إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معهد بحوث الأمن القومي (INSS)  28/11/2024 

مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قرار خطير وجاد، فماذا بعد؟

بقلم: بنينا شربيت باروخ وتامي كينر

في الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد ستة أشهر تقريبا من تقديم المدعي العام كريم خان طلبا بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، قررت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قبول الطلب وإصدار مذكرات اعتقال ضدهما. وفي الوقت نفسه، أصدرت المحكمة أيضا مذكرة اعتقال ضد محمد ضيف، في غياب تأكيد رسمي بقتله. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا قرار وخطير ويشكل سابقة . إن إصدار الأوامر يضع وصمة عار ثقيلة على إسرائيل ويصاحبه عواقب إضافية، تتجاوز بكثير العواقب الشخصية لنتنياهو وغالانت. وتواجه إسرائيل عدة خيارات للتعامل مع الأوامر، ومن أجل المضي قدما بها، يتعين عليها أن تتحرك الآن.

اتهامات خطيرة

اتخذ قرار إصدار الأوامر بالإجماع من قبل ثلاثة قضاة من المحكمة. وتظل الأدلة والشهادات التي يستند إليها القرار سرية، ولا يعرض إلا استنتاجات القضاة بشأن الجرائم المزعومة التي ارتكبها رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، في الفترة ما بين 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و20 مايو/أيار من هذا العام (تاريخ طلب مذكرة الاعتقال)، عندما أعربت المحكمة عن قلقها من استمرار ارتكاب هذه الأفعال.

ويشير القرار إلى كل من الجانب الإنساني والجانب العملياتي للحرب في قطاع غزة وطريقة جيش الدفاع الإسرائيلي في القتال، وينص على وجود أساس معقول للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن الأفعال التالية:

جريمة حرب استخدام التجويع كأسلوب حرب؛

جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأفعال اللاإنسانية؛

جريمة حرب تتمثل في الهجوم المتعمد على السكان المدنيين.

وفي القرار، ينسب القضاة إلى نتنياهو وغالانت أفعالاً خطيرة تتوافق مع الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل في إجراءات الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية. وتشمل هذه الأفعال الحرمان المتعمد من الغذاء والماء والأدوية والمعدات الطبية والعلاج الطبي عن سكان غزة، وكل ذلك بقصد التسبب في المجاعة والمعاناة والموت. بالإضافة إلى ذلك، يُزعم أن الانتهاك الخطير لحقوق السكان في غزة في الحياة والصحة تم على أساس سياسي أو وطني، وبالتالي يندرج أيضًا ضمن نطاق جريمة الاضطهاد. كما ينص القرار على أن الاثنين مسؤولين كصانعي قرار عن عدم منع الهجمات المتعمدة على المدنيين، على الأقل في حالتين تم تقديمهما أمام المحكمة.

في إطار التحقيق، قد يتم طلب أوامر اعتقال أيضًا ضد أطراف أخرى، بما في ذلك كبار المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن. علاوة على ذلك، من الممكن أن تكون مثل هذه الأوامر قد تم طلبها بالفعل في عملية لم يتم الكشف عنها علنًا، حيث يمكن إصدار أوامر اعتقال سراً. يستمر التحقيق في المحكمة ويتعلق أيضًا بأراضي يهودا والسامرة والقدس الشرقية، وقد يؤدي إلى أوامر إضافية أيضًا للأحداث التي تجري هناك.

دلالات الأوامر والمخاطر الأخرى

من الصعب التقليل من خطورة القرار. أوامر المحكمة الجنائية الدولية لها “أسنان”، وهذا يعني أن كل دولة من الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 125 دولة، بما في ذلك جميع الدول الأوروبية تقريبًا؛ ومعظم دول أمريكا الوسطى والجنوبية؛ وكذلك كندا وأستراليا واليابان وغيرها، ستكون ملزمة باعتقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابقين، إذا وصلوا إلى أراضيها.

من المهم أن نلاحظ أن هذا قرار من المحكمة التمهيدية كجزء من عملية التحقيق، وأن القرار النهائي لم يتخذ بعد لتقديم اتهامات وملاحقة رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق. وإذا تقرر فتح إجراءات ضدهما، فإن المحاكمة نفسها لا يمكن أن تتم إلا بحضور المتهمين. لذلك، طالما لم يتم اعتقال نتنياهو وغالانت وتقديمهما للمحاكمة أو تسليم نفسيهما، فلن يكون من الممكن إجراء محاكمتهما.

ومع ذلك، فإن هذا قرار سابقة يلحق ضررًا بالغًا بصورة دولة إسرائيل. وهذه هي المرة الأولى منذ تأسيسها في عام 2002 التي تصدر فيها المحكمة مذكرات اعتقال ضد رؤساء دولة ديمقراطية. وكانت جميع مذكرات الاعتقال الـ 59 التي أصدرتها المحكمة في الماضي قد صدرت ضد مسؤولين من دول مثل ليبيا والكونغو والسودان ومالي وجورجيا وروسيا، أو عملاء في منظمات إرهابية.

ويلقي القرار بظلال ثقيلة على عضوية إسرائيل في نادي الديمقراطيات الغربية الملتزمة بالقانون ويعزز حملة نزع الشرعية عن إسرائيل التي تشن في جميع أنحاء العالم.

وبناء على ذلك، فإن مذكرات الاعتقال لها عواقب إضافية، تتجاوز بكثير العواقب الشخصية على حرية نتنياهو وغالانت في الحركة والخطر المتمثل في محاكمتهما. وقد تؤدي إلى اتخاذ تدابير أخرى كبيرة ضد إسرائيل، والتي من شأنها أن تلحق المزيد من الضرر بمكانتها الدولية الهشة.

وقد تشمل هذه الخطوات:

أوامر مؤقتة إضافية في إجراءات الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية وحتى التأثير على تحديد المحكمة لجسم الدعاوى الخطيرة ضد إسرائيل.

الإجراءات القانونية ضد الضباط والجنود والموظفين العموميين الإسرائيليين في مختلف البلدان، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

فرض قيود إضافية على نقل الأسلحة إلى إسرائيل وحتى إنهاء التعاون الأمني ​​من قبل مختلف البلدان، وخاصة في المجالات التي قد تكون ذات صلة بالاتهامات. وحتى الحكومات التي لا تريد اتخاذ مثل هذه التدابير قد تضطر إلى القيام بذلك نتيجة للضغوط العامة أو اتباع الأوامر القضائية من المحاكم المحلية في إجراءات نيابة عن المجتمع المدني

.ابتعاد مختلف البلدان عن دولة إسرائيل، إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، فضلاً عن المقاطعة المتزايدة لإسرائيل والإسرائيليين من قبل أطراف رسمية وغير رسمية، بما في ذلك الشركات والمؤسسات التجارية والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والمنظمات المهنية.

كيف وصلنا إلى هنا؟

التحيز ضد إسرائيل في النظام الدولي

إن المحكمة الجنائية الدولية محكمة منحازة ومعادية لإسرائيل، وقرارها بإصدار أوامر الاعتقال يعبر عن تصور ترسخت جذوره في العالم، وخاصة بين الأكاديميين ورجال القانون الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان، بأن إسرائيل دولة تخالف القانون، وتنتهك بشكل صارخ القواعد الأساسية للقانون الدولي. نعم، إنه يعكس مفهوم أن الحروب يمكن وقفها بالوسائل القانونية، وبالتالي، فإن الرأي القائل بأن أوامر الاعتقال ضد رؤساء الدول ستقود إسرائيل إلى وقف الحرب. هذا، مع تجاهل تعقيد الحملة.

لقد أظهرت المحكمة بالفعل تحيزها ضد إسرائيل في الماضي. في السابق، أصر قضاة المحكمة وطالبوا عدة مرات من المدعي العام للمحكمة في ذلك الوقت (الذي لم يكن مؤيدًا لإسرائيل بنفسه) بفتح تحقيق ضد إسرائيل بشأن مقتل عشرة نشطاء أتراك في أحداث الأسطول من عام 2010، على الرغم من اعتقاد المدعي العام أن القضية لم ترق إلى المستوى المطلوب من الجدية. وفي النهاية، قبلت محكمة الاستئناف موقف المدعي. علاوة على ذلك، فإن تحديد المحكمة في عام 2021، في قرار غير معلل، أن فلسطين دولة يمكنها منح المحكمة الاختصاص القضائي على الجرائم المرتكبة في أراضي يهودا والسامرة والقدس الشرقية وقطاع غزة، مع تجاهل المبادئ القانونية المقبولة فيما يتعلق بتعريف الدولة وكذلك حدود السلطة المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو، يشكل أيضًا إشارة تحذير بشأن استعداد محكمة الاستئناف لتطبيق القواعد القانونية على إسرائيل بشكل موضوعي.

هذه الأمور صحيحة أيضًا فيما يتعلق بقرار المحكمة الحالي بإصدار أوامر الاعتقال. إن هذا القرار خاطئ إجرائياً وموضوعياً، ولم يكن له أي مجال للقبول.

إن القرار يتجاهل تماماً تعقيدات الحملة، والتحديات التي يفرضها قتال جيش الدفاع الإسرائيلي في الأراضي المأهولة بالسكان ضد حماس، التي استندت في ذلك إلى كل قدراتها العسكرية داخل المباني المدنية وتحتها، وحقيقة أن حماس تحتجز العشرات من الإسرائيليين المختطفين كرهائن، والتهديدات الملموسة والمستمرة التي تواجهها إسرائيل. ويعتمد القرار بشكل أحادي الجانب على أدلة وشهادات من منظمات الإغاثة العاملة في قطاع غزة وتقارير الأمم المتحدة والبيانات الواردة من حماس في غزة، ويقدم صورة مشوهة ومنحازة للوضع. ومن ناحية أخرى، يتجاهل القرار بشكل شبه كامل الجهود الإنسانية التي تبذلها إسرائيل في استقبال ونقل المساعدات إلى القطاع، بالتنسيق اليومي مع وكالات الإغاثة وفي تحسين وسائل الوصول ونقل المساعدات داخل القطاع؛ والتحديات القائمة في الميدان والتي تجعل من الصعب وصول المساعدات إلى السكان بالكامل، فضلاً عن مسؤولية حماس عما يحدث في القطاع.

السلوك الإشكالي من جانب إسرائيل

ورغم كل ما سبق، لا يمكن التقليل من التأثير الضار الذي خلفه سلوك الحكومة الإسرائيلية على إصدار الأوامر. فقد ساهمت تصريحات الحكومة وأفعالها طيلة أشهر الحرب في ترسيخ الاتهامات الباطلة التي وجهتها النيابة العامة، ومع الافتقار إلى التحقيقات والتحقيقات المستقلة من جانب إسرائيل، عرقلت محاولات كبح أوامر الاعتقال. فضلاً عن ذلك، فإن سلوك الحكومة جعل من الصعب تجنيد الحلفاء والأطراف المختلفة، الذين لديهم تعاطف أساسي مع إسرائيل، لمساعدتها في الحملة القانونية التي تشن ضدها.

بعد مذبحة السابع من أكتوبر مباشرة، سمعت تصريحات قاسية من كبار المسؤولين الحكوميين بشأن الحاجة إلى تدمير القطاع وفرض حصار كامل عليه وترحيل سكانه. ويمكن تبرير مثل هذه التصريحات على خلفية الصدمة والواقع المروع في الأيام الأولى من الحرب، ولكن ليس استمرارها طيلة أشهر الحرب وحتى هذه الأيام. من ناحية أخرى، لم تكن هناك أي تصريحات رسمية واضحة تدحض هذه التصريحات، سواء خارجياً أو داخلياً.

في مواجهة صور الدمار الشامل والتقارير عن عشرات القتلى في القطاع، فضلاً عن مقاطع الفيديو وشهادات الأفعال الإشكالية التي قامت بها القوات في الميدان، لم نسمع ما يكفي من التصريحات الواضحة بأن هذا ليس أسلوب إسرائيل وأنها تحترم الأحكام الإلزامية لقوانين الحرب. كما لم يكن هناك مطالبة علنية واضحة من قِبَل رؤساء الدول وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي لقوات الأمن بالتصرف بطريقة منضبطة واحترام احتياجات السكان. وبالتالي نشأ الانطباع بأن إسرائيل لا تعتبر نفسها ملزمة باحترام قوانين الحرب. هذا في حين تضمنت الأوامر الموجهة للقوات العاملة في الميدان قيوداً تتوافق مع هذه القواعد، وكان العديد من الإجراءات مصحوبة بمشورة قانونية وثيقة، مما أدى إلى خلق حالة سخيفة تفرض فيها إسرائيل قيوداً على نفسها، لكنها تقدم ظاهرياً صورة خارجة عن القانون.

لقد نشأ وضع مماثل فيما يتصل بالمساعدات الإنسانية. فقد عملت إسرائيل على الأرض على توسيع المساعدات، وكانت على اتصال وثيق بالأطراف الدولية للاستجابة لاحتياجات السكان المدنيين في القطاع، في حين انشغل المستوى السياسي في الإدلاء بتصريحات توحي بأن هناك قيوداً مفروضة على هذه المساعدات وأن إسرائيل تعمل على تقليصها. وبعيداً عن ذلك، لم تظهر إسرائيل اعترافاً ظاهرياً بوجود أزمة إنسانية في قطاع غزة، وكانت طريقة عملها في الاستجابة للأزمة غير متسقة.

وعلاوة على ذلك، تصرفت إسرائيل في الشهرين الأخيرين بشكل ضار، مما أدى إلى تفاقم وضعها. ويرجع هذا في المقام الأول إلى تراكم الأحداث خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. فبعد فترة من الجهد والتحسن، حدث انخفاض كبير في كمية المساعدات التي دخلت قطاع غزة، مع الاستدلال غير المقنع بأننا في موسم الأعياد. وفي الخلفية، سمعت تصريحات واتخذت إجراءات عززت الانطباع بأن إسرائيل تنفذ “خطة الأبطال” لحصار شمال قطاع غزة، بما في ذلك نقل سكان المنطقة إلى الجنوب. وفي الوقت نفسه، سُمعت همسات عالية، بما في ذلك من جانب مسؤولين حكوميين، حول نية عدم السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم واستئناف الاستيطان اليهودي في القطاع. إن تمرير قوانين وكالة الغوث الدولية، مع كل المبررات التي تبرر الحاجة إلى العمل على إغلاق هذه المنظمة الضارة، والتي تم القيام بها دون تقديم عامل بديل من شأنه أن يوفر إجابة للسكان الذين تخدمهم وكالة الغوث الدولية، عزز الرسالة التي مفادها أن إسرائيل ليس لديها مصلحة في تخفيف معاناة السكان، ومن هنا فإن الطريق قصير لاتهام إسرائيل بالعمل عمداً على إنتاج هذه المعاناة.

إن هذا التصور لإسرائيل يغذيه أيضًا تصريحات وأفعال أخرى من جانب الحكومة تعبر عن عدم احترام إنفاذ القانون، وتشمل هذه عدم اتخاذ إجراءات ضد مثيري الشغب الإسرائيليين الذين يؤذون الفلسطينيين في يهودا والسامرة، والاحتجاج على التحقيقات مع المشتبه بهم في إساءة معاملة المعتقلين، وصياغة سياسات تمييزية. لم يتم التعامل مع أي من هذه الحالات بشكل صحيح من قبل السلطات الإسرائيلية.

ولكن الأهم من ذلك كله، أن ما رجح كفة الميزان وأدى إلى إصدار أوامر الاعتقال هو حقيقة أن إسرائيل امتنعت عن تشجيع التحقيقات والتحقيقات الداخلية في الحالات التي نشأت فيها شكوك حول انتهاك القانون الدولي. بل على العكس من ذلك، تنافس أعضاء الحكومة والائتلاف مع بعضهم البعض في الهجمات على الاستشارات القانونية وأجهزة إنفاذ القانون في البلاد، عندما حاولوا الترويج للتحقيقات. وبذلك، عززوا الانطباع في العالم بأن هناك انتكاسة بسبب كون إسرائيل دولة ديمقراطية ملتزمة بسيادة القانون.

في شهر مايو/أيار، عندما قدم المدعي العام للمحكمة كريم خان طلب أوامر الاعتقال، كان ينبغي لإسرائيل أن تتحرك لتعزيز التحقيق الداخلي المستقل والمهني في الاتهامات المختلفة من أجل وقف هذه الخطوة وفقًا لمبدأ التكامل. ووفقًا لهذا المبدأ، فإن سلطة المحكمة تكمل ولا تحل محل سلطة النظام القضائي للدولة، وبالتالي عندما تجري الدولة تحقيقات وتحقيقات نزيهة وذات مصداقية من تلقاء نفسها، يتم حظر سلطة المحكمة لإجراء تحقيق. وحتى المدعي العام أشار إلى إسرائيل بشأن مسألة التكامل حتى عندما قدم طلب مذكرات الاعتقال، عندما قال إن مكتبه سيواصل فحص مبدأ التكامل فيما يتعلق بالجرائم المزعومة وفيما يتعلق بخطوط التحقيق الأخرى.

ومن المفترض أن مثل هذا التحقيق كان ليؤثر أيضًا على قرار إصدار مذكرات الاعتقال. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تنتظر المحكمة ستة أشهر من تاريخ تقديم طلب مذكرات الاعتقال حتى صدورها (بالنسبة لبوتن، على سبيل المثال، صدرت مذكرات الاعتقال في غضون ثلاثة أسابيع). كما أوضح المتحدث باسم المحكمة فور إصدار مذكرات الاعتقال لنتنياهو وغالانت أنه حتى في هذه المرحلة، إذا تم إجراء تحقيق جدي في إسرائيل بشأن التهم التي تستند إليها مذكرات الاعتقال، فسيكون من الممكن إلغاؤها. وفي كل الأحوال، حتى لو كان من الصعب إلغاء مذكرات الاعتقال القائمة، فإن وجود مثل هذا التحقيق، الذي سيغطي الادعاءات المختلفة المقدمة ضد إسرائيل، قد يؤثر على خطر إصدار مذكرات اعتقال إضافية ضد مسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي، ونظام الدفاع، والوزارات الحكومية.

إن كل هذا يتفاقم بسبب الرفض المستمر من جانب الحكومة الإسرائيلية لتقديم خطة “لليوم التالي”، أو حتى مناقشتها. وكان ينبغي لإسرائيل أن تستغل إنجازاتها العسكرية، إلى جانب الجهود الإنسانية التي نجحت في الحد من انتشار الجوع في غزة، لتقديم حلول “لليوم التالي”، والتي من شأنها أن تؤكد على إعادة تأهيل القطاع وتوفير الاستجابة للسكان هناك، مع تحييد قوة حماس. ولكن الحكومة اختارت عدم القيام بأي شيء.

ولكن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية فضلت إعطاء وزن للاعتبارات السياسية الداخلية على الاعتبارات المتعلقة بمصلحة الدولة، مع تجاهل أهمية الحفاظ على مكانة إسرائيل الدولية لتحقيق المصالح الوطنية.

ماذا بعد

لا يمكن الاستئناف على إصدار أوامر الاعتقال ولا تنتهي ولا تنتهي صلاحيتها. ورغم ذلك، تستطيع إسرائيل اتخاذ عدد من الخطوات لمحاولة التأثير على استمرار الإجراءات في المحكمة والمخاطر الإضافية الكامنة في الأوامر، وهذا على عدة مستويات: القانوني أمام المحكمة، والسياسي الدولي، والداخلي في إسرائيل.

الصعيد القانوني

حجة صلاحيات المحكمة. لا يزال أمام إسرائيل خيار الطعن في سلطة المحكمة. صحيح أن المحكمة ذكرت في قرارها أنها تعمل بموجب الولاية الإقليمية لـ “دولة فلسطين” ولا تحتاج إلى موافقة إسرائيل على سلطتها. ومع ذلك، لاحظت المحكمة أن هذا لا ينتقص من حق إسرائيل في الطعن في ولاية المحكمة في المستقبل.

حجة الاستكمال- واهمية وجود التحقيقات. إسرائيل لا تزال تمتلك الحق في المطالبة بالتعويضات، وسوف تتمكن من استخدامها في المستقبل لعرقلة الإجراءات في المحكمة، ومنع إصدار أوامر إضافية، بل وحتى إلغاء الأوامر القائمة.

ولكي تتمكن إسرائيل ادعاء الاستكمال، يتعين عليها أن تعمل على الفور على تعزيز التحقيقات الداخلية والتأكد من أنها تتناول جميع المطالبات والاتهامات الموجهة إليها. وينبغي أن تكون هذه التحقيقات مستقلة ومهنية، وليس مجرد مظهر، ومنفصلة عن أي جانب سياسي حتى يُنظر إليها على أنها ذات مصداقية من قبل المحكمة. إن التحقيق الجنائي هو السبيل إلى ذلك، ولكن إنشاء لجنة تحقيق تضم عناصر مهنية – باحثين ومحامين وخبراء عسكريين – قد يكون مفيدًا أيضًا. ومن المناسب دراسة إمكانية إشراك طرف أجنبي معروف في التحقيق. تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد أي صلة بين المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر ومسألة التحقيق في مزاعم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، والخطاب العام الذي يربط بين هذه القضايا ضار بقدر ما يؤخر فتح تحقيق في هذه المزاعم. ولكي يُنظر إلى التحقيق الداخلي وقرارات النيابة العامة والمحاكم التي ستتخذ في أعقاب مثل هذا التحقيق على أنها تلبي متطلبات التحقيق “الصادق”، فمن المهم الاستمرار في الحفاظ على المكانة المستقلة للنظام القانوني والقضائي في إسرائيل.

الصعيد السياسي

العقوبات على المحكمة. في إسرائيل، تُعلّق الآمال على تصريحات الإدارة القادمة في الولايات المتحدة بشأن نيتها فرض عقوبات على المحكمة، وحتى على الدول التي تنفذ أوامر الاعتقال. ولكن حتى لو تم فرض مثل هذه العقوبات، فإنها لن تلغي أوامر الاعتقال وستضطر إسرائيل إلى الاستمرار في التصرف مع ظل أوامر الاعتقال التي تحوم فوقها. وستقابل مثل هذه العقوبات بانتقادات شديدة من بقية الدول الغربية، وخاصة في الدول الأوروبية، التي لديها التزام عميق بالقانون الدولي ودعم للنظام القانوني الدولي. كما يجب أن نتذكر أن هناك دعمًا واسع النطاق للتحقيق الجاري في المحكمة ضد روسيا، والذي يتضمن أوامر اعتقال صادرة ضد بوتن ومسؤولين روس. في كل الأحوال، من المشكوك فيه ما إذا كان التهديد بالعقوبات من جانب الولايات المتحدة سينجح في منع الدول الغربية من تنفيذ أوامر المحكمة، ومن المفترض أنها تفضل تجنب دعوة رئيس الوزراء حتى لا تقع في مأزق.

قرار مجلس الأمن بتعليق التحقيق . وبحسب دستور روما، فإن مجلس الأمن يملك سلطة تعليق التحقيق الذي يجري في المحكمة لمدة عام واحد، يمكن تجديده. وبطبيعة الحال، في الواقع الحالي لا توجد فرصة لاتخاذ مثل هذا القرار. ومع ذلك، فمن الممكن أن تنشأ مثل هذه الإمكانية لاحقًا كجزء من التحركات التي ستجري على الساحة الدولية. وبالتالي، من الممكن الاتفاق على قرار من مجلس الأمن بتعليق التحقيق ضد روسيا كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. علاوة على ذلك، من الممكن أيضًا اتخاذ قرار مماثل في حالة إسرائيل كجزء من ترتيب سياسي واسع النطاق تشارك فيه إسرائيل، على سبيل المثال في مسار يشمل أيضًا المملكة العربية السعودية والفلسطينيين. بطبيعة الحال، هذا احتمال يتطلب استعدادًا للمرونة السياسية من جانب إسرائيل بالإضافة إلى وجود شروط مسبقة على الساحة العالمية.

الصعيد الداخلي – تغيير السلوك

بقدر ما تريد إسرائيل النجاح في كبح جماح، ولو جزئيًا، استمرار التحركات القانونية والسياسية ضدها، فإنها مطالبة بتغيير سياستها الداخلية. أولاً، يتعين على إسرائيل أن تناقش بجدية قضية “اليوم التالي” في قطاع غزة وأن تقترح خطة لحل يأخذ في الاعتبار احتياجات السكان الفلسطينيين في هذه المنطقة وإعادة تأهيلهم. ثانياً، يتعين على إسرائيل أن تضع حداً للتصريحات المؤذية التي يطلقها أعضاء الحكومة وألا تتجاهل التصريحات التي تدعو إلى انتهاك القانون والأعمال غير القانونية التي ترتكب تحت حكمها. وبشكل خاص، يتعين على إسرائيل أن تعلن بشكل واضح لا لبس فيه أن إسرائيل لا تنوي نقل سكان غزة بشكل دائم وإقامة مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة. وأخيراً، يتعين على إسرائيل أن تتعامل مع عنف المستوطنين المتزايد في يهودا والسامرة، وأن تعمل على حماية حقوق الفلسطينيين هناك أيضاً. ومن الجدير بالذكر أن التحقيق في المحكمة ينطبق أيضاً على ما يحدث في يهودا والسامرة وقد تصدر أوامر اعتقال تتعلق بالأنشطة الأمنية والاستيطانية هناك.

ملخص

إن قرار إصدار أوامر الاعتقال قرار خطير وغير عادل يعبر عن موقف معاد لإسرائيل ويتجاهل تماما التحديات التي تواجهها إسرائيل وتعقيدات الوضع القتالي. وهو يعكس تحيزات خطيرة ضد إسرائيل موجودة في النظام الدولي والقانوني والسياسي، وبين وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية في العالم.

لذلك، من الصعب القول إن قرار أوامر الاعتقال كان مفاجئا، نظرا لتحيز المحكمة وحقيقة أنه في جميع الحالات المعروفة حيث تم طلب أوامر الاعتقال، تم منحها (لا توجد بيانات عن درجة الامتثال للطلبات السرية). ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه في جميع تلك الحالات، صدرت الأوامر ضد كبار المسؤولين ومسؤولي الدول غير الديمقراطية، الذين لا يلتزمون بسيادة القانون. في الواقع، فإن إصدار أوامر الاعتقال يعبر عن عدم ثقة المحكمة في التزام إسرائيل باحترام القانون واستعدادها لإجراء تحقيقات نزيهة ومهنية من تلقاء نفسها.

لقد كان سلوك الحكومة الإسرائيلية في مواجهة الحملة فاشلاً، حيث فضلت الاعتبارات السياسية الضيقة على الحفاظ على المصالح الوطنية للدولة. فمن ناحية، ساعدت إسرائيل المحكمة وقدمت الأدلة والشهادات في سلوكها من خلال تصريحاتها وأفعالها العديدة، ومن ناحية أخرى أضعفت سلطات التحقيق والنظام القضائي الإسرائيلي، ومنعت من طرح حجة تكميلية مقنعة.

وبمعنى أوسع، فإن القرار هو دليل آخر على أن إسرائيل لم تتمكن من إثبات روايتها ونقل الرسالة بأنها تتصرف وفقًا للقانون في واقع معقد، عندما يستغل العدو القواعد لصالحه. لقد واجهت إسرائيل صعوبة في توضيح التحدي للعالم المتمثل في هزيمة عدو قوي وخطير، حول البيئة المدنية بأكملها إلى بنية تحتية عسكرية، على نحو يؤدي فيه أي عمل ضد قدراتها العسكرية إلى إصابة المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية. ولم تكن قادرة حتى على نقل شدة التهديد المتمثل في جبهات متعددة أمامها. إن ما يجري في غزة لا يمكن أن يتم إلا من خلال معايير دولة قوية تحارب منظمة ضعيفة تسعى إلى تعزيز التحرر الوطني، عندما يتم تصوير أفعالها على أنها حملة مستمرة للانتقام من أحداث انتهت منذ أكثر من عام، بدلاً من النظر إليها كخطوات مطلوبة من الحاجة إلى حماية أرواح سكان الدولة.

الخطوة الضرورية في هذه المرحلة هي فتح تحقيق جدي وشامل لتوضيح الاتهامات المختلفة، والذي سيشمل أطرافًا جادة ومهنية ومستقلة. ومن المؤمل أن يكون مثل هذا التحقيق قادرًا على كبح جماح الخوف من إصدار أوامر اعتقال ضد عناصر إضافية في جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن والجهاز العام في إسرائيل. ومن الممكن أن يؤدي حتى إلى إلغاء أوامر الاعتقال القائمة. وفي الوقت نفسه، فإن التصريحات التي تشير إلى أن إسرائيل تحترم القانون وتعمل على تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتدفع الأحزاب السياسية إلى تقديم وجهة نظر سياسية، ستكون أيضًا قادرة على المساعدة في الحملة القانونية. ولكنها تتطلب استعداد الحكومة الإسرائيلية لإعطاء الأولوية للحفاظ على المكانة الدولية للبلاد على الاعتبارات السياسية الداخلية، مع رفض أولئك الذين يروجون لأيديولوجية الانفصال.

——————————————–

هآرتس 28/11/2024

اسرائيل هي دولة الابرتهايد الاخيرة في العالم

بقلم: ديمتري شومسكي

من السائد التفكير بأن حل الدولتين لم يحصل في أي يوم على دعم كبير من الجمهور الواسع في اسرائيل، وذلك بسبب الهياج الفلسطيني القاتل والذي لا يتوقف منذ اتفاق اوسلو وحتى الآن. ولكن الحقيقة هي أنه في السنوات الاولى لمشروع الاحتلال والاستيطان، الفترة التي فيها قضى الاسرائيليون وقت الفراغ بدون ازعاج في الاسواق في غزة، التي يحب أن يرتكز اليها رومانسيو “الدولة ثنائية القومية”. التفكير بأنه يجب وضع نهاية لاحتلال شعب آخر لم تزعج راحة معظم الاسرائيليين. السبب الحقيقي والآن ايضا، يكمن في حقيقة أن استمرار السيطرة المباشرة، وغير المباشرة، على الشعب الفلسطيني لم يكن في أي يوم مرهون بالنسبة للاسرائيليين بدفع أثمان باهظة. 

اضافة الى ذلك: اذا كان الارهاب الفلسطيني مع ذلك في العقود الثلاثة الاخيرة قد زاد اسهامه في تخويف الاسرائيليين من حل الدولتين، فان ذلك حدث بسبب العمى التراجيدي – الكوميدي الذي اصاب معظم الاسرائيليين في فترة ما بعد اوسلو. بالنسبة لهم اتفاقات اوسلو خلقت بالفعل واقع الدولتين، وفي اعقاب الانفصال عن غزة خلق واقع الثلاث دول. ولكن ليس فقط أن هذا “الواقع” لم يمنع الارهاب، بل على العكس، هو حتى شجعه على الظهور.

لقد غاب عن فهم معظم الاسرائيليين بأن التداعيات الفعلية لاتفاقات اوسلو طورت وسائل سيطرة اسرائيل على الشعب الفلسطيني،  مع التأكيد الكبير على تفوق اليهود بين النهر والبحر. فقد غاب عن الوعي أن هذا الوضع المشوه الذي كان وما زال حقا من العوامل الرئيسية لارهاب الفلسطينيين، هو عكس نموذج الدولتين القوميتين المستقلتين، وهو النموذج الذي لم تتم في أي يوم تجربته هنا. ازاء كل ذلك فان الدفع قدما بمشروع الضم لاراضي الضفة الغربية وشمال قطاع غزة، الذي تسعى اليه الحكومة الكهانية – البيبية الحالية، يمكن أن يؤدي الى تغيير جذري في عقلية الاسرائيليين، وغرس في عقولهم فكرة أن نموذج الدولتين، الذي ما زال قابل للتنفيذ بالتأكيد على الارض اذا توفرت الارادة المتبادلة للشعبين، هو الطريقة الوحيدة لضمان الوجود السياسي والامني لاسرائيل كدولة قابلة للحياة.

أولا، الضم سيؤسس بين البحر والنهر دولة جديدة، التي جوهر الابرتهايد فيها لا يمكن اخفاءه، لأن لا احد في دولة العرق اليهودي  سيخطر بباله اعطاء الجنسية، حتى لعدد قليل من فلسطينيي العام 1967. نتيجة لذلك فانه من المرجح الافتراض بأنه خلال فترة قصيرة نسبيا ستنهار بمرة واحدة جميع السدود السياسية، وتسونامي من العقوبات والمقاطعات الدولية ستغرق دولة الابرتهايد اليهودية من كل الجهات. حياة الاسرائيليين ستصبح رويدا رويدا اقل قدرة على التحمل، الاقتصاد والسوق سيصلان الى شفا الانهيار، ونتيجة كل ذلك فان المزيد من الاسرائيليين سيبدأون بشكل جدي في التفكير بخيار تقسيم البلاد. 

تعميق الاستعباد القومي للفلسطينيين في اعقاب الضم سيفاقم المقاومة الفلسطينية ضد القمع الاسرائيلي، ومعنى ذلك هو أن موجات الارهاب ستصل الى رقم قياسي جديد. هذا سيفتح عيون الاسرائيليين على العلاقة بين النضال القومي الارهابي للفلسطينيين وبين دولة الابرتهايد ثنائية القومية، وجعلهم يتبنون مقاربة ايجابية تجاه حل الدولتين. 

بنظرة تحليلية باردة فان من يؤيدون حل الدولتين لا يجب عليهم الخوف من الضم. لأنه في الحقيقة مهما كانت المفارقة في ذلك فانه يبدو أن مسار خلاص الشعبين في البلاد من الاحتضان القاتل للمحتل والواقع تحت الاحتلال يجب أن يمر بجهنم “السيادة”. 

رغم ذلك يجب على بقايا اليسار في اسرائيل محاربة بجرأة هذيان الضم، وذلك لسببين. الاول، تطبيق هذا الحلم الخيالي سيلقي في المدى القريب على سكان المنطقة بين النهر والبحر المعاناة والألم بشكل غير مسبوق. وحتى لو كان من الواضح أنه من داخل الدمار والخراب سينمو انبعاث للشعبين، إلا أنه في نهاية المطاف فان الحكمة والاخلاق تقتضي عدم التضحية بالحاضر على مذبح المستقبل.

ثانيا، النضال الايديولوجي ونضال الجمهور ضد نظرية العرق القومي – الكهاني، الذي مشروع الضم هو درة التاج الاجرامية فيه، مهم جدا الآن للقلة الاسرائيلية الصهيونية لبلورة واحياء قصة وطنية – ليبرالية، قديمة – جديدة. هذه هي القصة التي على اساسها سيتم بناء المجتمع المثالي، الاسرائيلي الليبرالي، بعد الانهيار المأمول لدولة الابرتهايد الاخيرة في العالم.

——————————————–

هآرتس 28/11/2024

انجاز تكتيكي، مراوحة استراتيجية

بقلم: تسفي برئيل

لوحة المراهنات الجديدة تبدلت في لحظة. اذا كان يجب على المراهنين حتى التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان الاجابة بشكل صحيح على سؤال هل سيتم التوقيع على الاتفاق، فانه منذ أمس سؤال المليون هو متى سيتم خرق هذا الاتفاق. حوالي مليون ونصف نازح لبناني بدأوا في تعبئة “نماذج الرهان” عندما تدفقوا بجموعهم في طريق عودتهم الى بيوتهم في صور والضاحية الجنوبية وبعلبك. في الحقيقة هم لم يعودوا الى قراهم في جنوب لبنان، لكن عملية اعادة الاعمار الاولى بدأت.

في مقابل اللبنانيين، الذين عبروا عن الثقة بالاتفاق، فانه في اسرائيل توجد ثقة مطلقة بأن الاتفاق سيتم خرقه، اذا لم يكن في الاشهر القريبة القادمة فبالتأكيد بعد بضعة اشهر أو سنة. الافتراض الاساسي هو أن حزب الله سيفعل ما في استطاعته لملء صفوفه بالمقاتلين الميدانيين والقيادات، وملء من جديد مخازن السلاح والذخيرة، وبعد ذلك التسرب مرة اخرى الى جنوب لبنان من اجل تجديد ميزان الردع امام اسرائيل. هذا الافتراض يوجد له بالطبع ما يستند اليه. فالاتفاق تم التوقيع عليه ظاهريا بين اسرائيل وبين دولة تسمى لبنان، لكن عمليا هو اتفاق بين دولة ومنظمة. ومن اجل عدم بقاء الاتفاق فقط كصفحة “اكسل” تسجل عليها خروقات الطرفين واحصاء النشاطات التي ستبرر الرد العسكري، فان لبنان يحتاج الى تغيير في الهيكلية. 

المتحدثون بلسان حزب الله يسعون الى الاثبات بأنهم انتصروا في الحرب وتسببوا بأضرار باهظة وقتلى لاسرائيل، وأنهم بذلوا كل الجهود في استخدام وحدة الساحات. أو كما جاء في عنوان صحيفة “الاخبار” الناطقة بلسان حزب الله، “نحن نقف بصمود وانتصار”. ولكن حزب الله تنتظره معركة قاسية في الساحة الداخلية في لبنان، التي يجب عليه فيها اعادة بناء مكانته المهددة امام اسرائيل لاستخدامها كرافعة سياسية مثلما فعل بعد حرب لبنان الثانية وقبلها بفترة طويلة.

الاتفاق ينص على أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية عن تفكيك البنى التحتية لحزب الله في جنوب نهر الليطاني ومنع تهريب السلاح من سوريا ومن ايران وعن طريق البحر الى حزب الله. وبعد ذلك العمل على تنفيذ القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح حزب الله وسلاح المليشيات الاخرى. ولكن ذلك يبدو في هذه الاثناء مهمة غير محتملة. فالجيش اللبناني فيه القليل من الجنود، وهو غير مزود للعمل في كل الجبهات المطلوبة منه حسب الاتفاق. قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، اوضح لرئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي ونظرائه الامريكيين والفرنسيين بأن نشر القوات على حدود لبنان سيجبره على نقل قوات من الحدود مع سوريا من اجل وضعها على الحدود الجنوبية. المعنى هو أن المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان يمكن أن تكون مكشوفة، على الاقل الى حين تجنيد وتدريب 6 آلاف جندي آخر من اجل تعزيز صفوف الجيش اللبناني.

لكن في ظل عدم القدرة العملياتية فانه من اجل العمل ضد البنى التحتية لحزب الله التي توجود شمال نهر الليطاني، في بعلبك وفي شمال الدولة، الامر يحتاج الى تصميم سياسي يستند الى دعم الجمهور الواسع. هذا من اجل أن تستطيع الحكومة اللبنانية وقف ترميم البنى التحتية العسكرية لحزب الله، وليس فقط في منطقة الجنوب. يجب على الحكومة أن تكون مستعدة لمواجهة مقاتلي حزب الله بشكل مباشر، الذي ليس فقط هو الجسم العسكري الاكبر في الدولة، بل من يمثل اغلبية السكان الشيعة. هذا القرار يحتاج الى تغيير عميق للبنية السياسية في لبنان، التي هي الآن مصنوعة من عدة رقع وتنقسم بين الطوائف والاديان وتحكمها نخب مشوبة بالفساد، الذي افسد اجهزة الدولة. هذه البنية افشلت تنفيذ القرار 1701، ويمكن أن تعيق تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار الجديد الذي يستند بشكل ما على أسس هذا القرار.

من اجل تأسيس نظام قوي في لبنان يستطيع مواجهة حزب الله وتجسيد سيادة الدولة من ناحية دستورية وسياسية فانه من الحيوي التوصل الى تفاهم حول تعيين رئيس جديد للدولة، الذي من صلاحيته تعيين رئيس حكومة بشكل ثابت، التي تحظى بثقة الجمهور.  بعد ذلك يجب الاعلان عن اجراءات الانتخابات للحكومة بموافقة واسعة من الجمهور. لقد مرت سنتين منذ انهاء الرئيس ميشيل عون ولايته، ولبنان لم ينتخب بعد رئيس بديل. في هذه الاثناء لا توجد أي اشارة على خطوات سياسية جديدة رغم الحرب، الدمار الكبير ووقف اطلاق النار. إن غياب حكومة مستقرة وقوية كان العامل الاساسي الذي مكن حزب الله من جر لبنان الى الحرب والى أن يكون في “وحدة الساحات”، من اجل هدف بعيد عن قلوب معظم مواطني الدولة.

حكومة مستقرة وقوية هي حيوية ايضا لاعادة اعمار لبنان، لأنه الآن يتوقع حدوث صراع سياسي صاخب حول اعادة الاعمار. هل ستكون الحكومة أم حزب الله الذي سيتعاون مع ايران في اعادة الاعمار، التي عرضت في السابق مساعدات مالية وتم رفضها؟ حسن نصر الله تعهد بالاهتمام باعادة اعمار كل بيت تم هدمه وكل حقل تم احراقه. بالنسبة لحزب الله لا توجد هنا فقط مسألة المكانة والوفاء بالتعهد، بل ايضا استعراض القوة السياسية. وكي تستطيع حكومة لبنان احباط طموحات حزب الله فانه يجب عليها الآن تجنيد مئات ملايين الدولارات، وبعد ذلك المزيد من المليارات. ولكن مقابل حزب الله الذي تمويله الايراني لا يضع له حدود فانه يجب على الحكومة اجراء الاصلاحات قبل الحصول على المنح والقروض التي تتجاوز المساعدات الانسانية الفورية الضئيلة. 

الحكومة الحالية في لبنان عليها دين بمبلغ 45 مليار دولار، 195 في المئة من الناتج الوطني الخام. وهي غير مخولة وغير قادرة على اجراء هذه الاصلاحات. هذا يعني أنه في المنافسة بين الدولة وحزب الله وايران حول اعادة الاعمار فان الدولة يمكن أن تخسر.

هذه ليست فقط مسألة اقتصادية أو سياسية في لبنان. فالمال السياسي الذي سيكسبه حزب الله من المنافسة على مشروع اعادة الاعمار سيضمن ليس فقط استمرار سيطرته على السياسة في لبنان، بل ايضا على استقرار مرساة ايران في لبنان وفي سوريا. “التطبيق الجدي للقرار 1701 يمكن أن يحدث تغيير كبير في دور حزب الله وايران الاقليمي”، كتب في هذا الاسبوع غسان شربيل، محرر صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية. “المغزى من خروج لبنان من “وحدة الساحات”، التي يطمح العراق في الانسحاب منها ايضا، لا يعتبر تغيير بسيط، بل هو تغيير لا مناص منه كي يتمكن اللبنانيين من الدخول مجددا تحت سقف الدولة والقانون”.

شربيل هو مقرب من متخذي القرارات في السعودية ويعرف جيدا المزاج السائد في بلاط ولي العهد محمد بن سلمان، وهو يعبر عن الأمل في أن التغيير السياسي في لبنان الذي يجد الآن الفرصة للتحقق، على الاقل سيقلص مستوى سيطرة طهران في بيروت. السعودية هي عضوة في مجموعة الخمس دول، الى جانب قطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، والتي ستلتقي في هذا الاسبوع لمناقشة طريقة للدفع قدما بالتغيير السياسي في لبنان. السعودية ايضا هي الدولة التي يمكنها المشاركة بشكل جوهري في اعادة اعمار لبنان، وبالتالي، زيادة احتمالية ابعاد ايران عن الساحة.

من اجل نجاح هذه الخطوات السياسية توجد اهمية كبيرة في ضمان تنفيذ الاتفاق لفترة طويلة. افتراضيا هذه الخطوات يمكن أن تحدث تغيير استراتيجي اقليمي، واسع واكثر اهمية من الحفاظ على الهدوء على طول الحدود بين اسرائيل ولبنان. وبدونها اتفاق وقف اطلاق النار يمكن أن يستمر في أن يكون مصدر للتوتر والاستعداد في انتظار خرقه.

——————————————–

هآرتس 28/11/2024

برعاية الحرب الحكومة تقرر تصفية الصحافة ومحكمة العدل العليا بالتوازي

بقلم: عيدو باوم

عندما بدأ في الدفع قدما بالانقلاب النظامي اجرى وزير العدل ياريف لفين مقابلة وعد فيها بأنه بعد معالجة جهاز القضاء سنستطيع معالجة الاعلام والاكاديميا. برعاية الحرب حدث تغيير في المقاربة. لماذا يحارب في كل مرة جبهة واحدة اذا كان يمكن ادارة حرب متعددة الجبهات؟ لماذا ينتظر تصفية الصحف الحرة عندما يكون بالامكان خنقها مرة واحدة مع السيطرة على المحكمة العليا وهزيمة المستشارة القانونية للحكومة؟.

حكومة نتنياهو تستخدم بشكل منهجي مشاريع قوانين خاصة، يبادر الى تقديمها لصالحها اعضاء كنيست في الائتلاف، وتدفع بها قدما بكمية تجارية ومسارات تشريع مسرعة. الحديث يدور عن نفس اساليب الانقلاب التي استخدمها فيكتور اوربان في هنغاريا في 2010، وحزب “قانون ونظام” في بولندا في 2015، التي استهدفت فرض نظام غير ليبرالي. مؤسسات الاتحاد الاوروبي والمحاكم فيه التي فحصت هذه الاجراءات قررت بأن اجراءات التشريع المسرعة أدت الى المس الكبير بأسس الديمقراطية وسلطة القانون.

وتيرة المبادرات التي يقدمها الائتلاف لتدمير حرية الصحافة في اسرائيل تساوي فقط وتيرة قصف سلاح الجو في الضاحية الجنوبية في ذروة الحرب. عمليا، اكتشف لفين ووزير الاعلام، شلومو كرعي، بأن سحق حرية التعبير في اسرائيل يساعد الحكومة على استكمال خطة تصفية جهاز القضاء وترسيخ بنية النظام الديكتاتوري على طريقة اوربان، التي يشكلها نتنياهو في الدولة منذ الانتخابات الاخيرة. 

هيئة الاعلام الرئيسية التي توجد في مرمى النار الآن هي هيئة الاذاعة. كرعي يدفع قدما الآن بثلاثة مشاريع قوانين خاصة، اقترحها نيابة عن اعضاء الكنيست في الائتلاف، وجميعها تهدف الى تصفية الاستقلالية الصحافية لهذه المؤسسة.

المبادرة الاكثر بروزا هي مشروع قانون خاص لخصخصة وبيع الهيئة، الذي اقترحه كرعي نفسه في كانون الاول 2022. والآن تقترحه عضوة الكنيست تالي غوتلب. اللجنة الوزارية للتشريع برئاسة لفين أيدت المبادرت، وقد تمت المصادقة عليها الآن بالقراءة الاولى في الكنيست. في نفس الوقت وفي مشروع قانون خاص آخر لعضو الكنيست افيحاي بورون (الليكود) تم اقتراح اخضاع ميزانية الهيئة لسيطرة الحكومة.

عندما تولى وزير الاعلام كرعي منصبه حاول الدفع قدما بمشروع قانون بث اذاعي حكومي، استهدف نقل الرقابة على قنوات البث الى مجلس اشراف بتشكيلة سياسية تخضع للائتلاف. هذا الاقتراح بقي عالقا، كما يبدو بتأثير من المستشارة القانونية للحكومة. ولكن كرعي ينوي الدفع به قدما من خلال مشاريع قوانين خاصة. ليس فقط هيئة الاذاعة في مرمى النار. فمشروع قانون خاص جديد، بادر اليه في هذا الاسبوع عضو الكنيست نسيم فاتوري، يطالب بخصخصة “صوت الجيش”، وكأن هذه المحطة العسكرية في الراديو نجحت في التعافي من العار الذي تسبب به لها يعقوب بردوغو. 

اضافة الى اضعاف هيئة الاذاعة فان الحكومة تدفع قدما بسيطرة رجال اعمال مقربين من الائتلاف على قنوات البث في الراديو. وحسب مشروع قانون خاص لعضو الكنيست ايلي دلال (الليكود) فان محطات الراديو الاقليمية يمكنها الحصول على موجات لبث قطري، وستصبح بالفعل محطات قطرية. المستفيدون من ذلك هم رجال الاعمال المقربين من الائتلاف، الذين يوجد لهم امتياز لبث محطة راديو اقليمية، مثل ايلي عزور ودافيد بنبست وتسفيكا شالوم واسحق ميرلشفيلي، الذي يسيطر ايضا على القناة 14.

اذا لم يكن هذا كاف فانه يوجد على الطاولة مشروع قانون خاص لعضو الكنيست شالوم دنينو (الليكود)، يستهدف نقل قياس نسبة المشاهدة من هيئة مستقلة الى مسؤولية الحكومة. هذه السيطرة ستمكن الحكومة من التأثير على توجيه ميزانيات الدعاية الى قنوات مقربة، وهي عملية قام بها اوربان من اجل وضع المقربين منه على رأس وسائل الاعلام في هنغاريا عندما تولى الحكم.

ليس هذا فقط، الى جانب التهديد للتلفزيون والراديو فان الحكومة تبث الرعب ايضا على الصحف المكتوبة. في بداية الاسبوع صادقت الحكومة بالاجماع على الاقتراح الذي قدمه كرعي، والذي جاء فيه بأن كل الهيئات الحكومية أو التي تمولها الحكومة يجب أن لا تنشر في صحيفة “هآرتس”. هذا القرار تمت المصادقة عليه الى جانب عدم اطلاع المستشارة القانونية على ذلك خلافا لاجراءات عمل الحكومة.

إن اسكات انتقاد الصحافة يسير بتناغم مع الاسلوب العنيف للشرطة في تعاملها مع المظاهرات ضد الحكومة، وهو يستهدف خفض صوت الاحتجاج والانتقاد العام. كم من السخرية يوجد في تصريحات وزراء الحكومة الذين يقولون بأنهم يعبرون عن ارادة الناخب، في حين أنهم ينشغلون باسكات صوت مواطني الدولة.

الصورة التي تتشكل من كل خطوات الائتلاف ضد حرية الصحافة تشير الى أي درجة هو كاذب ادعاء الدفاع عن نتنياهو في محاكمته. ادعاء النيابة العامة بأن نتنياهو عمل في كل قضية من القضايا التي توجد في لائحة الاتهام من خلال دافع السيطرة على وسائل الاعلام في اسرائيل. ونتنياهو من ناحيته يقول بأنه حاول تنويع مضامين البث. 

نتنياهو يعرف سوق الاعلام اكثر من أي وزير في الحكومة، وحتى ربما اكثر منهم معا. هو يعرف جيدا بأن خطوات الائتلاف الحالية ستدهور تصنيف حرية الصحافة في اسرائيل الى مكان يشبه المكان الذي توجد فيه دول زعماؤها اشخاص مثل اوربان أو بوتين. يبدو أن هذا هو المكان الذي يريد نتنياهو أن يكون فيه وبحق. في الايام التي فيها الهستيريا تغطي على المسلمات الاساسية للديمقراطية فانه ليس من نافل القول التذكير بأنه “بدون صحافة حرة لا توجد ديمقراطية”. رئيس الحكومة يقود الدولة الآن الى هذا المكان عن طريق أدواته، لفين وكرعي.

——————————————–

معاريف 28/11/2024

مراجعات فكرية بعد الاتفاق

بقلم: مايكل هراري

دخل اتفاق وقف النار في لبنان الى حيز التنفيذ أمس. وعرض الرئيس بايدن الاتفاق وشدد على أنه “وقف نار دائم”. كما تناول التزامه بإعادة المخطوفين وانهاء الحرب في غزة، التشديد سيكون الان على شكل تنفيذ الاتفاق، لكن عدة مسائل مركزية ستقرر اذا كانت هذه مسيرة طويلة المدى من الاستقرار: 

منع تهريب السلاح من ايران الى حزب الله: الهدف هو منع إعادة بناء حزب الله عسكريا ولمعابر الحدود بين سوريا ولبنان أهمية كبرى في هذا الشأن. سيصعب على الجيش اللبناني أن ينفذ وحده رقابة وثيقة لمعابر الحدود. وعليه، فسيكون دور مركزي للاعبين خارجيين – الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا وربما حتى روسيا. لموسكو توجد مصلحة واضحة في الحفاظ على حكم الأسد في دمشق، وعليه فهي كفيلة بان تساهم في مسيرة التسوية في لبنان مقابل ذلك. زيارة رون ديرمر الى موسكو أشارت الى رغبة إسرائيل في التأييد الروسي بقدر ما يمكن التوقع عليه والاعتماد عليه. 

إعادة بناء جنوب لبنان: الاضطرار لاعادة بناء المنطقة في نهاية اكثر من سنة من الحرب حيوي في المدى الفوري لاجل السماح بعودة السكان الى بيوتهم. ولا يدور الحديث عن مسألة اقتصادية، بل عن تحدٍ سياسي حقيقي. فلاجل منع حزب الله من أعادة بناء مكانته من خلال مصادره الماليه ينبغي الضمان الا تنقل المساعدات الدولية الا عبر حكومة لبنان. وهكذا سيكون ممكنا المساهمة في مسيرة تعزيز الدولة. وكانت صحيفة “الاخبار” اللبنانية، المقربة من الحزب قد شددت على ضرورة التركيز على عملية إعادة البناء. 

استقرار الساحة السياسية في لبنان: مؤسسات الدولة تؤدي مهامها عمليا بشكل ناقص منذ اكثر من سنتين. موازين القوى السياسي، بالتشديد على قوة حزب الله، منعت انتخاب رئيس مقبول من عموم الجهات. في ضوء الضعف الواضح لحزب الله، بما في ذلك تصفية سلسلة قيادته لعله سيكون ممكنا تحريك مسيرة سياسية تتيح انتخاب رئيس وحكومة دائمة. الامر متعلق بقدر كبير باللاعبين السياسيين داخل لبنان، بالطبع، بمساعدة لاعبين خارجيين ذوي صلة. فهل سيستغل اللبنانيون اللحظة المناسبة التي امامهم؟ الأيام ستقول. 

تسوية نقاط الخلاف في الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان: بعد التوقيع على الاتفاق البحري جرى الحديث كثيرا عن الحاجة للمواصلة الى الامام وتسوية الخلافات في موضوع الحدود البرية. توجد لهذا أهمية الان، رغم ان إسرائيل الرسمية تشدد بان هذا لن يتم الا “اذا رغبت في ذلك”. بعض من النقاط سهلة على الحل، أخرى اكثر تحديا. موضوع مزارع شبعا يستوجب مشاركة سورية. جدير بالتعاطي مع هذه المفاوضات، اذا ما استؤنفت، بشكل بناء، وليس بالذات انطلاقا من تقدير متفائل بانه يمكن حل عموم الخلافات بسرعة، بل في ضوء حقيقة ان اطار مفاوضات يبقي على حوار سياسي، وان كان غير مباشر يساعد على تعزيز العنوان السياسي في لبنان. 

هام جدا في هذه المرحلة التشديد على ثلاث نقاط أساسية: 

لا ينبغي لإسرائيل أن تكون مشاركة، بشكل غير مباشر او ظاهر، في السياقات اللبنانية الداخلية التي أشرنا اليها آنفا، حتى وان كانت لها مصلحة مباشرة في شأن الشكل الذي تتحقق فيه، وان لم تكن لها أيضا. فمشاركة إسرائيلية من شأنها أن تقطع من مهدها كل مسيرة سياسية داخلية بناءة. 

إسرائيل ملزمة بان تتابع بشكل واع السياقات التي ستقع في المنطقة بعد وقف النار. حزب الله ضعف بشكل جوهري لكنه لم يختفِ عن الساحة. سيكون هاما التصرف وفقا لتوقعات أصحاب القرار والجمهور في إسرائيل. الطرفان يسوقان الان الاتفاق كانجاز، الى جانب شكوك في موضوع طول نفسه. مسموح أن نكون شكاكين لكن اهم المساهمة في فرص نجاح الاتفاق، بما في ذلك حيال الرأي العام.

الكثير جدا موضوع على كاهل دولة لبنان والمجتمع اللبناني. قدر كبير من الشك في هذا السياق واقعي تماما، لكن دولة إسرائيل يجب أن تقوم بما هو ملقى على عاتقها. هي، وليس أي طرف آخر. 

——————————————–

هآرتس 28/11/2024

القانون الذي يسهل شطب العرب مُعد لضمان انتصار الائتلاف في الانتخابات

بقلم: ميخائيل هاوزر طوف ونوعا شبيغل

مع بداية الدورة الشتوية للكنيست بدأ الائتلاف في الدفع قدما وبشكل حثيث بتعديل قانون الاساس: الكنيست، بحيث يصعب على العرب التنافس في الانتخابات. مشروع القانون الذي بادر اليه رئيس الائتلاف اوفير كاتس، يريد توسيع بدرجة كبيرة الذرائع لشطب مرشح أو حزب من التنافس للكنيست وتقليص قوة المحكمة العليا امام لجنة الانتخابات المركزية. في الشهر الماضي مر هذا المشروع بالقراءة الاولى، 61 عضو كنيست مع و35 ضد. 

كيف سيتم التأثير على المحكمة العليا؟

الآن القانون ينص بأنه يجب على المحكمة العليا أن تصادق أو ترفض أي قرار للجنة الانتخابات حول شطب مرشح للانتخابات للكنيست. رغم أن مشروع القانون ما زال يعطي المحكمة العليا “حق الكلمة الاخيرة” فيما يتعلق بشطب مرشح إلا أنه يقلص صلاحياتها. مثلا، القانون ينص على أن شطب مرشح لن يكون بحاجة الى مصادقة المحكمة، لكن المرشح يمكنه الاستئناف للمحكمة العليا على قرار لجنة الانتخابات المركزية.

رغم أنه لم يتم انهاء صلاحية المحكمة العليا في الغاء شطب مرشح، إلا أن الحديث لا يدور عن فرق صغير فقط. عندما يتعين على المحكمة المصادقة أو رفض شطب مرشح فانها تفحص الدلائل المقدمة اليها وتحكم بناء عليها. في حين أنه عندما تجلس المحكمة كهيئة استئناف فانه يجب عليها فحص مدى معقولية القرار. وهكذا، فعليا سيتم تقليص حرية عمل المحكمة. اضافة الى ذلك القضاة المحافظين كما يبدو سيميلون الى عدم التدخل في قرار أي سلطة اخرى – في هذه الحالة السلطة هي لجنة الانتخابات المركزية، وهذا خلافا للوضع القائم الذي فيه قرار المحكمة قائم بحد ذاته.

كيف ستتأثر الخارطة السياسية؟

منذ بدأت الحكومة في الدفع قدما بالانقلاب النظامي في السنة الماضية فان ائتلاف نتنياهو يراوح في المكان في الاستطلاعات، ويجد صعوبة في تجاوز سقف الـ 50 مقعد، بعيدا جدا عن الـ 64 مقعد التي توجد تحت سيطرته الآن. رئيس الحكومة وجهات كثيرة في الكنيست، الذين ينشغلون في مشروع القانون يأملون أن محاولة وضع عراقيل امام الاحزاب العربية للتنافس يمكن أن تشكل أداة للحصول مرة اخرى على اغلبية في الكنيست للائتلاف الحالي، عن طريق قمع التصويت في الوسط العربي.

إن شطب المرشحين يتوقع أن يخفض اكثر نسبة مشاركة عرب اسرائيل في الانتخابات، المنخفضة اصلا. تشكيلة القائمة المشتركة تشمل ممثلين من عدة احزاب وفصائل. وعلى خلفية ذلك فان شطب أي مرشح يمكن أن يمنع تمثيل مجموعة أو حزب كامل في الانتخابات، الامر الذي يمكن أن يخفض نسبة التصويت اكثر.

المستشار القانوني في لجنة الانتخابات، الدكتور غور غاليه، قال في جلسة اللجنة بأن “موضوع البند الموجود في قانون عدم المشاركة في الانتخابات هو حساس من ناحية دستورية، وربما هو الاكثر اساسية”. وحسب قوله فان “اغلاق امكانية حزب أو شخص امام التنافس في الانتخابات محفوظ لحالات استثنائية جدا في الديمقراطية. يجب استخدام هنا الحذر الكبير، وهناك اهمية في أن تمر هذه الامور بالاجماع. التعديلات السابقة مرت بموافقة كبيرة جدا”. دوبي غيلد حايو، من جمعية حقوق الفرد، قال في نفس الجلسة بأن “عمليا، خلال السنين هذا البند اصبح أداة لقمع التصويت. التعديلات التي تريدون اجراءها ستوصل هذا القانون الى وضع غير معقول”.

من هم المرشحون الذين يمكن أن يتم شطبهم؟

الآن القانون ينص على أنه من اجل شطب مرشح فانه يجب الاثبات بأنه توجد كتلة حاسمة من الدعوات، التي تؤيد الكفاح المسلح ضد الدولة. مشروع القانون الجديد يريد تغيير هذا البند بصورة يتم فيها شطب مرشحين عبروا عن الدعم للكفاح المسلح ضد الدولة، “حتى لو لم يتم هذا الامر بشكل متواصل”. هكذا، القانون يريد تطبيق سقف متساهل اكثر لشطب المرشحين. يمكن الافتراض بأن المرشحين الذين تمت المصادقة عليهم في السابق كان سيتم شطبهم حسب القانون الجديد.

على سبيل المثال، في 2020 الغت المحكمة العليا شطب ترشح عضوة الكنيست السابقة هبة يزبك من حزب “بلد”. وفي قرار الحكم جاء “في ظل غياب اساس لموضوع نشاط متكرر، بالاساس ازاء تصريحات وتوضيحات يزبك، المدعومة بتصريحات شخصية واظهار ندمها بالنسبة لجزء من المنشورات، فانه لم تتراكم لدى المحكمة “كتلة حاسمة” للادلة الواضحة التي تبرر شطبها حسب المعايير التي تم تحديدها في الاحكام التي نص عليها القانون”.

حالة مشابهة تم تسجيلها ايضا في انتخابات 2022، عندما قامت المحكمة العليا بالغاء قرار لشطب حزب بلد. رئيس المحكمة العليا في حينه استر حيوت كتبت بأنه “لا يوجد في الادلة التي قدمت ما من شأنه أن يبلور “الكتلة الحاسمة” المطلوبة من اجل شطب الحزب”. عمليا، في معظم الحالات التي فيها الغت المحكمة العليا قرار لجنة الانتخابات المركزية، برر القضاة القرار بغياب “الكتلة الحاسمة” للادلة التي يمكن ترسيخ الشطب.

كيف سيؤثر القانون على مرشحي اليمين المتطرف؟

مشروع القانون يوسع بند واحد فقط في ذريعة الشطب، بصورة تمكن من شطب حزب أو مرشح حتى عندما يدعمون مخرب واحد، وايضا عندما يكون الصراع ضد مواطنين اسرائيليين وليس فقط ضد الدولة. وقد تم استبعاد اشخاص يهود من اليمين المتطرف مثل بنتسي غوفشتاين وباروخ مارزيل على اساس التحريض على العنصرية. وبند دعم الكفاح المسلح ينسب في معظمه للعرب، والآن هو سيعتبر ضد “المواطنين الاسرائيليين” فقط. بناء على ذلك فان تأييد نشطاء اليمين المتطرف الذين نفذوا عمليات ارهابية ضد الفلسطينيين، مثلا، لن يعتبر ذريعة للشطب. 

في وثيقة الاعداد للجلسة، التي كتبها المستشار القانوني في لجنة الدستور، كتب أن “تطبيق التعليمات المذكورة فقط على الذريعة التي موضوعها “تأييد الكفاح المسلح”، وليس على ذرائع اخرى مثل التحريض على العنصرية، تفتقر للمنطق الداخلي وتزيد الصعوبة. وكتب ايضا بأن التطبيق الانتقائي لهذه التعليمات يضر بالمساواة لأنه فعليا يعكس “التوسيع الكبير لامكانية الشطب استنادا الى ذريعة استخدمت خلال السنين في طلبات شطب احزاب ومرشحين متماهين مع الاقلية العربية في الدولة، مع الابقاء على ترتيبات الشطب القائمة بخصوص الذريعة الرئيسية التي تم استخدامها لشطب مرشحين واحزاب يتماهون مع الاكثرية اليهودية في الدولة (التحريض على العنصرية)”. 

ماذا يخصوص الانتخابات المحلية؟

الكنيست صادقت أمس بالقراءة الاولى على تعديل القانون، استهدف التصعيب على العرب الترشح في الانتخابات المحلية. وذلك من خلال تعديل قانون السلطات المحلية، الذي سيوسع امكانية شطب احزاب أو افراد من المرشحين للانتخابات البلدية، اذا أيدوا بافعالهم أو اقوالهم الكفاح المسلح لدولة معادية أو منظمة ارهابية ضد اسرائيل. 51 عضو كنيست ايدوا الاقتراح مقابل 11 عضو عارضوا. وسيتم نقل مشروع القانون للنقاش في لجنة الداخلية وحماية البيئة. المبادر الى اقتراح تعديل القانون هو عضو الكنيست حانوخ ملفتسكي (الليكود).

التعديل يوفر ايضا آلية لعزل اعضاء مجالس في الوضع الذي يقرر فيه مجلس السلطة التشريعية بأنهم أيدوا الكفاح المسلح ضد دولة اسرائيل. حسب الاقتراح فان الامر يحتاج الى اغلبية 75 عضو في المجلس، من بينهم 10 في المئة من المعارضة، ومصادقة المحكمة العليا، من اجل فصل عضو في مجلس حالي. في اقوال التفسير للاقتراح كتب أنه يوجد نوع من اللامعقول بوجود “مؤيدين للارهاب” والكفاح المسلح والعنصرية ضد دولة اسرائيل في السلطات المحلية، التي بنشاطاتها عمليا تعبر عن الدعم وتعطي الدعم لقتل اليهود والاسرائيليين واعمال العنف والكراهية. وكتب ايضا بأن التعديل يهدف الى ملاءمة النظام القانوني في انتخابات السلطات المحلية مع النظام القانوني في الكنيست.

 ——————————————–

معاريف 28/11/2024

بتصميم وبصلابة

بقلم: افي اشكنازي

بعد اقل من يوم من دخول وقف اطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ واذا به يسجل عدة احداث لخروقات موضعية للاتفاق. في كل الاحداث عمل الجيش الإسرائيلي بتصميم. بضعة مخربين خرجوا من أماكن الاختباء في قرى الجنوب – صفوا. أربعة منهم اعتقلوا، وكان أيضا مخربون أصيبوا وفروا. 

الجيش الإسرائيلي بالتأكيد يثبت مستوى عال من التصميم منذ الساعات الأولى لوقف النار. لكن، في نظرة أوسع، بعد يوم من وقف النار، يبدو أن الدولة في حالة ما بعد الصدمة – وتوجد كل الأسباب لمواطني إسرائيل بان يكونوا مترددين وقلقين.

أولا، نحن بعد صدمة 7 أكتوبر. ثانيا، الجمهور يتذكر جيدا الاقوال التي قالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد حملة الجرف الصامد في 2014 وبعد حملة “حارس الاسوار” في العام 2021، حين سوق اتفاقات وقف النار. 

الحقيقة هي انه يبدو ان من كتب اقوال رئيس الوزراء أول امس مساء تكاسل ونسخ على ما يبدو اقوالا قالها رئيس الوزراء في توقفات سابقة للنار. ما العمل، الجمهور يعرف انها لم تصمد وما كانت تساوي الورق الذي وقعت عليه. 

لقد اكتسب سكان الشمال باستقامة الحق في التفكير بان الحكومة، الجيش وجهاز الامن – يخادعونهم. هذا حسن تماما، واضح أنه سيستغرق الحال زمنا آخر الى أن تبنى الثقة من جديد. وحتى عندها، فان هذه على ما يبدو ستكون بشكل جزئي.

ولا يزال، ينبغي التوقف للحظة لنرى الصورة الكبرى لكل ما حصل في الجبهة الشمالية. 

إذ انه، مثلما في لعبة الشطرنج، اتخذت هنا خطوات بعيدة المدى.

الخطوة الأهم هي ما خلقته إسرائيل في الحرب. فقد ضعضعت النظام السياسي في لبنان. اضعفت بشكل كبير قوة حزب الله والطائفة الشيعية. والان المستوى السياسي الإسرائيلي ملزم بان يجري خطوة دبلوماسية واسعة يمكنها أن تغير وجه الشرق الأوسط كله. 

كما أن إسرائيل حطمت لإيران طوق الخنق الذي بنته حولها في سنوات. إسرائيل أبقت حماس وحدها، ايران مكشوفة، اما سوريا فتلقت رسائل واضحة: “اختاروا جانبا”. الرسالة من يوم امس الى سوريا هي انه اذا اخترتم جانب حزب الله، فانتم تلعبون بالنار.

ان مسألة تصميم ترتيبات الامن على حدودنا الشمالية، على حدود سوريا – لبنان، في البقاع او في الضاحية – هي شأن إسرائيلي فقط. 

بالضبط مثلما تعمل إسرائيل في الجو، في البر وحسب منشورات اجنبية في البحر أيضا، في المجالات السورية، هكذا ينبغي لها أن تعمل في لبنان في كل مرة يحاول فيها حزب الله او أي منظمة إرهاب أخرى تحديها.

لقد استعادت إسرائيل لنفسها بالخطوات الأخيرة غير قليل من الثقة بالذات، من الردع في الحي ومن الكرامة الذاتية. والان عليها أن تترجم كل هذا الى خطوات أخرى. حقيقة أنه حسب منشورات اجنبية يجري رئيس الشباك رونين بار اتصالات في تركيا ليست موضوعا هامشيا. فحكم الرئيس رجب طيب اردوغان يفهم جيدا ما حصل هنا في الشهرين الأخيرين. كما أنه يفهم ما سيحصل هنا قريبا. ليس صدفة انه يسمح بالاتصالات، وبهدوء تام دخل الى دور الوسيط في صفقة مخطوفين.

في الشرق الأوسط من المهم للمرء ان يعرف كيف يلعب الشطرنج. لكن من المهم أيضا ان يعرف كيف يقلب الطاولة أحيانا وان يلعب النرد – وهي اللعبة التي يعرفها الناس في حارتنا جيدا.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 28/11/2024

الإسرائيليون: هل انتصرنا على “حزب الله” أم استسلمنا لنتنياهو وأكاذيبه؟

بقلم: آفي شيلون

اتفاق وقف النار مع لبنان جيد، وردود الفعل السلبية عليه تتمثل بعقاب نتنياهو على إغراق الخطاب بأكاذيب عن “النصر المطلق”. فالاتفاق ينبغي أن يفحص وفقاً للوضع الذي سبقه. لقد نسينا، لكن حزب الله كان يعتبر قبل الحرب خطيراً لدرجة أن الخوف من حرب معه كان من المبررات المركزية، مثلما كشف جاريد كوشنر، صهر ترامب، للامتناع عن المواجهة مع إيران. أما اليوم فواضح أن حزب الله لم يعد تهديداً. وأكثر من هذا: عقب تصفية قيادته، بات في موقع دون، ليس فقط حيال إسرائيل بل حتى حيال باقي الفصائل في المجتمع اللبناني.

 لقد أصابت تفجيرات أجهزة البيجر المستويات الوسطى لحزب الله أيضاً، واجتث سلاحنا الجو آلاف الصواريخ، والمناورة البرية في القرى المجاورة للحدود أزالت تهديد الاجتياح. إذا كانت هناك حاجة لمبرر إضافي لإيضاح النصر، يكفي أن نتذكر بأن نصر الله تعهد، بغروره وانطلاقاً من تقديره بأن إسرائيل ضعفت بعد 7 أكتوبر، بإطلاق النار ما دام الجيش الإسرائيلي في غزة. إن تغيير حزب الله لموقفه هو، عملياً، استسلام. وعليه، فبعد أكثر من سنة من معاناة لسكان الشمال، اختارت إسرائيل بحكمة تفادي الإنجاز العسكري باتفاق يضمن هدوءاً للسنوات التالية على الأقل.

 بالطبع، كان ممكناً تحقيق أكثر لو تبنى نتنياهو موقف غالنت والجيش في الأسبوع الأول للحرب وانطلق ضد حزب الله في السنة التي انقضت. لكن هذا لم يحصل. وهذا أيضاً أحد أسباب معارضة نتنياهو للجنة تحقيق رسمية ولمحاولات تشويش بروتوكولات أيامها الأولى. فتزوير البروتوكولات خطير على نحو خاص؛ إذ ليس معداً فقط لإخراج نتنياهو جيداً في نظر الجمهور، في حالة تشكيل لجنة تحقيق، بل معد لتضليل حتى المؤرخين الذين سيسعون لاحقاً لاستيضاح ما حصل. هذه محاولة كذب على الأجيال.

 المفارقة أن ثقافة الكذب إياها تمنع نتنياهو الآن من التباهي بإنجاز جدير، وهو مضطر لتسويق الاتفاق كوقف نار مؤقت معد فقط لفحص حزب الله إلى حين توريد سلاح إضافي. يتلوى نتنياهو في تفسيراته لأنه لو أصر على “النصر المطلق” في غزة – حيث هناك هزمت حماس تماما الآن – فلماذا لا يتوقع الإسرائيليون “نصراً مطلقاً” على حزب الله أيضاً.

 لا يوجد شيء كهذا. لا شيء مضمون للنصر بالقوة، وحتى الكتب المقدسة فسرت النصر بآية: “وتهدأ البلاد لأربعين سنة”. عملياً، في حرب الأيام الستة أيضاً، النصر اللامع في تاريخنا، لم ندمر جيوش مصر وسوريا والأردن بالكامل. فضلاً عن ذلك، النصر لم يمنع الجيوش العربية من التطلع إلى إعادة البناء، وهكذا نشبت حرب الاستنزاف مع مصر، ثم حرب يوم الغفران. لم نحقق النصر المطلق على مصر إلا في 1979، بتوقيع اتفاق السلام معها. بالشكل ذاته، فإن ما ينبغي عمله من الآن فصاعداً لتحييد حزب الله تماماً هو العمل، بمساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى، على تعزيز لبنان وإضعاف مكانة حزب الله فيه إلى أن نتمكن في المستقبل من التوقيع على اتفاق سلام مع لبنان مستقر.

 إن زعامة شجاعة ينبغي لها أن تقول للجمهور بصدق إن الحروب الناجحة تنتهي باتفاقات ناجحة. أما نشر الرواية عن “النصر المطلق” فمخادعة للجمهور، تسمح للسياسيين الآن بانتقاد اتفاق ناجح وتمنعنا جميعاً عن مدخل لمستقبل أفضل في الشرق الأوسط.

——————————————–

هآرتس 28/11/2024

قانون يقيد حق العرب في الانتخاب والترشح

بقلم: أسرة التحرير

مشروع قانون النائب حانوخ ميلبسكي من الليكود، الذي يقيد حق المواطنين العرب في الانتخاب والترشح حتى في الانتخابات للسلطات المحلية أجيز أول من أمس بالقراءة العاجلة. ينضم هذا التشريع إلى شقيقه التوأم البشع، الذي  العمل جار عليه هو أيضا، بالنسبة لتوسيع علل شطب قوائم ومرشحين في الانتخابات العامة، في إطار تعديل القانون الأساس: الكنيست.

مشروع قانون النائب ميلبسكي يوسع إمكانية شطب قوائم أو أفراد من المشاركة في الانتخابات المحلية. حتى الآن فرضت قيود لثلاث علل ممكنة: إذا كان يوجد في أهدف أو أفعال القائمة، صراحة أو ضمنا، رفض وجود دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي؛ رفض الطابع الديمقراطي للدولة؛ أو تحريض على العنصرية. أما الآن، فقد وسعت الإمكانيات أيضا بالنسبة للمرشح الفرد، وليس فقط القائمة.

كما أضيفت علة “تأييد الكفاح المسلح، لدولة عدو أو لمنظمة إرهاب، ضد دولة إسرائيل”. كما أعطيت أيضا إمكانية لمجلس السلطة – جسم سياسي – لأن يوقف ولاية عضو مجلس (بأغلبية 80 %). يتضمن مشروع القانون أيضا مادة غامضة أخرى تنذر بالشر وبموجبها، فإن تفاصيل بشأن قرار بشطب ولاية أو بحث فيه في المجلس أو في المحكمة العليا يقررها وزير الداخلية ووزير العدل. يدور الحديث مرة أخرى عن تعميق السيطرة السياسية الفظة على حق الانتخاب والترشح وخلق آلية تسمح بالدفع خارجا قوائما ومرشحين عرب لا يروقون للحكم.

غاية مشروع القانون واضحة ويقلص الإمكانية للترشح للانتخابات المحلية من قبل مندوبين عرب لا يروقون للحكم والانتخابات المحلية، هي خطوة في الطريق إلى الانتخابات العامة. ومع أنه ليس القلق من “تأييد الإرهاب” هو الذي يوجه خطى واضعي مشروع القانون ولا حتى العنصرية أيضا. فبعد عدم نجاح اليمين في خمس حملات انتخابية في الحصول على 61 مقعدا، بسبب مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات، فإن الفكر الميكافيلي للحكم – المعني بتثبيت حكمه ومنع إمكانية تبادل الحكم – هو للتقليص قدر الإمكان من رغبة المواطنين العرب بالمشاركة في الانتخابات.

إن المس بحرية الانتخابات التي هي حجر أساس في مبنى الديمقراطية هو هدف وليس فقط وسيلة لمتآمرين ضد شكل النظام في إسرائيل. على الكفاح ضد مشروع القانون المرفوض والعنصري هذا أن يجري بكل الأدوات الممكنة: في الكنيست، في المحكمة، في الإعلام، في الرأي العام، في احتجاج جماهيري واسع النطاق. إذا ما أقر مشروع القانون هذا وأمثاله، فلن تتمكن كل طبقات الطلاء من أن تغطي البشاعة والوصمة الإضافية على وجه الدولة.

——————انتهت النشرة——————