فلسطينيمقالات

الضفة ليست لقمة سائغة وعلى القيادة مراجعة مواقفها

كتب: فادي البرغوثي

كثير من الناس يظن ان الضفة سهلة الإبتلاع يمكن أن ينفذ فيها الاحتلال ما يشاء من مخططاته وإجراءاته، لكن من يعتقد ذلك لا يعرف الضفة ولا يعرف الشعب الفلسطيني التي من السهولة ان يتحول فيه الشعب إلى خزّان بارود ينفجر في وجه الاحتلال اذا ما شعرت المواطنون بالخطورة على حياتهم ومستقبلهم في هذه الأرض.

اما الحديث على ان هناك جزء من الشعب الفلسطيني مناضل وجزء غير مناضل فهذا وهم كبير فجميع شعبنا بدون استثناء مناضل، وهذا ليس دفاعا عن احد إنما من واقع التاريخ المشرف فمثلا الانتفاضة الأولى لم تختصر على منطقة دون الأخرى فجميع الأراضي الفلسطينية كالضفة الغربية وقطاع غزة كانت في خضم عمل انتفاضي عظيم، وكذلك الانتفاضة الثانية التي لا شك أن الضفة لعبت فيها دورا اساسيا لا يمكن لأحد تجاهله.

وقد ظلت الضفة بين لحظة واخرى تثور كهبات ضد الاحتلال بواقع بين كل هبة، هناك هبة أخرى كما انها قدمت من البطولة أساطير تستحق الإشادة كانتفاضة السكاكين أو الانتفاضات التي منعت تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا وهبة الوبابات التي أضطر الاحتلال لإزالة البوابات الإلكترونية عن الأقصى، والعمليات الفردية التي يسميها الاحتلال “الذئاب المنفردة”، التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ناهيك عن تجمعات المقاومة في جنين وطولكرم وطوباس ونابلس وغيرها.

اما السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين، لماذا لا لم تثور الضفة الغربية خلال طوفان الأقصى؟

في الواقع هذا التساؤل فيه تجني كبير على أهالينا في الضفة، حيث لا يوجد مكان في الضفة يقتحمه الاحتلال إلا يواجه بالحجارة وعبوات المولوتوف والمواجهات بالحجارة والسلاح أحيانا، ولا يوجد صدى لذلك، وهذا نابع باعتقادي من عدم وجود قيادة تدفع هذا العمل وتتبناه وحتى تعلن عنه أو تملك من الجراءة لتحوله إلى عمل منظم أو مأطر كما كان في الانتفاضتين السابقتين.

وعطفا على ذي قبل فإن الأمور لا يمكن التعامل معها بنفس الأدوات السابقة التي يمكن لها ان تتجاوز القيادة التقليدية التي لا اقصد فيها العشائر بطبيعة الحال إنما القيادة التقليدية الحالية التي تقود الضفة الغربية ولا ترى ما يجري على أرض الواقع أو ما يقوم به الاحتلال وفق مخطط ليس حبيس الأدراج إنما هو مخطط معلن عنه ويقوم الاحتلال بطبيقه على قدم وساق.

ووفقا لذلك فإن ما يجري في جنين أو في أي منطقة اخرى هو ارهاصات ومقدمة لمرحلة جديدة تتجاوز هذه القيادة التي فقدت مشروعها المتمثل في الدولة وحق العودة بينما ظلت متمسكة في حبل السلام الذي قُطع عدة مرات أمام إجراءات الاحتلال.

في هذا الإطار فإنه يمكن أن تتشكل قيادة جديدة تتجاوز القيادة القديمة كما تجاوزت قيادة فتح عام ١٩٦٥م الهيئة العربية العليا التي قادت النضال الوطني الفلسطيني مع ان هذه الهيئة ما زالت مكاتبها في الخارج موجودة ولها موظفيها ولكن لا يوجد لهم فعل أو ربما من يقرأ هذه السطور يستغرب انها موجودة أو ان البعض لم يسمع فيها بالأصل لكن هذه الهيئة هي من قادت ثورة ١٩٣٦ م وكما ان جنودها دافعوا عن فلسطين في المعارك منها ما فعله عبد القادر الحسيني في معركة القسطل لكن هذا التاريخ المشرف تم تجاوزه حينما فقدت الهيئة القدرة على العمل الوطني واستمراره بينما ظلت بالواقع جسم مشلول لا يقوى على الحركة بينما جسم المجموعات الفدائية هي التي اخذت الشرعية من واقع العمل .

هنا لا بد من القول ان شريعيتك الحقيقية ماخوذة من نضالك وليس من اعتراف عدوك فيك خاصة ان هذا العدو أصبح ينظر إليك نظرة تابع وخادم وهو لا يريد ان يعطيك شيئا وقد تختار بدلا من السلام الاستيطان والضم .

في هذا الإطار يصبح الحديث عن ابتلاع الضفة والمضي في المخطط دون مواجهة للاحتلال أمرا غير وارد فالناس كما قلت هي بالأصل منتفضه لكن مطلوب قيادة تطور العمل وتتبناه واذا لا يوجد قيادة في النهاية ستخلق الناس قيادة منظمة ربما تكون سرية على نمط الانتفاضة الأولى في الضفة بينما الخارج سيعود ترتيب صفوفه للوضع الجديد وربما وجود خروج المعتقلين أصحاب المؤبدات سيسرع في هذا التصور كما ان غزة لن تكون بعيدة وستعبر عن نفسها لكن ضمن ظروفها الناشئة لكن الضفة ستكون مسرح الأحداث القادمة لمواجهة مخطط تهويدها وضمها بالكامل.

واخيرا لا بد من الإشارة إلى أن الذي أضعف منظمة التحرير وابنتها السلطة ليس القوى المعارضة كما يظن البعض إنما من أضعف المنظمة الاحتلال الذي تنكر لها ولم ينفذ اتفاقياته معها ومن جهة أخرى وجود قيادة سيطرت على المنظمة لا ترغب في المواجهة وتتهرب من مسؤوليتها الحقيقية تجاه شعبها وتجاه الاحتلال وهي متمسكة في سلام مع قيادة فاشية مجرمة لا مشروع لديها الا الاقتلاع والضم.

اما الشعب لا يمكن أن يبقى متفرجا على اقتلاعه من أرضه وحينها سيقاوم بكل عزيمة وإصرار وهو لن يكون لقمة سائغة سهلة البلع والقيادة الفلسطينية اذا لم تلحق الركب فإن الأمور للأسف ستتجاوزها كما تم تجاوز الهيئة العربية العليا برغم من تاريخها المشرف.

المصدر …. وكالة وطن للانباء