أهم الاخبارإسرائيليات

جدعون ليفي : لقد حان الوقت لنتحرر أخيرا من الخوف الوجودي الوهمي الذي حقنوه في شراييننا

المسار : الخوف رضعناه مع حليب أمهاتنا. حملات التخويف ترافقنا منذ بداية شبابنا. تاريخ الدولة هو ايضا تاريخ حملات التخويف من كل ما يتحرك (وكل ما لا يتحرك) في الشرق الاوسط. بين حين وآخر حملات التخويف تتحطم عبر نفخها عندما يتبين أنهم خوفونا من لا شيء – ظل الجبل، جيش حفاة، جيش فزاعات. مع ذلك، الخوف يواصل التدفق في شرايين كل اسرائيلي كما حقنوها به – الجميع يريدون القضاء علينا.

هذا الخوف، الذي جزء منه له اساس وجزء ليس له اساس، يوجد له الكثير من الوظائف مثل تحصين المجتمع وتجنيده وتجييشه وتوحيده امام الخطر المشترك، ووضع جانبا مواضيع مهمة اخرى وابتزاز ميزانيات ضخمة من اجل جهاز الامن. منذ اسطورة “القليل ضد الكثير” من العام 1948، التي كانت كاذبة على الاقل في حد ما، وحتى انهيار الجيش السوري في الاسبوع الماضي مثل برج من ورق، تبين أن معظم حملات التخويف كانت فارغة ومتلاعبة.

في أيار 1967 الأمهات عندنا اغلقن نوافذ المدارس بالورق اللاصق، ونحن قمنا بملء اكياس الرمل ووضعناها في كل بيت درج. بعد مرور ربع قرن على الكارثة، مرة اخرى هي تحلق في الجو. على شاطيء البحر في تل ابيب قاموا بحفر مقابر جماعية، الجميع خافوا من الابادة. النهاية جميعنا نعرفها. وفي 1973 كان الخطر واقعي اكثر، لكن في حينه تبين أن قوة اسرائيل العسكرية يمكنها التغلب على اسوأ مفاجأة.

في حرب الخليج طلبوا منا وضع قطع قماش مبللة على عتبة الباب، ارتدينا الكمامات الواقية، الاطفال قمنا بادخالهم الى اجهزة تعذيب مختلفة ضد الغاز. كثيرون هربوا من بيوتهم الى المنطقة الانسانية في ايلات، مثل المواصي لاسرائيل في حينه. كارثة اخرى كانت في الاجواء، اقرب من أي وقت مضى. ايضا هذا قمنا باجتيازه بسلام. لكن حاكم العراق في حينه، صدام حسين، لم يكن لديه سلاح كيميائي.

بعد ذلك انتقلوا الى تخويفنا من لبنان وغزة. كل من لديه حسكة في القطاع اطلقوا عليه “قائد سلاح البحرية” في حماس. وكل من لديه طائرة ورقية اطلقوا عليه “قائد سلاح الجو”. في الانتفاضة الثانية قتل الجيش الاسرائيلي طفل في الخليل. في الاخبار قالوا إنه كان شخص كبير في الجهاد الاسلامي. التقارير عن قوة الصواريخ الضخمة لحزب الله اصابت بالدوار كل اسرائيلي وأدخلته الى حالة ما قبل الصدمة. الرعب مرة اخرى رفع رأسه. التنبؤات الموثوقة زادته: عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة ستسقط في اسرائيل، آلاف القتلى في تل ابيب. في نفس الوقت استمرت بكامل القوة حملة التخويف من النووي الايراني. لا حاجة للتحدث اكثر عن ذلك.

بعد ذلك جاءت السنة الاخيرة. في 7 اكتوبر تفاجأنا من قدرات حماس. ولكن في نهاية اليوم، المخيف والفظيع، فعلت كل شيء وهي تركب في سيارة تندر وعلى دراجة. في 7 اكتوبر لم يتم اظهار قدرة خارقة لحماس، بل فشل مطلق للجيش الاسرائيلي. باستثناء منظومة الانفاق لم يتم اكتشاف في غزة أي دليل على قوة عسكرية، وبالتأكيد قوة عسكرية يمكنها التغلب على الجيش الاسرائيلي. عندما انتقلت المعركة الى الشمال كانت المفاجأة اكبر. فقد تبين أن حزب الله ايضا بعيد عن أن يكون الفيتكونغ. وتبددت كل نبوءات الغضب حول التدمير المطلق الذي ستتسبب به صواريخ حزب الله. بعد ذلك اشتعلت المعركة في سوريا، وتبين ايضا أن جيشها ليس إلا نمر من ورق. شبكة مواقعه المتركة على طول الحدود لم تكن إلا مجموعة من الاحواش، واكثر مما هددت اسرائيل اثارت الشفقة على الجنود السوريين.

خلال تلك السنين وقفت اسرائيل امام اخطار أمنية وتحديات غير قليلة. لا أحد يستخف بها. ولكن الصلة بين ما خوفونا منه وبين ما ظهر مؤخرا كانت دائما ضعيفة. اسرائيل هي دولة عظمى عسكرية اقليمية، بدون أي منافسة حقيقية. هذا الامر توجد له تداعيات، من بينها هو أنه حان الوقت اخيرا للتحرر من الخوف الوجودي السخيف الذي يرافق كل اسرائيلي من الولادة وحتى الموت. بعد التحرر من الخوف سيكون بالامكان البدء في التفكير بطريقة مختلفة.