
المسار : ماذا لو أن الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، اقترح اقامة معسكرات ابادة لسكان قطاع غزة؟ ما الذي سيحدث عندها؟ يمكن الافتراض أن دولة اسرائيل سترد بالضبط كما ردت على فكرة الترانسفير لترامب: نشوة في اليمين، لامبالاة في الوسط، يئير لبيد يعلن أنه سيساعد واشنطن على طرح “خطة مكملة” كما تطوع بفعله بالنسبة لخطة الترانسفير. بني غانتس سيقول عن الخطة بأنها “تفكير ابداعي، اصيل ومثير الاهتمام”. بتسلئيل سموتريتش بمسيحانيته سيقول “الله احسن صنعا لنا لأنه جعلنا سعداء”. بنيامين نتنياهو سيرتفع في الاستطلاعات.
السؤال المطروح لم يعد سؤال افتراضي. ترامب لن يقترح معسكرات ابادة بالاسم الصريح، لكنه صادق في السابق لاسرائيل على مواصلة الحرب التي لم تعد حرب، بل هجوم بربري على ارض مدمرة. اسرائيل لن تتراجع، لأن ترامب صادق على ذلك. صحيح أنه لا أحد قام وقال للرئيس الامريكي شكرا على افكارك، لكن اسرائيل لن تؤيد في أي يوم طرد الفلسطينيين من قطاع غزة. اذا كان الامر هكذا فمن أين جاءت الثقة بأنه اذا اقترح ترامب الابادة لمن يرفضون اخلاء غزة فان اسرائيل لن تتعاون معه.
بالضبط مثلما كشف ترامب مشاعر الترانسفير التي تنبض في قلب كل اسرائيلي تقريبا، من اجل حل “بمرة واحدة والى الأبد” المشكلة، فان من شأنه أن يكشف عن لبنة اكثر ظلامية، مشاعر إما نحن أو هم. ليس بالصدفة أصبح شخص مشكوك فيه مثله معلم للشريعة في اسرائيل. هو بالضبط ما رغبنا فيه وما حلمنا به: مبيض الجرائم. وسيتبين أنه الرئيس الامريكي الذي تسبب لاسرائيل بأكبر ضرر شهدته في حياتها. لقد كان هناك رؤساء ضيقوا ايديهم في تقديم المساعدات لنا، وآخرون هددونا. حتى الآن لم يأت الرئيس الامريكي الذي يقول بأنه يجب علينا تدمير ما بقي من الاخلاق الاسرائيلية. من الآن فصاعدا فان كل ما يصادق عليه ترامب يعتبر المواصفات والمقاييس الاسرائيلية.
الآن ترامب يدفع اسرائيل نحو استئناف الهجمات في القطاع، ووضع شروط تعجيزية امام حماس. جميع المخطوفين يجب اطلاق سراحهم في يوم السبت القادم في الساعة الثانية عشرة، ليس بعد ذلك بدقيقة، مثلما في المافيا. واذا تمت اعادة فقط ثلاثة مخطوفين مثلما ينص الاتفاق، فان ابواب جهنم ستفتح، وهي لن تفتح فقط على قطاع غزة الذي سبق وتحول الى جهنم، بل ستفتح ايضا على دولة اسرائيل. فهي ستفقد آخر معتقليها. ترامب سمح بذلك. ولكنه سيذهب ذات يوم وربما سيفقد اهتمامه قبل ذلك، واسرائيل ستبقى مع اضرار، اضرار دولة مجرمة ومنبوذة. أي دعاية أو أي اصدقاء لن يتمكنوا من انقاذها اذا سارت على ضوء وحيها الاخلاقي الجديد. أي اتهام باللاسامية لن يسكت صدمة العالم اذا سارت اسرائيل الى جولة اخرى للقتال في غزة. لا يمكن المبالغة في شدة الاضرار، استئناف الهجمات في القطاع، بموافقة وبصلاحية من الادارة الامريكية، يجب وقفه في اسرائيل، الى جانب النضال الكبير من اجل المخطوفين يجب البدء في نضال جديد هنا، ضد ترامب وافكاره الرخيصة. ولكن ليس فقط أنه ليس هناك من يقود هذا النضال، بل ايضا لا يوجد من يبدأه. النضال الوحيد الذي يجري هنا من اجل اطلاق سراح المخطوفين وازاحة نتنياهو هو نضال مهم، لكنه غير كاف.
إن استئناف الحرب هو الكارثة الاكبر التي تقف على الباب وتبشر بالابادة الجماعية. الآن لم يعد هناك أي نقاش حول التعريف: كيف ستكون الحرب اذا لم تكن هجوم على عشرات آلاف اللاجئين المعوزين؟ ماذا سيكون معنى منع المساعدات الانسانية، الوقود، الدواء والمياه، اذا لم يكن ابادة جماعية. ربما أن الـ 15 شهر الاولى من الحرب كانت فقط المقبلات، والـ 50 ألف قتيل الاوائل كانوا المقدمة.
اسألوا كل اسرائيلي وسيقول لكم بأن ترامب هو صديق لاسرائيل. ولكن ترامب هو عدو اسرائيل الاكثر خطورة الآن – حماس وحزب الله لن يفسدا اسرائيل أكثر منه – لأنه أمر بتدمير ما تبقى من الاخلاق الاسرائيلية.