المسار الإخباري :للمرة الرابعة منذ 7/10/2023 تبطل الولايات المتحدة في مجلس الأمن مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على قطاع غزة، باستخدامها حق النقض «الفيتو»، وهو ما أدانته الرئاسة الفلسطينية، معتبرة أنه يشجع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وبدورها فصائل المقاومة الفلسطينية اعتبرته شراكة في حرب الإبادة ضد القطاع المنكوب.
قبل تصويت مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 20/11/2024 على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب المطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى، خضع للتعديل مراراً بناء على الطلب الأميركي، تجنباً لتعطيل القرار باستخدام واشنطن حق النقض «الفيتو»، البعض توقع «فيتو» أميركي، لكن كثيراً من الفلسطينيين توقع أن تمتنع واشنطن عن التصويت على قرار في مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة ولا سيما أن مشروع القرار لم يكن تحت البند السابع ولا يتضمن عقوبات أو إدانة لإسرائيل.
وقد أعرب أعضاء المجلس العشرة المنتخبون الذين تبنوا مشروع القرار عن خيبة أملهم العميقة لعدم اعتماد النص، ولم يخب أمل الشعب الفلسطيني جراء «الفيتو» الأميركي، لأنه لم يعد يعلق أي رجاء على الإدارات الأميركية في اتخاذ موقف أو قرار لمصلحته وضد إسرائيل.
لم يكن أملاً بل توقعاً في إطار الاعتقاد أن إدارة بايدن قد تكون حريصة على تحسين صورة الولايات المتحدة المشوهة أمام العالم، وأمام مواطنين أميركيين رافضين لانخراط بلدهم بشدة في حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في فلسطين ولبنان، فربما تقوم إدارة بايدن باتخاذ موقف قبل الرحيل مشابه لما قامت به في 25/3/2024 عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار تبناه مجلس الأمن الدولي. بعد أن أفرغ مشروع القرار تماماً من مضمونه وأصبح قراراً بوقف إطلاق النار على الورق لا يقدم ولا يؤخر.
لم نتفاجأ أبداً بنائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده معترضاً على مشروع القرار وحيداً أمام موافقة مندوبي الدول الأربعة عشر في مجلس الأمن، خرجت الولايات المتحدة عن الإجماع الدولي متذرعة أنه لا يربط بشكل «كافٍ» وقف إطلاق النار بالإفراج الفوري عن الرهائن في القطاع.
وقد ذكر نائب السفيرة الأمريكية للأمم المتحدة روبرت وود أن سبعة مواطنين أمريكيين ما زالوا محتجزين في غزة، قال عنهم وود: «لن ننساهم». وقال نائب السفير الأمريكي للأمم المتحدة روبرت وود: «لقد أوضحنا طوال المفاوضات أننا لا نستطيع دعم وقف إطلاق النار غير المشروط الذي فشل في إطلاق سراح الرهائن.. فإن نهاية دائمة للحرب يجب أن تأتي مع إطلاق سراح الرهائن. وهذان الهدفان الملحان مرتبطان ارتباطًا وثيقاً. لقد تخلى هذا القرار عن تلك الضرورة، ولهذا السبب لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تدعمه».
تناولت صحف قصص الأمريكيين-الإسرائيليين هؤلاء الذين سارعوا للانضمام إلى القتال في غزة، من بينهم عميحاي أوستر، قُتل بعد ثلاثة أشهر، وهو واحد من 23 مواطناً أمريكياً-اسرائيلياً على الأقل قُتلوا، في أثناء خدمتهم في الجيش أو الشرطة الإسرائيلية. رونين نيوترا، مواطن أمريكي إسرائيلي مزدوج الجنسية من نيويورك، ابنه البالغ من العمر 22 عاماً، جندي إسرائيلي في الخدمة العسكرية، اسرته حماس يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر خلال معركة طوفان الأقصى. يريد نيوترا أن يسترجع ابنه، وقد يطمئن حين يسمع أن المسؤولين الأميركيين يفهمون ويعترفون بأن هناك سبعة أمريكيين ما زالوا في الأسر، وأن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بإعادتهم.
وأشار تقرير إلى أن نفتالي يونا غوردون، (32 عاما) أميركي صهيوني، يعمل أخصائياً في العلاج الطبيعي، عاد إلى وحدته المدرعة السابقة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وأصيبت دبابته بصاروخ في 7 كانون الأول/ ديسمبر، قالت زوجته، بيسي غوردون: «كوننا أمريكيين، هو جزء من هويتنا. لكنه كان مرتبطا جداً جداً بإسرائيل. لقد بذل حياته من أجل ذلك». في هذا السياق يشار إلى أن الآلاف جاؤوا من الولايات المتحدة، وأقاموا في المستوطنات وخدموا في الجيش الإسرائيلي ويحملون الجنسيتين، وهم في نظرنا مرتزقة احترفوا القتل والتدمير.
وذكر تقرير أن والد بنيامين أيرلي «يحتفظ بجنسية مزدوجة، لكنه نادراً ما كان يرغب في السفر إلى الولايات المتحدة، أو إلى أي مكان آخر، كان أيرلي في إجازة من وحدته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يمضى عطلة عيد العرش اليهودية. وبحلول المساء، كان قد انضم مرة أخرى إلى وحدته».
ووفق التقرير فإن وحدة أيرلي كانت من بين أولى وحدات جيش الاحتلال التي اجتاحت غزة بعد بدء الهجوم البري في 27 تشرين الأول/ أكتوبر. وبعد ثلاثة أسابيع، كان واحداً من ثلاثة جنود إسرائيليين قُتلوا برصاص المقاومين. هؤلاء مزدوجو الجنسية مرة هم إسرائيليون يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويساهمون في قتل الفلسطينيين، ومرة هم أميركيون أبرياء.
لا يسلم الأمريكيون-الفلسطينيون أو ممن يحملون البطاقة الخضراء الأمريكية، من انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن عنف المستوطنين. فالولايات المتحدة لا تهتم بحمايتهم، وتغض النظر عن اعتقالهم، أو قتلهم وهم مدنيون لم ينخرطوا في فصائل مقاومة، وأشهرهم الإعلامية شيرين أبو عاقلة. ولم تأبه واشنطن لمواطنين أمريكيين متضامنين مع فلسطين قتلتهم إسرائيل، راشيل كوري أمريكية قتلتها إسرائيل في 16 آذار/ مارس 2003، بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وفي 6/9/2024 قتلت قوات الاحتلال بالاستهداف المباشر المتضامنة الأميركية التركية عائشة نور أزغي أيغي.
أوضح روبرت وود نائب السفيرة الأميركية ليندا غرينفيلد بعد التصويت «لقد كنا واضحين للغاية خلال جميع المفاوضات أننا لا نستطيع دعم وقف غير مشروط لإطلاق النار لا يتيح الإفراج عن الرهائن»، معتبراً أن المجلس كان سيوجه من خلال هذا القرار إلى حماس «رسالة خطيرة مفادها أنه لا داعي للعودة إلى طاولة المفاوضات».
لكن ما الرسالة التي يوجهها «الفيتو» الأميركي إلى إسرائيل؟.
قال السفير عمار بن جامع الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة: «رسالة اليوم واضحة: إلى قوة الاحتلال الإسرائيلية، أولاً، يمكنكم الاستمرار في الإبادة الجماعية. يمكنكم الاستمرار في عقابكم الجماعي للشعب الفلسطيني مع إفلات تام من العقاب في هذه القاعة، فأنتم تتمتعون بالحصانة. وإلى الشعب الفلسطيني، رسالة واضحة أخرى، بينما تقف الغالبية العظمى من العالم متضامنة مع محنتكم، من المؤسف أن الآخرين لا يزالون غير مبالين بمعاناتكم».
واعتبر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، «أن الموقف الأمريكي المعزول دولياً والمدان سياسياً وأخلاقياً، هو بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في الحملة الدموية على المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك استمرار سلاح التجويع والتهجير القسري داخل القطاع بهدف إفراغ الشمال من سكانه»، واعتبر استخدام الولايات المتحدة للفيتو للمرة الرابعة في مواجهة قرار لوقف العدوان على غزة، «يعزز من إخلال مجلس الأمن بمسؤولياته حيال صيانة الأمن والسلم الدوليين، ويضعف المنظومة الأممية ويقوض الثقة فيها». وأكد أبو الغيط أن الولايات المتحدة عبر استخدامها حق النقض، تعمل على «ترسيخ العجز الأممي في مواجهة أخطر صراع في المنطقة، وتشجيعها الاحتلال على مواصلة حربه تحقيقاً لخطط اليمين الإسرائيلي المتطرف ومخططاته التي تشمل الضم وإعادة الاستيطان».
يسهم «الفيتو» الأميركي في خرق القانون الدولي الإنساني، ويسمح لإسرائيل بالاستمرار في التغول بدماء المدنيين الفلسطينيين ، وتجويعهم، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية لا سيما إلى شمال قطاع غزة، وبدعم أميركي غربي ترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة، خلفت نحو 148 ألفاً بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
قالت هيئة شؤون الأسرى إن يوم الخميس 14 تشرين الثاني/ نوفمبر تم إدخال عشرين قاصراً إلى معتقل مجدو، وإن إدارة السجون تعذب الأسرى، وتقسو بشدة على أسرى غزة، وأفادت أن سلطات الاحتلال قد اعتقلت 770 طفلاً من الضفة الغربية منذ 7/10/2023، ولا معطى واضح عن أعداد الأطفال من غزة الذين اعتقلوا وبقوا في ظل الإخفاء القسري. وقال السفير عمار بن جامع إن غزة «التي كانت تُعرف ذات يوم بأنها مدينة الأطفال، أصبحت بشكل مأساوي مدينة للأيتام».
على الضمير الإنساني الحي أن ينظر إلى الدعم الأمريكي لما ترتكبه إسرائيل وهي تحتجز الشعب الفلسطيني كله رهينة، وقطاع غزة منذ 2006 يعتبر أكبر سجن في العالم فاق معسكرات الاعتقال النازية، وأطول حصار في التاريخ، وأسوأ كارثة إنسانية شهدها العالم، قطاع غزة بأكمله يتعرض للإبادة، فلا تتباكوا على سبعة أسرى لدى المقاومة يتلونون مرة بجنسية إسرائيلية ومرة بجنسية أميركية.