؟”، تساءلت شقيقتي في الواتس اب بعد أن أرسلت اليها الصورة. وأضافت “لماذا دخلت الى هناك، بربك”.

لماذا أنا هنا، هذا أمر اقل أهمية. أنا لست القصة هنا. وهذا أيضا ليس لائحة اتهام ضد الجيش الإسرائيلي. هذا يوجد له مكان في أماكن أخرى. في مقالات هيئات التحرير، في المحكمة الدولية في لاهاي، في الجامعات الامريكية وفي مجلس الامن. المهم هو أن نجعل الجمهور الإسرائيلي يشاهد. اظهار ذلك. حتى لا يقولون لاحقا بأنهم لم يعرفوا. أنا اردت أن اعرف ما الذي يحدث هناك. هذا ما قلته لاصدقائي الكثيرين، الذين سألوني “لماذا دخلت الى غزة”.

عن الدمار لا يوجد ما يمكن قوله. هو في كل مكان. هذا يقفز أمام العيون عندما نقترب من مسافة قريبة مما كان احياء سكنية. حديقة تم الاعتناء بها بشكل جيد وحولها سور مهدم وبيت مدمر، طاولة، ارجوحة، كوخ صغير له سقف من الصفيح وراء الزقاق، نقاط قاتمة في الرمال، قرب بعضها، كما يبدو كان هنا حقل، ربما حقل زيتون. هذا هو موسم قطف الزيتون. هنا نلاحظ حركة، شخص يقفز فوق كومة انقاض وهو يجمع اغصان أشجار من الشارع، يكسر شيء بحجر. كل ذلك من مسافة طائرة حوامة. 

كلما اقتربنا من المحاور اللوجستية – نتساريم، كيسوفيم وفيلادلفيا – فان عدد قليل من المباني بقيت قائمة. الدمار الكبير هنا من اجل أن يبقى. هاكم ما يجب أن تعرفوه، هذا لن يتم محوه في المئة سنة القادمة، مهما حاولت إسرائيل إخفاء ذلك وطمسه فان الدمار في غزة سيقرر حياتنا وحياة أولادنا. الدليل على هياج عديم الكوابح. احد الأصدقاء كتب على حائط غرفة العمليات “هدوء، مقابل هدوء. حفلة نوفا مقابل نكبة”. قادة الجيش الإسرائيلي تبنوا المكتوب.

بنظرة عسكرية الدمار أمر لا مناص منه. القتال في منطقة مدنية مكتظة امام عدو مزود بشكل جيد يعني دمار بحجم كبير جدا للمباني، أو موت مؤكد للجنود. اذا كان يجب على قائد اللواء الاختيار بين حياة الجنود الذين تحت مسؤوليته وبين تسوية الأرض، فان طائرة اف 15 محملة بالقنابل ستسير على المدرج في نفاتيم، وبطارية مدافع ستوجه الفوهات. لا أحد سيخاطر، هذه هي الحرب.

أمهات مع اولادهن يمشين ببطء على طول الشارع. اذا كان يوجد لدينا مياه نحن نعطيهم. القدرات التكنولوجية التي طورها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب هي قدرات مثيرة للانطباع. قوة النيران، استخدام النار الدقيقة وجمع المعلومات بواسطة الطائرات الحوامة. هذه تعطي وزن مضاد للعالم السفلي الذي قامت حماس وحزب الله ببنائه خلال سنوات.

أنت تجد نفسك تنظر من بعيد لساعات الى مواطن وهو يجر حقيبة لمسافة بضعة كيلومترات على شارع صلاح الدين. اشعة الشمس تحرقه وأنت تحاول الفهم: هل هذه عبوة ناسفة؟ هل هذه ما بقي من حياته؟ أنت تنظر الى اشخاص وهم يتجولون قرب منشأة خيام في وسط المخيم. أنت تبحث عن عبوات وترى رسومات على حائط بلون رمادي من الفحم. هاكم مثلا صورة فراشة.

أنا قمت في هذا الأسبوع بمراقبة من حوامة فوق مخيم للاجئين. رأيت امرأتين وهما تسيران معا. رأيت شاب دخل الى بيت شبه مدمر واختفى. هل هو أحد أعضاء حماس الذي جاء لنقل نبأ لنفق مخطوفين من خلال فتحة نفق سرية؟ تابعت من ارتفاع 250 متر شخص يركب على دراجة ويسافر على ما كان ذات يوم شارع في حي – نزهة بعد الظهر في داخل كارثة. في احد المفترقات توقف راكب الدراجة قرب بيت، خرج منه عدد من الأولاد، بعد ذلك واصل الى داخل المخيم نفسه. 

جميع الاسطح مثقبة بسبب القنابل، عليها كلها توجد براميل باللون الأزرق لجمع مياه الامطار. اذا لاحظنا برميل على الشارع يجب نقله الى غرفة العمليات، واعتباره عبوة ناسفة محتملة. ها هو رجل يقوم بخبز الارغفة وقربه شخص مستلقي على فرشة. بقوة أي جمود تستمر الحياة؟ كيف يستيقظ شخص في ظل ذعر كهذا ويجد لديه القوة للنهوض والبحث عن الطعام ومحاولة البقاء؟ أي مستقبل يقدمه له هذا العالم؟ درجة حرارة مرتفعة، ذباب، قذارة، مياه ملوثة، وها هو يوم آخر انقضى. 

أنا أنتظر كاتب كي يأتي ويكتب عن ذلك. ومصور لتوثيق ذلك. ولكن لا يوجد إلا أنا. جنود آخرون، اذا كانت لديهم أفكار كافرة فهم يحتفظون بها لانفسهم. لا يتحدثون عن السياسة لأنه طلب منهم ذلك، لكن الحقيقة هي أن ذلك ببساطة لم يعد يهم قضى 200 يوم في خدمة الاحتياط في هذه السنة. جهاز الاحتياط ينهار، من يأتي اصبح لامباليا، يقلق لمشاكل شخصية أو أمور أخرى مثل الأولاد، الاعفاء، الدراسة، الزوجة، اقالة غالنت، عيناف سنغاوكر، وصول خبز مع شنيتسل. الوحيدون الذين ينفعلون هنا من شيء هم الحيوانات. الكلاب، الكلاب. الكلاب تهز الذيل وتركض بمجموعات، وتلعب مع بعضها، تبحث عن بقايا الطعام التي تركها الجيش. هنا وهناك تتجرأ على الاقتراب في الظلام من السيارة، وتحاول جر صندوق، ويتم صدها بالصراخ. يوجد أيضا الكثير من الجراء. 

في الأسابيع الأخيرة اليسار في إسرائيل يقلق من تمركز الجيش الإسرائيلي على محاور العرض في القطاع مثل محور نتساريم. ما الذي لم نقله عنه؟ أنه تم شقه وتوجد عليه قواعد خمسة نجوم، وأن الجيش الإسرائيلي موجود هناك ليبقى، وأنه على أساس هذه البنى التحتية ستتم إعادة مشروع الاستيطان في القطاع.

أنا لا أستخف بهذه التخوفات. هناك ما يكفي من المجانين الذين فقط ينتظرون الفرصة. ولكن محاور نتساريم وكيسوفيم هي مناطق قتال، توجد بين تجمعات كبيرة للسكان الفلسطينيين، كتلة حاسمة لليأس والجوع والضائقة. هنا ليست الضفة الغربية. التواجد في المحور هو تكتيكي، اكثر من هدف الاحتفاظ المدني في منطقة، هو يهدف الى ضمان تواجد روتيني وحماية الجنود المتعبين. القواعد والمواقع العسكرية تتكون من مبان غير ثابتة يمكن تفكيكها واخراجها خلال بضعة أيام، وتحميلها على الشاحنات. هذا يمكن أن يتغير بالطبع. 

جميعنا، بدءا بالذي يخدم في غرفة العمليات في القاعدة وحتى آخر جندي، واضح لنا بأن المستوى السياسي لا يعرف كيفية مواصلة الطريق الى جهنم. لا توجد اهداف من اجل التقدم نحوها، وهم غير قادرين سياسيا على الانسحاب. باستثناء جباليا، تقريبا لا يوجد قتال. وفقط على مداخل المخيمات، هذا جزئي أيضا، خوفا من وجود مخطوفين. المشكلة هي سياسية، ليست عسكرية أو تكتيكية. لذلك، من الواضح لنا جميعا بأنه سيتم استدعاءنا لجولة أخرى ولنفس المهمات. حتى الآن يأتي رجال احتياط ولكن بشكل اقل.

أين تمر الحدود بين معرفة “التعقيد” وبين الخضوع الاعمى؟ متى يكون لك الحق في رفض أن تكون جزء من جريمة الحرب؟ هذا اقل أهمية. الأكثر أهمية هو متى التيار العام في إسرائيل سيستيقظ. متى سيقوم زعيم ويشرح للمواطنين أي مؤامرة فاسدة نحن نعيش فيها. ومن سيكون من يرتدي القبعة المنسوجة الأول الذي سيطلق عليه “خائن”، لأنه قبل لاهاي، والجامعات الامريكية، والادانة في مجلس الامن، هذا قبل أي شيء هو شأننا الداخلي، نحن والمليوني فلسطيني.

——————————————–

إسرائيل اليوم 22/11/2024 

نتنياهو سيشتاق لبايدن عندما سيزور ترامب إسرائيل، فهو رجل لديه خطة!

بقلم: يوسي بيلين

إحدى أول الزيارات التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي التالي دونالد ترامب ستكون الى إسرائيل. وهذه ستكون زيارة ناجحة جدا. لغضب ترامب على نتنياهو على تجرؤه لتهنئة الرئيس بايدن لدى انتخابه قبل اربع سنوات، لن يكون ذكر. ترامب سيضع مرة أخرى ورقة في حائط المبكى، في ضوء نجاح الورقة القديمة، يحتمل أن يجري أيضا زيارة الى رمات ترامب – البلدة الوحيدة في العالم التي تسمى على اسمه. اما اليمين من جهته، فسيبتهج على ان هذا الرئيس لا يتحدث عن “الضفة الغربية” بل عن “يهودا والسامرة”. 

لكن في الحديث بينهما سيسأل الرئيس رئيس الوزراء عما يفكر به في إمكانية تنفيذ خطته للسلام، والتي عرضت رسميا في البيت الأبيض في 28 كانون الثاني 2020. سيذكره بما حصل في تلك الأيام. وزير الدفاع في حينه، بيني غانتس، سارع الى لقاء مع ترامب قبل يوم من الحدث الاحتفالي، كي يسبق ويعرب عن تأييده للخطة قبل أن يفعل بيبي ذلك. اما نتنياهو فقد جاء، منفعلا، الى الحدث، ومعه إسرائيليون مثل يوسي داغان، رئيس مجلس السامرة، الذي تجول في الحدث كعريس في يوم عرسه. 

كان يخيل انه حتى لو لم يُسأل الفلسطينيون عن رأيهم، وبعد أن نشرت الخطة رفضوها، فانها نجحت على الأقل في خلق اجماع إسرائيلي بين مؤيدي حل الدولتين وبين رافضيه. فقد تضمنت ضمن أمور أخرى إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح على 70 في المئة من الضفة الغربية، و14 في المئة أخرى تنقل من السيادة الإسرائيلية الى السيادة الفلسطينية في اطار تبادل الأراضي بينهما. جبل البيت كان يفترض أن يديره الأردنيون والعاصمة الفلسطينية خطط لان تقام في ابوديس الملاصقة للقدس وان تتضمن قسما صغيرا من القدس السيادية اليوم. نتنياهو عاد الى البلاد كمنتصر، أساسا لانه كان يمكنه أن يشير الى موافقة أمريكية على ضم 30 في المئة من الضفة الغربية، والى ان 15 تجمعا استيطانيا سيسمح لها بان تتواجد في الدولة الفلسطينية كجيوب تحت سيادة إسرائيل.

“اذن ماذا تقول؟” سيسأل الرئيس الجديد – القديم. نتنياهو أعد منذ الان جوابه. صحيح انه كان مستعدا لان تقوم دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، شريطة أن توافق على شروط مختلفة وعلى رأسها التجريد، مثلما اعلن أيضا في خطاب بار ايلان في 2009. كما أنه كرر ذلك في خطاباته في الجمعيات العمومية السنوية للأمم المتحدة. لكن في 7 أكتوبر فهم انه لا يمكن عمل أي شيء مع الفلسطينيين وانهم جميعهم الامر ذاته. لم تؤثر فيه اقوال الرئيس الفلسطيني عن أن مخربي حماس اوقعوا على الفلسطينيين نكبة اخطر من نكبة 1948. وسيوضح لضيفه بانه يؤمن الان بان كل الفلسطينيين يخططون لابادتنا وبالتالي لا يمكن اقتسام البلاد معهم. 

لكن ترامب ليس ساذجا وليس جديدا في القضية. سيسأل بيبي ماذا ينوي عمله حين يكون واضحا، قريبا، بان اقلية يهودية تحكم في البلاد اغلبية فلسطينية. هو يعرف انه لن يكون لمحادثه اجود من جواب الفلسطينيين سكان قطاع غزة في الضفة الغربية سيكون مفضلا عن يعيشوا تحت حكم اقلية يهودية ويتمتعوا بحقوق كثيرة، باستثناء حق التصويت للكنيست من أن يعيشوا بشكل منفصل في دولة ليس فيها ديمقراطية وليس فيها حقوق. يحتمل أن يكون ترامب سيقول لنتنياهو ان بن غوريون وجابوتنسكي أيضا لم يحلما بذلك حتى في اكبر كواليسهما. 

هو سيسأل بيبي اذا كان سيغير رأيه عندما لا يكون سموتريتش وبن غفير في الحكومة، وعندما سيحاول نتنياهو ان يجيب بجواب دبلوماسي يقضي بان ليس لهذين الاثنين التأثير الذي يعتقد العالم بانه لهما على حكومته، سيمتليء رئيس الوزراء اشواقا لبايدن. صحيح أن بايدن لم يستبعد حل الدولتين من أي خطاب له عن النزاع لكنه لم تكن له أي خطة ملموسة. اما ترامب، كما سيتبين مرة أخرى لرئيس الوزراء فهو رجل مع خطة، والهدف الغريب الذي حدده لنفسه لفترة ولايته الثانية هو انهاء الحروب. 

——————————————–

هآرتس 22/11/2024

المستشارة القانونية للحكومة تدرك أن مبادرتها ستدمر النيابة العامة

بقلم: يوسي فيرتر

من الرمزي أن قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي اصدار مذكرات الاعتقال ضد بنيامين نتنياهو ويوآف غالنت جاء بعد المناورة الرمزية في مسلسل “هكذا سندفن لجنة التحقيق الرسمية”. مبادرة نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، التي لا تحتاج الحديث عنها مطولا، باستثناء أن ما يتم اقتراحه فيها كالعادة هو على أساس اعتقاده بأننا جميعا اغبياء. هو سيشكل لجنة الأعضاء فيها سيتشاجرون فيما بينهم من الصباح وحتى المساء – ويستمرون في تعويق هذا الامر الى آخر الزمان. في هذه الاثناء لن يتم تشكيل “لجنة أخرى” حسب تعبير مشروع القرار المتحايل.

الآن عودة الى موضوعنا. في شهر حزيران أرسلت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، رسالة توسلت فيها لنتنياهو من اجل اصلاح الخلل وتشكيل لجنة تحقيق رسمية. إضافة الى جميع الأسباب الواضحة لتشكيلها فقد كانت هناك أيضا قدرة على التنافس على التهديد من جانب المحكمة في لاهاي، وربما حتى الغاءها، بالتأكيد اذا كان تفويض اللجنة موسع ويتجاوز احداث 7 أكتوبر وخلفيتها. نتنياهو رفض ذلك بالطبع. فلديه لن تشكل لجنة تحقيق رسمية، نقطة. غالنت كما نذكر طلب تشكيل لجنة على الفور (ربما بنظرة تتطلع الى لاهاي) وحصل على الشتائم.

أيضا الإجراءات الأخرى في الائتلاف، بدءا من الحركة الآخذة في التوسع لصالح الاستيطان في غزة (التي نتنياهو لم يقم بادانتها حتى ولو مرة واحدة، فقط قال “هذا غير منطقي” في الوقت الحالي)؛ وانتهاء باستئناف الانقلاب النظامي – هناك علاقة وثيقة بين هذه الامور وضعف رئيس الحكومة امام المؤسسات الدولية. اذا عملت لسنوات على اضعاف جهاز المناعة لجهاز القضاء فيجب أن لا تتفاجأ من أن الحصانة القضائية لك ستتضرر في لحظة الحقيقة. سلوك الساحة الدولية كان هاويا وصادما، والامثلة على ذلك توجد بالمئات. مثلا، عندما يشجع وزير الامن الوطني مليشيات على احراق شاحنات المساعدات الإنسانية فان هذا يؤثر على الرأس. هو الرأس وهو المذنب.

قرار الحكم هذا جلبه نتنياهو لنفسه بسبب التردد والغطرسة، وهو الآن يتذمر من اللاسامية ويشتكي من درايفوس. في بداية الطريق، عندما تمت المعرفة عن التحقيق الذي يجريه كريم خان، دخل في حالة هستيريا، بعد ذلك هدأ، وكالعادة بدأ في تقليص الحدث. بعد أن طالت العملية، وفي موازاة ذلك بدأت الاتهامات تظهر ضد كريم خان، عاد نتنياهو القديم، الذي غطرسته تولد طبقات من الغباء والعمى والنفاق. فقد انتقل من النقاشات القانونية الى النقاشات الدعائية. والخط الذي اختاره هو محكمة ضد السامية. والويل للمدعي العام اذا أضر بنا.

اذا تم الاضرار فقط بنتنياهو وغالنت، ايضا هذه النيابة يمكن أن تجلب موجة أوامر سرية ضد عدد كبير من الضباط والجنود بسبب دورهم في الحرب التي لا تنتهي في غزة. كل موضوع محكمة لاهاي تمت ادارته من البداية بتحايل. الاتهام باللاسامية، تسمية المحكمة “عدو الإنسانية” وتهديدات صريحة ضد المدعي العام. النتيجة هي أن رئيس حكومة إسرائيل وجد نفسه في قائمة صغيرة جدا لرؤساء يتولون مناصبهم والذين تسلموا مذكرة اعتقال كهذه. أحدهم هو فلادمير بوتين.

الرد البافلوفي في إسرائيل كان الصدمة والادعاء بالصلاح. وحتى بني غانتس ويئير لبيد سارعا (حتى قبل كل أعضاء الائتلاف الاخرين) الى التنديد والمهاجمة. صحيح أن مذكرات الاعتقال هي على شفا الفضيحة، لكنها لم تأت من فراغ. هكذا أيضا في موضوع عدم فهم الأغلبية الساحقة في الجمهور الإسرائيلي، بتشجيع من معظم وسائل الاعلام، لما يجري حقا في غزة، ولماذا حدث لإسرائيل ما حدث في الساحة الدولية. الآن نتنياهو واتباعه سيعولون على إدارة ترامب، لكن العالم، ما العمل، لا يتكون فقط من الولايات المتحدة. اسألوا وكيلة السفر ميري ريغف. 

بين مؤتمري درايفوس

نتنياهو كان غاضب جدا في خطابه في هذا الأسبوع في الكنيست. المشاعر سيطرت عليه عندما تطرق الى التحقيق في قضية الوثائق التي تمت سرقتها من الاستخبارات العسكرية “أمان”، وتم نقلها الى المتحدث بلسانه في موضوع الشؤون الأمنية والشتائم ضد رؤساء الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق، ونشرت في صحيفة “بيلد” الألمانية، التابعة الصفراء المفضلة لديه للمنشورات عديمة المسؤولية. 

“يدمرون حياة اشخاص شباب”، صرخ نتنياهو. للحظة كان يمكن الاعتقاد بأنه يقصد المخطوفين. “من الأفضل لي الموت على الحياة”، اقتبس اقوال نسبت لايلي فيلدشتاين، المتحدث الذي تم انكاره وتحول بين عشية وضحاها الى عزيز اليمين. مرة أخرى كان يمكن الاعتقاد بأنه يقتبس أحد المخطوفين أو المخطوفات من خلال تقرير استخباري شاهده. “الجميع يعرفون ما يحدث هنا”، قال وضرب بيده على الطاولة، عيونه تنظر الى كل الاتجاهات، وقال “الشعب غير غبي!”.

الشعب حقا غير غبي. ففي كل استطلاع نرى رأي الأغلبية عن نتنياهو وعن اعتباراته بشأن المخطوفين وعن طريقة ادارته للحرب وعن تهربه من المسؤولية. لو أن رئيس الحكومة اظهر غضب وتعاطف مشابه امام “الأشخاص الشباب” (وكبار السن) الذين يعانون في انفاق غزة، لربما كانوا الآن هنا. 

الأكثر من ذلك هو أن غضب نتنياهو كان حقيقيا، ليس بسبب تفطر قلبه، الذي لا يوجد لديه، على فيلدشتاين، الذي لا يعتبر شيء مهم بالنسبة له. مثل حبة الكرز على الكريما كانت مناورته المناوبة للتهرب من تقديم شهادته في المحاكمة. لقد طلب من رئيس الشباك رأي قانوني يمكنه من الطعن في قرار حكم القضاة والتهرب من الوضع المهدد له، هكذا كتب ميخائيل هاوزر طوف في “هآرتس”. رونين بار لم يوفر ما طلب منه (مئير بن شبات، بديله المرشح، بالتأكيد كان سيفعل ذلك). إضافة الى ذلك عادت الى الوعي خيبة أمل طاقم المفاوضات لاطلاق سراح المخطوفين، بمن فيهم رونين بار. وحسب المنشورات في هذا الأسبوع فان كل الطاقم طلب مرة أخرى من رئيس الوزراء توسيع التفويض المعطى له، لكنه رفض ذلك.

نتنياهو تطرق أيضا الى هذه القضية عندما اطلق سهامه نحو الكنيست من خلال خليط من اتهاماته بأنه في القريب سيتم احضار “عشرات المخطوفين. ماذا وكيف؟ هذا غير واضح. في طاقم المفاوضات لا يعرفون عن إمكانية حدوث ذلك. المرجح اكثر هو أن نتنياهو ببساطة قام برمي شيء في الهواء، الذي اذا لم يتحقق فانه سيقوم باتهام “رفض حماس”. وعلى الطريق هو يتلاعب بمشاعر عائلات المخطوفين، المحطمة من الخوف واليأس.

على أي حال، باستقامته ومهنيته تحول بار الى تهديد واضح وفوري بالنسبة للطاغية، يجب ازالته وبسرعة. هذا لا يعفي رئيس الشباك من المسؤولية الكبيرة عن الإخفاقات في 7 أكتوبر. المسؤولية التي خلافا للآخرين اعترف بها. يجب عليه الذهاب الى البيت ومثله أيضا رئيس الأركان هرتسي هليفي. ولكن التفكير بأن من سيطردهما هو المسؤول الرئيسي، أبو التصور وممول حماس الذي استخف بالتحذيرات وبالطيارين، يجب أن يخيف أي شخص عاقل، لا سيما على خلفية الأهداف التي بسببها يريد طردهما.

في الخلفية، كما قلنا، يوجد تحقيق الشباك مع فيلدشتاين وشركائه، بطل اليمين الجديد. واذا كان نتنياهو هو درايفوس الكبير، المضطهد من قبل لاهاي واليسار، فان فيلدشتاين  هو درايفوس الصغير. هم يقومون بتشبيهه بالمخطوف في اقبية الشباك، ويطالبون باطلاق سراحه “الآن”!. عندما يصرخون ويلوحون بالشعارات التي يقوم برفعها أبناء عائلات المخطوفين. في نهاية المطاف هم ليس لهم حدود، لا فائدة من الاثقال عليهم بالحقائق المكتوبة في لوائح الاتهام. لماذا نقوم بتخريب كذبة جيدة، بالعكس، اذا كانت موجودة فلنأخذها ونضيف عليها. مثل تالي غوتلب التي لا تتوقف، واتهمت الشباك بترك “حبل”، الذي هو غير موجود، في زنزانة فيلدشتاين، كاشارة كبيرة الى ما يجب عليه فعله. الانباء الكاذبة عن الحبل بقيت في افواه الابواق حتى بعد أيام على دحضها. 

بعد التنصل الأول من فيلدشتاين جاء بسرعة من يسوقون الحملات. الأول، كما نذكر، كان في الخط القديم لـ “تطبيق انتقائي للقانون”. أين هم مراسلو اليسار الذين ينهلون التسريبات من الدولة العميقة؟ لماذا هم والمسربون لهم لا يتعفنون في السجن؟ هذا ما صدقته القاعدة بالطبع، لكن الامر لم يتوقف هنا. فكل ما تحتاجه هذه الماكنة لانتاج المزيد من السم ليس اكثر من معلومة صغيرة، وهم يبنون عليها واقع بديل. بعد نشر مقاطع من تحقيقات التسريب التي ادعى فيها من سرق المعلومات كما يبدو أنه قام بنقلها الى فيلدشتاين، لأنه اعتقد أن نتنياهو يحتاج الى رؤية ذلك، ولدت حملة جديدة: “بيبي الذي لا يتم إبلاغه”. من شظايا الأكاذيب في القناة 14 وحتى اصغر المغردين في تويتر وتلغرام، انقضوا على الفور على هذه المادة الدعائية. الخط: الجيش الإسرائيلي والشباك، الخونة، يخفون بشكل ممنهج مواد عن نتنياهو من اجل المس به سياسيا والسعي الى صفقة استسلام في غزة.

هكذا تم أيضا احياء مشروع القانون الذي قدمه عميت هليفي، وهو من الاغبياء الذين يستخدمهم نتنياهو بشكل كبير في قائمة الليكود والذي وقع هو وآخرين على “قانون الهبات” الذي سيمكن رئيس الحكومة من تمويل محاكمته من جيوب اجنبية. مشروع القانون هذا الذي تم تمريره في هذا الأسبوع بالقراءة الأولى ينص على تشكيل جسم استخباري جديد، يخضع بشكل مباشر لرئيس الحكومة. الهدف هو تحسين الـ “العكس هو الصحيح”. الواقع هو أنه لا يوجد شيء خفي على نتنياهو، هو يطلع على كل المواد، لم يكن هناك أي شيء استخباري هام تم اخفاءه عنه، خاصة انذار استخباري.

بالعكس، إشارات التحذير التي اطلقتها الاستخبارات العسكرية له قبل 7 أكتوبر وفي ظل الانقلاب النظامي تراكمت فقط بدون أن يتطرق اليها. ايضا “العكس هو الصحيح” هو أمر يسري على الجيش. أي أنه يجب أن يكون موجود، على الأقل في اطار هيئة الامن القومي الخاضعة لرئيس الحكومة، التي حسب شهادته أو شهادة غادي ايزنكوت الموثوقة، لا يتم الشعور بها على الاطلاق. لافتة على الباب ليس اكثر من ذلك. هذه هي الحقيقة، لكن نتنياهو كعادته لا يعمل في اطار تشكيل الواقع، بل في اطار تشكيل رؤية الواقع.

——————————————–

معاريف 22/11/2024

لم تشكل لجنة تحقيق رغم اخفاقات 7 اكتوبر لان نتنياهو يتملص من مسؤوليته

بقلم: بن كسبيت

لا يحتاج نتنياهو لمناشدات المستشارة القانونية كي يفهم بانه لو كان أقام لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضي عليا، لكان احتمال اصدار أمر اعتقال ضده صغيرا جدا. هو يفهم هذا على نحو ممتاز بقواه الذاتية. سنوات جيل وهو يخطب ويقول ويطالب ويروج هنا على مسامعنا لأهمية قوة جهاز القضاء الإسرائيلي. هو يعرف “مبدأ الاستكمال”، الذي منع حتى اليوم هيئات قضائية دولية من أن ترفع لوائح اتهام ضد زعماء إسرائيليين. فقد اعطى العالم ثقة بالجهاز المستقل لدينا ولم يرَ من الصواب التدخل. اعتمد على ان تكون إسرائيل هي التي تفحص ذاتها. 

وبالفعل، ليس بعد اليوم. هذا انتهى. من أنهى هذا، هو المتهم نفسه بنيامين نتنياهو. والان، مع التهنئة، هو متهم دولي. في إسرائيل وفي الخارج أيضا. ولا يوجد ما يدعونا الى الشماتة. أمر الاعتقال الذي صدر ضده وضد يوآف غالنت هو نذر سيء لنا جميعا. هذا الامر لا يعرض للخطر فقط حرية وحرية حركة نتنياهو وغالنت فقط بل يبيح دماءنا جميعا. هو خطوة إضافية في تحول إسرائيل الى دولة منبوذة. نحن سنشتاق لامستردام. هذه هي المرة الاولى التي تصدر فيها المحكمة الدولية أوامر اعتقال ضد زعماء دولة ديمقراطية. 

ان انهيار إسرائيل من مكانة دولة قانون غربية متنورة الى مكانة دولة فاشلة ومشكوك ان تكون ديمقراطية بدأ بالانقلاب النظامي الاهوج من مدرسة لفين وروتمان. لا يوجد في العالم رجل قانون محترم لم يشرح هذا لنتنياهو ولنا جميعا. لكنهم واصلوا بقول القوة. بعد ذلك جاء 7 أكتوبر، ومع أن إسرائيل تلقت الكارثة والاخفاق الاكبرين في تاريخها الا انها امتنعت عن إقامة لجنة تحقيق مستقلة فقط لان رئيسها يحاول أن يتملص من مسؤوليته. وهكذا، مثلما جاء الانقلاب الى العالم كي يفر نتنياهو من ربقة حكم ملفاته الجنائية، هكذا لم تأتي لجنة التحقيق الى العالم كي يهرب نتنياهو من مسؤوليته عن 7 أكتوبر. نحن محبوسون داخل حملة تهرب نتنياهو الذي يجر معه دولة كاملة الى الهوة. أمس، بقرار اصدار امر اعتقال ضده، رفع له، لأول مرة، الحساب. 

ينبغي التوضيح: موضوعيا، امر الاعتقال هذا بلا أساس، هاذٍ ومصاب باللاسامية. الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي وحذر اكثر بكثير من كل جيوش العالم، في كل وضع وفي كل حالة جو. نسبة غير المشاركين الذين أصيبوا في القتال في غزة ادنى بكثير من نسبتهم في كل مواقع القتال للتحالفات الغربية المختلفة بقيادة الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين. ولم نتحدث بعد عن الروس في الشيشان، في أوكرانيا، في أفغانستان وأين لا. 

الحقيقة هي ان أوامر الاعتقال لا تعنى تقريبا بالقتال نفسه للجيش الإسرائيلي، بل بالموضوع الإنساني. هنا، يمكن أن نفهم بأثر رجعي استجداءات إدارة بايدن على مدى سنة الحرب، في مسعى لاقناع إسرائيل بان المساعدات لا تستهدف فقط الفلسطينيين، بل تستهدفها هي نفسها أيضا. عباقرة الجيل في طرفنا تنافسوا الواحد مع الاخر في الإعلانات المتبجحة عن التجويع والترحيل والابادة والعمالقة وماذا لا. والأكثر اغاظة هو أن في الميدان نحن بالفعل ندفع الى غزة بمساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار في الشهر. ورغم ذلك تقرر اصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع. بكلمات أخرى، أكلنا السمك الفاسد وطردنا من المدينة (واعتقلنا) على حد سواء. السلوك الإسرائيلي في هذا الموضوع حطم كل الإرقام القياسية في الغباء. نحن ندخل مساعدات بيد، ونصرخ وكأننا لا ندخل المساعدات باليد الأخرى. على الطريق، تجرف حماس 25 في المئة من قيمة المساعدات الإنسانية الى صندوقها.

لقد كان لترامب ونتنياهو توافقا هادئا غير مكتوب تحقق في اثناء الاتصالات المتواصلة التي ادارها مقربوهما في الأسابيع وربما الأشهر التي سبقت الانتخابات في الولايات المتحدة: إسرائيل لن تسمح بإنجاز هام (كوقف نار في لبنان) لادارة بايدن قبل الانتخابات وستبذل جهدا عظيما لاغلاق الجبهات الفاعلة او واحدة منها على الأقل بعد الانتخابات، قبل أن يدخل ترامب الى البيت الأبيض. البضاعة التي وعد رجال ترامب بتوفيرها هي “معالجة” ترامبية للمحكمة الدولية في لاهاي تردعها عن اصدار أوامر اعتقال دولية ضد بنيامين نتنياهو. 

وبالفعل، هذه البضاعة لم يعد ممكنا ان تتوفر. هنا أيضا، دفعنا الثمن ولم نتلقى المقابل. أوامر اعتقال أصدرت امس. هذا نذر سيء لنا جميعا. لكل من يحمل جنسية إسرائيلية او وطنية إسرائيلية، لكن هذا نذر أسوأ بكثير لنتنياهو ولـ (غالنت). لا يمكن الاستخفاف باوامر اعتقال من هذا النوع. فمحكمة الجنايات الدولية تشكلت على أساس دستور تحقق في مؤتمر عقد في 1998 في روما. 120 دولة صوتت الى جانب الدستور، وتشكيل المحكمة، فيما صوتت 7 دول ضده هي اليمن، قطر، الصين، العراق، ليبيا، الولايات المتحدة وإسرائيل. شرف مهزوز جدا. 

فكروا بنتنياهو في اليوم التالي لرئاسة الوزراء. لنفترض أن تبرأ ساحته، او يسير باتجاه صفقة قضائية بدون حبس فعلي. الحياة التي خطط لها لنفسه كان يفترض أن تتضمن محاضرتين – ثلاث محاضرات في الشهر، بين نصف مليون ومليون دولار لكل واحدة منها. عضوية في نحو عشر مجالس إدارة فاخرة، كل واحدة منها تدخل مئات الاف الدولارات. وبالفعل، كل هذا لم يعد ذا صلة. سيتعين عليه أن ينحشر بين واشنطن وموسكو. فلا اجازات في لندن، باريس وروما بعد اليوم. وروما، لمن لا يعرف، هي المقصد المفضل لدى “السيدة”. لاجل الوصول الى هناك، يتعين عليهما أن يتخفيا. في روما، كن رومانيا. 

وماذا في هذه الاثناء؟ كيف سيؤدي مهامه كرئيس وزراء مع امر اعتقال دولي؟ هل “جناح صهيون” سيسمح لها لان تطير فوق أوروبا، في طريقها للولايات المتحدة؟ في هذه اللحظة لا مجال لان نعرف. الحياة ستصبح اكثر تعقيدا وخطرا. نصف مليون دولار للمحاضرة؟ نعم، لكن في بغداد، الدوحة، صنعاء او طرابلس. بعد أن يستنفد أمريكا وروسيا، باقي العالم سيغلق في وجه نتنياهو. واذا ما أعلنت دول معينة عن نيتها بانها لم تحترم امر الاعتقال رغم أنها موقعة على الميثاق؟ فلنراكم تطيرون الى مثل هذه الدولة وتعولون على هذا التصريح، حين يكون الحديث عن امر اعتقال ضدكم. 

واذا كنا ما تحدثنا عن صفقة قضائية، مصادر عنيدة تدعي في الأيام الأخيرة بان الاتصالات الهادئة والمنفية مسبقا لمثل هذه الصفقة بين النيابة العامة وبين من يسمون “مقربي نتنياهو” استؤنفت. والهدف: المنع بكل ثمن شهادة نتنياهو في الشهر القادم. من رأى فيلم “ملفات نتنياهو” الذي بث في كندا ورفع امس الى شبكة التلغرام سيفهم لماذا يبذل نتنياهو طاقة هائلة في الجهد لمنع او تأجيل الادلاء بشهادته. اطار الصفقة القضائية، اذا ما تحققت، نشبه جدا الجولة السابقة: شطب مادة الرشوة، اعتراف في مواد الغش وخرق الثقة، عقاب بالسجن مع وقف التنفيذ، غرامة كبيرة وعار، أي اعتزال الحياة السياسية. 

ما تدعيه مصادري هو ان المقربين من نتنياهو يقترحون الأخذ بكل هذا، مع تعديل واحد: اعتزال الحياة السياسية يكون في نهاية الولاية. أي بعد سنتين. فهو يريد أن ينهي المهمة، ان ينتصر في الحرب وان يحقق الاتفاق مع السعودية. المشكلة هي انه لا يوجد في القانون القائم في إسرائيل ابتكار كهذا يسمى “عار معلق” او “تأجيل العار”. يوجد عار. في هذه الاثناء هو عارنا جميعا. طالما كان يتولى هنا المنصب شخص تضارب المصالح لديه يصرخ الى السماء، شخص متفانٍ كله بكليله حملة جهاد وحشية ضد الدولة ومؤسساتها، فان هذا عارض سيصعب علينا شطبه من تاريخنا. في موضوع الصفقة القضائية: الاتصالات تجري، حسب المصادر، بطرق التفافية والتوائية تسمح بنفيها. الى أن يتفق على كل شيء لن يكون شيء. احتمال أن يتفق؟ طفيف.

كم هو بسيط كان يمكن أن يكون هذا لو لم يكن الانقلاب النظامي جاء الى العالم والثقة الدولية بالمؤسسات الإسرائيلية بقيت عالية. كم بسيط كان يمكن لهذا أن يكون لو ان نتنياهو فعل ما يلزم، الامر المسلم به المنطقي والضروري فاقام لجنة تحقيق رسمية لفحص احداث 7 أكتوبر. لكنه لم يكبح الانقلاب بل العكس. ولم يقم لجنة تحقيق بل العكس. هذه خطاياه. وامس جاء لأول مرة عقابه. هذا ليس بعد متأخرا. فاقامة لجنة تحقيق رسمية ستساعد إسرائيل، على حد قول مصادر قضائية رفيعة المستوى على كبح استمرار الإجراءات والسقوط المرتقب في اعقاب اصدار أوامر الاعتقال هذا الأسبوع. 

لا، هذا لا يعني أن نتنياهو سيرضى وسيقيم اللجنة الرسمية. فهو، امر اعتقاله، قد صدر، اما الدولة فلا تهمه حقا.

——————————————–

هآرتس 22/11/2024

هل يعول “درايفوس” على ترامب لتخليصه من “لاهاي”؟

بقلم: أسرة التحرير

مذكرتا الاعتقال اللتان أصدرتهما محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالنت تضع إسرائيل في درك أسفل أخلاقي غير مسبوق، كدولة يتهم زعماؤها بجرائم خطيرة ضد الإنسانية وبجرائم حرب ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.

يلقي المدعي العام في المحكمة الدولية كريم خان على نتنياهو وغالنت مسؤولية التجويع ومنع المساعدات الإنسانية، والكهرباء، والوقود، والغذاء، والماء وبخاصة الأدوية ومواد التخدير، عن ملايين الفلسطينيين المحتجزين في القطاع كلاجئين، بعد أن طردوا من بيوتهم المدمرة. وقد ألقيت على الاثنين المسؤولية عن هجوم مقصود على المدنيين، وقتل أطفال ماتوا جوعاً وعطشاً وأفعالاً غير إنسانية أخرى.

لقد فشلت إسرائيل في كفاحها الدبلوماسي والقضائي لمنع مذكرتي الاعتقال، منذ أن طلب المدعي العام استصدارهما ولم يرو حتى من الادعاءات بحقه بالتحرش الجنسي. فجهاز القضاء الإسرائيلي، العسكري والمدني، لم يفعل شيئاً لاستيضاح الشبهات الجسيمة، وامتنعت لحكومة عن إقامة لجنة تحقيق رسمية تستوضح ادعاءات المدعي العام. لا يوجد احتمال سياسي في إسرائيل لمثل هذا الاستيضاح، وحتى لو تم، لكان في أقصى الأحوال دفاعاً إجرائياً. فإسرائيل تواصل العمل في غزة بالأساليب إياها التي تصفها مذكرتا الاعتقال وهي تعمق سيطرتها على الأرض وتطهير عرقي للسكان الفلسطينيين.

عقب نتنياهو كما كان متوقعاً باتهام المحكمة باللاسامية وعرض ذاته كـ “درايفوس” مثلما فعل في محاكمته الجنائية في إسرائيل. كبار رجالات المعارضة ساروا على الخط مع الحكومة، على طريقتهم، ومثلهم الإدارة الأمريكية الراحلة والوافدة. يأمل نتنياهو بأن ينقذه الرئيس المنتخب ترامب من الضائقة بمعونة عقوبات على المحكمة، وقضاتها ومدعيها العام. أما الآن فسيضطر، مثل غالنت، لمنع قدميه من أن تطأ الدول التي ستحترم مذكرتي الاعتقال، مثل فرنسا وهولندا.

لكن مشكلة إسرائيل وكل إسرائيلية وإسرائيلي ليست حرية تجول رئيس الوزراء وخصمه المنحى، بل أفعال رهيبة تمارسها حكومتها وجيشها، التي تصفها مؤسسة قضائية دولية. معظم الجمهور الإسرائيلي غير مبالٍ ومغلق الحس تجاه كل هذه الأفعال، وفي أقصى الأحوال يتهم بها حماس التي أحدثت مذبحة 7 أكتوبر في غلاف غزة. إن حقيقة ارتكاب حماس نفسها جرائم حرب فظيعة بحق الإسرائيليين وامتناعها عن الاستسلام وتحرير المخطوفين، كل ذلك لا يبرر القتل الجماعي والطرد والتدمير الذي أوقعته إسرائيل على قطاع غزة، كان يمكن الأمل في أن يثير بيان “لاهاي” أسئلة ثاقبة في إسرائيل عن أخلاق القتال المتواصل في غزة. لسوء الحظ، فإن الحكومة والرأي العام، بتأييد أغلبية وسائل الإعلام، ترفض الاستماع وتأمل بأن يسمح ترامب بمواصلته، إن لم يكن بتشديد الأفعال التي تصفها المحكمة الدولية جرائم ضد الإنسانية.

——————————————–

“مجرم الحرب” نتنياهو في شباك لاهاي

باريس- “القدس العربي”: تصدرت صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالأبيض والأسود: “بنيامين نتنياهو.. مجرم حرب”، الصفحة الأولى لصحيفة “ليمانيتي” الفرنسية، اليوم الجمعة، بعد مذكرتي التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق “بيبي” ووزير دفاعه السابق، أمس الخميس.

وقالت الصحيفة إنه مع أوامر اعتقال المحكمة الجنائية الدولية، يجد بنيامين نتنياهو نفسه في شباك لاهاي. واعتبرت أن يوم الخميس 21 نوفمبر 2024 سيدخل بالتأكيد في التاريخ.

ونقلت “ليمانيتي” عن هالة أبو حصيرة، السفيرة الفلسطينية في فرنسا، قولها إن “المحكمة الجنائية الدولية قد أعطت حياة جديدة للقانون الدولي”. لكن الدبلوماسية الفلسطينية عبرت عن أسفها لكون هذا القرار يأتي بعد مقتل 50 ألف شخص في قطاع غزة خلال ثلاثة عشر شهرا.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن مذكرات التوقيف هذه تعني، من حيث المبدأ، أن نتنياهو وغالانت لن يتمكنا من السفر إلى أي دولة في العالم تعترف باختصاص المحكمة الدولية وعددها 120.

سيتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من الذهاب في شهر يناير/كانون الثاني لحضور حفل تنصيب صديقه دونالد ترامب، الرئيس الجديد للولايات المتحدة، وهي دولة، مثل إسرائيل ولكن أيضًا روسيا والهند، ليست من الدول الموقعة على نظام روما الذي يحدد الجرائم الدولية. والنتيجة الأخرى هي أن جميع الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب في غزة يمكن أن يجدوا أنفسهم عرضة لمذكرات اعتقال، تقول “ليمانيتي”. وهذا ينطبق أيضًا على مزدوجي الجنسية. فبحسب استطلاع أجرته إذاعة “أوروبا1” الفرنسية في إسرائيل، فإن هناك 4185 فرنسيا يرتدون زي الجيش الإسرائيلي. كما أن أحدهم موضع شكوى قدمتها ثلاث جمعيات أمام المحاكم الفرنسية بتهمة “أعمال تعذيب”، بعد بث مقطع فيديو يصور فيه معتقلين فلسطينيين وهو يهينهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن هولندا كانت أول دولة أوروبية تتفاعل عبر وزير خارجيتها كاسبار فيلدكامب، الذي أوضح أن بلاده، حيث يقع مقر المحكمة الجنائية الدولية، مستعدة لتنفيذ الإجراءات المتخذة. كما أعلن رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، أنه يتعين على جميع دول الاتحاد الأوروبي احترام التفويض الصادر عن القضاة. ومع ذلك، في المستشاريات الأوروبية، لم يندفع أحد للرد.

أما الولايات المتحدة فترفض بشكل أساسي قرار المحكمة بإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار. واستخدمت سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة، في اليوم السابق لقرار الجنائية الدولية، حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار “فوري وغير مشروط ودائم” في قطاع غزة، والذي دعا مع ذلك إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

وفي الوقت نفسه، فإن القرار القضائي البحت – إصدار مذكرات الاعتقال – يصطدم بالتالي بموقف سياسي: الفيتو الأمريكي. لأن الضغط على قضاة المحكمة الجنائية الدولية لم يكن بهذه القوة من قبل، من الولايات المتحدة وكذلك من إسرائيل، تقول “ليمانيتي”.

ويسعى هذان البلدان، اللذان لم يصدقا على نظام روما الأساسي، إلى منع الأداء الطبيعي لهذه المؤسسة. وعندما صدقت دولة فلسطين على النظام الأساسي في عام 2015، قامت على الفور بإحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتم الانتظار حتى عام 2021 ليفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في إطار ما تسميه “الوضع في فلسطين”، اعتبارا من 13 يونيو/حزيران 2014، أي الحرب حينها على غزة، تحت اسم عملية الجرف الصامد.

وأوضحت الصحيفة أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، البريطاني كريم خان، عانى من محاولات متعددة للتشويه في الأشهر الأخيرة. لكن صدور أمر الاعتقال بالإجماع من قبل القضاة يظهر أن القانون يمكن أن يسود. و ما يزال يتعين تنفيذ أوامر الاعتقال، سواء كان ذلك يتعلق بقرارات المحكمة الجنائية الدولية أو توصيات محكمة العدل الدولية التي تشير إلى “خطر الإبادة الجماعية”.

بالنسبة للسفيرة الفلسطينية في فرنسا، هالة أبو حصيرة، فإن هذا القرار يجلب الأمل. فهو الأول من نوعه منذ عام 1948. ومع ذلك، من الواضح أن نتنياهو، بمساعدة الإدارة الأمريكية الحالية والتي ستزداد دعما بحلول العام المقبل، لن يبقى مكتوف الأيدي. فقد هدد الجمهوريون، الذين يتمتعون بالأغلبية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، بالفعل بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها. ويمكن لترامب أن يضغط على الدول الراغبة في احترام تفويض الأخيرة. ستبدأ المواجهة الآن في فرض القانون الدولي، بدءاً من اعتقال نتنياهو وحتى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك وقف إطلاق النار في غزة، تقول “ليمانيتي”.

——————انتهت النشرة——————