المسار : كرر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مرة أخرى، تصريحا له يهدد بأن «أبواب الجحيم ستفتح على مصاريعها» في قطاع غزة ما لم تحل قضية الأسرى الإسرائيليين الذين اعتقلتهم حركة «حماس» خلال عملية «طوفان الأقصى» بحلول موعد تنصيبه.
يلخّص هذا التصريح أسلوب ترامب الذي يقوم على اعتقاد غامر بأنه يستطيع الانتصار في كل معركة سياسية أو قضائية أو شخصية يخوضها من خلال قدراته العقلية، الخطابية، والتجارية، الفريدة، وحين يتفاجأ بفشل كبير أو صغير فإنه ينكر ذلك بكل الطرق الممكنة، معتبرا ما حصل مؤامرة شخصية ضده، وينطبق الأمر على قضايا محاكماته الشخصية، التي ترافقها اتهامات لمتهميه ومحاميهم ودعوات لعزل القضاة الذين يقاضونه، أو على القضايا الأمريكية، كما حصل في خسارته للانتخابات الرئاسية عام 2020 أمام جو بايدن، ودفع رفضه الإقرار بهزيمته وتحريضه ضد النتيجة لهجوم أنصاره على مبنى الكونغرس في كانون ثاني/يناير 2021، محاولين قلب نتائج الانتخابات الأمريكية.
استخدم ترامب هذا الأسلوب نفسه في خطته التي علّق عليها آمالا كبيرة خلال ولايته الرئاسية الأولى، باقتراح حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهي مشكلة تاريخية هائلة التعقيد والخطورة، عبر ما يسمى «صفقة القرن».
من مهازل التاريخ أن إدارة بايدن، دعمت بدورها خطة ترامب عبر الترويج لما يسمى «السلام الإبراهيمي» مع الدول العربية وتجاهلت المسألة الفلسطينية برمتها، ولكن حين انهارت الخطة تماما بالشكل الانفجاري الذي حصل في 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023، وفاز المرشح الجمهوري العتيد مجددا في الانتخابات الرئاسية، فإن ترامب في نسخته الجديدة، الممتلئ قوة، وإحساسا بالنجاح، ورغبة بتطبيق أفكار أكثر تطرفا بكثير، عاد الآن ليس لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بل لدعم حكومة بنيامين نتنياهو، الأكثر دموية وشراسة وعنصرية في تاريخ حكومات إسرائيل، ولتهديد الضحايا الذين يتعرّضون للإبادة، بـ«فتح أبواب جهنم» ضدهم لـ«حلـ»المشكلة، التي تقزّمت من كونها صفقة شاملة للعرب مقابل الاستغناء عن الفلسطينيين، لتصبح قضية إطلاق «الرهائن» الإسرائيليين (الذين ما كان على «حماس» أن «تأخذهم» في الأساس، كما قال في تصريحه الأخير).
هدد ترامب، في تصريحات متزامنة، باستخدام القوة الاقتصادية والعسكرية لضم غرينلاند، وهي جزيرة هائلة المساحة (تزيد مساحتها عن 2 مليون كيلومتر مربع) تابعة للدنمارك، وكذلك بضم قناة بنما، الشديدة الأهمية عالميا لربطها بين المحيطين الهادئ والأطلسي، والتابعة لدولة بنما في أمريكا الجنوبية، كما أعاد تصريحاته المطالبة بانضمام كندا، وهي إحدى الدول الغنية الكبرى، اقتصادا ومساحة.
من الصعب قراءة تصريحات ترامب حول غزة، ضمن السياق العالمي لرغباته في «ضم» البلدان والجغرافيات، وعبر اعتبار ما يحصل في القطاع باعتباره «قضية إطلاق الرهائن» وتجاهل «أبواب الجحيم» المفتوحة فعليا على الفلسطينيين هناك، إلا باعتبارها ترخيصا من ترامب للإبادة الجماعية للفلسطينيين، وإفلات غرائز التوحّش ضدهم، وهو أمر لم يكفّ نتنياهو وشركاه في الحكومة، أصلا، عن تطبيقه.
المصدر : القدس العربي